علاء عبد الهادى يكتب :  كثير من الأدب | (الهوى فى الجوائز الأدبية)
علاء عبد الهادى يكتب : كثير من الأدب | (الهوى فى الجوائز الأدبية)


علاء عبد الهادى يكتب: كثير من الأدب | «الهوى فى الجوائز الأدبية»

أخبار الأدب

السبت، 25 يونيو 2022 - 08:34 م

 

[email protected]

جائزة «البوكر العربية» صاحبها هذا العام لغط كبير، لغط سابق، ولغط لاحق

الجوائز، أية جوائز، تبقى فعلا بشرياً، يصيب من يقومون به أو يخطئون، مهما التزموا وأعلنوا تمسكهم بأسباب الحيدة والنزاهة، وفى الحقيقة تتأثر أحكامهم وقراراتهم بما قد يتأثر به أى قاض يحكم فى قضية ما، فالكمال لله وحده.


القاضى، أى قاض، المفترض أنه لا يحكم بالهوى، بل يحكم بالأدلة والبراهين القاطعة، وبأحكام القانون التى تلزمه بأن يحكم على المتهم بعقوبة بعينها، لارتكابه جرماً ما، ويحكم القاضى، بما استقر فى يقينه، واستراح له ضميره، قد يحكم بالحد الأدنى للعقوبة، أو قد يلجأ إلى توقيع العقوبة المشددة، كل هذه مسلمات أعرفها وتعرفها، ورغم ذلك فالحكم وإن كان هو عنوان الحقيقة، فهناك من يطعن عليه ويتظلم منه.


ولأن عضو لجنة التحكيم فى أية مسابقة ثقافية يقوم بعمل يشبه عمل القاضى، فيجب بداية أن نحترم قراراته أو أحكامه، وإن شابها خطأ،حسب ما نعتقد ما دمنا ارتضينا به حكماً وإذا لم تأت النتائج على هوانا الجمعى، فلا يجب أن نرمى الجائزة والقائمين عليها، بالتهم المعلبة الجاهزة، لأنه بالسياق تبقى قرارات وأحكام لجنة التحكيم عنواناً للحقيقة، وما دون ذلك مجرد آراء.
تاريخ التشكيك فى كل الجوائز، ممتد ومتأصل منذ أن عرفت الإنسانية الجوائز كأسلوب محفز على مزيد من الإبداع، جائزة نوبل أعرق الجوائزالأدبية وأرفعها شأناً، متهمة دائما وأبداً، بأن اختياراتها فاسدة، ومخترقة، وما حدث فى عام ٢٠١٨ ليس ببعيد، والاتهام الأشهر للجائزة هو أن اختياراتها ملوثة دائما بمسحة سياسية، وحتى فى المرة اليتيمة التى أنصفوا فيها الأدب العربى، واختاروا أديبنا الروائى الكبير نجيب محفوظ، خرج من بيننا من يشكك فى نزاهة الجائزة والقائمين عليها، وأنه حازها لأسباب، تتعلق برواية «أولا حارتنا»، بل وخرج من أعلن صراحة أنه كان أولى بها من نجيب محفوظ


أى عضو فى لجنة تحكيم جائزة ما، حتى إذا استبعدنا المؤامرات، والمواءمات، والتربيطات، والشللية، يحكم فى النهاية بخلفياته الثقافية، وقراءاته، وذائقته، أى نعم كل جائزة محترمة من المفترض أن لها قواعد واشتراطات للتقدم لها.

ولكن لجنة التحكيم قد تقع فى الخطأ عندما تحاول أن تكون مالكية أكثرمن مالك، وتحاول أن تدرأ عن نفسها تهمة المحاباة، فإذا بها تظلم.هل من المفترض مثلا أن تنحاز الجوائز إلى التجريب والأشكال الجديدة للرواية، باعتبار أن ذلك جزء أصيل من رسالتها، أم تنحاز للرواية الكلاسيكية فى معايير البناء وجماليات اللغة، كما عهدنا وتربينا على يد الرواد والأسماء الخالدة؟


لن تجد فى الحقيقة إجابة قاطعة حاسمة، لأننا كما قلت أمام رؤية وذائقة جمعية لمحكمى الجائزة، المنطق يقول أن ننحاز للتجريب والتجديد والحداثة، على اعتبار أن الجائزة عامل محفز على المزيد من الإبداع الإنسانى، ولكن بالتأكيد ليس كل التجريب يعد تجريبا حقيقيا يستحق الجوائز.


الإحصائيات قد تقودك إلى انحياز «البوكرالعربية» فى السنوات الأخيرة مثلا لصالح الرواية التاريخية على حساب غيرها من الصور، ولكن إدارة الجائزة تدرأ دائما عن نفسها هذه التهمة، وترى أن الرواية الجيدة تفرض نفسها من غير أن يكون هناك اهتمام بتصنيفها.


ما تعانى منه الجوائز الدولية والعربية تعانى منه جوائز الدولة للفنون والآداب والعلوم الاجتماعية، ولا يكاد يمر عام من دون حديث عن شبهات تحوم حول الجوائز ودائما يكون الحديث عن «التربيطات»، وحملات العلاقات العامة التى تتم فى الساعات القليلة السابقة للتصويت، وأعرف أسماءً بعينها حازت جوائز بهذه الطريقة المضمونة، وفى الأعوام الأخيرة، ظهر تأثير وضغط «السوشيال ميديا» جلياً، حيث ينشط شيعة وزملاء وأصدقاء الذين سيتم التصويت على أعمالهم من أعضاء القائمة القصيرة، ويدعون لانتخابه وفوزه، وبقدر النجاح فى «الحملة التسويقية الترويجية» بقدر ازدياد فرص الحصول على الجائزة، لأن من يحكمون ويختارون فى النهاية بشر، يتأثرون سلباً وإيجاباً.. لذلك لن أنسى ما قاله لى قاض كبير سابق (قاضى جنايات) بأنه فى قضايا الرأى العام كان يحرص على ألا يقرأ شيئاً فى الصحف أو يشاهد برامج تتناول القضية التى سيحكم فيها مخافة أن يتأثر قراره بما يقرأ أو يسمع أو يشاهد، وليبقى فى النهاية منحازاً للحقيقة المجردة.
الملاحظ مثلا أن العرف جرى أن تنحاز جوائز الدولة إلى من ترشحوا وغادروا الدنيا، أو مرشح حالته المرضية حرجة، هذا الأمر خلق ثقافة أن الجوائز يحسمها أحيانا «سرير المرض»، للاستفادة من قيمتها المادية! 
فى الجوائز العربية هناك اتهامات دائمة بالانحياز مع أو ضد أبناء إقليم بعينه، حسب المرجعية الجغرافية لأعضاء الجائزة، وتسمع كلاما مثل «ليس من المنطقى أن تحتكر مصر الجائزة دائماً»، سمعت مرة أحد كبار روائيى المغرب العربى، يقول ذات يوم إننى عشت جزءاً كبيراً من حياتى الأدبية مهمشاً، لا يشعر بنا المركز فى إشارة إلى مصر، ولا ننال جوائز الخليج، والآن من حقنا أن نعوض ما فاتنا من تجاهل استمر لعقود.
جائزة «البوكر العربية» صاحبها هذا العام لغط كبير، لغط سابق، ولغط لاحق، حيث رأى زملاء ومريدو، وقراء المرشح المصرى الروائى طارق إمام (أو لنقل المرشح من مصر) أن فرصه شبه محسومة فى الفوز بالجائزة وصوَّروا الأمر وكأنه ذاهب لاستلام الجائزة والعودة بها لا محالة، فهو صاحب الفرص الأوفر من بين الذين وصلوا للقائمة القصيرة، ودخل معه فى قائمة الترشيحات «الفيسبوكية» عدد قليل من الأسماء، لم يكن من بينها أصلا محمد النعاسى الليبى الذى فازت روايته «خبز على طاولة الخال ميلاد» بالفعل بالجائزة فيما بعد، فكانت النتيجة محبطة لأحلام طارق إمام المشروعة وتم تصويرالأمر مرة وكأن هناك مؤامرة حيكت بليل لاستبعاده، ومرة أخرى بأنها مؤامرة ضد مصر، والأمر فى رأيى، وبدون تنظير لا هذا ولا ذاك. 
السؤال: لو أنت عضو لجنة تحكيم فى جائزة أدبية رفيعة، إلى أى الأصوات تنحاز، إلى صوت جديد يسعى إلى التجريب، ويقتحم دنيا جديدة، ويأخذنا ويأخذ الإبداع إلى دنيا جديدة لم تطأها أقدامنا بعد، أم تنحاز لجميل تقليدى راسخ؟
 تنحاز إلى الفكرة أم إلى روعة الأسلوب؟
بالتأكيد سوف تنحاز إلى العمل الذى تتوافر فيه كل ما تراه إيجابياً بالمعايير النقدية، بغضِّ النظر عن محاولة تأطير العمل، أو محاولة حصره فى قالب معين ولكن الأهم ترتيب الأولويات، لأنها تكون حاسمة فى تقرير فوز شخص دون آخر.
وتبقى أحاديث المؤامرة والشللية قائمة ما بقيت الجوائز. 

اقرأ ايضا | الأغنية الوطنية «من عهد أحمس وحتى الآن» في أمسية باتحاد الكتاب

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة