صورة موضوعية
صورة موضوعية


عبر توفير 75 % من احتياجات القمح: خـارطة الطـــريق لدخول دائرة الأمان

مصر على طريق الاكتفاء «الآمن» من القمح.. تفاصيل

آخر ساعة

الخميس، 26 مايو 2022 - 03:21 م

كتب: هانئ مباشر

بدأ موسم حصاد القمح، ومعه بدأت تهل بشائر الخير، كونه أفضل المواسم من حيث زيادة المساحات المنزرعة بالذهب الأصفر، بخلاف الإنتاج الوفير وانتهاءً بتوريد المحصول إلى الصوامع والمطاحن، وسط بوادر حقيقية لتحقيق ما سماه الخبراء «الاكتفاء الذاتى الآمن» من هذا المحصول الاستراتيجى المهم.

 

هذا الإنجاز الكبير لم يكن ليتحقق لولا قرار الدولة الحاسم وإرادتها القوية لتحقيق الاكتفاء الذاتى فى كثير من المحاصيل والمنتجات الزراعية، وفى مقدمتها القمح، وتقليل الفجوة فى استيراده وبما يدعم ملف الأمن الغذائى مع توفير أنشطة مرتبطة بزراعته، مثل الثروة الحيوانية والداجنة والتصنيع الزراعى وإقامة مجمعات زراعية صناعية تعمل على الربط بين الزراعة والصناعات التحويلية والتجارة.

 

وقد اتخذ الرئيس عبدالفتاح السيسى خطوات استباقية لمواجهة الأزمة العالمية فى إنتاج المحاصيل بصفة عامة، والتغييرات التى تشهدها سلسلة التوريدات العالمية بالنسبة إلى المحاصيل الاستراتيجية الهامة ومن بينها إحياء مشروع توشكى، والفرافرة، والعُوينات، وزيادة المساحات المزروعة ودعم كافة الإجراءات فى هذا الإطار.. وفى هذا الملف نرصد كل ما تم فى هذا المجال.

 

متى نحقق الاكتفاء الذاتى من القمح؟! تزداد أهمية هذا السؤال فى ظل وجود أزمة فى أغلب دول العالم فيما يخص إنتاج الغذاء عمومًا وبمجال زراعة وإنتاج محصول القمح بشكل خاص لعدة أسباب أبرزها الصراعات السياسية والاقتصادية والمشكلات البيئية، فمنذ بداية الحرب «الروسية ـ الأوكرانية» بدأ العالم يشعر بحدة هذه الأزمة الاقتصادية الغذائية وتأثرت دول كثيرة منها مصر كونها إحدى الدول المستوردة للقمح.

 

وفى الفترة الحالية لا يمكن أن نتجاهل حديث العالم عن التغيرات المناخية التى تتسبب فى تغير خريطة العالم الزراعية والتأثير المباشر فى إنتاجية أغلب المحاصيل الزراعية وتغيُّر مواعيد الزراعة بسبب الظروف الملائمة لكل محصول، على الأرض، تشير معدلات إنتاجية القمح فى مصر وفق التقديرات الأولية لعام 2022 إلى حوالى 10.5 مليون طن، بينما يصل الاستهلاك السنوى لنحو 18 مليون طن، علما بأن 80 % من واردات مصر من القمح كانت تأتى من روسيا وأوكرانيا.

 

هذه التحديات كما يقول الدكتور ناصر مندور، رئيس جامعة قناة السويس، لابُد أن يواجهها الجميع ليس فقط على مستوى الدولة، بل لكى نصل لهذا الاكتفاء يجب أن تتكاتف الدولة وعلماء البحث العلمى والمزارعون والمواطنون.

 

إقرأ أيضاً | شون وصوامع المنيا تستقبل 357 ألف طن من محصول القمح بجميع المراكز

وعلى الدولة المصرية أن تشجع المزارعين وتدعم مستلزمات الإنتاج من التقاوى والأسمدة والمبيدات وتوفر آلات الزراعة الحديثة وعمليات الخدمة والحصاد بمراكز هندسة زراعية خاصة بكل محافظة لزراعات الحبوب عموما والقمح على وجه الخصوص، وأيضا تحديد سعر مرضٍ لتوريد للقمح للدولة، بجانب بعض السياسات الزراعية كالتوسع الأفقى فى المساحات المنزرعة قمحا والاعتماد على المياه الجوفية فى الري، خاصة بالمناطق الجديدة مثل الطريق الساحلى من الكيلو 21 طريق الإسكندرية وحتى السلوم غربا، وهذه المنطقة بها مياه جوفية جيدة وكافية لفترات زمنية طويلة، وكذلك منطقة حلايب وشلاتين.. وأيضا إحلال مساحات القمح بدلا من البرسيم فى الأراضى القديمة مع تعويض مصادر الأعلاف والاعتماد على المخلفات الزراعية وزراعة الأعلاف الصيفية.

 

وللبحث العلمى وعلماء المحاصيل دور هام فى تحقيق الاكتفاء الذاتى من خلال استنباط أصناف جديدة عالية الإنتاجية ومقاومة للأمراض وتتحمل الظروف البيئية القاسية.. وأيضا هناك دور كبير للمزارعين فى اتباع الإرشادات والدورة الزراعية وتطبيق المعدلات الموصى بها من جانب وزارة الزراعة وأيضا استخدام طرق الرى الحديثة والحفاظ على المياه وعدم إهدارها وتقليل الفاقد من المحصول أثناء الحصاد والنقل والتخزين، أما دور المواطنين وثقافة الغذاء بمصر فعليها عامل كبير جدا فى الوصول للاكتفاء الذاتي، من حيث تقليل الاعتماد على المعجنات، وعدم الإهدار فى الخبز والحد من استخدامه كعلف للطيور والحيوانات والقيام بحملات توعية بالمدارس والجامعات ووسائل الإعلام حول ترشيد الاستهلاك.

الاكتفاء الذاتى الآمن

القمح محصول استراتيجى لا يمكن الاستغناء عنه، فهو أحد جوانب الأمن الغذائى فى مصر الذى هو بدوره أحد جوانب الأمن القومى فى إطار مفهومه الشامل.. وفيما يخص إمكانية الاكتفاء الذاتى من القمح فى مصر، يقول الدكتور محمد بهى الدين، عميد كلية الزراعة بجامعة الإسكندرية: يجب استعراض بعض الحقائق كما يلي: تنتج مصر نحو 9.6 مليون طن سنويا (تزيد أو تنقص قليلا من سنة لأخرى) من حوالى 3.4 مليون فدان تزرع بالقمح سنويا. أما استهلاكنا فقد بلغ 20.3 مليون طن عام 2020.

 

وتحقيق الاكتفاء الذاتى الكامل من القمح فى مصر سيكون على حساب محاصيل أخرى كالفول أو الخضر أو البرسيم اللازم لغذاء الحيوانات والذى لا يمكن الاستغناء عنه أيضا. وعليه يصبح الاكتفاء الذاتى من القمح بنسبة 100% هدفا يصعب تحقيقه فى ضوء المساحة المنزرعة والموارد المائية فى مصر. لكن الهدف الواقعى الذى يجب السعى لتحقيقه هو الوصول لما يُسمى "الاكتفاء الذاتى الآمن" وهو أن يصل الاكتفاء الذاتى من القمح إلى 75% من الاحتياجات وهذا يمكن تحقيقه بإجراء بعض الإصلاحات فى منظومة إنتاج القمح، وهذه الإصلاحات من وجهة نظر الدكتور عصام عزت شلبي، الأستاذ بقسم علوم المحاصيل بكلية زراعة الإسكندرية، تشمل:-

 

- التوسع فى المساحات المزروعة بالقمح إما فى الأراضى المزروعة حاليا وذلك على حساب البرسيم مع توفير أعلاف بديلة للحيوانات المزرعية عبر إنتاج الأعلاف غير التقليدية من مخلفات المحاصيل، أو بالزراعة فى الأراضى الصحراوية المستصلحة التى تتوفر فيها المياه بنوعية تناسب القمح، ويندرج ذلك تحت المشروعات التنموية التى يوجه بها الرئيس عبدالفتاح السيسى مثل استصلاح وزراعة المليون ونصف المليون فدان.

- زيادة سعر توريد القمح إلى ألف جنيه للإردب لتشجيع توريد المزارعين للقمح، ما يساعد على التوسع فى زراعة القمح مستقبلا.

- زيادة إنتاجية الفدان بعدة وسائل من بينها زيادة نسبة التغطية بالتقاوى المعتمدة لتصل لـ80% على الأقل خلال خمس سنوات كمرحلة أولى على أن تتم التغطية بالكامل بعد الخمس سنوات، وتوفير الخدمات الإرشادية للمزارعين من خلال وسائل نقل التكنولوجيا.

- التوسع فى زراعة القمح على مصاطب، حيث ثبت أنه فى طريقة الزراعة هذه يتم توفير 15% من التقاوى و15-20% من مياه الري.

- الاستمرار فى برامج استنباط الأصناف خاصة المتحملة للإجهادات البيئية مثل الجفاف والملوحة لتناسب مناطق الاستصلاح الجديدة والأصناف ذات الكفاءة الأعلى فى استخدام المياه Water Use Efficiency وكذلك المقاومة للأمراض الصدأ والمقاومة للانفراط، وتسوية الأراضى التى ستزرع قمحا بالليزر يزيد المحصول.

- تقليل الفاقد أثناء الحصاد والنقل والتداول والتخزين وتقليل فواقد صناعة الخبز، وخلطه بالشعير أو الذرة فى حدود 10-15% يقلل من الاحتياجات العامة من القمح.

- زيادة القدرات التخزينية وهو ما تعمل الدولة حاليا على توفيره عن طريق إنشاء المزيد من الصوامع.

- استخدام الأعلاف غير التقليدية وتقليل تنافسية البرسيم للقمح، وزيادة إنتاج الأسمدة النيتروجينية ومبيدات الحشائش هو ما تعمل الدولة على توفيره حاليا بأسعار مناسبة، مع التوسع فى استخدام الميكنة الزراعية فى عمليات الزراعة والحصاد كما هو متبع حاليا فى الكثير من الأراضى الجديدة.

- الاستمرار فى السياسات الصنفية الناجحة الحالية من تنوع الأصناف حتى لا ينخفض المحصول بنسبة كبيرة فى حالة كسر مقاومة أحد الأصناف لمقاومة أمراض الصدأ وتعميم معاملة الحبوب بالمطهرات الفطرية قبل الزراعة لضمان الحصول على كثافة نباتية جيدة.

- الانخراط فى التحالفات الدولية التى تسعى لرفع إنتاجية أصناف القمح عبر إنتاج أقماح فائقة فى قدرتها على التمثيل الضوئي، ما يزيد الإنتاجية بنحو 30%.

وفيما يتعلق بمتوسط محصول الفدان فى مصر، فتقول الدكتورة هبة صبرى عطية سلامة، أستاذة علوم المحاصيل، إنه فى ارتفاع مستمر نتيجة المجهودات المتواصلة لمراكز البحوث الزراعية وتعاونها مع المؤسسات العالمية مثل CYMMIT والتحسين الوراثى الذى طال الأصناف المصرية نتيجة تلك المجهودات، إذ يصل متوسط محصول الفدان فى مصر لـ18.5 إردب للفدان، ويمكن أن يصل لـ23-25 إردبا للفدان عند تطبيق التوصيات بدقة.

 

وإذا كان التوسع فى المساحات المزروعة هو العنصر الحاسم فى زيادة الاكتفاء الذاتى من القمح، فإن توافر المياه هو العنصر المحدد لزيادة الرقعة الزراعية فى مصر كما فى غيرها من دول العالم وإن كان القمح يزرع فى الكثير من الدول على الأمطار وهو ما لا يمكن الاعتماد عليه فى مصر نظرا لقلة كمية الأمطار، لذا يجب الاعتماد التام على الري، لذلك يستهدف المشروع القومى لزراعة المليون ونصف مليون فدان إضافة مساحات جديدة من الأراضى تروى بالمياه السطحية (12%) والمياه الجوفية (88%)، ما سيسهم فى زيادة إنتاجية القمح سنويا.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة