د. حسين عبد الفتاح أستاذ تكنولوجيا التعليم بجامعة قناة السويس
د. حسين عبد الفتاح أستاذ تكنولوجيا التعليم بجامعة قناة السويس


التعليم بين تطوير عمليات ومواقف التعلم والامتحانات

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 26 يونيو 2022 - 02:02 م

 

بقلم: د. حسين عبد الفتاح أستاذ تكنولوجيا التعليم بجامعة قناة السويس

سافرت لألمانيا عام 2007 في بعثة للحصول على درجة الدكتوراه في التعليم وتقنياته وتحديدًا في تخصص تكنولوجيا التعليم وعلى وجه الخصوص في توظيف الوسائط المتعددة وما يعرف بالمعامل الافتراضية وغيرها من أدوات في تقديم المعارف المختلفة للمتعلم بداية من المواد القابلة بطبيعتها للعرض بهذه الطرق والتقنيات، ومواد أخرى شديدة التجريد تتطلب التبسيط والاقتراب من الحياة أكثر كالرياضيات. في هذا التوقيت كان هذا التخصص وتلك التقنيات في الواقع العربي من قبيل الترف وأفلام الخيال العلمي وكنت أظن أنني قد أتيت بالذئب من ذيله كما يقولون، إلا أنني وجدت أن الفريق البحثي بقيادة أستاذي الألماني قد قبلني وضمني معهم لطرحي نقطة نوعية في مقترحي البحثي ستغلق فجوة في خريطة بحثية محددة سلفًا ولها تطبيق عملي بعد ذلك على الأرض واستفادة فعلية وليس مجرد الحصول على شهادة ودرجة علمية. كان اهتمامي وقتها هو الربط المباشر باستخدام التقنية بين الحياة وما فيها من خبرات يومية والرياضيات بجمودها وتجريدها، وأعتقد أن هذا المسعى هو نفسه ما تحاول وزارة التربية والتعليم الوصول إليه بجعل المناهج ومحتواها أكثر ارتباطًا ووظيفية بالحياة والبعد عن كونها مجرد محتوى مطلوب حفظه لاجتياز الامتحانات! 

في مقترحي البحثي كان تحويل مقررات الرياضيات من الحفظ والتعامل مع الكتب إلى التجريب باستخدام برامج وأدوات تم تطويرها لذلك، فضلا عن إعادة كاملة لصياغة وتنظيم المحتوى ليتمحور حول قصة حياتية بها مواقف وتحتاج لحلول، باستخدام تجريب واكتشاف داخل البيئة الالكترونية المطورة وباستخدام نظريات ومعارف موجودة فعلا في البناء المعرفي للمتعلم، أو الوصول لمعرفة جديدة خلال تلك التجريب والاكتشاف على الكمبيوتر وداخل هذه البيئة المطورة. أي أن الاهتمام للوصول لتفعيل الربط بين الحياة والمحتوى كان اهتمامًا بالمحتوى وطريقة تقديمه وعرضه وتنظيمه فضلًا عن توظيف تكنولوجيا التعليم في ذلك، وربما اتفق ذلك مع ما وجدته متبع في ألمانيا وخلال زيارات بحثية لدول أوروبية عديدة أن ما يعرف بالعمل اليدوي والتجريب والاكتشاف والوصول للمعلومة من خلال مواقف ينشط فيها المتعلم بكل حواسه هو مبدأ أساسي للتعليم هناك من المراحل الأولى حتى الجامعة وأن سياق التعلم وفقا لذلك يتم خلال عديد من الأنشطة التي تستخدم بها أدوات تتدرج من البساطة كثني الأوراق وغيرها إلى استخدام أعقد الأدوات في المعامل الفعلية والافتراضية، وعلى الرغم من كل ذلك فلم يستغني الألمان لوقتنا هذا عن ضرورة الحضور للفصول وقاعات الدرس بل واستخدام السبورات التقليدية في التعليم والتعلم واشراك المتعلم وتفعيل مشاركته النشطة في مواقف تعلم تقوم على تمثيل الأدوار والتعلم القائم على المشروعات وغيرها من طرق لا وجود فيها لمصطلح الملل من التعلم، ولا وجود فيها أو ضرورة أو احتياج لدى المتعلم لحضور دروس خاصة بعد انتهاء اليوم الدراسي، ومع هذا التغيير في عمليات التعليم سيحدث التغيير في آليات الامتحانات بل وسيتقبله المتعلمين وأولياء أمورهم، ولا أبالغ إذا توقعت معه اختفاء ظاهرة كظاهرة الغش فرديا أو جماعيا، فربما يتذكر قارئ هذه الكلمات مادة معينة كان موقف الامتحان فيها موقف ممتع لأن معلمه كان يشركه في الحصة الدراسية بشكل نشط وممتع، فلم ينساها ولم يحتاج لحفظها ولم يشعر بتوتر عند قراءة امتحانها!

وأؤكد أن ما سبق هو ما استخلصه كمتخصص أنه الطريق والهدف الذي تنشده وزارة التعليم في الوقت الحالي، إلا أن السؤال المهم الآن المطروح هو: هل المدرسة والطالب والمعلم تم تجهيزهم لذلك، وبشكل أكثر اجرائية ”هل تم تدريب المعلمين على ذلك“ والتدريب هنا يتضمن خلق اتجاهات ايجابية لديهم ولدى تلاميذهم لتقبل التغيير وأهميته. هل ما يتم من تطوير وبناء لأنظمة ومنصات تعلم يقابله عمل فعلي على الأرض؟ أعلم أن مهمة تطوير التعليم في مصر جد كبيرة إلا أن الواقع الذي ألمسه كمتخصص في التعليم وفي تكنولوجيا التعليم، وكمربي وقائم بإعداد المعلمين، وكولي أمر لمتعلمين في مراحل التعليم المختلفة، أجد ذلك الواقع يميل خلال السنوات السابقة إلى تركيز أكبر على مواقف الامتحانات وهي الجانب الذي تضع فيه الوزارة جل اهتمامها وجهدها حتى اللحظة، وأن مهمة التطوير الفعلية لمواقف التعلم على أرض الواقع ربما لم تبدأ بعد بالقدر المتطلب لنجاح التجربة، والدليل هو استمرار الاعتماد على الدروس الخصوصية وضعف الحضور في المدارس وانعدامه في بعضها وبعض المراحل، وابتعاد المعلمين والمتعلمين عن الاستخدام الفعلي وتوظيف ما قامت الوزارة فعليًا بتوفيره من بناء منصات تعلم وبنوك للمعرفة واتفاقات مع جهات عالمية لتوفير عناصر ومواد تعلم شيقة وغنية، لكن كما يتم متابعة انتظام الامتحانات لضمان اتمام مهامها سواء الكترونيا أو بأي طريقة أخرى يفترض أن يسبقه اهتمام أكبر بتوظيف كل تلك الجهود في أرض الواقع وفي بيئات التعلم وأن يتزامن مع ذلك بل يسبقه ورش تدريب جاذبة ولا تهتم فقط بضرورة الحضور أقصد الكلمة "جاذبة" لحضور المعلمين وأخرى للطلاب لإكسابهم مهارات استخدام تلك التقنيات جنبًا إلى جنب مع الاتجاهات الايجابية وتنمية دافعيتهم نحو استخدام وتوظيف ما تقدمه وتتيحه الوزارة.

يبقى العنصر الغائب أو على أقل تقدير لم يأخذ حقه من الاهتمام هو التدريب المتكامل في جميع الجوانب للمعلمين والهياكل الادارية المصاحبة لهم وهو في رأيي كمتخصص كلمة السر لنجاح أي منظومة جديدة بجميع عملياتها، وليس فقط الاهتمام بضمان سير الامتحانات وخلوها من المشكلات، كما أن اقناع مجتمع الفاعلين والمستفيدين وأقصد بهم المعلمين وأولياء الأمور والمتعلمين كلمة سر أخرى لا تقل عن السابقة ولا تتحقق إلا بحوار بناء، وعلى قدر هذه الأهمية من وجود حوار بين الأطراف سابقة الذكر فالاستفادة من أساتذة التربية والمتخصصين أمر لابد منه لنجاح وتطوير التعليم في مصر فهم من أسهموا فعليًا في تطوير بل بناء أنظمة التعليم في دول شقيقة بكافة مراحل التعليم وحان الاعتراف أن بدون خبرتهم ومشاركتهم ستظل هناك حلقات مفقودة لن يجدها غير المتخصصين!

ويبقى الحلم والهدف الأسمى ليس مجرد تطوير التعليم في حد ذاته، بل أن تكون وزارة التربية والتعليم في جمهورية مصر العربية بكل منشآتها ومبانيها ومنتسبيها وزارة منتجة كما وجدناه في مدارس وجامعات أوروبا بدولها المتقدمة الغنية والفقيرة نسبيًا عن غيرها، وأن تصبح مؤسسات التعليم مسهم أساسي في الدخل القومي وتنمية اقتصاد البلاد وليس استهلاكه فقط، وآليات تنفيذ ذلك ليست ببعيدة بل موجودة بالفعل وهناك تجارب عديدة ناجحة في مصر لكنها تظل فردية، يجب حصرها وبحث أسباب نجاحها وتعميمها لخير بلادنا ومستقبل وتعليم أفضل لأبنائنا! متمنيًا كل التوفيق للمسؤولين عن التعليم في مصرنا العزيزة ولأبنائنا بجميع مراحل التعليمالمتعة والنجاح. 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة