محمود عطية
محمود عطية


يوميات الاخبار

وتبدأ لغة جديدة داخل بيت الزوجية

د.محمود عطية

الأحد، 19 يونيو 2022 - 07:10 م

«.. وإذا حاول العريس الاعتراض على بعض ما جاء بالقايمة يكون التصريح بديلًا عن التلميح وباللغة الفصيحة: هو أنت فى نيتك حاجة.. دا توقيع شكلى وعفشك فى بيتك ومراتك معاك..»

الخميس:
رغم أن الزواج أحد أشهر أشكال الارتباط بين الجنسين داخل المجتمعات الحديثة وأكثرها قبولا لتلبية نداء الطبيعة الإنسانية.. فإنه ما زال يستحوذ على استغراب ودهشة العديدين وكأنه تقليد يجرى حديثا.. ربما ما يبرر استغراب ودهشة العديدين من الزواج الإضافات المتلاحقة عبر السنين بمراسمه وعقوده المبرمة التى قيل إنها تعمل على الحد من سوء نية العروسين.. ويؤكدون سوء نية أهل العروسين رغم التقدم الحضارى من ضرورة إحضار شهود على ما يجرى وبطاقاتهم.. بل واستحداث «القايمة» التى لا بد للعريس من التسليم بها وبأنها تضم جميع أركان عفش الزوجية، وغالبًا ما تحوى مفروشات ومنقولات لم يتم إحضارها سوى فى نية أهل العروس كجزء من كلبشة العريس، ويطالبونه بالإمضاء عليها لإظهار حسن نيته وعدم غدره بالعروس..

ويتسلمها منه أهل العروس ويضعونها فى ركن مكين لوقت عوزة!
وبالطبع يتم الزواج فى جو من الود المتبادل المغلف بسوء النية المكتوم وغير المعلن.. ما بين قائمة يريد أهل العروس توقيع اسم الكريم عليها.. والكريم، أى العريس، يوقع عليها بمضضٍ إظهارًا لحُسن النية.. وإن بدا الأمر عكس ذلك.. وبالطبع ما يجرى يتم بلغة غير منطوقةٍ إنما على الأقل مفهومة ولا تحتاج إلى تصريح من أحدٍ ويكفى التلميح بدلا من التصريح فى مثل هذه الأمور شديدة التعقيد.. وإذا حاول العريس الاعتراض على بعض ما جاء بالقايمة يكون التصريح بديلًا عن التلميح وباللغة الفصيحة: هو أنت فى نيتك حاجة دا توقيع شكلى وعفشك فى بيتك ومراتك معاك.. إلا إذا كنت بقى- لا سمح الله- يعنى ناوى.. وربنا ما يجيب حاجة وحشة ..امضى بقى خلينا نفرح وتاخد عروستك وتهيص.. ويهيص ازاى بعد كل دا مش عارف..!


والعروسة للعريس.. وتبدأ لغة جديدة داخل بيت الزوجية تُسمى لغة الزواج وتبزغ فى الظهور بعد مرور سنواتٍ قليلةٍ على الزواج ونسيان سوء النية الذى استدعى إحضار الشهود وكتابة القايمة.. وهى لغة تحتاج من الزوج النباهة وكثيرا من الفطنة وإلا تبدلت حياته جحيمًا.. والقاموس الزواجى ثرى ومتجدد ومترادفاته متشابهة مع لغة الحياة اليومية لكن دلالته مختلفة تمامًا.. مثلًا: إذا دار نقاشٌ زواجى كالمُعتاد واختتمته الزوجة بكل هدوءٍ قائلة: «خلاص اعمل اللى إنت عايزه»، فالزوج العصرى الروش يفهم تمامًا ماذا تعنى العبارة السابقة فى قاموس الحياة اللغوية الزوجية.. وهى أنها تُترجم ببساطة: اعمل اللى أنت عايزه بس حتندم حتندم.. واعمل اللى أنا قلت عليه أحسن لك!
 وعلى طول ودرءًا لمعارك قادمة، الزوج الفاهم الفطن  للغة الزوجية يقول: بقى دا كلام أنا كنت بس باحاول أفهم الموضوع معاكى.. وعلى فكرة رأيى تقريبًا هو رأيك، بس كنت بتأكد إنى فهمت اللى أنت عايزاه!


هنا تكون قد نضجت بالفعل وفهمت لغة الزواج وآثرت السلامة وبعدت عن سكة الندامة.. وإياك أن تسمعها تقول لك عن موضوع: طيب طيب..! ولا تترجم كلمات «طيب طيب» بأنها تسليم وموافقة منها.. إنما هى رفض تام وزهق وتعنى «لاء لاء لاء»، أنت قرفتنى وزهقتنى فى عشتى.. وعليك أن تداوى الأمر سريعًا وتلحق نفسك وتلمها.. وحين تردد: أنا مرهقة النهاردة جدا.. وتحكى لك عن مأساة المنزل، والغسيل، والمسح، والكنس، والشغالة، والبواب، وأسعار الطماطم، واللحمة، والرجالة مرتاحة من الهمّ دا عليك- هنا- أن تفهم سريعًا تلك الجُمل المتلاحقة الرصاصية.. وتعنى لا تطلب منها شيئًا اليوم.. ومن الأفضل أن تتصل بأهلك سريعًا وتحذر من يفكر فى زيارتك اليوم أن يؤجل لفرصة أخرى.. وبالمرة عدم التفكير فى رفع سماعة التلفون وإجراء محادثات، فاليوم ملبدٌ بالغيوم وتدعى يا رب يعدى على خير.. ولا تطلب منها تحضير القميص الفلانى أو البدلة العلانية لأنك ذاهب لاجتماع غدا فى العمل.. انسَ كل ذلك والتزم الهدوء والصمت.. وما عليك سوى مواساتها ببعض الكلمات التى تظهر اعتزازك بمقدرتها على مواجهة مصاعب الحياة وأزماتها بحيث يبدو فى كلامك أنها المرأة الوحيدة المظلومة فى هذه الدنيا وتتصعب شوية على قدرتها الهائلة.. وارسم علامات الأسى والمواساة لها على وجهك، وكن قريبًا من البكاء إن استطعت ولا تبك واحمد ربنا بصوتٍ عالٍ أنه وهبك مثل هذه المرأة الحمول!
السبت:
ألم تكن فرصة؟!
مرت علينا وتعاملنا معها كحادثة مفجعة تقشعر لها أبداننا ويحاول عقلنا تصديقها.. ولم ننتبه إنها فرصة لتقديم وجبة إعلامية توعوية للمجتمع الغارق فى عدم تصديق ما حدث ويضرب كفا بكف بعد السؤال الاستفهامى الاستنكارى كيف طاوع قلب الأم على ذبح أطفالها الثلاثة؟! .. وتترى المعلومات على أيدى محررى الحوادث بأنها خريجة كلية التربية قسم اللغة العربية وزوجها مدرس لغة عربية يعمل بالمملكة العربية السعودية وتركها وحيدة مع أطفالهما الثلاثة واثنان منهم يعانيان مرض التوحد وغالبا هى مريضة نفسيا.. وأصيبت بما يطلق عليه اكتئاب ما بعد الولادة ولا نعلم كيف كانت تتعامل معهم.. الحادثة مليئة بالحكايات التى تثير لعاب الإعلام.. وكانت فرصة لفتح عدة ملفات مثل ملف زوجات العاملين بالخارج خاصة القاطنين بعيدا عن المدن الكبرى هل يلقين عناية كافية من أجهزة الدولة؟.. وهل هناك جمعيات لرعاية مثل تلك الزوجات خاصة مثل تلك الحالة صاحبة أطفال التوحد؟.. وهل تجد مثل هذه الزوجة رعاية لأطفالها المتوحدين وهى بعيدة عن المدن الكبرى؟.. وكان يمكن  البحث لماذا لا يخضع  المقبلون على الزواج لفحوصات ما قبل الزواج حتى لا ينتج الزواج أطفالا مرضى؟!.. وهل اكتئاب ما بعد الولادة يدفع للانتحار أم لابد من عامل وراثى أيضا وكيف يمكن رعايتهن.. وما منابع ثقافتها الدينية التى سولت لها ذبح أطفالها لتدخلهم الجنة ولم تفكر فى مصيرها كقاتلة ومنتحرة؟.. وفى رسالتها التى تركتها لزوجها قالت «كنت أتعذب فى الدنيا» مما يؤكد اصابتها بالمرض النفسى ويبدو انها لم تتلق أى مساعدة نفسية ولم تعرض على متخصص.. كل تلك الملفات كانت تفتح بهدف توعية الأسر والمجتمع ومؤسسات المجتمع المدنى ودق ناقوس الخطر لما هو قادم.. لكننا تعاملنا معها كحادثة مثيرة فاجعة وبائسة!
الثلاثاء:
سلفية السياحة
تناقلت وكالات الأنباء والمواقع الإخبارية ما حدث مع النجمة نجلاء بدر فى فنادق الساحل الشمالى حيث رفض الفندق الحجز لها لأنها بمفردها أى لابد لها من محرم ... وقد اشتكت نجلاء بدر عبر صفحتها بموقع “فيسبوك” من واقعة رفض الفندق حجزها لغرفة بمفردها، دون مرافقة زوجها، معربةً عن استيائها الشديد مما تعرَّضت له.

يبدو أن أفراد الفندق من جماعة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر المنحلة.
 ونقل موقع «ياهو» عن  نجلاء بدر قولها: “الخبر الأسوأ وقصة الموسم فى عالم الفنادق السياحية المصرية، بعد ما خلصنا إجراءات الإقامة لمهمة عمل فى الساحل الشمالى ومضينا وقعدنا ساعة فى انتظار الغرف وبعد كده جم اعتذروا لعدم قبول إقامة سناجل”.
وأضافت نجلاء بدر قائلة “لو رحت ومعاك أطفالك من غير الزوجة بردو غير مسموح مع إنه تم الحجز قبلها بيوم 4 غرف سنجل وتم قبول الحجز وتمت إجراءات الدخول للأسف كل مجهودات الدولة الحكومية لتنشيط السياحة للأسف بتروح هدر”..
الجمعة:
المؤمن الفيسبوكى
تصدمنى بوستات التدين على «الفيس» وهى تلتحف بالأدعية والمواعظ الإلكترونية عبر صفحات تمت دروشتها ببوستات وأدعية سابقة التجهيز ترسل للعديد من الأشخاص بضغطة زر واحدة.. وتستحلفك بالله ألا تحبس ذلك البوست أو المنشور عندك وتطلب أن تمرره لغيرك حتى تنال الثواب وتنجو من العقاب وتنذرك بوقف الحال إن توقف البوست عندك.. وآخرون يطلبون المشاركة فى مليونية أو مليارية الصلاة على النبى إلكترونيا.. ومنهم من يلجأون لاستجوابك بالتأنيب والتوبيخ سائلين: كم مرة صليت على النبى اليوم؟
وصفحات تدمع بكاءً على ما فات وما ينتظرنا من عذاب أليم.. وطلبات للاستغفار والندم.. وعبر مناسباتٍ دينيةٍ يرسل لك بوستات إلكترونية بلا روح أشهرها ما يقتحمنا أسبوعيا: «جمعة مباركة»، أو يرفعون صورة طفل تارك الرضاعة منذ قليل وهو يصلى على سجادة ويرتدى طاقية وبجانبه سبحة.. كأنك أمام ألعاب إلكترونية!


أظن أن بعضهم فى غفلةٍ عن مغزى التدين الحقيقى فى المعاملات بين البشر.. والأهم عندهم الشعارات الإلكترونية التى أصبحت تشغل كل أوقاتهم، كأنها أصبحت فرائض دينية عندهم أو دينًا جديدًا يتم تدشينه عبر: «الكتائب الدينية»، بالأدعية والذكر وتمرير بعض السور وتنويهات جمعة مباركة وليلة الخميس وغيرها.. ويغفل «المؤمن الفيسبوكى» أهمية السلوك فى حياتنا الواقعية..

ومن غير شك فإن بعضًا من سدنة التدين الإلكترونى منافقون يتخفون وراء شعارات دينية ويظهرون من الأخلاق والعفة والحشمة ما ليس فيهم بهدف التقاط أو «شأْط» النصف الآخر.. وغالبًا يلتقطون ضحاياهم من الإناث بتلك البوستات الدينية التى تصادف هوى لدى غالبية المراهقات وبعض الشباب ..

وكلنا سمعنا كيف جندت داعش العديد من الشباب حول العالم بشعاراتها الدينية عبر شبكات التواصل الاجتماعى.. ومؤمنو التدين الإلكترونى تجدهم يؤدون طقوسهم الدينية وعباداتهم خلف شاشات الكمبيوتر والهواتف المحمولة وتجدهم أكثر الواعظين فى العالم الافتراضى وهم أكثر الناس خبثًا، يرتدون عباءة الدين رياء، ويتخفون وراء مواعظهم وتدينهم لاصطياد ضحاياهم إلكترونيًّا.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة