عبد الصبور بدر
عبد الصبور بدر


عسل في الكوز

عبد الصبور بدر يكتب .. الست أنغام

عبد الصبور بدر

الجمعة، 01 يوليه 2022 - 03:23 م

شبكتني الست أنغام من أول تنهيدة، وهي تغني "في الركن البعيد الهادي"، لأصبح أسيرًا لصوتها، وقتيل الغرام، ممددا على كومة من القش فوق سطح بيتنا القديم، وبجانبي التسجيل الناشيونال "إياه" الموجود داخل كل بيت مصري في الثمانينات والتسعينات، أعيد وأزيد في الأغنية، وأنا انظر إلى السماء، وأشاهد أنغام فراشة على سحابة تبتسم في وجه عبد فقير إلى الله يعيش في قرية نائية مع هلاوسه وأحلامه التي يحققها في الأحلام!

في الجامعة تعرفت على اختراع الـ"ووكمان" فوضعت "شنطة سفر" في أذني، رايح جاي في طرقات الكلية "هايمان، حيران، مشغول البال وحزين"، أردد معها كلمات الأغنية بصوتي "المغشلق"، ولا أكترث بنظرات الزملاء وهي تزجرني لأتوقف عن الإزعاج، وأسمع أنغام في سري.

استمتعت برفقة صوت أنغام في كل لحظات حياتي، وكلما خطوت خطوة تعلقت بها ذراعا، إلى أن تخطيت الأربعين، لتأخذ القصة اتجاها آخر لم يكن على البال ولا الخاطر، وأنا أتأمل إحساس أنغام في كليباتها ومقابلاتها التلفزيونية وحفلاتها على مسرح الأوبرا، وبرامج المسابقات التي تحكم فيها، والمسلسل الوحيد الذي شاركت فيه.

كنت أظن أنه لا يوجد أجمل وألذ وأصدق من صوت أنغام، حتى اكتشفت أن إحساسها أجمل وألذ وأصدق، وأدركت أن صوتها جزء من إحساسها الذي يتسع للعالم كله، ويغلق أبوابه عليها!.

بدأت أتامل تفاصيلها المبهرة، نظرات عينيها البريئتين اللتين تجيدان الضحك والبكاء في آن واحد، وكأنها ما تزال طفلة لم تبلغ الفطام بعد، تلك النظرات التي تجيد الاهتمام بمن يحدثها، ومراوغته، والهروب منه في لحظة، وكأنها تخاف من الذوبان، وتريد أن تحتفظ بكيانها متماسكا دون خدش.

راقبت يديها البارعتين في التشخيص، وهما يوصلان رسالتها قبل أن تتفوه بها، وأصابعها العشرة كفرقة باليه، تؤدي رقصات انسيابية، رشيقة، وشيقة، وملهمة، وفي أحيان كثيرة تحكي قصة مختلفة غير التي تتحدث فيها!

حيّرتني ابتسامة الست التي تشبه بندول الساعة، لا تستقر على حالة، تظهر وتغيب، وكأن التجارب التي مرت بها علمتها أن الثقة في الغير تهديد للذات، وإفراط في العبط، وتمهيد للسقوط في فخ قديم لنج.

وأنغام ممثلة عظيمة جدا، لأنها لا تجيد التمثيل، وتعيش أحاسيسها دون مواربة أو تذويق، صالحة للقيادة لأنها ماهرة في استخدام لغة الجسد، وكأنها النسخة الأنثوية من الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما.

وإحساس أنغام على الشعرة، لا يصيبه البرود، أو ينزلق في سكة الأفورة، كل ما فيه جاذب، ومدهش، أسلوبها وهي تغني على مسرح الأوبرا "أكتبلك تعهد" حدث استثنائي لن  يتكرر في تاريخ "بنات حوا"، استطاعت من خلاله أن تنسي الجمهور حاله ومحتاله، وتأخذه معها في رحلة إلى الملكوت، وتطير به "في عالم تاني..فيه لسه أماني.. فيه الإنسان. لسه إنسان"

أما دموع أنغام فهي قمة إحساسها، ودموع الست أنغام عزيزة.. يخيل إلىّ أنها تبكي بدونها في أحيان كثيرة، وتتدفق على وجهها حين تكون وحدها تماما، حتى لا يشهد على ضعفها إلا من خلقها، وهي تحتضن نفسها بذراعيها، لتحجب احتياجها، وتستأنف مسيرة "الكبرياء"، تلك الصفة التي لا تستطيع أنثى الجدي أن تعيش بدونها.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة