جمال حسين
جمال حسين


يوميات الأخبار

أيام فى زمن الذقون !!

جمال حسين

السبت، 18 يونيو 2022 - 07:34 م

قلت للواء محمد إبراهيم وزير الداخليَّة: الإخوان وضعوا اسمي وأسماء زملائى المُحررين الأمنيين بالوزارة على قوائم الاغتيالات، فابتسم قائلاً: كلنا مشروع شهيد.

أيامٌ قليلة ويحتفل المصريون بذكرى ثورة 30 يونيو التى خلَّصت أرض الكنانة من الاحتلال الإخوانى الذى جثم على صدورنا سنةً كبيسةً، حاولوا فيها السيطرة على مفاصل الدولة وأخْونتها، واختراق حصون الجيش والشرطة وأجهزة سياديَّة، كان مجرد مرورهم أمام بواباتها حلمًا بعيد المنال، بل من رابع المُستحيلات!!

لم يكن الطريق إلى 30 يونيو ممهداً ومفروشاً بالورود، بل كان وعراً وشائكاً، سالت فيه دماء زكيَّة لخير أجناد الأرض من أبطال قواتنا المسلَّحة الباسلة والشرطة؛ لتخليص بلادنا من احتلال إخوانىٍّ ضرب عرض الحائط بكل دروس الجغرافيا والتاريخ.. لم ولن ينسى المصريون أن جماعة الإخوان تحالفت مع شياطين الفريق القومى للخيانة فى الداخل والخارج، عبدة الدرهم والدولار؛ لإسقاط أرض الكنانة، لكن الله رد كيدهم إلى نحورهم عندما ثار الشعب، وتقدَّم الصفوف رجلٌ من خِيرة أبنائه؛ هو الفريق أول عبدالفتاح السيسى، وزير الدفاع فى ذلك الوقت، ليُنقذ مصر من حكم الفاشية الدينيَّة.

سداد الفواتير

جاء مرسى إلى الحكم محمَّلاً بفواتير كثيرة، ووعودٍ واجبة النفاذ، قطعها على نفسه للأهل والعشيرة، خلال فترة حملته الانتخابية؛ رداً لجميلهم، حيث ساندوه للوصول إلى سدة الحكم.

قرَّر مرسى ومكتب الإرشاد أن تكون البداية الثأر من وزارة الداخليَّة ورجالها، وفى مقدمتهم مباحث أمن الدولة التى كانت «بعبع» الجماعة وأخواتها من التنظيمات الإرهابيَّة.. رفع شعار «هيكلة الداخلية وأخْونتها».

زرع القيادى الإرهابى أيمن هدهد داخل ديوان الوزارة فى لاظوغلى، وعيَّنه مستشاراً أمنياً له بوزارة الداخليَّة، رغم أنه مهندسٌ زراعى، وفى اليوم الأول لدخول هدهد الوزارة، تشاجر مع اللواء هانى عبداللطيف، المتحدِّث الرسمى للوزارة، وطالبه بتغيير شكل ومضمون الخطاب الإعلامى لبيانات الوزارة، وحذف جملة تغضب الرئيس مرسى يقولها المتحدِّث فى نهاية كل بيانٍ إعلامىٍّ؛ وهى: «وتُناشد وزارة الداخليَّة القوى السياسيَّة بأن تضع مصلحة مصر فوق كل اعتبارٍ»، وطالب بأن يتم استبدال هذه الجملة بعبارة: «وتُناشد وزارة الداخليَّة القوى السياسيَّة والشعب المصرى بمساندة الشرعيَّة، والحفاظ على الاستقرار فى البلاد» !! لكن اللواء هانى عبداللطيف رفض بإصرارٍ..

وفى سابقةٍ هى الأولى من نوعها، أصرَّ مرسى على مراجعة حركة تنقلات وترقيات الشرطة؛ للإطاحة بمن تُريد الجماعة، وبالفعل أطاح بـ 450 ضابطاً من أكفأ ضُباط أمن الدولة، الذين كانوا يُلقون القبض عليهم قبل وصولهم للحكم، وفى ثانى حركة، استدعى مرسى اللواء محمد إبراهيم يوسف، وزير الداخليَّة، وطلب منه إحضار حركة الشرطة إلى قصر الاتحاديَّة، وأخذ منه نسخةً من حركة الشرطة، أرسلها إلى مكتب الإرشاد الذى أرسلها بدوره إلى أمناء مكاتب الإرشاد بالمحافظات؛ لإعداد قائمة بأسماء مَنْ يُريدون الإطاحة بهم.

والأغرب أنه طلب منه ترقية لواء شرطة، وأصرَّ على تعيينه مديراً لأمن الشرقيَّة بقرارٍ جمهورىٍّ، وإذا عُرف السبب بطل العجب، فقد أراد مرسى رد الجميل لهذا اللواء؛ لأنه منذ سنوات أعاد له رخصة قيادة سيارته التى سحبها أحد ضُباط المرور، عندما كان مرسى أستاذاً بكلية الهندسة جامعة الزقازيق، وكان الضابط وقتها مديراً لمرور الشرقيَّة!!

حرص الإخوان على ضرب وزارة الداخليَّة من داخلها عن طريق ضُباط اللُحى المدعومين من الإخوان والسلفيين، والذين بلغ عددهم 74 ضابطاً وأمين شرطة، وأدخلوا قضيتهم إلى مجلس الشعب، رغم رفض كل وزراء الداخليَّة المُتعاقبين فى هذه الفترة، لدرجة أن المرشد محمد بديع قال لوزير الداخليَّة اللواء محمد إبراهيم فى حضور مرسى: عجيب أمركم يا وزير الداخلية، أتحاربون الذقون فى زمن الذقون!!

لبَّى مرسى رغبة الأهل والعشيرة بتحقيق حلمهم بإلحاق أبنائهم بكلية الشرطة، وأصدر توجيهاته بإلغاء التحريات السياسيَّة، التى كانت تقف حجر عثرة أمام التحاق أبناء الإخوان والتيارات الدينيَّة المُتطرفة بكلية الشرطة، وهو ما مكَّن 75 من أبناء الإخوان من دخول كلية الشرطة، وعندما رحل مرسى ونظامه، تم فصل هؤلاء الطلاب من الكليَّة.

كان مُخطط هيكلة وزارة الداخليَّة يشمل نقل تبعية أمن الدولة لرئيس الوزراء؛ لكونها جهازاً معلوماتياً، وإلغاء الأمن المركزى، وإبعاد الأحوال المدنيَّة والجوازات، وتعيين خريجى الحقوق ضُباط شرطة.

مرسى والظواهرى

‏‎يا لها من صدمةٍ قاسيةٍ تلك التى تلقَّاها الشعبُ المصرىُّ، عندما عَلِم بأن الشخصَ الذى كان يحكمه، يتعاون مع أخطر تنظيمٍ إرهابىٍّ فى العالم، وأنه يُحيك المُؤامرات ضد بلده، من خلال اتصالاتٍ مع جهاتٍ أجنبيَّةٍ؛ حملت تفاصيلها أوراق قضايا التخابر، وأنصار بيت المقدسِ، واقتحام السجونِ،
بعد أيامٍ قليلةٍ من جلوسهِ على عرش مصر، سارع مرسى بإيعازٍ من رئيس ديوانه محمد رفاعة الطهطاوى، بالإفراج عن محمد الظواهرى؛ شقيق أيمن الظواهرى، وكان محكوماً عليه بالإعدام شنقًا منذ عام 1998 فى قضية «العائدون من ألبانيا»، وربَّما أراد مرسى وقيادات مكتب الإرشاد من ذلك مغازلة أيمن الظواهرى، زعيم تنظيم القاعدة، حتى يُساعدهم فى تثبيت دعائم حكمهم.

 رصدت الأجهزةُ المعنية خمسة اتصالاتٍ بين مرسى وأيمن الظواهرى.. الأول بعد شهرٍ فقط من رئاسة مرسى، الذى طالب الظواهرى بدعم الإخوان، وكان رد الظواهرى عليه: احكم أولًا بشرع الله؛ لنقف إلى جوارك.. تأسيس دولةٍ إسلاميَّةٍ وتخلَّص من العلمانيين ومن مُعارضيك.. وطمأنه مرسى قائلاً: الخلافةُ الإسلاميَّةُ مُقبلةٌ يا أمير الحق..
 الاتصال الثانى، كان فى الخامس من سبتمبر 2012، وطلب فيه الظواهرى الإفراج عن كل عناصر الجماعات من السجون، وقال لمرسى: لا تنسَ عناصرنا كان لها الفضلُ فى وجودكم خارج سجون الطُغيانِ، ومساندتنا واجبةٌ، ومطالبنا صغيرةٌ؛ وهى الإفراج عن رجال القاعدةِ والمُجاهدين فى سجون العقرب وغيرها من السجونِ، ودعمنا بالمالِ والسلاحِ فى ليبيا واليمن وسيناء، وأن يكون هناك جزءٌ من المالِ، مُخصَّصٌ لأسر المجاهدين، وعقب هذه المكالمة، أصدر مرسى 5 قرارات جمهوريَّة بالإفراج عن مجموعات من أخطر العناصر المحكوم عليها بالإعدام والمؤبد، من بينهم الإرهابى عادل حبَّارة، الذى كان محكوماً عليه بالإعدام، وبعد الإفراج عنه، نفَّذ مذبحة رفح الأولى ضد الجنود بسيناء.

الاتصال الثالث تمَّ فى شهر ديسمبر من عام 2012، طالب فيه الظواهرى مرسى بإنشاء معسكرات تدريب للميليشيات فى سيناء والحدود الغربية المتاخمة مع ليبيا، وردَّ مرسى: إحنا محتاجين فعلًا للحرس للتأمين، ولدينا شبابٌ مُتحمسٌ.. التقارير بتحذَّرنا من محاولات الفلول للانقلابِ، وقال الظواهرى: أطلب الإفراجَ عن الشيخ عمر عبدالرحمن، والضغط على أمريكا للإفراج عنه، وعليكم بتطبيق تجربة باكستان وأفغانستان، وإعدام كل من يُخالف الشريعة.

وعقب المكالمة أجرى مرسى اتصالات مع مسئولين أمريكيين، وكلَّف مساعده عصام الحداد؛ للتحرُّك للإفراج عن عمر عبدالرحمن، وتم الإفراج عنه بالفعل.
 المكالمة الرابعة كانت أثناء زيارة مرسى لباكستان، حيث خطَّط الإخوانُ وقتها لترتيب لقاء بين مرسى والظواهرى هناك، وفى آخر لحظة تم إلغاء اللقاء، بعد تسرُّب معلومات إلى المخابرات الأمريكيَّة، واستبدل أيمن اللقاء بمكالمة هاتفية سريعة مع مرسى، قال فيها: السلام عليكم.. الأجواء غير مناسبةٍ، والإخوة عندنا رصدوا معلومات مهمة، وطلبنا إلغاء الموعد، ليرد مرسى: سلامتكم تهمنا أولاً وكل مطالبكم سوف تُنفَّذ.. الاتصال الأخير بين مرسى وأيمن الظواهرى تم صباح يوم ثورة  30 يونيو 2013، من داخل قصر الاتحادية،  بحضور كلٍّ من محمد رفاعة الطهطاوى وأسعد الشيخة، وكان هذا الاتصال بمثابة رسالة استغاثة من مرسى للظواهرى، قال مرسى: الوضع هنا خطير.. نُواجه مظاهرات كبيرة من المعارضين لنا وللمشروع الإسلامى، والوضع متأزمٌ، والجيش أعلن موقفه معهم، ونحتاج دعمكم بسرعة.. حرَّكوا الناس ضدنا، نحتاج الدعم للضغط على الجيش فى سيناء، ورد الظواهرى: لن نتأخَّر وسوف نُنسِّق مع الإخوة حول المطلوب.

على قائمة الاغتيالات

صباح أحد الأيام استيقظتُ على رنينٍ لا ينقطع لتليفونى.. كان المتحدِّث زميلى وصديقى أحمد عبدالله، المُحرر الأمنى لوكالة أنباء الشرق الأوسط.. بادرنى مُنزعجاً: شوفت المصيبة اللى احنا فيها؟ قلت له: خير؟ أجاب: الإخوان اخترقوا قاعدة بيانات المُحررين الأمنيين بوزارة الداخلية، ووضعوا أسماءنا على قائمة الاغتيالات، وبدأوا يتصلوا بنا ويُهددونا بالقتل إن لم نتوقَّف عن الكتابة ضدهم، قلت فعلاً تلقيت مساء أمس اتصالين من رقمين مجهولين مسبوقين بمفتاح دولتين خليجيتين، ووجَّه المتصلان لى سيلاً من الشتائم والتهديدات.. قال وهذا ما حدث مع زملاء آخرين.. اتفقنا على التجمع فى الحادية عشرة لعرض الأمر على وزير الداخلية. واستقبلنا بابتسامته المعهودة قائلاً: «لا تنزعجوا كلنا مشروع شهيد، وأنا أول شخصٍ على رأس كل قوائم الاغتيالات».

ولم تمضِ سوى شهور قليلة بعد هذه الواقعة إلا وحدث التفجير الإرهابى المروع الذى استهدف موكب وزير الداخلية بسيارة مفخَّخة بحوالى 2 طن من مادتى «تى إن تى» و«سى فور» شديدتى الانفجار لكن إرادة الله كتبت له النجاة بأعجوبة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة