جمال فهمى
جمال فهمى


من دفتر الأحوال

«النشل» الشرعى

جمال فهمي

الثلاثاء، 24 مايو 2022 - 07:24 م

 قبل بضع سنوات قليلة استوقفنى خبر صغير منشور فى صفحات الحوادث بالصحف، كان يقول: إن سلطات الأمن فى مطار القاهرة أحبطت محاولة سيدتين (فقيرتين طبعا) السفر إلى الأراضى الحجازية بغرض اغتنام فرصة موسم الحج والزحام الشديد أثناء أداء المشاعر المقدسة لممارسة «النشل» ثم العودة بغنائم حرام، من بينها طبعا لقب «الست الحاجة»!!


أعرف، كما أغلب القراء، أن هذا الخبر لم يكن يكشف عن حقيقة مستجدة علينا وإنما يشير إلى ظاهرة مقرفة ومؤسفة جدا باتت تلوث وجه مجتمعنا منذ سنين طويلة.. أى ظاهرة استغلال الدين فى ارتكاب موبيقات وجرائم وفواحش يندى لها الجبين، ربما كان «نشل» حجاج بيت الله أقلها خزيا وأهونها إجراما.


ومع ذلك، ورغم درايتى بحقيقة الواقع القبيح الذى يشى الخبر المذكور بجانب منه، مازلت كلما سمعت أو قرأت عن هذا النوع من الحوادث أشعر بصدمة ودهشة عظيمتين وأجد لسان حالى يهتف بالتياع: كيف لإنسان مهما كانت ملته وعمق نوازع الشر فى نفسه أن يقدم على «نشل» أو إيذاء إنسان آخر فى لحظة تظللها هذه الأجواء الروحية الشفيفة التى يفترض، لو كانت صادقة، أن لها القدرة على غزو القلوب وتهذيب النفس وتبريد هياج الأطماع والغرائز؟!


سألت نفسى هذا السؤال مرات لا تعد ولا تحصى ولم أعثر على إجابة شافية تحيط بكل أبعاد وأسباب تفشى ارتكابات وظواهر على ذلك القدر المروع من الشذوذ، فقط عندى يقين أن قطاعا مهما من هذه الأسباب يخرج من منطقة نتواطأ جميعا على سترها بالصمت، وأقصد شيوع وتجذر ثقافة «التدين الشكلى» فى مجتمعنا الراهن واختزال العقائد الإيمانية فى حفنة طقوس ومظهريات تبدو ـ من فرط النفاق ـ منبتة الصلة بالتزامات ومقتضيات الإيمان الحق الذى يقر ويستقر فى القلوب ويصدقه السلوك والعمل.


يستطيع المرء أًن يتبين بسهولة الحجم المهول للأذى والخراب الروحى الجماعى الذى تحدثه تلك الثقافة المنافقة الكذابة إذا تأمل فى مفارقة مروعة صرنا نتعايش معها ببلادة تثير العجب، فبينما المجتمع يكاد ينفجر بالضجيج والرطان والكلام فى الدين وعن الدين وإقحامه فى كل شيء وأى شأن، فإننا نلحظ فى المقابل تراجعا وتآكلا خطراً ومطرداً فى الأخلاق وابتذالاً فى السلوك وميلا متزايدا للقسوة والعدوان.


ومادمت بدأت بـ»النشل» فلابد أن أختم بحكاية من مخزون ذكرياتى مع صديقى النشال النبيل الغلبان «سعيد بُقوُ» الذى كتبت كثيرا عن علاقة الأخوة الصادقة التى ربطتنى به ونسجناها معا أثناء تمتعنا بكرم ضيافة نظام الرئيس مبارك فى السجن، وملخص الحكاية أننى فى مرة صارحت زميلى سعيد بانزعاجى واستنكارى الشديد لفعلة لاحظت حرصه ودأبه على ارتكابها فى كل صلاة جمعة، فما أن يكتمل عقد زملائى نزلاء مستشفى السجن الذى تحول مقرا لإقامة كبار اللصوص والمرتشين (كنت أنزل فيه مجانا لأننى صحفى) وعندما يتأكد سعيد أن هؤلاء الذين يتزينون جميعا بلقب «الحاج فلان» انتظموا فى صفوف المصلين واتخذوا مكانهم المعتاد فى الجزء المكشوف من باحة المسجد، حتى أجده يكمن خلف جدار يطل على هذه الباحة ويبدأ فورا فى رجم

هؤلاء الحجاج بكمية ضخمة من الطوب والحصى الصغير بينما ملامح الحبور والسعادة تسرح على وجهه!!

قلت له: لماذا ترتكب هذا السلوك الصبيانى الشيطانى يا سعيد ؟ مش عيب كده؟!

لا يا أستاذ مش عيب ولا حاجة.. ده انا كل مرة باخد فيهم ثواب!!

تاخد ثواب على رجم ناس بالطوب وهيه بتصلى؟!

أيوه.. عشان بافكرهم باللى ح يحصل لهم فى الآخرة إن شاء الله.. يا بيه دول شياطين، بيصلوا وبيحجوا ويسرقوا مال النبى بدون قلق.. بذمتك الكلام ده يخِيل على ربنا؟!!

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة