سمير الجمل
سمير الجمل


عيـِّـل وغِلـــط!!

الأخبار

الإثنين، 27 يونيو 2022 - 06:05 م

 

بقلم: سمير الجمل

غلطة الطفل ضحكة بريئة وغلطة الكبار حسب حجمها وتأثيرها والغلط معروف.. لكنه مع التطور الطبيعى لأشياء كثيرة من حولنا اتخذ لنفسه ألقابا عديدة.. فهلوة-شطارة-دردحة-تفتيح مخ-بعد أن تحولت الرشوة إلى شاى بالياسمين أو دخان أو تحلية الفم وكسر كرامة العين والنفس-مشى حالك-واصبحت السرقة بيزنس لها أكابر وفيها مستويات واسماء وأنظمة وقواعد.. ولا يتساوى فى ذلك الحرامى الذى يسرق أحذية المصلين فى الجامع.. مع رجل الأعمال الذى يكسب الملايين.. بالحنجل والمنجل والدفع من تحت الطاولة ومن فوقها ويتهرب من دفع الضرائب.. فهو سرعان ما يسعى لشراء الحصانة بالدخول الى مجلس النواب.. أو يرأس أحد الأندية الرياضية.. فيصبح أكثر شعبية من غالبية الوزراء.. وغلطة الفرد مع نفسه أمر طبيعى.. لكن المتاجرة بالغلط جريمة فى حق مجتمع بأكمله.. وإذا كان الناس قديماً كما قال الاعلامى الرائد ايهاب الأزهرى على دين اذاعتهم فهم حالياً على دين اليوتيوب والفيس بوك والتيك توك وجوجل.. حتى أصبحت تجارة الغلط مربحة ويدلعونها «بالتريند».. مع أنه فى حالات نادرة قد يكون فى سكة تانية.

وقد سألوا أحد كبار اللصوص الذين احترفوا هذه المهنة فكانت اجابته.. يا بيه احنا راحت علينا.. انا دخلت بيوت فخمة والبتاع ده اللى اسمه كمباند.. وفتحت الثلاجة لقيت ربع رومى وربع لانشون ونصف بطيخة قارعة.. وتفاحة بلدى أكلوا نصفها.. فلوسهم فى البنك.. ومجوهراتهم فالصو.. يعنى ريش على مفيش بحجة أن الأكل بالنسبة لهم وزن زائد.. يدفعون لأجل التخلص منه الآلاف.. «يبقى قلته أحسن».

ولما سألت حضرة الحرامى وماذا فعلت فى موقف مثل هذا الموقف أجابنى متأثراً.
- اترك لهم ما فيه النصيب وأعود إلى حال سبيلى!
بعدها بفترة قابلت السيد الحرامى (ابو قلب طيب) وقد وقف ينادى على قائد سيارة:
- أكسر يمين.. رد شمال.. خليك زى ما أنت!!
وتاب رغم أنفه.. حتى الغلط لم تعد سكته مضمونة «زى زمان». وفى ذلك حكاية بطلتها ممثلة كانت مصنفة على أنها (متعودة دايما) تدخل على المخرج وتهمس اليه بأنها جاهزة.. ولأنه يعرفها.. يحذرها قائلا: أنا نفسى اصورك كما تريدين لكن الرقابة يا حلوة لن ترحمنى.. الممثلة الآن تندب حظها.. لأن الشباب فيما مضى كان يدخل السينما طمعاً فى منظر او قبلة أو حركة قد لا تستغرق على الشاشة اكثر من دقيقة.. لكنه الآن يمتلك الدخول على الانترنت لكى يتكلم ويلاغى بالصوت والصورة مع امرأة فى آخر الدنيا وفى بلد لم يكن يسمع عنه حتى بارت بضاعة الإغراء وأصبحت على قارعة الطريق.. وكان مهرجان القاهرة السينمائى له شنة ورنة.. فى التسعينيات.. والطوابير تمتد امام شبابيك التذاكر لمسافات.. وهناك مجلات يتم طبعها خصيصاً لكى ترشد المتفرج الشغوف فيما يمكن ان «يشوف».. فإذا دخل ودفع ثمن التذكرة وهى ثلاثة اضعاف التذكرة العادية.. هاج وماج وصرخ مع من جمعهم نفس الهدف وضحكت عليهم المجلة-سيما اونطة.. هاتوا فلوسنا.
وقد سجل عادل إمام هذه الأمور فى مشهد شهير بفيلم «المنسى» عندما راح يسأل احدهم.
- الفيلم ده قصة ولا مناظر؟!
وكانت الاجابة محبطة لاكده ولاكده.. والغلط ايضاً يتطور ويتم تحديثه اولاً بأول.. وقد يصبح نقطة تحول فى حياة صاحبه أو صاحبته: فالهروب من المدرسة والتعثر فى التعليم واللعب فى الشوارع طوال الوقت قد يفرز لنا المحترف فى أكبر الأندية.. والبنت التى وقعت فى الغلط مع ابن الجيران وتهرب من زوج امها.. ثم تخطو خطواتها الأولى كراقصة فى افراح الحوارى قد نجدها فيما بعد راقصة استعراضية لولبية بعد ان فتحت لها السينما أبوابها وشبابيكها!!

حكمة ربنا
جوعك.. يفتح باب الرزق للخباز وصاحب المطعم والخضرواتى وخبطة عربيتك لأن سيادتك اردت ان تتابع سيدك الفيس بوك وانت سائق.. والنتيجة غلطتك هى مكسب السمكرى.. واهمالك لأسنانك.. باب رزق لطبيب الأسنان.. حتى الحانوتى يأتى رزقه من أكبر مصيبة تواجه الناس وهى الموت.. وهم يعرفون أنها المصيبة المقدسة المكتوبة على الجميع كبيرهم وصغيرهم.. غنيهم وفقيرهم.. أقواهم وأضعفهم.. وإن اختلفت الأسباب والمسببات.. وتقدمت المواعيد أو تأخرت..
والكاتب الكوليمبى الشهير ماركيز له قصة عنوانها «الموت فى تمارا» عن رجل أراد أن يهرب من حياته كلها وقد ضاقت به.. وضاق هو من العيال وأمهم وبيته وجيرانه.. وركب القطار إلى «تمارا» لكى يبدأ حياته من أول وجديد.. وفى المحطة قابله احدهم بابتسامة عريضة مبشرة وجاء يحمل عنه حقيبته  واحزانه وهو لا يعرفه ولا يعرف أحداً فى تلك المدينة فقد اختارها لهذا السبب واقترب من هذا الرجل المفاجأة وسأله:
- هو حضرتك تعرفني؟
وأجابه: طبعا أعرفك
فسأله: ولكنى لم اتشرف بك من قبل. فقال ضاحكا: هذا أمر طبيعى لأنى لا أحضر لكل انسان إلا مرة واحدة فقط فهتف الرجل فرحا: أكيد أنت الحظ؟
وهز رأسه أسفاً: لا ياسيدى أنا الموت.. واشكرك لأنك وفرت عليّ السفر إلى حيث كنت!!.. وحضرت إلى هنا!
وعن الموت وأخبار العزاء.. صدرت الصحيفة اليومية ذات صباح أحد الأيام و النعى يقول:
- توفى فلان الفلانى والد فلان وعم فلانة نسأل الله أن يسكنه فسيح جناته.. إن كان له مكان!
فقد اشتبك توقيع مدير التحرير على نشر الخبر فى صفحة الوفيات إن وجدوا له مساحة.. والقصة حكاها الأستاذ أنيس منصور.. والأخطاء المطبعية فى الصحف لها مواويل وقصص وهى بالطبع غير مقصودة وغالبا ما تأتى فى زحمة إعداد الصحف وفى الأوقات الأخيرة قبل الطبع.. ولذلك يتمنى ديسك الجريدة.. ومدير التحرير أن تكون له ألف عين وعين.. ومع ذلك يقع الخطأ فى الجمع أو التصحيح.. حتى فى مانشيتات كبيرة: بالخط الأحمر و البنط العريض.. وبدلا من المناورة التى شهدها عبدالحكيم عامر فى تل قريب.. تحولت إلى تل أبيب فى الستينيات.. وهمة الشيخ الخضري.. أصبحت «عمته» الكبيرة وقد كانت بالصدفة كذلك وتجديد شباب القضاة ... وجدوها فى الجريدة تجريد ثباب القضاة..
ومصرع السفاح الشهير محمود سليمان الذى استوحى نجيب محفوظ قصته فى رواية اللص والكلاب.. اشتبك مع رحلة الرئيس عبدالناصر إلى باكستان.. والنتيجة مانشيت يقول:

مصرع السفاح عبدالناصر فى باكستان!
وسفرية وزير الأوقاف فى السبعينيات أصبحت حكاية عند الرجوع.. لأن العودة بالخطأ اصبحت «عورة».
والخبر العالمى الذى يعلن انهاء اضراب الطلاب.. وجدوه فى الصحيفة «الكلاب ينهون اضرابهم».. وجولة الوزيرة فى الستينيات فى كفر الشيخ.. خرجت على القراء فى اليوم التالي:
الوزيرة تتبول فى كفر الشيخ!
وقبلها فى عام 1917 جاء سلطان باشا الاطرش إلى مصر راكباً جواده.. لكن المطبعة لم يعجبها ذلك وجعلته يأتى راكبا «جراره».. كما تحول الزعيم المؤمن إلى «المدمن» ولا حول ولا قوة إلا بالله.

غلطة هانى
إذا كان الفنان هانى شاكر قد وقف امام كاميرات التليفزيون فى حفل عام يعلن بصوته البديع فى أغنية شهيرة:
- غلطة  وندمان عليها!
فإن المهندس الذى بنى برج بيزا الايطالى المائل والذى فشلت كل محاولات عدله قد دخل التاريخ بغلطته الهندسية.. ولو انهم نجحوا فى تعديل ميله ما كانت له هذه الشهرة العالمية كواحد من العجائب على عكس الفران الانجليزى فارينو الذى تسبب فى أكبر حرائق لندن عام 1666.. عندما نسى شعلة المخبز شغالة وأحترقت البيوت والناس.. لكنه افلت من غلطته حرقا .. لكنه دفع ثمنها قانونيا..

تقريبا بسبب الإهمال .. لكن فى أوكرانيا انفجر مفاعل تشرنوبل عام 1986 لأخطاء فى التشغيل تم علاجها بسرعة.. وكانت الغلطة الصغيرة كارثة كبرى ولو أنها وقعت على دماغ فاعلها لهانت مثلما جرى مع الجنوب الافريقى «جورج» الذى يئس من قطعة الأرض التى يمتلكها وظن أنها ضد الإصلاح كأرض زراعية أو حتى كموقع يتم التنقيب فيه عن المعادن.. وأخذه الحماس وباع مزرعته بعشرة دولارات فقط لاغير.. إلى شركة سرعان ما وجدت فى هذه الأرض أكبر مناجم الذهب فى العالم ومات بحسرته.. مثلما مات الملايين خلال عشر سنوات وبما يعادل ثلث سكان أوروبا.. عندما تسللت ثلاثة فئران عام ١٣٤٧ إلى سفينة.. وكانت تحمل مرض الطاعون ونحن بعد عامين أو أكثر من مصيبة «كورونا المتحور» ابنة المتحورة.. لم نعرف فاعلها الأصلى الأول إن كان من أهل الصين أو أمريكا.. أو منهما معا.. وإن كان الفيروس تمت صناعته.. كما صنعوا الجرثومة الخبيثة من قبل.. أو هو كوكتيل من المصائب اجتمعت مع بعضها.. وتوحدت كيمائيا لكى تزلزل أكبر عروش العلم والطب والتكنولوجيا والتقدم على مستوى العالم.. حتى أصبحت الدنيا مزرعة كبرى للوباء.. رفعنا أمامها راياتنا البيضاء والصفراء والحمراء.. وظهرت شركات الدواء أو المافيا العملاقة.. لكى تلاعب الكل وتلعب بهم وعليهم.. باسم العلاج.. كما فعلوها مع الإيدز وانفلونزا الطيور والقرود والخنازير.

الحرب العالمية الأولى سببها غلطة أو جريمة قتل.. والثانية أيضا وها هى حرب روسيا على أوكرانيا.
والعجيب ان من يشعلون الحروب هم أنفسهم أول من نراهم فى مؤتمرات اعادة الإعمار.. وهم أيضا أكثر من يبيع السلاح للقاتل والمقتول.. مع «مقبرة جماعية» هدية على كل قطعة والعيال الأبرياء كم تسببوا فى معارك بالأحياء الشعبية وهم يلعبون حتى إذا ضرب احدهم الآخر قامت الدنيا ولم تقعد وكل الأهالى يطبقون نظرية إذا كان ابنك هو الضارب فهو يلعب لانه عيل.. وإذا كان هو المضروب فلابد من قطع يد الضارب.. مع انه هو الآخر.. عيل وربما اكثر معيلة.

فهل سمعت عن الأمورة الصغيرة التى ملت من اللعب مع العرائس والمطبخ البلاستيك والأشياء الأخرى التى تزدحم بها غرفتها ولم تجد أفضل من عين بابا تدب اصبعها الصغير فيها.. على حين غفلة منه.. ولولا انه لحقها.. لدبت أصبعها فى العين الأخري.
فهل نتعلم من الغلط وهو وارد من البشر جميعا .. مهما كان الموقع والعمر والمنصب.. والخبرة وقد قلت فى ذلك:
لقد تعلمت من أخطائى السابقة.. أن أكرر الخطأ لكن بطريقة مختلفة!!

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة