الجماعات الإرهابية
الجماعات الإرهابية


الإرهاب يستخدم شبكات «التجنيد الرقمي» على السوشيال ميديا

أخبار الحوادث

الأحد، 19 يونيو 2022 - 06:19 م

تقرير يكتبه: عمرو فاروق

على مدار السنوات العشر الماضية انتقلت معركة الجماعات الإرهابية في الهيمنة على العقول من ساحات المساجد إلى الفضاء الرقمي، لما يتمتع به من مقومات وخصوصية، وضعته على قائمة الأساليب غير التقليدية في البلورة الفكرية، والانخراط التنظيمي، وصناعة القوالب المسلحة.

 

الإرهاب التقليدي بطبيعته عابر للقارات والحدود، لكن منحته الرقمنة الإعلامية، الكثير من فرص التمركز الجغرافي والإمتداد الفكري والتأثير المجتمعي، فضلاً عن المقدرة في بناء الخلايا الهلامية الكامنة والبعيدة عن إمكانية المراقبة أو الملاحقة الأمنية، والمعتمدة على عنصري المغافلة والمفاجأة في تنفيذ عملياتها الإجرامية المسلحة.

 

عوامل كثيرة أسهمت في استغلال الجماعات الإرهابية لمنصات «الإعلام الرقمي»، مثل «التليجرام» و«الفيس بوك»، وغيرهما، في تشكيل هياكلها التنظيمية، ونشر ضلالاتها الفكرية، وتعبئة أتباعها، وتجنيد ضحاياها، وصياغة خططها ومشاريعها، وجمع الأموال وتهريبها، وصناعة حملاتها للنيل من خصومها على المستوى الفكري والتنظيمي والسياسي.

 

تمثل منصات «الإعلام الرقمي»، مساحة آمنة لتمرير المنهجية الفكرية للجماعات الإرهابية، وبناء جدار من الثقة بين مرجعية التنظيم والدوائر المستهدفة، وصناعة حالة من الجاذبية تجاه خطاب العنف والتكفير، من منطلق استدعاء المجد التاريخي لدولة الخلافة، مقابل التباكي على الواقع الإسلامي المعاصر خداعا.

 

اعتمدت الجماعات الإرهابية على المنصات الرقمية، في خلق صورة ذهنية توحي بقوة وتماسك جبهتها الداخلية وارتكازها على جوانب فقهية عقائدية مستقاة من مفردات المنهج الحركي للسيرة النبوية، في إطار توظيفي للميراث الدعوي، يدعم توجهاتها الحركية في استخدام العنف، ويمنحها الصبغة الشرعية تأصيلاً.

 

الغرف المغلقة

في إطار تطوير الجماعات الإرهابية لأدواتها وأساليبها في الفترة الراهنة، استخدمت الغرف الرقمية المغلقة، في تنفيذ مرحلة «الغرس الفكري»، التي تعرف اصطلاحًا بمراحل»الدعوة الفردية» السبعة، وفقًا لأدبيات جماعة الإخوان المسلمين الإرهابية، التي أوردها المرشد الخامس، مصطفى مشهور في كتابه «الدعوة الفردية»، واعتمدتها الكثير من التنظيمات الإرهابية، وتضمنت مرحلة «الاختيار» أو «الانتقاء»، ومرحلة «الاحتواء»، والتهيئة الإيمانية والتهيئة الفكرية، وجاهلية الواقع الإسلامي، ووجوب العمل الجماعي، انتهاء بفرضية العمل التنظيمي المسلح.

 

يتمتع «التجنيد الرقمي» بنوع من السرية المطلقة سواء للقائمين عليه، أو المشاركين في فعالياته، نتيجة الاعتماد على «جروبات مغلقة»، أو «برامج مشفرة»، يمكنها التأثير في أشخاص محددة، يتم انتقاؤهم بعناية فائقة، ما يعني أن التأثير الفكري انتقل فعليًا من داخل التجمعات المهنية والتعليمية إلى ساحة الفضاء الرقمي، بعيدًا عن الرقابة والتتبع الأمني.

 

لا يخفى على أحد أن منصات «الإعلام الرقمي»، كانت سببًا مباشرًا في صياغة وظهور مصطلح «الذئاب المنفردة»، و«خلايا التماسيح»، التي تنبهت إليها مبكرًا الأجهزة الأمنية العربية والغربية، بعد تكليف هذه الجماعات بتنفيذ العمليات المسلحة «عن بعد»،  في إطار تشبعها بالإطار الفكري دون انتمائها للقوالب التنظيمية.

 

لم يقتصر «الإرهاب الرقمي» على التأثير الفكري المتطرف، في ظل اتجاه الجماعات الإرهابية،  لتوظيفه في قرصنة المواقع، أو الهجمات الفيروسية المُخلقة، والسطو على المعلومات السيادية والعسكرية، وتدمير البنية المعلوماتية للمؤسسات الحيوية المتعلقة بالتنمية الاقتصادي.

 

واقعيًا بات «الإرهاب الرقمي» أو الإلكتروني، يمثل خطرًا على أمن واستقرار المجتمعات العربية في إطار تمرير سيناريوهات «خرائط الدم»، التي وضعها مفكرو الإدارات الغربية والأمريكية، نظرًا لتمكنه من تطوير وسائله وآلياته تماهيًا مع التكنولوجيا الحديثة، وقدرته في صناعة فجوة كبيرة بين الجماعات الإرهابية والأجهزة الأمنية المعنية بتتبع الإرهاب ومحاصرة أطرافه وتجفيف منابع تمويله ودعمه اللوجيستي.

 

لم تعد فصول النهاية للجماعات الإرهابية بالقريب العاجل، في ظل احتلالها للإعلام الرقمي، الذي منحها القدرة على التمدد والبقاء والتأثير لسنوات طويلة، فضلاً عن إجادتها استغلال حالة «العزلة» التي فرضتها التطبيقات التكنولوجية حول الأفراد المستهدفين، وانفصالهم واقعيًا عن محيطهم الاجتماعي، وتوظيفها في بناء «العزلة الشعورية» ،تدريجيًا، والتي نظَّر لها سيد قطب في كتاباته حول الجاهلية والحاكمية.

 

فضح مخططاتها

لاشك في أن الجماعات الإرهابية، نجحت في إغراق المنصات الرقمية، بالآلف الوثائق والكتب، والتقارير المصورة، والأناشيد الثورية، التي تعبر عن توجهاتها الفكرية، وتبرز سيطرتها على بقاع جغرافية عديدة، من خلال «بروباجندة إعلامية» مصنوعة تمكنها من ضم مناصرين جدد، (داعش والقاعدة نموذجاً).

 

تستلزم المرحلة الحالية أدوات مختلفة للتعامل مع الجماعات الإرهابية فيما يخص تجفيف منابع استقطاب وتجنيد الشباب عبر منصات «الإعلام الرقمي»، لعل من أهمها تكثيف تأسيس المنصات البديلة التي تعمل على تفنيد الإنحرافات الفكرية والحركية لهذه الجماعات، وتفضح تاريخها الإجرامي ومخططها المختبئ خلف القيم الدينية.

 

تفعيل دور المؤسسات الدينية الرسمية في طرح رسائل إعلامية رقمية، له أهمية كبيرة في الحد من هيمنة الجماعات الإرهابية، على المشهد الديني، واستنطاقهم للمنهج القرآني والنبوي في شرعنة جرائمهم، بجانب تشكيل كيانات ضغط سياسي وإعلامي للعمل على حجب المحتوى المتطرف من منصات «الإعلام الرقمي»، لخطورة تأثيره السلوكي والنفسي على الدوائر المجتمعية.

 

تمثل اسهامات «مراكز الفكر» والمؤسسات البحثية الرسمية والمدنية، في إطار المعركة الوجودية مع الإرهاب، نقطة فاصلة في استبيان جوانب وإشكاليات ظاهرة «الإرهاب الرقمي»، المتعلقة بدوافعه النفسية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية ووضع طرق المعالجة والوقاية.

 

سيظل وباء «الإرهاب الرقمي» ينخر في عظام المجتمعات العربية وسلامتها؛ وهذا ما تنبهت إليه مبكرًا القيادة السياسية في مصربصياغة مشاريع قومية كبرى، تضافرت فيها جهود المؤسسات الرسمية وغير الرسمية، وعملت على وقف المد الفكري والتنظيمي للجماعات الإرهابية، وامتلكت القدرة على تفكيك بنية خطابها الاستعلائي، وطرح البديل الدعوي المعتدل والآمن، والمتوافق مع روح الرسالة المحمدية ومقاصدها.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة