لويزا، لي، ياسر
لويزا، لي، ياسر


كل يوم جمعة ندوة| مصر وتايلاند والبرازيل.. رؤيتان متصادمتان وأخرى فى المنتصف

أخبار الأدب

السبت، 25 يونيو 2022 - 03:23 م

ضمن الأنشطة الأساسية لبرنامج الكتابة الدولى سلسلة الندوات التى تعقد كل يوم جمعة ظهرًا فى المكتبة العامة مدينة آيوا، يشارك فى كل فعالية منها ما بين ثلاثة إلى أربعة من الكتاب المقيمين. وتبدأ بتقديم كل كاتب عرضا مكثفا لرؤيته حول الموضوع المطروح ثم يلى ذلك محادثة مفتوحة. تجذب الندوات الجمهور من جميع أنحاء الجامعة والمجتمع المحلى، ويتم بثها مباشرة، ويتم أرشفتها عبر الإنترنت. 


وهذا العام وضع منظمو البرنامج أربع قضايا للنقاش: فتحت مجالات لنقاشات واسعة حول موضوعاتها وكان المثير للتأمل، ومع تباين الأفكار، هو الاتفاق شبه الكامل بين جميع الكتاب على استقلالية الفن، وعلى أهمية الحفاظ على الخط الفاصل بين الاهتمام بما يجرى فى الواقع من ناحية وعدم التورط «السياسى» من ناحية أخرى والذى من شأنه إفساد الفن.


أقدم هنا ترجمة لأهم الأفكار الواردة فى الندوات. والصور المصاحبة هى للكتاب المشاركين فى هذه الدورة من برنامج الكتابة الدولى، وقد طلبت منهم كتابة انطباع ما عن الرحلة، سعت ندوة الجمعة الأولى إلى الاقتراب من موضوع يبدو أنه أصبح محوريًا باختلاف الثقافات واللغات.شبح الاحتراف والتخصص وذلك فى مقابل النظرات التقليدية للإبداع المعتمدة على النظرة الذاتية إلى الفن المرتكزة على «الإلهام».


السؤال المطروح، على محاضرى الندوة الأولى، وهو يذكر بالنظرة التقليدية وضع فى مواجهتها الواقع الآني: المنتجون الأدبيون اليوم يشبهون الرياضيين أكثر من أى وقت مضى: مدربون، وممارسون، ومتنافسون، ويأملون فى الفوز.. كيف اقتربت من شبح الاحتراف فى كتاباتك؟
كان من المثير بالنسبة للحضور مدى التعارض بين نظرتين للأدب، الأولى قدمها كاتب هذه السطور تحت عنوان «نداء القارئكاتب» قلت إن: العلاقة بين الفن من ناحية والمجتمع والسلطة من ناحية أخرى تغيرت بشكل سريع وأنه ليس لدينا خيار سوى الاعتراف بأن الكتابة أصبحت مثل أى مجال آخر، مؤطرة بقواعد المنافسة والربح والخسارة.


تم فرض هذه التغييرات من خلال دخول العديد من الأطراف فى عملية الكتابة إلى جانب الكاتب، لكن ما لفت انتباهى بشكل خاص هو ظهور عامل جديد قوى ومؤثر أنتجته تكنولوجيا وسائل التواصل الاجتماعي. أطلق عليه «القارئكاتب» قارئ متمرد على وظيفته، لم تعد القراءة كافية له، يخلط بينها وبين الوظائف الأخرى التى تتطلب «مهارات» أعلى مثل الكتابة الإبداعية والنقد.


هذا الكائن، الذى هو مزيج من القارئ والكاتب، يتنقل بين المجالين مخترقًا القواعد، بثقة كبيرة فى قوة أدوات تكنولوجية تمنحه القدرة على الوصول إلى الجمهور والتأثير فيه بشكل أعمق مما يفعل الكاتب المحترف، الذى قد يقضى وقتًا طويلاً فى التفكير فى أسئلة الجودة: ما هو الخيال؟ وما هو الفن؟


تأثيرات «القارئكاتب»، كما أراها، سلبية وليست إيجابية، يبدو كما لو أننا نشهد حقبة من سيطرة العامة على الكتابة لم تحدث من قبل.اليوم، جميع مؤسسات الإنتاج الأدبى - دور النشر، المسوقون، المحكمون فى الجوائز الأدبية - تضع أعينها على هذا العنصر الجديد «القارئكاتب» لأنهم يعرفون جيدًا أنه ديكتاتور: أحكامه نهائية لا جدال فيها. يمكن أن تؤثر انطباعاته أكثر من الآراء النقدية التى يكتبها المحترفون، الكتابة الاحترافية يقودها هذا التيار الجديد من القراء. على سبيل المثال، فى السنوات الأخيرة، كنا غارقين فى موجة من الكتابة الأدبية المستوحاة مباشرة من التاريخ، أعمال مطلوبة تضمن النجاح مقدمًا.


فى النهاية قلت أن: هناك طريقتين للتعامل مع الفن. ترى أحداهما أن مهمته جعل الحياة محتملة. ووجهة النظر هذه لا تمانع فى شكل الكتابة الاحترافية التى يقودها هوس المستهلكين الملولين والباحثين عن القصص التى واحدة من أهم خصائصها أنها فعالة للحظات لكنها لا تدوم طويلا فى الذاكرة المنهكة بفعل آلآف المشاهد والمنشورات اليومية.

 

وأن الطريقة الوحيدة لإنتاج قطعة فنية فريدة تكمن في أن ينفصل المرء عن المحفزات الخارجية.. المنافسة والشهرة والنصر. يجب إبقاء كل هذه العناصر الاستهلاكية بعيدًا عن أى كتابة جادة، وإلا فإنها ستصبح كتابة احترافية.


فى مقابل هذه الرؤية قدمت جدانون لي تصورا مخالفا بالكامل، حيث يقوم تصورها فى محاضرتها «فوائد العمل الشاق» على أن: الكتابة عمل لا بد من ممارسته بجدية: عليك العمل بجد كل شهر لكسب ما يكفى لدفع الفواتير. عليك أن تعمل بنشاط للحصول على دخل منتظم. بمجرد أن تتوقف عن العمل، يتوقف المال عن القدوم إليك.


يقول العديد من أصدقائى ممن يكتبون روايات رومانسية إنه يجب عليهم إصدار ثلاثة كتب فى السنة لتحمل نفقاتهم. حتى أن البعض يكتبون روايات إيروتيكية جديدة (30-40 صفحة) كل شهر ونشرها على مواقع الكتب الإلكترونية لتحقيق ما يكفى ليعيشوا حياتهم.


يتم «تطبيع» هذه الثقافة المجنونة للعمل الجاد بين كتّاب الإنتاج الضخم التايلانديين. ولكن الأمور تختلف مع نوع الأدب الذى يصعب قراءته. فى تلك الثقافة الأدبية، يميل الكتاب إلى الكتابة ببطء ونشر كتاب جديد كل ثلاث سنوات أو أكثر. عليهم أن ينتظروا الوحى والإلهام وما إلى ذلك. وتتساءل: كيف يكسبون ما يكفى لقمة العيش؟ قبل أن تجيب ساخرة: فى تايلاند، لاحظت أن معظم الأشخاص الذين يعملون بهذه الطريقة لديهم زوجة تعمل بجد لدعم وضعهم المالي.


تقسم جدانون الكتاب إلى نوعين أولئك الذين ينشطون جدًا فى عملهم، والآخرون الذين ينتظرون الإلهام. تعتبر نفسها تنتمى إلى المجموعة الأولى، تواصل كتابة كتب جديدة كل عام ولديها الآن 20 كتابًا.


تربط جدانون بين العمل على هذه الشاكلة وبين القارئ: فى تايلاند، تقام معارض الكتاب الوطنية مرتين فى السنة. يعتقد بعض الكتاب والمحررين أنه إذا لم يكن لديك كتاب جديد لهذه المعارض، فسيبدأ القراء فى نسيان اسمك.هذا جنون. أنا أعرف.

ومع ذلك، لا يمكننى إخراج هذه الفكرة من رأسى على الإطلاق. ألاحظ القراء التايلانديين من خلال وسائل التواصل الاجتماعى ومدى سهولة نسيانهم للعديد من الكتاب إذا لم يكن للكتاب عمل جديد.


ولكنها توجه بنفسها النقد لطريقة العمل تلك: الكتابة كثيرًا أو العمل بسرعة كبيرة لهما أيضًا آثار سلبية. العمل الجاد يمكن أن يقلل من جودة عملك لأنه ليس لديك الوقت الكافى للبحث أو مراجعة عملك. فى بعض الأحيان يبدأ عملك فى التكرار. قد يكتب الكاتب عن نفس القضايا بشكل متكرر. إذا لم تتأثر الجودة، فقد تكون هناك تأثيرات ضارة أخرى. قد يجد الكتاب أنفسهم يكافحون أو حتى يعانون أثناء العمل دون توقف. لذلك، من المهم التأكد من أن عملك لا يزال ذا نوعية جيدة وأن لديك توازنًا جيدًا بين العمل والحياة.


وفيما بدا وكأنه نقطة التقاء بين الرؤيتين السابقتين جاءت محاضرة لويزا فازيو من البرازيل وتحت عنوان «الإلهام والتاجر» تحدثت عن ما ترتبه علاقات العمل على الكاتب من مسئوليات ومن انتهاج سلوك قد لا يكون موافقا لشخصيته ولطبيعة عمله ككاتب «ألا يفترض بنا جميعًا أن نكون انطوائيين وغريبى الأطوار؟» لكنها فى مواجهة هذا ترصد:السنوات التى أمضيتها ككاتبة سيناريو، اكتشفت بالطريقة الصعبة أنه ليس فقط كتاباتنا هى التى تمنحنا مكاننا المستحق، ولكن قدراتنا ككائنات اجتماعية، وبالطبع، كفاءتنا فى قراءة العقود. لذا بعد الكميات المخزية من الكحول، والأعمال الورقية التى لا نهاية لها، واستراتيجيات تسويق اسمك. هل هناك موضع للإلهام؟


تحول حلمى أن أكون كاتبة إلى مهنة، وهذا أخطر ما يمكن أن يفعله كاتب. تحولت أحلامى إلى قصص، ثم تحولت إلى رسائل بريد إلكترونى، ثم إلى عقود،وإلى مواعيد نهائية. كانت التوقعات عالية: الكتابة على الشاشة مكلفة للغاية لدرجة لا يجوز معها أن تكون الكتابة سيئة. ولا يعد توقف الكاتب خيارًا عندما يعتمد الممثلون والمخرجون والكهربائيون والسائقون على السيناريو لإطعام أطفالهم. الصناعة بأكملها تعتمد عليك.


الكاتب بالنسبة للويزا فى هذه العلاقات هو التاجر والتاجر: لا يمكنه أن يخطئ. يجب أن يبذل قصارى جهده لمعالجة جميع ملاحظات البرنامج النصى وتواريخ الاستحقاق. ويفعل كل هذا مع الإبقاء فى المقام الأول على الإلهام. 


إنها لعبة القط والفأر. التاجر يحتاج إلى الإلهام بالقدر الذى يحتاج الإلهام فيه إلى التاجر. ولكن كيف يمكن أن يتوازن نقيضان؟ تماما مثل طفلين فى الرحم نفسه، إما أن يولدوا كتوائم فى حالة صحية جيدة أو يختفى أحدهما فى ظروف غامضة داخل الرحم، وهذا لا علاقة له بخدعة سحرية ما بل بأكل لحوم البشر!

اقرأ ايضا | هيدرا: صراع الهوية وبداية الخلق

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة