د. محمد أبوالفضل بدران
د. محمد أبوالفضل بدران


التقديرية.. رَبْتة على الكتف

د.محمد أبوالفضل بدران

الأربعاء، 22 يونيو 2022 - 06:51 م

من نِعَم الله تعالى علىَّ أن منحتنى مصر الحبيبة جائزة الدولة التقديرية فى الآداب 2022 جاءت لتربت على كتفىَّ بعد رحلة طويلة بين الأدب والنقد.

بين معاناة ومتعة، وتذكرتُ عندما عدتُ من ألمانيا بعد الدكتوراة وفى يدى عَقد عمل أستاذا بإحدى جامعات ألمانيا المرموقة وتخيَّلْتُ أنى سأجد ترحيبا وتشجيعا من جامعة أسيوط التى أنتمى إليها، قدمت العقد للعميد لآخذ إجازة دون مرتب لأعمل هناك فأحال الطلب إلى رئيس جامعة أسيوط وكان أستاذا عالما قابلتُه مساء يوم لا أنساه نظر إلىَّ شزرا ثم سألنى عن سِنى؟ لم أجد علاقة بين سِنى والعقد الماثل أمامه.. ثم أردف: «أنا لو معاى عقد مثلك أسيب رئاسة الجامعة» فرِحتُ بهذه الكلمات لكنه أردف  بحزم «غير موافق إنت سِنك صغير والأيام جاية» حاولتُ معه لكنه أصرّ إصرارا غريبا على الرفض، اتجهت من أسيوط للقاهرة وقابلتُ وزير التعليم العالى آنذاك الذى كان فى غاية الخلُق وأثنى علىّ وعلى العقد لكنه قال: أنت تعرف استقلال الجامعات وسأهاتف رئيس جامعتك طالبا منه أن يوافق، عدتُ إلى أسيوط وبمجرد أن لمحنى رئيس الجامعة قال لى: «انت رايح للوزير تشكونى، أنا غير موافق» العجيب أن رئيس الجامعة نفسه بعد سنوات هنأنى بحصولى على منحة Humboldtهمبولت التى حصلتُ عليها وقال لى إنت حصلت على «نوبل أوربا» كما يطلقون عليها. وعندما شغلتُ منصب الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة زارنى بمكتبى وكان قد أحيل للتقاعد، ولم أجلس على مكتبى فى حضرته بل جلستُ بجواره وقال لى: لقد أردتُ أن تفيد بلدك منك وستقدّرك مصر» ابتسمت وقلت له: تكفى علاقتى بطلابى وفرْحتهم بى. تذكرتُ هذا الحوار وأنا أتلقى خبر فوزى بجائزة الدولة التقديرية التى جاءت لتقول لى: ها هى مصر لا تنسى أبناءها وتكرمهم وتقدّرهم. فكل الشكر لمن أعرف ومن لا أعرف ممن توّجونى بمحبتهم وتهنئتهم وتحية تقدير لمن رشحونى للجائزة أ.د. ربيع سلامة «رحمه الله » عميد كلية الألسن بجامعة الأقصر وأ.د. محمود النوبى العميد الحالى وأ.د. محمود على عبدالمعطى الأستاذ بكلية الآداب جامعة أسيوط وأ.د.هانى اسماعيل الأستاذ بقسم اللغة العربية بجامعة بنى سويف وأ.د. عبدالكريم جبل وكيل كلية الآداب جامعة طنطا وأعضاء أقسام اللغة العربية ومجالس كلية الآداب بجامعات (الأقصر وسوهاج وأسيوط وبنى سويف وطنطا ) هذه الجامعات العريقة التى منحتنى هذا الشرف الكبير، لرؤسائها ونوابها وأعضاء هيئة التدريس ومعاونيهم وموظفيها كل الشكر والتحية والتقدير. وكم أغبط نفسى أن تكرّمنى جامعتاى جنوب الوادى صباحا والأقصر مساء فى يوم الاثنين الماضى وأوقن أن أساتذتى أَحقُّ بالجائزة مِنّى فهم الذين غرسوا هذا النَّبْت وكم أشعر بالسعادة الغامرة عندما أقرأ أسماء من حصلوا عليها من قبلى أرى المسئولية الكبرى الملقاة على عاتقى فقد حصل عليها طه حسين والعقاد ونجيب محفوظ وأنيس منصور وصلاح عبدالصبور وشوقى ضيف ويوسف إدريس وزكى نجيب محمود والطاهر مكى وجابر عصفور وصلاح فضل وأحمد مرسى وغيرهم من كبار الأدباء والنقاد والمفكرين، لقد تم تكريمى فى العديد من البلدان العربية وفى ألمانيا مشكورين واليوم يجىء تكريمى من بلدى وما رأيتُه وأحسستُ به من طوفان محبة أصدقائى وأقاربى وقرائى الذين لا أعرفهم شخصيا وطلابى الذين راح يهنئ بعضهم البعض فى مظاهرة حب إن قلتُ: إننى لا أستحقهُا فقد ظلمتُهم وإن قلتُ إننى أستحقها فقد ظلمتُ نفسى، وشكرى وامتنانى لمعالى أ.د. إيناس عبدالدايم وزيرة الثقافة وإلى أ.د. هشام عزمى الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة وأسرة المجلس الذى شرفتُ بالعمل به أمينا عاما وشكرى لأعضاء المجلس وإلى أسرتى وأصدقائى ولمن استوقفنى فى الشارع قائلأ:»انتَ فرّحتنا»، كل الشكر لمحبتكم فهى الجائزة الحقيقية، بقى شكرى وامتنانى لأبى وأمى رحمهما الله وأخواتى وأخوىَّ وأسرتى الصغيرة ولأستاذىَّ  فتحى النجار والسيد أحمد مصطفى الجندى لكم هذه الجائزة ولى فرحة محبتكم.

المحافظات والحوار الوطنى
جميل أن تجتمع الأسرة المصرية فى حوار وطنى يحلل الواقع ويضع خططا للمستقبل، نتحاور وتختلف ونتفق شريطة أن تكون النوايا خالصة لمصلحة الوطن، ولذا أرى أن المحاور الرئيسة التى يجب أن نتحاور حولها:
- حرية المواطن وواجباته
- الوضع الاقتصادى وكيفية الخروج من الأزمات
- راهن التعليم
- واقع الصحة
- مستقبل الزراعة
- الجمهورية الجديدة بين الواقع والمستقبل
- تقوية الأحزاب السياسية الحالية والمستقبلية
- تدريب الشباب لسوق العمل
وحبذا لو بدأ الحوار من المحافظات جميعها فى وقت واحد ولماذا المحافظات ؟ لأنها أفضل وسيلة للوصول إلى أكبر نسبة للتوافق والرضاء المجتمعى وتحريك الحوار بالمدن والقرى والنجوع وهذه غاية كبرى بحيث يُختار ممثلو المحافظة من بعض أساتذة الجامعة التى تقع فى نطاق المحافظة الجغرافى وممثلى الأحزاب بالمحافظة وممثلى النقابات والمؤسسات المدنية والشباب والمرأة إضافة إلى محافظ الإقليم بما لا يزيد على عشرين فردا يتناقشون فى مستقبل مصر وواقعها وليس فى مطالب فئوية أو مكاسب خاصة بحيث ترفع تقريرها بعد شهر تقريبا ليلتقى المتحاورون المركزيون بإدارة المستشار محمود فوزى وأمانة د. ضياء رشوان لجمع هذه الآراء وعرضها على المشاركين فى الحوار ممن اختيروا من قبل ليكون الحوار صريحا وديمقراطيا من أجل مستقبل مصر.

كيف يهدمون كيان الأسرة؟
فى حوار أخير مع الفنان عمر الشريف سألته إحدى المذيعات عن الشهرة والعالمية التى حققها وجاءت الإجابة «شهرة إيه وعالمية إيه، أنا كانت أمنيتى أكوّن أسرة وأولاد وبنات وأحفاد وأقعد بينهم، أعمل إيه بالشهرة والعالمية؟» كان عمر الشريف فى حالة صدق وهو يتحدث عن أهمية الأسرة المفتقَدة فى حياته؛ وقد نضجر من الأعباء الاجتماعية والمناسبات الأسرية لكن الأسرة حصن يتكئ الانسان عليه ويتوكأ عليها، وقد لحظتُ فى السنوات الأخيرة كيف يخططون لهدم الأسرة فالطفل إذا ضربه والده بأمريكا أو أوروبا ضربا خفيفا لتهذيبه يشكوه للشرطة التى تحذر الوالد وإذا تكرر ذلك تأخذ الطفل لأحد الملاجئ، والبنت لها كامل الحرية فى الخروج دون رقيب وتصادق من تشاء بدعوى الحرية، والنتيجة آلاف من بناتهم فى سن صغيرة يحملن ويلدن هناك ولا وصاية لوالديْها عليها، كما أن الهواتف فى أيدى أفراد الأسرة شتتت شمل الأسرة وصار كل فرد مشغولا بأصدقائه الافتراضيين الذين لا يعرفهم ويلعب معهم ويضحك معهم ويحزن معهم، كما عمد الغرب إلى تعيير وقْع المصطلحات وهذا أخطر ما فى الأمر، فالمثلية حلت محل اللواط والسحاق، وهذا مكمن الخطر فالمثلية كمصطلح لا يأخذ وقْعه الدلالى المروّع كاللواط بل يشير المصطلح إلى أنها نوع من الحرية وأنها «شىء عادى».. والأخطر أن شركات إنتاج الأفلام الكرتونية الكبرى للأطفال صارت تسوّق للواط والسحاق فى أفلامها الجديدة بحيث يألف الأطفال هذا وذاك ليتحوَّلوا إليه عندما يكبرون وصارت أفلام الأوسكار لا يخلو معظمها من لوطى عبقرى وسحاقية عبقرية حتى تنال الأوسكار ناهيك عن تقديم هؤلاء الشواذ إعلاميا على أنهم القاعدة ومن يخالفهم فهو شاذ فى تفكيره متخلّف فى رأيه ، وقد هوجم بابا الفاتيكان قبل عدة أيام لأنه ناشدهم عدم ممارسة الجنس بين المخطوبين قبل الزواج، وقد رأينا كيف غدت أوروبا قارة العجائز بعد أن قلَّ الإنجاب وهذا يفسر فتح حدود أوروبا أمام المهاجرين واللاجئين من الشباب فقط لتجديد شباب القارة ومنحها الحياة وسد حاجتها إلى قوة شبابية للعمل... وأما ما ابتُليت به مجتمعاتنا من مغالاة فى المهور والأثاث فهو يصب- دون أن ندرى- فى اتجاه عدم تكوين أسرة وإذا كُوِّنت فقد تنهار بفِعل الديون... انتبهوا : الأسرة فى خطر.

لا تضرب الجَمل
قصة جَمليْن سمعتُ إحداها صغيرا والأخرى كبيرا ذكَّرتانى بالوصايا «الجمل صَبور، ولكن لا تَضربْه» هكذا كان الكبار يقولون لنا ويوصون بحُسْن معاملة الجِمال وألا نهزأ بهم أو نعاملهم معاملة خَشِنة لأن الجمال تسمع أحاديثنا ولذلك يفرحها الحداء لذا كان صوت الحادى يُنسى الإبل مشقة الطريق وحرارة الصحراء وعطش الأيام، وقد حكوا لنا أن رجلا ضرب جملا ضربا مبرحا فهاج الجمل وجرى وراءه حتى أقبض فكّيْه على عنقه ورفعه فى الهواء مطوّحا بجسده يَمْنة ويَسْرة والناس تضرب فى الجمل حتى يتركه دونما فائدة، ولم يفك فكيه عنه إلا ليسقط الرجل جثة هامدة، فالجمل يأبى الضيم؛ وقد سمعت قصة أخرى عن جمل ضربه مالكُه حتى اشتد غضبُه فانتفض الجمل وقام مِن مَبْركه وجرى وراءه والرجل يلهث ويلهث حتى وجد نخلة فارتقاها بسرعة مرعوبا وعندما وصل الجمل إلى النخلة تطلَّع إليه فى حنق وغضب وبرك الجمل أى أناخ وجلس ثم تطلَّع إليه وضم كتفيه إلى صدره وأَنَّ أَنةً واحدةً عالية وفارق الحياة مكلوما.
فى النهايات تتجلى البدايات
فيا أيها العاشقونَ: إذا أَحرقَ الناىُ قلبَ المحبينَ منكمْ
فلا تَيْأسُوا، واقْبِضوا جَمْرةَ الحب
سلامٌ عليكمْ وطوبى لكمْ
فيا أيها العاشقونَ: «هَذِى مدينَتُكمْ وَ أنا بَابُها
فادخُلوها بسلامٍ عاشقينْ!»

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة