جمال حسين
جمال حسين


من الأعماق

نيرة .. بِأيّ ذَنْبٍ قُتلَتْ؟

جمال حسين

السبت، 25 يونيو 2022 - 07:38 م

جلست أكتب السيناريو المتوقع لأسرع محاكمة في جريمة أحيل مرتكبها للجنايات بعد ساعات من ارتكابه.

المكان : محكمة جنايات المنصورة

الزمان : العاشرة من صباح اليوم ..

حركة غير عادية في الشارع المؤدي إلى المحكمة مع تواجد أمني مكثف.. سيارة الترحيلات تتوقف أمام مبنى المحكمة في حراسة أمنية مشددة ويتم إنزال المتهم بالقيد الحديدي وإيداعه قفص الاتهام ليقف زائغ العينين ويقترب منه أحد المحامين ليؤكد له أنه المحامي الموكل للدفاع عنه.

بينما ترمقه سهام نظرات الحاضرين وأنا منهم والشرر يتطاير من العيون ويود الجميع أن يثأروا للضحية التي اغتال أحلامها في ريعان شبابها.

فجأة يصيح حاجب المحكمة بأعلى صوته «محكمة» ليسود الصمت المطبق على القاعة ويدخل السادة المستشارون مرتدين وشاح العدالة ويجلسون على منصة القضاء وعلى مقربة منهم يجلس ممثل النيابة العامة بينما يجلس سكرتير الجلسة على يسارهم.

شعرت في هذه اللحظة أن روح القتيلة نيرة ترفرف داخل القاعة تستحلف وتستصرخ سدنة العدالة أن يقتصوا لها من ذلك السفاح الأشر حتى تهدأ روحها وتجف دموع والدتها وأسرتها.

نادى رئيس المحكمة على المتهم وأثبت حضوره وتأكد من وجود محام يدافع عنه ثم وجه له الاتهامات.. وهنا يقف رئيس النيابة ممثل الإدعاء ليؤكد لهيئة المحكمة أن هذا المجرم الماثل أمامهم قتل نيرة تلك الفتاة الحالمة التي وهبها الله حسن الخلق والخليقة لأنها استخدمت أبسط حقوقها في رفضه عريسا..

جن جنونه وهددها عدة مرات برسائل نصية على تليفونها المحمول وعندما أبلغت أسرتها قاموا بتحرير عدة محاضر ضده لكنه نفذ تهديده وذبحها على الهواء أمام المارة في جريمة وثقتها كاميرات الشارع والمتفرجين الذين غابت عنهم النخوة والشهامة ولم يبادر أحدهم لإنقاذها.

لذلك فإن النيابة العامة تطالب هيئة المحكمة بألا تأخذها به رأفة ولا رحمة وأن تنزل عليه أشد العقاب الإعدام شنقا لاقتران جريمة القتل بسبق الإصرار والترصد.. ثم يترافع الدفاع عن نيرة ويفند القرائن والأدلة بينما يؤدي محامي المتهم دوره وهو مقتنع من داخله بخسارة القضية.

تخيلت نفسي المحامي الخاص بالمجني عليها ووجدتني أصرخ قائلا: يا سيادة القاضي أجبني  بِأيّ ذَنْبٍ قُتلَتْ نيرة؟

الجميع مذنبون لا أستثني منهم أحدا.. قتلها من وقفوا دون نخوة يتفرجون على القاتل وهو يمزق جسدها بسبع طعنات بل وبثوا المذبحة على مواقع التواصل الاجتماعي .. قتلتها أسرة فشلت في تربية ابنهم على القيم والفضيلة..

قتلها رجل دين ترك صلب القضية وراح يهذي بأن عدم ارتداء الفتاة الحجاب يشجع على قتل البنات..

قتلها صناع أفلام البلطجة والعنف الذين اتخذ القاتل من أحدهم قدوة والتقط الصور معه..

قتلها مسئولو الوزارات المعنية عن تربية النشء الذين انشغلوا عن رسالتهم فانحرف الشباب إلى عالم الجريمة والمخدرات.

يا سيادة القاضي: دم نيرة في رقابنا جميعا لا أستثني منا أحدا فأنزل القصاص العادل الكلمة التي يمكن أن تشفي غليل قلوب موجوعة في الدنيا انتظارا لعقاب السماء يوم القيامة.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة