أحمد بيومى
أحمد بيومى يكتب .. عادل « الإمام »
الأحد، 26 يونيو 2022 - 12:40 م
أبصر الطفل الصغير عادل إمام الدنيا فى عصر مصر الملكية، ولد فى السابع عشر من مايو عام 1940، وبدأ تشكيل وعيه المعرفى وإدراكه بالعالم مع التغير الكبير الذى طرأ على المملكة المصرية وتحولها إلى جمهورية جديدة بشعارات وآمال وأغاني حالمة «رصيف رخام ع الترعة وأوبرا فى كل قرية عربية».
الشاب الطامح الذى وقف على خشبة مسرح الجامعة فى بداية الستينيات، أدرك الجامعة حين كانت مصنعا حقيقيا لتشكيل الشخصية وتخلق القامات، أدرك مصر التى تتسع لكل الأصوات والتيارات والأفكار، مصر التى تحترم الآخر والمرأة.
ومع كرور السنين، تزداد نجومية عادل إمام وتتغير قيم المجتمع الذى ولد وعاش فيه، ومع وصوله إلى مرحلة النجومية واختيار الأفكار التى يرغب فى طرحها، ندرك تماما الأفكار الرئيسة المشتركة فى مشوار عادل إمام. محاربة التطرف والجهل والسعب وراء مصر التى ولد وعاش فيها شبابه، الدولة التى لا تفرق بين مسلم ومسيحي، أو رجل وأمراة، مصر التى كان عمود الخيمة فيها هو الطبقة الوسطى، المتعلمة والمثقفة التى تتذوق الفن والموسيقي ولا تخلو منازلها من مكتبة قيمة.
كثرون من رموز الفن المصري، مخرجين وكتاب وممثلين، دافعوا عن الهوية المصرية، وحاربوا دعاة الظلام والرجعية، هؤلاء الذين يعششون فى الظلام فى انتظار لحظة التمكين لتبديل ملامح الدولة المصرية إلى تجاعيد عصور الجهل والتخلف، هؤلاء الذين مع أول لحظات ضعف الدولة وجدناهم فى الميدان والحدائق وعلى شاشات الفضائيات ولا يشغلهم إلى صوت المرأة وعمل المرأة وإخفاء وجه المرأة، والبلاد التى حكمتها تلك الخفافيش خير شاهد على ما آلت إليه الأمور، بعد أن كانت تلك البلاد منبرا للحريات وقبلة للباحثين عن الجمال والفن والرقى.
لكن وحده عادل إمام، من حافظ على الخط الرئيس الذى أنتهجه طيلة سنوات، محاربة التخلف والرجعية، مستغلا السلاح الأنجح على الإطلاق، سلاح الكوميديا والسخرية من هؤلاء. السخرية التى هى جزء رئيس من الشخصية المصرية التى تهوى حتى السخرية من نفيسها فى أحلك اللحظات، نجح عادل إمام فى سلسلة طويلة من الأفلام والمسلسلات والأفلام أن يكون حائط صد مانع ضد كل هذه التحولات. فلم يكن غريبا أن يصبح هو العدو الأول لهولاء الأرهابيين، وأن يكون أسمه على رأس قائمة الأغتيلات لسنوات ليست بالقليلة، وأن يكون مطاردا بالشائعات حتى أيام قليلة مضت.
لا تملك وأنت تنظر إلى الوراء وتتذكر مشوار عادل إمام، إلا الإنبهار، والسؤال عن السر وراء قدرته على القبض على قلب وعقل الجمهور طيلة عقود متتالية، مهما تبدلت أذواق واختلف الجمهور، ومهما استعديت الشخصيات التى قدمها عادل إمام سوف تسقط سهوا الكثير، «مرسي الزناتي» فى مدرسة المشاغبين، الإرهابى، النوم فى العسل، طيور الظلام، المنسى، الإرهاب والكباب، اللعب مع الكبار، شاهد ماشفش حاجة، احنا بتوع الأتوبيس، دموع فى عيون وقحة، حب فى الزنزانة، الواد سيد الشغال، المولد، الزعيم، الافوكاتو، كاراكون فى الشارع، طيور الظلام، الحريف، وغيرها الكثير. ولا أنكر إنى أملك العديد من التحفظات الفنية والأيدلوجية على بعض أعمال وكثير من مواقف عادل إمام، لكن فى النهاية علينا جميعا الأعتراف أننا نقف أمام ظاهرة فنية قلما تحدث فى تاريخ الشعوب. وأن عادل إمام يملك شعبية جارفة عند المشاهد المصرى والعربي، ونجح فى الحفاظ على توهجه والإبقاء على الحميمية بينه وبين جمهوره طوال عقود متعاقبة، عادل إمام بدأ مشواره «مشاغبا» وصار اليوم زعيما حقيقيا للفن المصري والعربي، وصنع إرثا من حق المصريين أن يفخروا به لعقود طويلة قادمة.
تمر الأيام، شئنا أم أبينا، ونخوض جميعا سباقا مع الزمن. الأغلبية الساحقة تخسر وتسقط وتستسلم، وحدهم من يدركون قواعد اللعبة يمكنهم الصمود والمواصلة ومجارة الزمن حتى بعد رحيلهم عن الدنيا. ألم ينتصر شاهين والمليجى والريحانى وأم كلثوم وعبد الوهاب ونجيب محفوظ؟. وأزعم الآن أن عادل إمام انضم إلى قائمة المنتصرين على «خفافيش الظلام» والزمن والهاربين من سطوة سيفه، فأمثال عادل إمام قدرهم أن يعيشوا لمئات السنين بعد أن أصبح عادل «الإمام» لكل من يؤمن بمقدرات هذا الوطن، وهوية الشعب الوسطية التى تعشق السخرية وتكره الجمود والتبلد.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة