د. جمال شقرة - أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر- بجامعة عين شمس
د. جمال شقرة - أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر- بجامعة عين شمس


يوميات الأخبار

حوار وطنى بلا إخوان

الأخبار

الإثنين، 23 مايو 2022 - 05:31 م

كتب: د. جمال شقرة

طوال سنوات حكم الرئيس مبارك نجحت الجماعة فى اختراق كل مؤسسات الدولة كما نجحت فى توفيق علاقاتها بأجهزة المخابرات الغربية

هل يجوز أن نعمم الحكم فيصبح كل من انتمى لجماعة الإخوان التى تأسست عام 1928 انتهازيا وإرهابيا ؟ أم اننا نظلم الجمهور الغفير الذى انضم إليها ثم هجرها بعد ان اكتشف إنه غُرر به ، وإنها ليست جماعة دينية كما أدعى مؤسسها حسن البنا ( تعمل لوجه الله ) وإنما هى جماعة سياسية تستخدم كل الغايات والوسائل لتصل إلى السلطة .

الحقيقة إن التعميم خاطئ ، وأن هذا الوصف إنما ينطبق على قيادات الجماعة وكوادرها سواء القيادات والكوادر ورجال الصف الثانى ، وأعضاء التنظيم السرى ، التى عاصرت المؤسس حسن البنا ، والقيادات والكوادر التى تتابعت على مر تاريخها حتى اليوم ، تلك القيادات التى لم تغير نهجها ووسائلها.
قد يقول قائل إن كلاً من يعمل بالسياسة ( انتهازى ) وإن السياسة هى فن الممكن ، فن اقتناص الفرص لتغيير الواقع ، لكنها ليست ( نجاسة ) كما وصفتها جماعة الإخوان .

ويكاد ينعقد الإجماع على كراهية ورفض السلوك الانتهازى وأهمية التزام الأحزاب والجماعات التى تعمل بالسياسة ببعض المبادئ العامة التى توجة العمل السياسى ، على الأقل لكون السلوك الانتهازى سلوك قصير النظر ضيق الأفق ، يهدف إلى تحقيق مكاسب أنية لمصلحة شخص أو جماعة دون النظر إلى المستقبل والمصلحة العامة ، فضلاً عن أنه يتجاهل عمداً العلاقة بين المبادئ العامة المتفق عليها بين غالبية أفراد المجتمع .

ومن هذه الزاوية وقعت جماعة الإخوان طوال تاريخها فى تناقض يصعب تفسيره أو رفعه ، فالسياسة عندهم ( نجاسة ) كما ذكرنا لكنهم يتجرعون كأسها حتى الثمالة ، ويمارسونها متبعين أسوأ أساليبها ووسائلها ، لذلك كان صدامهم الأخير فى 30 يونيه فى الحقيقة مع المبادئ العامة التى رسخت فى الضمير الجمعى للشعب المصرى الذى ( عركته خبرات سبعة آلاف سنة ) .

لقد حاولوا (انتهاز) فرصة عجز الأحزاب السياسية وكل القوى السياسية والاجتماعية التى فشلت طوال الثلاثينيات والأربعينيات من القرن العشرين فى تحقيق حلم الشعب المصرى فى الحرية والاستقلال ، وراهنوا على الضباط الوطنيين فى الجيش المصرى ، ونجحوا - حسب تقارير المخابرات الحربية والبحرية - ووفقاً لما جاء فى المذاكرات السياسية التى نشروها ونشرها الضباط الأحرار ، نجحوا فى اختراق الجيش وضم عدد من الضباط وضباط الصف والجنود لصفوف الجماعة .

***

كان الضباط الذين دخلوا الجيش بعد معاهدة 1936 من أبناء الطبقة الوسطى قد لحقتهم يد السياسة ،وشاركوا فى التظاهرات ضد سلطة الاحتلال البريطانى قبل عام 1952 ، وكان قد هالهم فساد النظام ، وضعف الملك ، وتجبر المحتل الذى تمترس فى قاعدة القناة محتمياً بثمانين ألف جندى ، وبأحدث أسلحة الإمبراطورية التى لا تغيب عنها الشمس .

وكان يحزنهم تدنى أوضاع الفلاحين والعمال وأهاليهم الذين يشكلون قوام الطبقة الوسطى ، كما كانوا يشعرون بالخزى والعار كلما قرأوا عن فضائح الملك الذى يلهو فى المنتجعات والشواطئ الأوروبية ، وشعبه يوصف بأنه شعب ( حافى ) تعيش قراه ومدنه حياة تعيسة تشبه حياة العصور الوسطى المظلمة ، نتيجة لاستغلال كبار ملاك الأراضى الزراعية والرأسمالية المصرية والمتمصرة والأجنبية .

لذلك عرفت السياسة طريقها إلى الضباط وكان لزاماً عليهم أن يخططوا لإنقاذ مصر قبل أن تنهار ، ونجح جمال عبد الناصر ، بعد أن فهم طبيعة الحركة السياسية والاجتماعية فى مصر ، وبعد أن خبر أفكار وأهداف الجماعات الإيدولوجية بما فيهم جماعة الإخوان ، نجح فى وضع نواة لتنظيم الضباط الأحرار عام 1945 وأكد للضباط التسعة الذين شكلوا مبكراً الهيئة التأسيسية للتنظيم الوليد ، أن التنظيم تنظيم منفصل عن الأحزاب والقوى السياسية والإيديولوجية المدنية ، ثم عاد وأكد ذلك مرة ثانية فى اجتماع مهم للهيئة التأسيسية عام 1951 وهو الاجتماع الذى رفض فيه ارتباط بعض أعضاء لجنة القيادة - مجلس قيادة الثورة فيما بعد - بجماعة الإخوان أو بالمنظمات الماركسية .

إلا أن جماعة الإخوان بعد نجاح الثورة ليلة 23 يوليو 1952 سعت لانتهاز الفرصة وادعت بأن الثورة ثورتهم وإنهم شركاء للضباط الأحرار ، الأمر الذى دفع جمال عبد الناصر إلى الاتصال ببعض أصدقائه من الصحفيين ومطالبتهم بالكتابة والتأكيد على أن الثورة ( ثورة ضباط وطنيين ليس لهم أى علاقة بجماعة الإخوان ) وأن الجماعة تحاول إيهام الشعب المصرى بعكس ذلك ، وخلال الشهور الأولى للثورة أتضح التناقض الشديد بين الجماعة والضباط ، وهو ماعبر عنه جمال عبد الناصر فى خطبه وتصريحاته ، عندما أشار إلى أن : (الإخوان والثورة يشبهان قطاران يسيران على قطبان متوازية ولن يلتقيا أبداً ) لذلك أصدر مجلس قيادة الثورة قرار حل الجماعة يناير 1954 وانتهت الجولة الأولى من جولات الصراع بين الطرفين بحادث المنشية ، حيث حاولت الجماعة اغتيال جمال عبد الناصر يوم 26 يوليو 1954 ، ورغم إعدام المتآمرين والقبض على قيادات الجماعة وكوادرها ومحاكمتهم وإيداعهم السجون ، ورغم خروج كثير من شباب الجماعة من صفوفها وانخراطهم فى مؤسسات الدولة بعد اقتناعهم بسياسات جمال عبد الناصر ، خاصة بعد أزمة السويس والعدوان الثلاثى على مصر 1956 ، إلا أن الخلايا النائمة للجماعة تلقفت كتاب ( معالم فى الطريق ) الذى كتبه سيد قطب وهو فى مستشفى السجن ، وأسست التنظيم الذى عرف بتنظيم 1965 ، وكانت الجولة الثانية فى صراع الإخوان مع الدولة المدنية والجمهورية الأولى التى أسسها الضباط الأحرار .
كان الصدام من وجهة نظر الجماعة بين ( فسطاطين ) فساط الكفر وفساط الإيمان أو بين دولتين الدولة العلمانية الكافرة ، ودولة الإيمان أو دولة الخلافة التى تدعو لها الجماعة .

وهزمت الجماعة مرة ثانية وأعدم سيد قطب وكونت العناصر التى تجاهلتها أجهزة الأمن والعناصر التى لم تكتشف علاقتها بالجماعة ، خلايا نائمة أشرف على ( تنظيم الأسر ) الذى كان ينفق على أسر الإخوان المعتقلين كما خطط لاغتيال ( عدوهم اللدود ، العلمانى الكافر ، جمال عبد الناصر ) وذلك بالتعاون مع أجهزة مخابرات عالمية مابين يناير 1957 ويونيه 1967 .

***

وبعد نجاح المؤامرة الأمريكية الإسرائيلية على مصر فى يونيه 1967 رقصت عناصر الجماعة شماتة فى جمال عبد الناصر وفى الجيش المصرى ، لكنها ظلت مختفية تعمل تحت الأرض وتنشر أفكارها وسمومها وتحاول جاهدة ( تديين الشارع السياسى ) وفقاً لأفكار سيد قطب لتكوين ( الطليعة المسلمة)  .
وانتهزت الجماعة الصراع الذى وقع بين الرئيس أنور السادات والناصريين واليساريين ، واتجاه أنور السادات لاستغلالهم والتعاون معهم ضد من أطلق عليهم ( مراكز القوى) وتغلغلوا فى مؤسسات الدولة واستمر هذا الوضع بعد اغتيال الرئيس أنور السادات على يد تنظيم الجهاد الذى خرج من رحم الجماعة الإرهاربية .

وطوال سنوات حكم الرئيس حسنى مبارك نجحت الجماعة فى اختراق كل مؤسسات الدولة من ناحية ، ومن ناحية ثانية نجحت فى توفيق علاقاتها بأجهزة المخابرات الغربية ، ومن ناحية ثالثة نجح التنظيم السرى فى تخزين كثير من الأسلحة ، فضلاً عن نجاحهم فى بناء كيان اقتصادى قوى .

وعندما شاخت الجمهورية الثانية فى العشر سنوات الأخيرة من حكم مبارك ، وعندما سحبت معظم إنجازات ثورة 23 يوليو من تحت أقدام أبناء ثوار يوليو 1952 تحت تأثير الانفتاح الاقتصادى والخصخصة وضرب القطاع العام وتوحش رجال المال والأعمال الذين ( زاوجوا بين الثروة والسلطة ) وهيمنوا على الحزب الوطنى ، وعندما نخر الفساد عظام قطاعات الدولة المختلفة ، التعليم ، والصحة ، والنقل ، والزراعة ، والصناعة وغيرها ، وعندما زاد معدل الفقر وهمشت الطبقة الوسطى ، كان بديهى أن يتحرك الشعب المصرى ، فكانت الانتفاضة الثورية الهائلة يوم 25 يناير 2011 وعندئذً (انتهزت) جماعة الإخوان الفرصة وسرقت الثورة وفرضت نفسها بالقوة والإرهاب على المشهد السياسى حتى اعتلى عضو مكتب الإرشاد ، محمد مرسى العياط كرسى أقدم دولة مركزية عرفها التاريخ ، الدولة التى علمت الدنيا أصول الحكم والسياسة.

وعاشت مصر أسوأ عام فى تاريخها وأوشكت الدولة أن تنهار وتتلاشى من فوق خريطة العالم ، بعد أن تعرض النسيج الاجتماعى لهزات عنيفة ، وبعد تدهور الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية وتراجع الدور الإقليمى والعالمى (لأم الدنيا ) .

عندئذً اكتشف الشعب المصرى - ورب ضارة نافعة - انتهازية جماعة الإخوان ، كل من شارك فى ثورة 20 يناير لم يكن يتخيل أو يخطر فى باله صعود رئيس واجهة لمرشد الإخوان إلى مركز السلطة فى مصر ، ولأنه الشعب المصرى ولأنه الجيش الوطنى لم يتأخر تصحيح الأوضاع ، ونجح الجيش المصرى بقيادة المشير عبد الفتاح السيسى ليس فقط فى إزاحة الجماعة ، بل وفى كشف عورتها وعوار فكرها ورداءة أدواتها فى العمل السياسى ، وحماية الجمهورية والدولة المدنية .

وهكذا لم تنجح ( انتهازية ) الإخوان ومحاولة الاستعانة بأعداء مصر فى إنقاذها من مصيرها المحتوم ، وها نحن نشهد بناء الجمهورية الجديدة ، ونشهد تحولات إيجابية فى شخصية مصر ، نحن أمام ميلاد جمهورية جديدة وشخصية جديدة تناسب ولادة نظام عالمى جديد متعدد الأقطاب ، ستقوم مصر بدورها فى هذا النظام باعتبارها إحدى أهم دول الشرق الأوسط. 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة