محمود الوردانى يكتب |عن سيد البحراوى
محمود الوردانى يكتب |عن سيد البحراوى


محمود الورداني يكتب |عن سيد البحراوي

أخبار الأدب

السبت، 25 يونيو 2022 - 08:39 م

 

تمرّ هذه الأيام الذكرى الرابعة للرحيل المبكر للصديق سيد البحراوى (9 يناير 1953- 16 يونيو 2018 ). ربطتنى به صداقة طويلة ممتدة لم تخلُ من خلافات طاحنة وصلت أحيانا إلى حد القطيعة، لكننى أشهد أنه كان من أنبل الناس وأكثرهم تمسكا بشرفه الشخصى وقناعاته التى لم يتخل عنها فى أحلك الظروف .


 ربما لايعرف الكثيرون أنه روائى وقاص من طراز رفيع، والأهم أنه يكتب كتابة مختلفة مع الكتابة السائدة، فى حدود الأعمال الإبداعية التى أصدرها، وهى روايته «ليل مدريد»، ومجموعتان من القصص : «صباح وشتاء» و«طرق متقاطعة»، إلى جانب ثلاث روايات قصيرة ضمّها فى كتاب»هضاب ووديان».


وبالمصادفة كنت- قبل أيام- أعيد قراءة روايته «ليل مدريد»- دار التجليات- 2013، ولا أظن أنها لاقت ما تستحقه من اهتمام نقدى، على الرغم من أنها عمل محكم وخاص إلى أبعد الحدود، وتصلح الشخصية الرئيسية التى تروى الرواية بكاملها على لسانه- هناء- أن تكون تعبيرا عن مرحلة كاملة، كانت ذروتها فى تسعينيات القرن الماضى.


تتمتع الرواية بحيوية فائقة، ولم تفقد هناء على مدى صفحات الرواية خصوصيتها، على الرغم من أنها فى الوقت نفسه، علامة على جيل لم يتصالح مع تناقضاته وظل مؤرقا وموزّعا، بل إن هناء تنهى روايتها بالكلمات التالية:
«لاأستطيع أن أفعل شيئا، ولن يستطيع أحد مساعدتى».
الحقيقة أننى أريد أن أمتدح بشدة خصوصية هناء، وقدرة البحراوى على الابتعاد عنها بمسافة كافية، ومنحها استقلالها  وصوتها وعذاباتها، وتنقلها الدائم القلق بين أحضان أربعة رجال بينهم بيتر الألمانى، بخلاف زوجها الذى أبتليت به، فهو لايميل إليها ولا إلى غيرها من النساء. هناء أيضا يعذبها إيمانها الدينى، وتستطيع دائما أن تجد الصيغة المثلى التى تسمح لها بممارسة كل الخطايا. انفصلت هناء عن الكاتب، وانطلقت تكتب نفسها وأيامها وقلقها وهزائمها المتوالية.


 الرواية أيضا تحتشد بالدلالات المكتوبة بمهارة وحرفية عن إسبانيا التى تسافر إليها لتدرس فى مدريد . إسبانيا بكل ماتعنيه من انكسار للحلم العربى وسقوط الأندلس، وانكسار هناء وجيلها فى الوقت نفسه.

ولا أظنها مصادفة اختيار البحراوى للمدن العربية فى إسبانيا مسرحا لبعض أحداث الرواية، كما لا أظنها مصادفة ما أورده من مشاهد عن الجماعة الإسلامية، التى تضم أوربيين وعربا فى قلب إسبانيا فى بيت ريفى خارج مدريد، حيث يلتقى لقاءات دورية ما يزيد عن خمسة وعشرين امرأة ورجلا، يقرأون القرآن ويغنون ويرقصون، وهنا تقع هناء فى غرام بيتر الألمانى.


تستطيع هناء بعد أن انتزعت استقلالها أن تقدم عملا فاتنا حقا فى أقل عدد ممكن من الكلمات. تقدم علاقتها بابنها الطفل الذى تعذبت من أجله وسافرت به إلى مدريد، ولا تعرف هل تحبه أم تكرهه كما أنها لاتعرف ما إذا كان ابنها يحبها أم يكرهها. تقدم عملا حافلا ومتراميا من العواطف والرغبات والخيبات والفشل تلو الفشل والخسران.


إنجاز «ليل مدريد» إنجاز فاتن ولايستهان به. والصوت النسوى الذى انفرد بالعمل وتقديمه من وجهة نظره، يعدّ إضافة للرواية العربية دون أى مبالغة. والسطور السابقة محاولة لاستعادة البحراوى الذى اختطف من بيننا مبكرا، وعلى الرغم من أنه مات منذ أربع سنوات فقط، إلا أن أحدا لايتذكر هذا الجانب من إنجازه الأدبى..كتّر خيرك يا أبو السيد.. أنت أكيد فى مكان أفضل.

اقرأ ايضا | محمود الوردانى يكتب |عن المجال العام .. لا عن الجوائز

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة