عبدالرحيم كمال
عبدالرحيم كمال


يوميات الاخبار

آفة درامتنا المحتوى

الأخبار

السبت، 04 يونيو 2022 - 07:05 م

أحلم بأن يكون هناك ممشى اهل مصر الممتد من أسوان إلى القاهرة، هذا حلم تستحقه مصر

كيف قضى ظهور مصطلح المحتوى على فكرة الموهبة؟
هناك مساحة من الحرية وربما العشوائية تحتاجها الموهبة الكبيرة المتفردة للسطوع وكان الجميع فى الماضى يدرك ذلك الامر ويفسح تلك المساحة الى حين ظهرت فكرة المحتوى وهو مصطلح إعلامى دخل حديثا الى الفن والى مهنة الكتابة الفنية وصار هناك مسئولون غير متخصصين فى الكتابة او الفن لكنهم إعلاميون بحس استهلاكى وضعوا جداول وعراقيل كثيرة من يستطيع مرورها هو من يسمح له بالكتابة وتحت تلك المظلة غير الفنية تم منع آلاف المواهب الكبيرة جدا من الوصول.


صارت هناك مصفاة ضيقة الخروم يمسك به شخص مقولب داخل الشركات الإنتاجية، يضع تلك النماذج المستوردة المترجمة، امام الكتاب والكاتبات الشبان دون ان يدرى ان هناك شابا او شابة موهوبة لا يدرى معنى المحتوى على الاطلاق، ولا يفهم علاقة الفن بالتوجيه، ولا يستطيع ان يضع شخصياته فى جدول، ولا يستطيع ان يلخص قصته فى خمسة سطور، لكنه رغم ذلك قادر على صنع كتابة فنية بفطرة وموهبة تجعل الجمهور والنقاد يقفون لسنوات طويلة، من عظمة ما صنعته يديه، وما صاغه خياله ورأسه ووجدانه من أفكار وشخصيات، لقد صار مصطلح المحتوى غير الفنى هو الباب الموصد امام كل فنان موهوب، فغابت الاساطير وحل محلها قوالب فنية باهتة تهتم بالمحتوى اهتمام صانعة المحشى بمقاس حلة المحشى ومحتواه من الخلطة.


سر غياب الأساطير !!!
لقد تغيرت مفاهيم الفن فى الخمسة عقود الأخيرة، صارت هناك أعمال فنية كبيرة أحيانا، دون وجود فنانين كبار، لم يعد هناك أم كلثوم مثلا، لكن هناك اغنية جميلة جدا لفلان، وكذلك فيروز وعبدالحليم، الامر لا يقتصر على مصر والعالم العربى انه العالم بأكمله، ليس هناك نجيب محفوظ لكن هناك روايات مذهلة تظهر بين الحين والآخر، ولا وجود لروائى مثل  جابرييل جارسيا ماركيز او دستويفسكى الروسى  او تشارلز ديكنز الإنجليزى او همنجواى او ادجار الان بو.


الادب والفنون عامة لم ولن يتوقفوا عن الإنتاج بالطبع. لكن الإنتاج لم يعد مرتبطا بذلك الاسم البشرى الفردى الذى يستحوذ على الساحة، صار هناك تشظى للأمر، هناك آلاف الكتاب وآلاف الموسيقيين الموهبين، لكن نادرا ان يظهر الكاتب الأيقونة المسيطر على عصره.
- ملحوظة: ظهور الأساطير لم يكن دائما عادلا، فقد سيطر أحيانا كتاب وفنانون على الساحة بدرجة كان فيها ظلم للكثير من المعاصرين، وساعدت موهبتهم الكبيرة مع جيتو الأنصار ومساعدة ودعم  السلطة على جعل بعض الأسماء أساطير منفردة  على العرش لكنها وللأمانة والتوثيق كانت تلك الاساطير بالضرورة مواهب كبيرة جدا فى عصرها.
 لكن كان هناك مواهب أخرى تختفى تماما، والامثلة كثيرة لدرجة أنه لا داعى لضربها، لكن ذلك العصر الذى نعيشه الآن ليس هو عصر الاساطير المنفردة لكنه عصر الاعمال المتفردة، ربما العولمة كانت هى السبب الرئيس فى ذلك، فالعالم الاستهلاكى الرأسمالي، هو عالم يقوم أصلا على محو فكرة الشخصانية والهوية المتفردة، عالم الأسطورة الوحيدة المؤكدة فيه هو المصلحة المادية البحتة، وتسليع وتسعير كل شيء حتى المواهب ذاتها. هو عالم إذابة المواهب الكبرى داخل مصهر كبير؛ لتخرج العالم فى صورة سلعة استهلاكية بغض النظر عن أى شيء آخر.


والسبب الثانى والأخطر بعد سيطرة العولمة على الفنون والآداب، هو تداخل الفنون بشكل غير مسبوق من قبل، ففى الماضى كان هناك الشعر والموسيقى والمسرح جميعها فنون متمايزة عن بعضها البعض، لكن الأمر الآن تداخل بشكل مرعب، صار هناك الموسيقى والشعر والمسرح والدراما والفن التشكيلى والرياضة أيضا وكأنها فنون متداخلة، لم يعد هناك فن مخلص لنوعه على الإطلاق.
سنجد الرواية المرسومة والتى تجمع بين الرسم والشعر والفصحى والعامية بل والخرائط التوضيحية، وسنجد عرضا مسرحيا يجمع بين الموسيقى والتشخيص والحركات البهلوانية والشاشات التى تعرض شيء يكمل او يتناقض مع العرض، سنجد الشاعر الذى يلقى القصيدة ثم يصمت ثم يصنع حركة رياضية ما ثم يجلس ثم يقف ثم تدخل الموسيقى ثم يأتى خبر سياسي، ثم يكمل قصيدته.


وستجد المسلسل التليفزيونى الذى يستخدم كل تقنيات المسرح وسيدخل الإعلام على الخط أيضا لتجد العمل الفنى الذى يمتزج فيه ما هو تسجيلى وما هو إعلامى من خطابية وتوجيه واستثمار للحظة الراهنة، صارت هناك فنون هجينة هى خليط من عدة أشياء فنية وغير فنية، وتداخل الفنون ذلك كان بالضرورة يعنى دخول أهل مهنة ما فى مهنة أخرى، فتجد السينما فى فترة من فتراتها تحت رحمة صناع الإعلانات وتجد الدراما فى فترة أخرى يصنعها صناع المحتوى الإعلامى فى أمر يجمع بين التطور الطبيعى وبين الخلل الفادح.


كل تلك الأسباب والمدخلات الجديدة كانت سببا مباشرا فى غياب الفن بمعناه التقليدي، وفى غياب الأساطير الفنية القديمة، وظهور أعمال فنية متفرقة، قد يظهر فيها من حين لآخر أعمال عالية الجودة والمقدار والقيمة، ولكن بمفردها دون ان يكون خلفها أسطورة فنية خالدة، كهؤلاء الذين كانوا موجودين حتى قبل أقل من خمسين سنة مضت.
الرياضة ومحاولة تسليعها تسليعا فنيا
ما زالت هناك فنون يتم استحداثها ومنها مثلا الفنون الرياضية، قد يكون مصطلح عجيب ما علاقة الرياضة بالفن؟
لكن الإجابة بسيطة، كلاهما مربوط بخيط الموهبة، وكلاهما يحققان عنصر الفرجة والجماهيرية، وكلاهما يستهلك من قبل الجمهور، لذلك سنجد الأسعار الخرافية للاعبى كرة القدم مثل نجوم الفن وأكثر، لقد صارت كرة القدم هى (الفن الحي) العرض المسرحى الرياضى الصاخب، الفن الجماهيرى الذى تصنع له أفخم الاستادات ويتم تصويره بأحدث الكاميرات، وتقام له اكبر المدرجات وتحجز له اغلى التذاكر، وتقام له المزادات والمراهنات، وله جيش إعلامى كامل يخدمه ويخدم عليه، ورغم ان كرة القدم رياضة عالمية، فإن الاستثمار فيها مازال فى المواهب الفذة، فهى رياضة الموهبة فيها هى قوامها وأساسها، ومازالت الاساطير موجودة فى صورة ميسى ورونالدو ومحمد صلاح وكريم بنزيمة، ومودريتش وامبابي، وغيرهم تماما مثل بيليه ومارداونا وبيلاتينى وبكنباور، وغيرهم مازالت كرة القدم كفن حى قادرة على خلق الاساطير، لان الجمهور يدفع ويصرخ ويهلل للاعب موهوب حى امام ناظريه يتحرك.
ممشى أهل مصر
النيل هو الفاصل بين بولاق أبو العلا فى القاهرة وبين الزمالك. ستجد الآن فى ناحية بولاق أبو العلا كورنيش نيل بديعا صنع عليه ممشى حضارى راقٍ شيك، يسمح للمصريين عائلات وأفرادا بالمشى فى أمان والتنزه فى متعة، بينما الناحية الاخرى التابعة لمحافظة الجيزة مازالت كورنيشا قديما مهترئا ممزقا ممتدا حتى الكيت كات، لماذا لا يكون الناحيتان بنفس الدرجة من الجمال؟
 يحدث ذلك بينما يتطرف الحلم داخلى حتى إننى أحلم بأن يكون هناك ممشى اهل مصر الممتد من أسوان إلى القاهرة، هذا حلم تستحقه مصر.
أحلم مثلا أن يسير المشاءون من أسوان الى القاهرة على أقدامهم فى امان ومتعة وسياحة وفرجة ويمتد بى الحلم ليكون ذلك الممشى من اسوان الى القاهرة هو أيضا مسابقة رياضية سنوية مصرية عالمية، للمشائين المحترفين من كافة انحاء العالم، تسمى مسابقة القاهرة /اسوان او مسابقة (ممشى نيل مصر)، حلم يمتد بطول خمسمئة كيلو متر، فى شريط سياحى آمن يسير فيه المشاء ولو شهورا ممتدة، وهناك استراحات بطول النيل، يتوقف عندها المشاء للراحة والتزود، كورنيش راقٍ نظيف ممتد من مقبرة الاغا خان فى اسوان وحتى مبنى ماسبيرو فى القاهرة، انها رحلة تستحق وطريق رياضى عظيم تحفه المراكب السياحية بطول النيل، فى استثمار عظيم للسياحة النيلية.
مراكب تحمل المصريين طوال السنة صيفا وشتاء من القاهرة الى اسوان والعكس. بالتأكيد حلم صعب ولكنه ليس مستحيلا، حلم يبدأ ببساطة بخطوة أولى بأن تقلد محافظة الجيزة محافظة القاهرة ويكون الطرف المقابل لبولاق أبو العلا له ممشى آخر لأهل مصر من الزمالك العجوزة للكيت كات فالمواطن المصرى يستحق ذلك وأكثر.
أين السعادة يا صاحب السعادة ؟
يظل مونولوج إسماعيل ياسين القديم الذى يقول فيه: قولى يا صاحب السعادة يعنى ايه هى السعادة؟خالدا لان سؤال المونولوج لم يجب عنه بعد.
لقد قيل إنها فى المال او الشهرة او امتلاك الجمال لدى المرأة او النفوذ …الخ
 لتأتى قضية جونى ديب وطليقته امبر هيرت وقضية خيانة زوج شاكيرا لها، تلك القضايا التى هزت التريندات هزا، لتعيد سؤال إسماعيل ياسين للأذهان مرة أخرى، أين السعادة ياعباد الله؟؟ هؤلاء نجوم يمتلكون كل شيء، النجومية والجمال والصحة والشباب والمال، لكنهم لم يجدوا السعادة ونشرت السوشيال ميديا الفضائح على الملأ وشارك فى الفرجة والحكم والتعليق عليها مواطنون فى العالم الأول والثانى والثالث والرابع، وسخر منهم كل انواع البشر من الملياردير الى من لا يجد قوت يومه، وضرب راكبو الطائرات وراكبو التوك توك كفا بكف وقال الجارسون للباشا الذى يجلس بالسيجار يتابع الفضيحة فى تلفاز الكافيه: هى الناس دى ناقصها ايه عشان تعيش مبسوطة ؟
ونفخ الباشا السيجار فى تعالٍ وتابع الفضيحة وهو لا يجد إجابة مناسبة تقنعه أو تقنع الجارسون.
وان كان الانسان يستطيع بقليل من التفكير ان يجزم ان كل تلك الأشياء من مال وجمال وقوة ونفوذ وصحة لا تصنع السعادة، لكنه على الطرف الآخر لا يستطيع ان يحسم  التعريف الكافى الدقيق للسعادة، التى ربما تكون فى اقتناعك بأنك صفر وكل ما يأتى الى الصفر هو منحة من الله وكل ما ينقص منه لا يضيره، فهو صفر فى النهاية، فاذا كنت صفرا -وتلك هى الحقيقة- فرضاك بصفريتك هو السعادة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة