يونان مرقص القمص تاوضروس
يونان مرقص القمص تاوضروس


يونان مرقص القمص تاوضروس يكتب: عيد العنصرة 

بوابة أخبار اليوم

السبت، 11 يونيو 2022 - 01:07 م

تحتفل الكنيسة القبطية الأرثوذكسية غدا الأحد بعيد ميلادها التاريخى والمجيد.. أى عيد حلول الروح القدس على التلاميذ ويسمى هذا بعيد العنصرة.

وكلمة العنصرة هى من اللغة العبرية، أصل الكلمة عسار ومنها عسريت التى جاءت منها كلمة العنصرة التى تعنى محفل أو أجتماع أو جمع، وكانو اليهود يحتفلون بعيد الخمسين  "تذكاراً لنزول الشريعة عليهم فى جبل سيناء" من الوحى الإلهى لموسى النبى، وعيد العنصرة عند اليهود هو عيد الأسابيع أو عيد الحصاد "  ( اللاويين 16:23).

هكذا الكنيسة استعارات هذه الكلمة  (العنصرة) التى تعنى الجمع أو المحفل ، وأطلقتها على يوم حلول الروح القدس على التلاميذ، لأنهم كانوا مجتمعون فى علية صيهون وعلى رأسهم  القديسة العذراء مريم ،  بعد خمسين يوماً من قيامة الرب يسوع المسيح له المجد ، وأطلقت كلمة العنصرة على صوم الآباء الرسل الأطهار القديسين ، وسمى بصوم العنصرة حتى أن أجتمع المجمع المسكونى الأول  بنيقية سنة 325 م وكتب المجمع المقدس المرسوم بتغير المسمى من صوم العنصرة إلى صوم الآباء الرسل وهذا تكريماً لهم لأنهم رعاة المسكونة والكرازة فى العالم كله.  
بدأت الكنيسة بداية قوية فى يوم الخمسين ، وكان عملها الأساسى هو الكرازة باسم يسوع المسيح ابن الله المتجسد الحى ملك الملوك ورب الأرباب.
قبل صعوده إلى السماء ، حدد لرسله القديسين الأطهار رسالتهم وهى الشهادة له .. فقال لهم " لكنكم ستنالون قوة من الأعالى، متى حل الروح القدس عليكم ، وتكونون لى شهوداً فى أورشليم وفى كل اليهودية والسامرة وإلى أقصى الأرض " ( أعمال الرسل 8:1 ). 
والقديس متى يذكر قول السيد المسيح لتلاميذه " فأذهبوا وتلمذوا جميع الأمم وعمدوهم بأسم والأبن والروح القدس وعلموهم أن يحفظوا ما أوصيتكم به ، وها أنا معكم كل الأيام وإلى انقضاء الدهر " ( متى 19:28-20 ). 
والقديس مرقس الرسول يذكر وصية السيد المسيح لتلاميذه حينما قال لهم " اذهبوا إلى العالم أجمع وأكرزوا بالإنجيل للخليقة كلها ، من آمن وأعتمد خلص ، ومن لم يؤمن يدن " ( مر 16:16 ). أنها الوصية الكبرى التى بها حدد السيد المسيح رسالة الرسل ورسالة الكنيسة الأساسية وهى الكرازة والشهادة له .
*فى يوم الخمسين ألقى القديس بطرس الرسول عظة عظيمة للشعب وكانت عظته خالدة ، وكانت النتيجة ايجابية : فقبلوا كلامه بفرح  وأعتمدوا وأنضم فى ذلك اليوم ثلاث آلاف نفس " ( أعمال الرسل 41:2 ). ثم يقول لنا سفر أعمال الرسل وصف جميل لحياة الكنيسة الأولى القوة فى إيمانها ووحدانية الروح وحياة الشركة والعبادة التى تمتع بها أبناؤها ( أع 42:2-47). ثم يذكر صفة أساسية فى حياة كنيسة الرسل وهى : 
" كان الرب كل يوم يضم إلى الكنيسة الذين يخلصون " ( أع 47: ). أى أن العمل الكرازى كان عملاً مستمراً له ثمره اليومى فى حياة الكنيسة .. مثالاً للعجائب والآيات الكثيرة التى تجرى على أيدى الرسل .. يذكر قصة شفاء الإنسان الأعرج من بطن أمه والذى أقامه بطرس ويوحنا ( أع 1:3-10). وكيف أن بطرس الرسول انتهر الأثر المدهش الذى تركته المعجزة فى نفوس الشعب ليحدثهم عن يسوع المسيح  رئيس الحياة الذى صلبوه ويدعوهم قائلاً : " توبوا وأرجعوا لتمحى خطاياكم لكى تأتى أوقات الفرج من وجه الرب " ( أع 19:3 ). 
*وفى هذا السفر المقدس نرى أن العمل الكرازى لم يكن بلا مقاومة ، بل ظهرت مقاومة خارجية عنيفة أدت إلى سفك دم ، أول شهداء المسيحية فى عصر الرسل ، القديس اسطفانوس .
*ينبغى أن يطاع الله أكثر من الناس :
أثار نجاح الآباء الرسل فى عملهم الكرازى ثائرة رؤساء الكهنة والكتبة ورؤساء اليهود ، وخاصة ان كلمة الله كانت تنمو وعدد التلاميذ يتكاثر جداً بطريقة عجيبة فى أورشليم  ، وجمهور كثيرة من الكهنة يطيعون الإيمان ( أع 7:6) . صارت للرسل مكانة عظيمة جداً ، وكان الشعب يعظمهم ( أع 13:5). الأمر الذى آثار خوف قادة اليهود ورؤساء الكهنة ، لأنهم كانوا يخافون من الشعب لئلا يرجمهم أن فعلو شيئاً ضد الرسل ( أع 26:5). 
لقد أعترف رئيس الكهنة بنجاح العمل الكرازى حينما قال لهم " ها أنتم قد ملأتهم أورشليم بتعليمكم وتريدون أن تجلبوا علينا دم هذا الإنسان " فلجأ رؤساء الكهنة والكتبة وقادة الشعب إلى عدة أساليب لمقاومة العمل الكرازى للآباء الرسل .. ومن هذا نرى أن عمل الرسل الكرازى أثار رؤساء الكهنة والشعب ، وكان الرسولان بطرس ويوحنا لهما دور قيادى فى العمل الكرازى ، لذلك ركز رؤساء اليهود عليهما أولاً: فالقوا عليهما الأيادى ووضعوهما فى الحبس ، وقدموهما للمحاكمة ، وهددوهما أن لا ينطقا البتة ، ولا يعلما بأسم يسوع المسيح ، لكنهما جاهراً بالشهادة للمسيح ، ولما أطلقا آتياً إلى رفقائهما وأخبراهم بكل ما قاله لهما رؤساء كهنة اليهود والشيوخ ، ولم ينقسم الرسل ولم يترددوا فى الصمود أمام التهديد والأستمرار فى العمل الكرازى ، بل كان الرد هو الصلاة بنفس وأحدة ، فتزعزع المكان الذى كانوا مجتمعين فيه وامتلأ الجميع من الروح القدس ، وكانوا يتكلمون بكلام الله بمجاهرة . ( أع 31:4) . لجأ رؤساء اليهود بعد ذلك إلى حبس الرسل كلهم . ولكن ملاك الرب أخرجهم ، فأحضروهم للمحاكمة فأصروا على الأستمرار فى شهادتهم للمسيح ، فتشاوروا لقتلهم ثم أنتهى الأمر بأنهم جلدوهم ثم أطلقوهم . 
*واجه الآباء الرسل تهديدات كثيرة من اليهود بالمجاهرة بالشهادة للسيد المسيح عندما أحضر رؤساء الكهنة وقادة الشعب الرسولان بطرس ويوحنا لسؤالهما بأية قوة وبأى سلطان صنعتما أنتما هذا ؟!! ( سفاء المفلوج ) " امتلأ بطرس من الروح القدس وقال لهم " يارؤساء الشعب وشيوخ إسرائيل ، إن كنا نفحص اليوم عن إحسان إلى إنسان سقيم بماذا شفى هذا ؟ فليمكن معلوماً عند جميعكم  وجميع شعب بنى إسرأئيل انه يسوع المسيح الناصرى الذى صلبتموه أنتم ، الذى أقامه الله الآب الأزلى قبل كل الدهورمن الأموات .. ليس بأحد غيره الخلاص لأن ليس أسم آخر تحت السماء قد أعطى بين الناس به ينبغى أن نخلص " ( أع 8:4-12). 
* وعندما لجأ رؤساء اليهود إلى أسلوب التهديد ودعوهما أن لا ينطقا البتة ، ولا يعلما بأسم يسوع ، جأءهم الرد وأضحاً جلياً من الرسولان الأبطال "  فأجابهم بطرس ويوحنا وقالا أن كان حقاً أمام الله أن نسمع لكم أكثر من الله فأحكموا ! لأننا نحن لأيمكننا أن لا نتكلم بما رأينا وسمعنا "                   ( أع 19:4،20). وأستمر الرسل يتكلمون بكلام الله بمجاهرة ( أع 31:4). 
*وعندما أحضر رؤساء الكهنة وقادة الشعب الآباء الرسل وقالوا لهم أما أوصيناكم وصية أن لاتعلموا بهذا الأسم .. " فأجاب بطرس وباقى الرسل وقالوا ينبغى أن يطاع الله أكثر من الناس .. اله آبائنا أقام يسوع المسيح المخلص الذى قتلتموه معلقين إياه على خشبه ، هذا رفعه الآب الأزلى الذى فيه ، بيمينه رئيساً ومخلصاً ليعطى إسرائيل التوبة وغفران الخطايا ، ونحن شهود له بهذه الأمور ، والروح القدس أيضاً الذى أعطاه الله للذين يطيعونه " ( أع 29:5-32). 
* دعا رؤساء الكهنة وقادة الشعب اليهودى الآباء الرسل المباركين القديسين وجلدوهم ، وأوصوهم أن لا يتكلموا بأسم يسوع المسيح ثم أطلقوهم " وكانوا ( الرسل ) لايزالون كل يوم فى الهيكل وفى البيوت معلمين ومبشرين المسيح " ( أع 42:5). 
* ومن هذا نرى أن الآباء الرسل وأجهوا مقاومة اليهود بالمجاهرة بالشهادة للمسيح .. وكانوا كلما جاهروا تزداد مقاومة اليهود ، وتتصاعد حدة الوتيرة بينهما ومن الحبس إلى المحاكمة ثم إلى التهديد بالجلد والتشاور على القتل .. ولكن مع تصاعد حدحدة الوتيرة كانت الرسل تشهد للمسيح بالمجاهرة .
* كنيسة الرسل تقول لنا أن الشهادة للمسيح والمجاهرة بأسمه هو الضمان الأكيد لسلام الكنيسة ونموها وازدهارها فى جميع العصور .. وسر نجاح العمل الكرازى لكنيسة الرسل ، أنه كان لجمهور الذين آمنوا بقلب واحد ونفس وأحدة " ( أع 32:4). والأضطهاد لم يغير تلك الحقيقة ، بل كان يعطيهم قوة الفكر ووحدانية القلب .. الرسولان بطرس ويوحنا جاهرا أمام اليهود الذين هددوهما وأطلقوهما .. فلماذا فعل الرسولان ؟ يقول سفر أعمال الرسل " ولما أطلقا أتيا إلى رفقائهما ، فأخبراهم بكل ما قال لهما رؤساء الكهنة والشيوخ " ( اع 23:4 ) . إنها الكنيسة التى تعمل بروح   واحد ، لم تحدث مناقشة حول مدى الحكمة فى الأستمرار فى المجاهرة بأسم يسوع المسيح أمام مقاومة اليهود المتصاعدة ، بل لجأ الجميع إلى الصلاة بنفس وأحدة ، لذلك تزعزع المكان ، وكانوا يتكلمون بكلام الله بمجاهرة ( أع 23:5-31). لم تختلف الرسل فى الفكر والشهادة لأن هدفهم كان هدفاً واحداً وهو تنفيذ وصية المسيح لهم بأن يكونوا شهوداً له .. لم يفكر إحد فى ذاته أو فى  سلامته الشخصية ، بل فكر الجميع فى رسالتهم المشتركة الواحدة .. لذلك كان لهم فكر واحد وروح واحد ونفس واحدة .
*أحتمل الآباء الرسل مقاومة اليهود بفرح ، ولم يخافوا أو يجزعوا وعندما وصل الأمر إلى الجلد يقول الكتاب المقدس فى سفر أعمال الرسل " أما هم فذهبوا فرحين أمام المجمع ، لأنهم حسبوا مستاهلين أن يهانوا من أجل أسمه " ( أع 41:5) . ونراه فى العديد من قصص الشهداء العظماء الذين يتقدمون للأستشهاد من أجل المسيح وهم يتهللون ويسبحون وكأنهم ذاهبون إلى عرس ..
ولولا حدث العنصرة لما أمتد الخلاص والبشارة للعالم أجمع .

وكل عام وحضراتكم بخير. 

الكاتب والمفكر القبطى
يونان مرقص القمص تاوضروس  
 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة