عبد الهادي عباس
عبد الهادي عباس


قلب وقلم

عبد الهادي عباس يكتب: الحوار الوطني والفرقاء المتشاكسون!

عبدالهادي عباس

السبت، 28 مايو 2022 - 02:50 م

هي أم، وهم دستة كاملة العدد من الأبناء اليافعين، لكل واحد منهم غاية وأهداف، ولا يرى أهدافه تتحقق إلا بالقضاء على بقية إخوته، كي يرث كل ما تملكه أمه.. كما أن لكل منهم قلبًا يشغله التفكير في كيفية السيطرة على إخوته والتغلب عليهم، حيث لم يعد هناك متسع للحب بين الإخوة الفرقاء.. ولا مكان لقلب آخر.. فما جعل الله لرجل من قلبين في جوفه.

ولم تفلح توسلات الأم وتحذيراتها بأن هذه المناوشات ستتسبب في تدمير بيت العائلة، وإضعافهم أمام أعدائهم من الجيران الذين يتربصون بهم الدوائر، ولكنهم أصماء لا يسمعون، وعميان لا يرون، بل أغلظوا القول لأمهم الحنون، ووصموها بأقذع الألفاظ، وجرُّوها من شَعْرها ومزَّقوا ملابسها وخدشوا بأظفارهم وجهها النضير، وتفرغوا لعراكهم الطفولي على لا شيء، فقط على مَن تكون له الزعامة وسط إخوته، وأغواهم الشيطان فتركوا أرضهم بورًا وباعوا ماشيتهم، وسنُّوا أسنانهم، وامتلأوا حقدًا.

حتى أخذهم الضلال إلى متاهات الاستعانة بجيرانهم الأعداء واستدانوا منهم المال والسلاح حتى يقضي أحدهم على الآخر بأسرع ما يمكن.. وعلى الرغم من علمهم الوثيق أن جيرانهم الأعداء يطمعون في احتلال منزلهم الذي يؤويهم جميعًا من الشارع فإنهم غضوا الطرف عن هذا الخطر الداهم؛ وكما يُدركون كيف أن جارهم النجس يرغب في الزواج من أمهم زواجًا كاثوليكيًّا لا طلاق فيه، فإنهم أيضًا لم تأخذهم الحميَّة على أعراضهم مثلما تأخذهم على بعضهم البعض، حتى وصل الأمر إلى أن كل واحد منهم اتهم أخاه بأنه ابن زنى وليس له حق الانتماء إلى النسب العريق لأمهم.

وكثيرًا ما علمتهم أمهم أن أهم وسيلة للشيطان في التفريق بين الإخوة أن يوسوس لكل أخ منهم بأنه يمتلك وحده الحق وغيره على الباطل، ثم يجلس بعيدًا بلا تعب حتى يقضي كل أخ على أخيه دون كبير جهد منه.. كما نصحتهم كثيرًا بالحذر من غدر العدو الذي يُدرك أن في اتحادهم خطرًا يُهدد وجوده كله وحياته كلها، كما يُهدد حلمه في امتلاك هذه الأم الجميلة التي لا تُدانيها امرأة أخرى في الدنيا كلها.. فهي بحق جميلة الجميلات وأم الأمهات في العالم، ومن أراد أن ينال الخلود ويعيش إلى الأبد عليه أن تكون هذه المرأة بين يديه وطوع أمره.. ورغم أنها كبيرة في السن، حيث تعيش منذ آلاف السنين ولا تشيخ ولا تهرم، وكأنها تملك إكسير الحياة الذي لا يعرف سره غيرها.. وإن كان أبناؤها اليوم خذلوها وتركوها نهبًا للطامعين، فإن رحمها لا يزال في نضارته وبكارته لا يشيخ مع مرِّ السنين.. وهي أبدًا جميلة الجميلات.

كانت هذه حالنا مع "أمنا" منذ ثورة يناير حتى بادر الرئيس السيسي بالدعوة إلى الحوار الوطني بين الفرقاء المتشاكسين، تلك الدعوة العاقلة التي أراها تأخرت كثيرا، إذ كان يجب وضع الجميع أمام الواقع وإشراكهم في إنتاج حياة سياسية تليق بالجمهورية الجديدة؛ خاصة أن مصر عريقة في أحزابها، عريقة في تنوع مشاربها السياسية؛ ولكن الأهم أن تكون المصلحة العليا "لأمنا" مصر، وأن يكون الوطن في قلوب الجميع قبل أعينهم؛ وقتها فقط سنشاهد جمهورية جديدة سياسيا، كما رأيناها اقتصاديا واجتماعيا.

الحوار الوطني فرصة كبيرة للجميع، مثقفين وصحفيين وسياسيين واقتصاديين، وغيرهم؛ لإعادة إنتاج المادة الخام لهذا الوطن العصي على الذوبان، كما أنه رسالة قوية إلى المحيطين العربي والعالمي تقول بكل وضوح: "هنا مصر".

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة