محمد عدوى
محمد عدوى يكتب .. أسامة أنور عكاشة .. حيث لا مكان لبطل و لا كومبارس
الأحد، 05 يونيو 2022 - 03:33 م
يبقى أسامة أنور عكاشة عمدة الدراما المصرية وتاريخها الناصع، الجراح الذى كان يمسك مشرطا ليشرح المجتمع بدقة وعناية، يكشف الداء ويصف الدواء بمهارة فائقة، يبقى أسامة أنور عكاشة الكاتب المعجون بالناس ومن الناس، يعرفهم جيدا ويعيش بينهم ويراهم ويرونه، لم ينزوْ فى مكان هادئ ليكتب من علياء عنهم، كان معهم وكان منهم.
شخصيات أسامة أنور عكاشة خالدة، مؤثرة ليست فقط تلك التى تتصدر الأفيش وتحمل أعماله اسمها، ولكن كل شخصيات أسامة كانت مؤثرة، لا فرق بين بطل وبين من يؤدى مشهد أو اثنين، يهتم عكاشة بالجميع على حد سواء، يقدر أن مستعظم النار من مستصغر الشرر، يدرك أنه لا حياة ناضجة لشجرة كبيرة دون بذرة صغيرة.
فى ذكراه نلقى عن قرب نظرة على شخصيات يراها البعض ويصنفها هامشية لكنها فى عالم أسامة أنور عكاشة علامات مهمة ومضيئة.
1
« النونو » ظل « فضة » الثائر
فى مسلسل الراية البيضاء – 1988- يدور الصراع بين تاجرة السمك الحاجة “فضة المعداوى” والتى جسدتها الراقية سناء جميل وبين الدبلوماسى “مفيد أبو الغار” والذى جسده الكبير جميل راتب، صراعا يبدو بين السوقية والتحضر، بين العشوائية والمفاهيم التى تجسد وحشية الزمن والقبح وبين النظام والأصالة والجمال، صراع أزلي يهتم به عكاشة فى أغلب أعماله، فقط تتعدد أشكاله، من بين شخصيات الراية البيضاء يظهر نونو صبى ومساعد فضة المعداوى أو قل هو ظلها الشخصية التى جسدها الرائع سيد زيان، جاهل مثلها، غشيم، محدود الموهبة والتفكير لكنه يملك طموحا يشبه طموح فضة، يحلم بالغناء وهو لا يملك مقوماته لكن يعى أنه لا أحد يهتم بهذه الأشياء فى عالمه، يحلم بالثراء والزواج من ابنة المعلمة وهو يعلم أن حلمه فى عالمه سهلا وإن كان مستحيلا، لكنه يرى أمامه المعلمة وقد تزوجت من ثرى دون أدنى مشكلة، يرى أمامه رحلة صعود ممكنة، يعيش على هذا الأمل الى أن يصدم إلى أن يعود للأرض مجددا وهو محبط.
يفوق من غيبوبته ليصبح ثائرا فاهما واعيا، يدرك أنه فى مكان وفضة فى مكان آخر حتى لو كان ظلها على الأرض، يدرك أن هناك فرقا، أن عالمه الذى رسمه لنفسه ما هو إلا حفنة من الأوهام، يراجع نفسه فيثور ويرفض الاستمرار.. نونو رسالة عكاشة التى تحمل أملا فى الإصلاح.
2
« توحيدة » .. أن تكون قويا.. وتحب
تملك “توحيدة “ الكثير” مالا وجمالا”، تملك مكانة أيضا فى عالم يسيطر عليه الرجال، كل عناصر القوة، الجبروت ، الحكمة ، “توحة” فى مسلسل أرابيسك التى قدمتها الفنانة هالة صدقى نموذج للمرأة القوية الناجحة التى شقت طريق النجاح دون ضعف، فقط تشعر بضعفها وهى تواجه حسن أرابيسك، وهى تلتقى به تنسى أنها قوية وتبقى أنها امرأة، توحة نموذج حقيقى كاشف ومهم لمكنونات المرأة التى يرى عكاشة أنها مهما كانت مكانتها ومهما كان قوتها سوف تظل أنثى، تضعف أمام من تحب، تتحول وتتغير، وتنقلب حياتها وتصبح قوتها ضعفا إذا أحبت، توحيدة مثلها مثل كل النساء إذا أحببن.. توحة مثال لمن يحب ويقبل بمحض إرادته ان يضعف وأن يلين.
3
« عبد الفتاح » زهد وتصوف وعشق
شيخ معمم مسه الحب فهوى، هكذا يمكن أن تظن فى “عبد الفتاح ضرغام” الشخصية التى جسدها الفنان الكبير أحمد بدير فى مسلسل زيزينيا، الشيخ الذى حوله مريدوه إلى ولى بعد أن عصفت به الحياة وظن من حوله أن الله اصطفاه وقدره وغلبه، مدرس اللغة العربية الزاهد صاحب الكرامات ، المتصوف، هو فى الأصل عاشق هزمتها عايدة، ومن قبلها هزمته زوجته، هو عاشق ضعيف لا يملك من الهالة التى يصدرها الناس عنه أى شيء، عاشق أصيب فى مقتل فى قلبه، من نظرة عين ساحرة.. يعيش دائما وهو ليس فى أفضل حال، يعيش دائما على حافة الخطر، ما يهدده ليس هؤلاء الذين نصبوه وليا، ولكن تلك النظرة التى رمته به عايدة فتسمر، وثبت ولم يبرح موقعه، ولم يهنأ يوما بعد أن أصابته سهام كيوبيد لامرأة لم تعبأ به.. عكاشة يؤكد مجددا على قوة الحب وأثره وسطوته.
4
« توفيق » المطحون .. المنسى
فى الحياة إما أن تكون فارس مغوار أو موظف، فى الحياة إما أن تكون بطلا للنهاية أو مجرد رقم، حتى مع اجتهادك وإخلاصك إن لم تتحل بالمبادرة والشجاعة سوف يتخطاك قطار الحياة، سوف تظل فى مكانك.. “توفيق البدرى فى ليالى الحلمية” مدير كفء، موظف مثالى، بسيط يعيش على الهامش بارادته، يعانى كثيرا، مشتت، هو ابن عم البطل وكاتم أسراره ومدير مصنعه الأمين، ولكنه ليس فى مقامه، ليس فى عنفوانه ولا قدراته ومكانته، مطحون كغيره وإن كان ذى قربى، منسى وإن كان يعلم الجميع قدراته وأهميته، لكنها تلك الأهمية التى لا يمكن أن يتخطاها لا يمكن أن تجعل منه بطلا، الشخصية التى تعبر عن شريحة كبيرة فى الحياة وأشار لها أسامة أنور عكاشة وجسدها الفنان الكبير حسن يوسف.. درسا من عميد الدراما والصراع والتحولات التى شهدتها جعلتها فى محط اهتمام كالعادة.
5
« هناء » المغلوبة على أمرها
ينقسم الصراع دائما فى دراما أسامة أنور عكاشة كما ينقسم فى الحياة، الخير والشر، ينتصر الشر أحيانا لكنه انتصارا لا يدوم، يتعثر الخير أحيانا لكنه ينهض ويعود، يكشف عن نفوس كثيرة فى كل أعماله، ما بين نفوس واثقة وعامرة وقوية وأخرى ضعيفة وهشة لكن بين هؤلاء وهؤلاء تجد الشخصيات التى تبدو وكأنها مغلوبة على أمرها، التى تفتقر إلى الانجذاب إلى أى من المعسكرين، التى تخشى أن تنحاز ولا تعرف السبيل والاتجاهات الصحيحة.
“هناء” من هذه الشخصيات، “هناء” التى جسدتها الفنانة الكبيرة هالة فاخر فى مسلسل أبو العلا البشرى نموذج للمغلوب على أمره ليست حالمة بقدر أبو العلا البشرى ولا طامعة بقدر “صفوت” أو “نعمات” لا تحارب طواحين الهواء ولا تستسلم لبراثن الشر.. على الهامش شكلا وموضوعا.. نموذج كثيرا ما رأيناها فى اعمال أسامة أنور عكاشة.. قليلا ما يثور وينتفض، غالبا ما يأخذ فى النهاية الاتجاه الصحيح للخير.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة