علاء عبدالوهاب
علاء عبدالوهاب


يوميات الأخبار

من يصنع المستقبل.. يملكه | يوميات الأخبار

علاء عبدالوهاب

الثلاثاء، 14 يونيو 2022 - 05:41 م

 

أقول لحزب مناهضة المستقبل : لماذا لا نحيا اليوم، ونفكر فى الغد؟ أى تعارض بين الأمرين؟!

 كيف تنظر للمستقبل؟ هل فاجأك السؤال؟
 دائما، وفى كل مراحل العمر كنت أسعى لأن ينتقل السؤال من مجرد «مونولوج» يدور داخل عقلى، إلى ديالوج أتشارك فيه مع من حولى.
 كنت أتعمد إلقاء أحجار صغيرة فى بحيرة الأفكار الراكدة، فعلت ذلك مع جيل يسبقنى، ثم مع أطياف من جيلى، وصولا إلى جيل الأبناء ثم الأحفاد.
«مسألة المستقبل» مثلت لى إحدى أهم قضايا العمر.
 كنت أنظر حولى، ودون أن أبذل جهدا يذكر أتبين فروقا تفصلنا عن مجتمعات تقدمت خطوات شاسعة نحو المستقبل، وأخرى مشدودة للماضى، وثالثة تراوح مكانها واهمة أنها تتحرك للأمام، بينما الحقيقة أنها تتحرك فى محلها!
 ناس تقدس الماضى، وتعتبر تجاوزه خطيئة لا تغتفر، وآخرون يستشرفون المستقبل، ويرسمون ملامحه، ليس بالأحلام، ولكن عبر امتلاك مناهج وسبل ودروب تقود نحو المستقبل المنشود، وتصنع أفكاره ومنتجاته.
 ناس لا تنتظر أن يأتيها ما ترنو إليه دون تخطيط وتعامل علمى عقلانى، وآخرون يتواكلون، ثم ينفقون المليارات فى الحجرات المظلمة التى يتصيد داخلها من احترفوا الدجل والشعوذة زبائنهم، والمحزن أن بينهم من ينتمى للنخبة، ولا يقتصر الأمر على الجهلة وأنصاف المتعلمين وأرباعهم!
 ناس تتعامل مع مفهوم المستقبل باعتباره أفقا غامضا، وآخرون يقبلون التحدى ويُقبلون على تعلم قواعد «علم المستقبل» فالأمر يتجاوز «الفهلوة»، والرجم بالغيب، وادعاءات من يروجون للسحر ويدعون اتقانهم لفنونه!
هكذا أنفقت من العمر، وعلى مداره، أوقاتا ليست بالقليلة انحيازا لقضية المستقبل.

كيف تنظر للمستقبل؟ هل فاجأك السؤال؟
 دائما، وفى كل مراحل العمر كنت أسعى لأن ينتقل السؤال من مجرد «مونولوج» يدور داخل عقلى، إلى ديالوج أتشارك فيه مع من حولى.
 كنت أتعمد إلقاء أحجار صغيرة فى بحيرة الأفكار الراكدة، فعلت ذلك مع جيل يسبقنى، ثم مع أطياف من جيلى، وصولا إلى جيل الأبناء ثم الأحفاد.
«مسألة المستقبل» مثلت لى إحدى أهم قضايا العمر.
 كنت أنظر حولى، ودون أن أبذل جهدا يذكر أتبين فروقا تفصلنا عن مجتمعات تقدمت خطوات شاسعة نحو المستقبل، وأخرى مشدودة للماضى، وثالثة تراوح مكانها واهمة أنها تتحرك للأمام، بينما الحقيقة أنها تتحرك فى محلها!
 ناس تقدس الماضى، وتعتبر تجاوزه خطيئة لا تغتفر، وآخرون يستشرفون المستقبل، ويرسمون ملامحه، ليس بالأحلام، ولكن عبر امتلاك مناهج وسبل ودروب تقود نحو المستقبل المنشود، وتصنع أفكاره ومنتجاته.

ناس لا تنتظر أن يأتيها ما ترنو إليه دون تخطيط وتعامل علمى عقلانى، وآخرون يتواكلون، ثم ينفقون المليارات فى الحجرات المظلمة التى يتصيد داخلها من احترفوا الدجل والشعوذة زبائنهم، والمحزن أن بينهم من ينتمى للنخبة، ولا يقتصر الأمر على الجهلة وأنصاف المتعلمين وأرباعهم!
 ناس تتعامل مع مفهوم المستقبل باعتباره أفقا غامضا، وآخرون يقبلون التحدى ويُقبلون على تعلم قواعد «علم المستقبل» فالأمر يتجاوز «الفهلوة»، والرجم بالغيب، وادعاءات من يروجون للسحر ويدعون اتقانهم لفنونه!
هكذا أنفقت من العمر، وعلى مداره، أوقاتا ليست بالقليلة انحيازا لقضية المستقبل.

حزب مناهضة المستقبل
«احيينى النهارده وموتنى بكره».
 كان هذا المثل البغيض شعارا يتبناه الكبار ـ سنا بالطبع ـ حينما كنت فى مرحلتى الصبا والشباب.
والمعنى فى وضوح شمس أغسطس، فإذا جادلت «عم فلان»، أو «الأستاذ علان»، ورددت متسائلا: ولماذا لا نحيا اليوم، ونفكر فى الغد؟ أى تعارض بين الأمرين؟!
يأتيك الرد سريعا، وبذات الكلمات تقريبا:  يا عزيزى أنت مازلت بعد صغيرا، لا تدرك أن المستقبل بيد الله.
- ألم يأمرنا ديننا الحنيف بوضوح بأن نعقلها ونتوكل، ألسنا مأمورين بالأخذ بالأسباب وبالسعى و.. و...
ولاتكمل عبارتك حتى يأتيك الرد وكأنها رصاصات من سلاح سريع الطلقات:
- بلاش فلسفة فارغة، ربما تقود إلى ما لا يحمد عقباه، أن من يحاول هتك أسرار الغيب يهوى فى الكفر... و.. و..
وعبارات تتراص لتشيّد سدا منيعا يحول بين المرء ورؤية ما يجاوز أصابع كفه، فما بالك بما يبعد عنه عدة خطوات!
أطلقت على هؤلاء، وكنت لم أكمل بعد عقدى الثانى، وصفا أزعم صحته: إنهم «حزب مناهضة المستقبل»!
 بالطبع، فإن التعميم يجنح بعيدا عن الصواب، فقد كان هناك من يشجعك على استحياء، ممن فتح الله عليهم، وأنار بصائرهم، لكنهم لم يكونوا ليبتعدوا كثيرا عن السرب!
 ورغم أن هذه الحقبة شهدت أحاديث عدة تناولت فكرة التخطيط، وتحويلها إلى برامج وسياسات، إلا أن رموز هذا الحزب واتباعه ظلوا فى غيّهم يعمهون! يتربصون بمن يدعو إلى تبنى ثقافة المستقبل وعلومه، ولا يكفون عن رمى رموز التنوير بشتى التهم والرزايا!

ميلاد الزمن القادم
 مع انطلاق ثورات المعلومات والتكنولوچيا والاتصالات، وميلاد عصر جديد، كان من حظ جيلى أن يكون شاهدا عليها، اختلف الأمر، هاجس المستقبل لا يقتصر على الأنظمة والمؤسسات، لكنه بات هما يشغل بال الفرد/ الإنسان، الذى يشكل اللبنة الأساسية لأى أمة أو شعب.
الاستشراف، التنبؤ، التوقع، مفردات لم يعد استخدامها مقتصرا على الكيانات الكبرى، أو الأجهزة التى تملك إمكانات هائلة، أو المختبرات ومراكز الأبحاث حيث يقبع العلماء والباحثون والمفكرون، إن علوم المستقبل وثقافته باتت أكثر شعبية، ودوائرها تتسع.
 الانفجار المعلوماتى الذى كان من حسن حظ جيلى أن يشهد ميلاده المزلزل، وتوابعه التى لم تتوقف حتى الآن، جعل التطلع للمستقبل مسألة إنسانية بالأساس، تشغل بال قطاعات واسعة.
 وبقدر عمق العوامل التى تصنع تلك التطلعات، يتسع نطاق الرهانات والطموحات التى تدور حولها رؤى المستقبل.
بدأ جيلى يدرك أن ثمة خطوات يحرزها على حساب حزب مناهضة المستقبل، خصماً من رصيده الذى تضخم إلى ما يشبه الورم السرطانى.
 أدرك جيلى ـ أيضاً ـ أن العلم والتقنية من أكثر الأدوات التى يتم تسخيرها كجسرين للانتقال من لحظة الحاضر إلى آفاق المستقبل، جيل كُتب له أن يشهد لحظة فريدة على منحنى الزمن، تنطلق من الحاضر نحو الزمن القادم، إن المستقبل يُصنع على أعيننا.

الآن اختلف الأمر
 لم يعد الانشغال بالمستقبل والاهتمام بهمومه مسألة فردية أو تعنى النخب فى أى مجتمع يتطلع لنيل الأفضل، لكنه صار أمراً يخص كل فرد معنى بالسعى لغد أرحب، تماماً كما أصبح هماً إنسانياً جامعاً.

وكان قدر رموز من جيلى أن تواصل حمل راية رواد الفكر المستقبلى فى مصر ومحيطها العربى، بالتأكيد المستمر على أن المستقبل كقضية لابد أن تتخذ الحيز الذى يتناسب مع أهميتها فى تشكيل الوعى بها، والأهم تقبل عبء تغذية عقول جيل الأبناء ثم الأحفاد بخطورة الوعى بالمستقبل وعلومه وثقافته.
 لم يكن المهمومون من جيلى بقضية المستقبل وحدهم فى الميدان، فثمة مراكز بحثية، وباحثون من الوزن الثقيل بدأوا فى إنتاج ثمار فكرية متميزة، عبر مشروعات عنوانها العريض تقديم مبادرات تستشرف المستقبل، ومشروعات تطرح سيناريوهات بديلة للتعامل مع زمن قادم بكل حمولته من التحديات، كان المنتج زاداً لجيلى الذى واجه صراعاً ضارياً مع «حزب مناهضة المستقبل» دون أن يجد ظهيراً أو سنداً، الآن اختلف الأمر.
 صحيح أن الكثيرين انغمسوا فى البحث عن المستقبل من منظور الطموح الشخصى، ولاشك فى مشروعية ذلك، سواء كان السعى لتوسعة فى الرزق، أو ارتقاء السلم الوظيفى، لكن هناك من اعتقدو أنه لا فاصل بين الطموح الفردى وأن يحلم ،المواطن من أجل مستقبل أفضل وأرحب لوطنه.
 ومادام الأمر كذلك، فإن تنشئة جيل الأبناء على النظر للمستقبل بصورة مغايرة، تتناسب مع حجم ما ينتظرهم من تحويلات سريعة الإيقاع بات حتمياً.

تحديات الأحفاد
 المحصلة التى جناها الجيل الذى أنتمى إليه، أن الطريق للمستقبل ليس إلا سلسلة من الأحلام والمحاولات التى تفضى فى النهاية، لحياة أفضل يتمتع فيها الإنسان بمنجزات أصحاب الجهود التى لا تفتر، والآمال العصية على الوأد مهما طالت الرحلة، وارتفعت كلفتها ومشاقها.
 وإذا كان حال جيل الأحفاد أفضل كثيراً من جيل الأبناء، لأنهم فتحوا أعينهم على عالم مختلف تماماً عما شهده جيلى حين وعى، ثم أنه يختلف نوعياً عما تفتحت عليه مدارك آبائهم، فى ظل تحول ما كان أقرب إلى الخيال العلمى إلى واقع يعيشونه بالفعل.
 أكثر من ثورة تقنية أصبحت ثمارها قريبة من أنامل الأحفاد، جعلت من مفهوم القرية العالمية حقيقة واقعة، لكن بقدر ما يحمل ذلك من انفتاح آفاق رحيبة، بقدر ما يشير إلى مخاطر جمة لابد من التعامل معها بما تستحقه من حذر.

 ورغم كل هذا التقدم الهائل فى صورة طفرات تحبس البشرية معها أنفاسها، فإن القادم أخطر، ومازال فى طيات الغد الكثير، مما ينتظر جيل الأحفاد.
 مثلاً ، زحف الروبوت حتى أنه لن يستثنى مجالاً فى جميع الأنشطة الإنسانية، باعتماده على برامج تتطور كل يوم، فإلى أى مدى يؤثر هذا المشهد على وظائف المستقبل؟ وهل يحل الروبوت، وبرامج الكمبيوتر المتقدمة محل الأحفاد فى الكثير من مواقع العمل؟
 نوع جديد من الاستعداد للزمن الآتى، على الأحفاد التسلح لمواجهته من الآن، وقبل أن يتحول الأمر إلى صدمة!

«النداء الأخير»
 قبل أن تقلع الطائرة، يأتى النداء الأخير عبر الإذاعة الداخلية بصالة السفر، لتنبيه الساهى، هنا أعمد إلى نداء أخير لجيل الاحفاد.
 أتمنى عليهم ألا يغادروا الوطن سعياً إلى فرصة فى بلد أكثر تقدماً، وأغنى تقنية، فلماذا لا يصنعون فرصتهم فى وطنهم؟ لماذا لا يقيل النابغ منهم التحدى ويعمل ويجتهد للابتكار والإبداع؟ وبالمقابل فإن على الدولة أن تشجعهم عبر دعم مراكز البحث العلمى والتكنولوچى بأقصى ما تستطيع.
 أرجو ألا يساهموا فى مزيد من نزيف العقول.. وكفى خسائر عبر أجيال سبقتهم.

أتمنى لهم ـ أيضاً ـ أن يكفوا عن أن يكونوا مجرد مستهلكين لمنتجات تكنولوچية واردة من وراء البحار، حرصاً على لهو أو لعب، فلا بأس من اقتناء ما يفيد فى ترقية معارفهم، أو يساهم فى إنجاز أبحاثهم وتجاربهم عبر ما يصل لأيديهم أو يتوافر لهم من أجهزة متقدمة تضاهى ما فى أيدى أقرانهم فى مجتمعات تزهو بتقدمها العلمى والتقنى، ثم لا تكتفى بالزهو بل تتبارى أجيالهم فى بناء المستقبل.
 أحفادى الأعزاء: ليكن نصب أعينكم دائماً: أن من يصنع المستقبل يملكه.

«احيينى النهارده وموتنى بكره».
 كان هذا المثل البغيض شعارا يتبناه الكبار ـ سنا بالطبع ـ حينما كنت فى مرحلتى الصبا والشباب.
والمعنى فى وضوح شمس أغسطس، فإذا جادلت «عم فلان»، أو «الأستاذ علان»، ورددت متسائلا: ولماذا لا نحيا اليوم، ونفكر فى الغد؟ أى تعارض بين الأمرين؟!
يأتيك الرد سريعا، وبذات الكلمات تقريبا:  يا عزيزى أنت مازلت بعد صغيرا، لا تدرك أن المستقبل بيد الله.
- ألم يأمرنا ديننا الحنيف بوضوح بأن نعقلها ونتوكل، ألسنا مأمورين بالأخذ بالأسباب وبالسعى و.. و...
ولاتكمل عبارتك حتى يأتيك الرد وكأنها رصاصات من سلاح سريع الطلقات:
- بلاش فلسفة فارغة، ربما تقود إلى ما لا يحمد عقباه، أن من يحاول هتك أسرار الغيب يهوى فى الكفر... و.. و..
وعبارات تتراص لتشيّد سدا منيعا يحول بين المرء ورؤية ما يجاوز أصابع كفه، فما بالك بما يبعد عنه عدة خطوات!
أطلقت على هؤلاء، وكنت لم أكمل بعد عقدى الثانى، وصفا أزعم صحته: إنهم «حزب مناهضة المستقبل»!
 بالطبع، فإن التعميم يجنح بعيدا عن الصواب، فقد كان هناك من يشجعك على استحياء، ممن فتح الله عليهم، وأنار بصائرهم، لكنهم لم يكونوا ليبتعدوا كثيرا عن السرب!

ورغم أن هذه الحقبة شهدت أحاديث عدة تناولت فكرة التخطيط، وتحويلها إلى برامج وسياسات، إلا أن رموز هذا الحزب واتباعه ظلوا فى غيّهم يعمهون! يتربصون بمن يدعو إلى تبنى ثقافة المستقبل وعلومه، ولا يكفون عن رمى رموز التنوير بشتى التهم والرزايا!

ميلاد الزمن القادم
 مع انطلاق ثورات المعلومات والتكنولوچيا والاتصالات، وميلاد عصر جديد، كان من حظ جيلى أن يكون شاهدا عليها، اختلف الأمر، هاجس المستقبل لا يقتصر على الأنظمة والمؤسسات، لكنه بات هما يشغل بال الفرد/ الإنسان، الذى يشكل اللبنة الأساسية لأى أمة أو شعب.
الاستشراف، التنبؤ، التوقع، مفردات لم يعد استخدامها مقتصرا على الكيانات الكبرى، أو الأجهزة التى تملك إمكانات هائلة، أو المختبرات ومراكز الأبحاث حيث يقبع العلماء والباحثون والمفكرون، إن علوم المستقبل وثقافته باتت أكثر شعبية، ودوائرها تتسع.
 الانفجار المعلوماتى الذى كان من حسن حظ جيلى أن يشهد ميلاده المزلزل، وتوابعه التى لم تتوقف حتى الآن، جعل التطلع للمستقبل مسألة إنسانية بالأساس، تشغل بال قطاعات واسعة.

وبقدر عمق العوامل التى تصنع تلك التطلعات، يتسع نطاق الرهانات والطموحات التى تدور حولها رؤى المستقبل.
بدأ جيلى يدرك أن ثمة خطوات يحرزها على حساب حزب مناهضة المستقبل، خصماً من رصيده الذى تضخم إلى ما يشبه الورم السرطانى.
 أدرك جيلى ـ أيضاً ـ أن العلم والتقنية من أكثر الأدوات التى يتم تسخيرها كجسرين للانتقال من لحظة الحاضر إلى آفاق المستقبل، جيل كُتب له أن يشهد لحظة فريدة على منحنى الزمن، تنطلق من الحاضر نحو الزمن القادم، إن المستقبل يُصنع على أعيننا.

الآن اختلف الأمر
 لم يعد الانشغال بالمستقبل والاهتمام بهمومه مسألة فردية أو تعنى النخب فى أى مجتمع يتطلع لنيل الأفضل، لكنه صار أمراً يخص كل فرد معنى بالسعى لغد أرحب، تماماً كما أصبح هماً إنسانياً جامعاً.
وكان قدر رموز من جيلى أن تواصل حمل راية رواد الفكر المستقبلى فى مصر ومحيطها العربى، بالتأكيد المستمر على أن المستقبل كقضية لابد أن تتخذ الحيز الذى يتناسب مع أهميتها فى تشكيل الوعى بها، والأهم تقبل عبء تغذية عقول جيل الأبناء ثم الأحفاد بخطورة الوعى بالمستقبل وعلومه وثقافته.
 لم يكن المهمومون من جيلى بقضية المستقبل وحدهم فى الميدان، فثمة مراكز بحثية، وباحثون من الوزن الثقيل بدأوا فى إنتاج ثمار فكرية متميزة، عبر مشروعات عنوانها العريض تقديم مبادرات تستشرف المستقبل، ومشروعات تطرح سيناريوهات بديلة للتعامل مع زمن قادم بكل حمولته من التحديات، كان المنتج زاداً لجيلى الذى واجه صراعاً ضارياً مع «حزب مناهضة المستقبل» دون أن يجد ظهيراً أو سنداً، الآن اختلف الأمر.
 صحيح أن الكثيرين انغمسوا فى البحث عن المستقبل من منظور الطموح الشخصى، ولاشك فى مشروعية ذلك، سواء كان السعى لتوسعة فى الرزق، أو ارتقاء السلم الوظيفى، لكن هناك من اعتقدو أنه لا فاصل بين الطموح الفردى وأن يحلم ،المواطن من أجل مستقبل أفضل وأرحب لوطنه.
 ومادام الأمر كذلك، فإن تنشئة جيل الأبناء على النظر للمستقبل بصورة مغايرة، تتناسب مع حجم ما ينتظرهم من تحويلات سريعة الإيقاع بات حتمياً.

تحديات الأحفاد
 المحصلة التى جناها الجيل الذى أنتمى إليه، أن الطريق للمستقبل ليس إلا سلسلة من الأحلام والمحاولات التى تفضى فى النهاية، لحياة أفضل يتمتع فيها الإنسان بمنجزات أصحاب الجهود التى لا تفتر، والآمال العصية على الوأد مهما طالت الرحلة، وارتفعت كلفتها ومشاقها.
 وإذا كان حال جيل الأحفاد أفضل كثيراً من جيل الأبناء، لأنهم فتحوا أعينهم على عالم مختلف تماماً عما شهده جيلى حين وعى، ثم أنه يختلف نوعياً عما تفتحت عليه مدارك آبائهم، فى ظل تحول ما كان أقرب إلى الخيال العلمى إلى واقع يعيشونه بالفعل.
 أكثر من ثورة تقنية أصبحت ثمارها قريبة من أنامل الأحفاد، جعلت من مفهوم القرية العالمية حقيقة واقعة، لكن بقدر ما يحمل ذلك من انفتاح آفاق رحيبة، بقدر ما يشير إلى مخاطر جمة لابد من التعامل معها بما تستحقه من حذر.

ورغم كل هذا التقدم الهائل فى صورة طفرات تحبس البشرية معها أنفاسها، فإن القادم أخطر، ومازال فى طيات الغد الكثير، مما ينتظر جيل الأحفاد.
 مثلاً ، زحف الروبوت حتى أنه لن يستثنى مجالاً فى جميع الأنشطة الإنسانية، باعتماده على برامج تتطور كل يوم، فإلى أى مدى يؤثر هذا المشهد على وظائف المستقبل؟ وهل يحل الروبوت، وبرامج الكمبيوتر المتقدمة محل الأحفاد فى الكثير من مواقع العمل؟
 نوع جديد من الاستعداد للزمن الآتى، على الأحفاد التسلح لمواجهته من الآن، وقبل أن يتحول الأمر إلى صدمة!

«النداء الأخير»
 قبل أن تقلع الطائرة، يأتى النداء الأخير عبر الإذاعة الداخلية بصالة السفر، لتنبيه الساهى، هنا أعمد إلى نداء أخير لجيل الاحفاد.
 أتمنى عليهم ألا يغادروا الوطن سعياً إلى فرصة فى بلد أكثر تقدماً، وأغنى تقنية، فلماذا لا يصنعون فرصتهم فى وطنهم؟ لماذا لا يقيل النابغ منهم التحدى ويعمل ويجتهد للابتكار والإبداع؟ وبالمقابل فإن على الدولة أن تشجعهم عبر دعم مراكز البحث العلمى والتكنولوچى بأقصى ما تستطيع.
 أرجو ألا يساهموا فى مزيد من نزيف العقول.. وكفى خسائر عبر أجيال سبقتهم.

أتمنى لهم ـ أيضاً ـ أن يكفوا عن أن يكونوا مجرد مستهلكين لمنتجات تكنولوچية واردة من وراء البحار، حرصاً على لهو أو لعب، فلا بأس من اقتناء ما يفيد فى ترقية معارفهم، أو يساهم فى إنجاز أبحاثهم وتجاربهم عبر ما يصل لأيديهم أو يتوافر لهم من أجهزة متقدمة تضاهى ما فى أيدى أقرانهم فى مجتمعات تزهو بتقدمها العلمى والتقنى، ثم لا تكتفى بالزهو بل تتبارى أجيالهم فى بناء المستقبل.
 أحفادى الأعزاء: ليكن نصب أعينكم دائماً: أن من يصنع المستقبل يملكه.

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة