أسامة عجاج
أسامة عجاج


الإسلاموفوبيا

أسامة عجاج

الخميس، 30 يونيو 2022 - 04:25 م

التصريحات الهندية المسيئة ضد الرسول الكريم، لم تكن اول جرائم استهداف الاسلام والمسلمين، ولن تكون آخرها، فنحن امام حملة ممنهجة، لاستهداف الإسلام، تتنوع أشكالها ولكن هدفها واحد.

 

إنها إذاً ازدوجية المعايير، وخلط المفاهيم، والربط المتعسف بين جرائم أفراد وإرهاب تنظيمات، وانتماءاتهم الدينية، والعنوان الأبرز هو الحرب على الإسلام، والبحث عن عدو جديد، يفيد استمرار نظرية الصراع التى تحكم سياسات الغرب، بعد هزيمة الشيوعية، وانهيار وتفكك الاتحاد السوفيتي، وهذه هى الدلائل.

حروب صليبية
استمرت الحروب الصليبية حوالى قرنين من الزمن، بدأت منذ العام ١٠٩٥ إلى ١٢٩١، وكانت شعاراتها دينية بامتياز، ووصل ضحاياها إلى مئات الآلاف، ولم يستطع أحد اعتبار المسيحية ديانة إرهابية، بل الكل ينظر إليها على أنها إحدى الديانات السماوية الثلاثة، واجبة الاحترام والتقدير، واعتبر أن أهداف تلك الحملات سياسية بامتياز، بمحاولة السيطرة على القدس، وفى العصر الحديث، عندما أقدمت الولايات المتحدة، وخلال نصف قرن من الزمن، على ارتكاب ثلاث جرائم، يجب أن يحاكم قادتها، بتهم الإبادة الإنسانية لشعوب أخري، لم يتعامل أى طرف معها باعتبارها (إرهاب دين)، بل (إجرام دولة)، والبداية فى ستينات القرن الماضى فى فيتنام، والتى تعرضت إلى احتلال استمر عشرين عاما، ووصل عدد الضحايا إلى حوالى ٣٦٥ ألف قتيل مدني، خلال سنوات الحرب، وتتكرر الجرائم وهذه المرة فى أفغانستان، على مدى نفس المدة الزمنية، وتزايدت فاتورة الضحايا وهى بمئات الآلاف من المدنيين والجيش وقوات الأمن الأفغان، والعشرات من الأمريكيين، أما (أم الجرائم) فكانت بغزو العراق فى أبريل ٢٠٠٣، وتم تهجير أكثر من مليون عراقى داخل البلد، ومعظمهم من مناطق السنة، حيث كان التعامل معها، على أنها جزء من سياسة أمريكية ممنهجة، للقضاء على نظام صدام، قد يهدد بصورة ما سياسات وأهداف واستراتيجية أمريكا فى المنطقة، دون التطرق إلى ربط الأمر بتطرف دينى مسيحي، وإذا تركنا أمريكا وجرائمها، فهناك فرنسا باحتلالها للجزائر، والتى أبادت أكثر من مليون شهيد، دون أن يتطرق أحد إلى اتهام المسيحية بالإرهاب.

جرائم صهيونية
نفس الأمر ينطبق على إسرائيل والصهيونية، وسأكتفى هنا بإلقاء الضوء على مذبحتين، الأولى جماعية وتمت فى أبريل ١٩٤٨، واستهدفت المدنيين من الأطفال والشيوخ والنساء من أهالى قرية دير ياسين فى فلسطين المحتلة، على يد تنظيمى الإرغون وشتيرن، بمساعدة قيادات من تنظيم الهاجاناه، ووصل رقم الضحايا إلى حوالى ٣٥٠، والذين تعرضوا إلى حالة تنكيل وممارسة أقصى درجات العنف، فى عمليات القتل والتمثيل بالجثث، وكان الهدف دفع بقية سكان القرى من الفلسطينيين لمغادرة منازلهم، ولم يتعامل أيا من الكتاب والأوساط السياسية فى الغرب، مع تلك المذبحة على أنها إرهاب يهودي، بل مجموعة من المتطرفين الصهاينة، وتتكرر المشهد بصورة فردية بعد عقود من الزمن، هذه المرة فى المسجد الإبراهيمى فى مدينة الخليل، فى فبراير ١٩٩٤، حيث قام باروخ جولدشتاين وهو طبيب يهودى أمريكي، هاجر إلى إسرائيل مستوطنا قبل ارتكابه جريمته بـ ١٤ عاما، بفتح نار بندقية آلية على المصلين العزل، الذين يؤدون صلاة فجر الجمعة، وكان عددهم حوالى ٨٠٠ مصلٍ فأصاب أكثر من ١٥٠ فلسطينيا، واستشهد فى الحادث ٢٩، يومها تعامل الغرب مع الحادث على أنه عمل من متطرف صهيوني، دون أن يحسبه أحد على الديانة اليهودية، وهى واجبة الاحترام والتقدير من المسلمين.

أعداء جدد
ويظل السؤال بلا إجابة، ما هو سر الربط بين إرهاب تنظيم، أو ممارسة عنف من شخص، وتعميم الأمر على أنه إرهاب إسلامي، خاصة أن أمر الإسلاموفوبيا خرج من نطاق دول الغرب، كما كان معتادا إلى فضاءات جديدة، فمازالت الذاكرة تتوقف عند مذبحة المسجدين فى نيوزيلندا فى مارس ٢٠١٩، والتى خلفت استشهاد ٥٥ مصليا، وإصابة خمسين آخرين، على يد الأسترالى رنتون تارانت، والذى افتخر فى التحقيقات بأنه كان ينوى حرق المسجدين، بما فيهما من مصلين، لا إيقاع أكبر عدد من الضحايا، ونتوقف عند ساحة أخرى ولكنها لن تكون الأخيرة، وهى الهند، ففى الوقت الذى قامت فيها الإمارات بالسماح ببناء معبد هندوسى على أرضها، فقد خرجت علينا المتحدثة باسم الحزب الحاكم فى الهند، بتصريحات مسيئة للرسول الكريم دون أدنى سبب أو مناسبة، واكتفى الموقف الرسمى للحزب بطرد المسئولة، وفصل المسئول الإعلامى فى الحزب، وقال إنه ضد أى أيدولوجية، تهين أو تحقر من أى طائفة أو ديانة، ولكن وزارة الخارجية نددت بردود فعل المنظمات والدول الإسلامية الرافضة لتلك التصريحات، كما تحفظت على الاعتذار عن ذلك، بحجة أنه ليس هناك ما يستحق الاعتذار.

ما حدث من الهند، يجسد ظاهرة الخوف من الإسلام وكراهيته، وإبداء عداء وتحيز تجاه المسلمين، وتتعدد الاجتهادات فى تحديد بدايات تلك الظاهرة، وهناك من يشير إلى مرحلة السبيعنيات والثمانيات، مع انتصار أكتوبر ونجاح الثورة الإيرانية، والتى تم التعبير عنها عبر وسائل إعلامية مختلفة، وتعتمد على مفهوم صراع الحضارات، التى تحدث عنها صامويل هنتجتون عام ١٩٩٣، وخصصت لذلك ميزانيات ضخمة، فقد كشف تقرير لمركز التقدم الأمريكى فى عام ٢٠١١، عن إنفاق سبع جمعيات أكثر من ٤٢ مليون دولار بين عامى ٢٠٠١ و٢٠٠٩ لنشر مواد معادية للإسلام، وأصدرت جامعة كاليفورنيا ومجلس العلاقات الأمريكية الإسلامية تقريرا، يكشف عن تمويل ٢٠٦ ملايين دولار لحوالى ٣٣ مجموعة، غرضها الأساسى تشجيع التحيز ضد الإسلام، وهناك التقارير الدورية التى يصدرها مرصد الأزهر لمكافحة التطرف، وآخرها شهر يونيو الماضي، الذى كشف عن أرقام مذهلة، اعتمادا عن تقرير باحثين وهما إريك بايليش وموريتس فين، وهى وجود تجاوز ضد المسلمين فى أكثر من ٧٨٤ ألف مقالة، تم نشرها على مدار عشرين عاما فى الصحف الغربية، وسبق لمرصد الأزهر أن أصدر تقريرا بعنوان (المعالجة الإعلامية للأحداث الإرهابية وصناعة الخوف من الإسلام) والتى تساهم فى ترسيخ صورة مغلوطة عن الإسلام، وزيادة مظاهر العداء ضد المسلمين.

رسوم مسيئة
ولعل أبرز المظاهر التى فرضت نفسها كنموذج واضح لاستهداف الإسلام والمسلمين، كان فى الرسوم المسيئة والتى بدأت على يد الدنماركى كورت فيسترجارد فى عام ٢٠٠٥ وتبعها بعد عامين السويدى لارس فيلكس، وقامت مجلة شارلى إبدو الفرنسية الساخرة، فى إعادة نشر الصور من جديد، منذ عامين، رغم أنه نتج عن استفزاز غير مسبوق من المسلمين عند نشرها أول مرة، أسفر هجوم على مقرها وأماكن آخرها، وسقوط ١٧ شخصا، والغريب كان فى دخول الرئيس ماكرون فى نهاية العام قبل الماضى على خط دعم نشرها من جديد، مما تسبب فى أزمة سياسية كبيرة مع دول عربية وإسلامية، بعد أن اعتبرها- ظلما وعدوانا– جزء من حرية التعبير والرأي، ورفض التراجع عن تصريحاته بهذه الخصوص، واكتفى بالقول (آسف من صدمة هذه الرسوم على المسلمين).

ودعونا نتوقف هنا عند أسباب تلك الظاهرة، وهى عديدة فى مقدمتها وفقا للعديد من الدراسات الغربية، فى ظهور تنظيمات إرهابية محسوبة على الإسلام، وهو منها برىء، مثل القاعدة وداعش، ويتناسى أصحاب هذه الرؤية حقائق ثابتة منها، أن مجمل نتائج العمليات الإرهابية التى نفذها تنظيم القاعدة وداعش، كانت ضد المدنيين فى بعض الدول الإسلامية والعربية، وهى وفقا للترتيب الإحصائى للعمليات، العراق وأفغانستان وباكستان ونيجيريا، ووصل عدد ضحايا تنظيم القاعدة وفقا لقاعدة بيانات مؤسسة راند إلى ٧٢٧٥ شخصا، وبالنسبة لداعش فإن ضحاياها من عناصر التنظيم أو الميلشيات القبلية والمدنيين وصل إلى حوالى ٦٠ ألف، دون أى ضحايا أجانب، والاستثناء الوحيد فى عمليات القاعدة خارج الحدود، كان استهداف برجى التجارة العالمية فى نيويورك فى سبتمبر ٢٠٠١، وبلغ ضحاياه حوالى ثلاثة آلاف شخص، ورغم أننى لا أميل إلى النظرية التآمرية فى تفسير الأحداث، فإن هناك شكوكا كثيرة، حول قدرة المنفذين الـ ١٩، على التخطيط لهكذا عملية، بتلك القدرة والدقة، دون أن يتم اكتشافها، علما بأن العديد من أجهزة المخابرات فى العالم، اخترقت تلك المنظمات، خاصة القاعدة، وكان الهجوم مبررا لواشنطن فى الهجوم، على أفغانستان واحتلال العراق، وزادت بعدها ظاهرة الإسلاموفوبيا وتكرس مفهوم أن المسلمين مجموعة مغلقة، يمثلون عدوا للغرب المسيحى العلمانى الديمقراطي.

ولعل السبب الثانى الذى يتم التعامل معه على أنها أحد أسباب ظاهرة استهداف الإسلام، هو غياب المعلومات، فقد كشفت استقصاء فى أمريكا عن أن ٢ بالمائة لا يعرفون ماهية الإسلام، و١٠ بالمائة قالوا إن المسلمين يعبدون القمر، بينما ٢٥ بالمائة اعتبر أن الإسلام يحض على العنف والإرهاب، وفى استطلاع أجرته مؤسسة بريطانية أكد أن ٥٩ بالمائة ممن شملهم البحث فى فرنسا لا يعرفون شيئا عن تعاليم الدين الإسلامي، وكذلك ٦٣ بالمائة من الألمان ثلث البريطانيين.

توصية أممية
ولأننا أصبحنا أمام ظاهرة مسيئة، لدين يعتنقه أكثر من مليار مسلم، وتنتمى إليه شعوب وبلدان مختلفة، فقد دخلت الأمم المتحدة مؤخرا منذ عدة أشهر على خط الأزمة، حيث اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، بالإجماع قرارا اقترحته باكستان لمكافحة الإسلاموفوبيا باعتبار نصف مارس من كل عام، يوما لمكافحة الإسلاموفوبيا، مع تشجيع الحوار حول تعزيز ثقافة التسامح والسلام، وللأسف القرار عبارة عن توصية، ولكن هل تلتزم الدول الـ١٣٩ التى وقعت عليه بمضمونه، أم أنه يتحول إلى رفوف الأمم المتحدة، التى تتضمن مئات القرارات المجمدة؟!.

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة