عبدالله البقالي نقيب الصحفيين المغاربة
عبدالله البقالي نقيب الصحفيين المغاربة


الراهن على «استراتيجية الصبر» فى أخطر مواجهة بين الكبار

الأخبار

الإثنين، 04 يوليه 2022 - 05:07 م

بقلم:عبدالله البقالي - نقيب الصحفيين المغاربة

حرص قادة دول مجموعة السبع الذين التقوا على وجه السرعة فى ألمانيا قبل أيام قليلة ماضية على توجيه رزمة كبيرة من الرسائل الواضحة إلى الرأى العام الداخلى أولا، ثم إلى الرأى العالمى قبل روسيا التى كانت الجهة التى تستهدفها القمة من حيث الشكل على الأقل .

مجموعة الدول السبع تواجه منذ مدة تحديات كبيرة و كثيرة ، زادتها الحرب الروسية الأوكرانية تعقيدا وحدة، وبالنظر الى طول أمد هذه الحرب، التى كان كل طرف فيها يراهن على حسمها فى فترة وجيزة. فموسكو كانت تعتقد أن غزو أوكرانيا و إسقاط نظامها السياسى و تنصيب نظــام موال لها مهمة ليست بالمعقــدة و لا بالصعبة التحقيق، وأن دخول كييف هى مسألة وقت وجيز فقط. فى حين كان الغرب مقتنعا أن هزيمة بوتين فى هذه الحرب التى أوقظها دون حسابات دقيقة سهلة المنال، وأن تكثيف العقوبات المالية والاقتصادية ضد موسكو، واستخدام أسلحة المحاصرة والمقاطعة كفيلة بإجبار بوتين على رفع راية الاستسلام بعد أسابيع قليلة من بداية الحرب، إذا لم يكن بعد أيام معدودة فقط. قبل أن يتبين لكل طرف عدم دقة هذه التوقعات، وأن توقيف الحرب، بإعلان منهزم ومنتصر أكثر تعقيدا من إشعال الحرب نفسها، وفرضت الحرب الدائرة فى عمق القارة العجوز نفسها كمعطى استراتيجى فى الأوضاع الدولية السائدة، ونقلت الصراع الطاحن بين القوى العظمى من المستويات الاقتصادية والدبلوماسية إلى مستوى المواجهة العسكرية المباشرة .

اجتماع قادة الدول السبع فى ألمانيا فى خضم هذه الظروف البالغة التعقيد كان الهدف منه إظهار الغرب كقوة موحدة، وأن الخلافات تقتصر على بعض التفاصيل المرتبطة بحسابات وتقديرات كل دولة على حدة. ويتعلق الأمر فى هذه الحالة بصياغة جواب على كثير من الأسئلة التى وجدت مجالات واسعة لها خلال الفترة الوجيزة الأخيرة، ويتعلق موضوعها بالشك فى قدرة الغرب على مواصلة المواجهة مع الغريم التقليدى بنفس الحماس والقوة، خصوصا بعدما ارتفعت أصوات من داخل الغرب نفسه تطالب بضرورة التسوية السياسية للخلافات بين الكبار، و أن الحرب لا يمكن أن تكون وسيلة حسم لهذه الخلافات. وفى هذا السياق فإن قمة دول مجموعة السبع حرصت على إبراز ما يمكن ان نسميه بـ (الصبر الاستراتيجي) للغرب فى المواجهة المسلحة مع روسيا، بحيث تقع المراهنة على استنزاف القوة الروسية مع مرور الوقت، مما يحقق الإنهاك والإضعاف، اعتقادا منها أن روسيا يمكن أن تكسب حربا قصيرة المدى، لكنها عاجزة عن مسايرة متطلبات الحرب مع طول مدتها، وأن أى تنازل خلال هذه الفترة الراهنة سيسهل عليها تحقيق مبتغاها فى كسب رهان الحرب و إخضاع الغرب، وبالتالى سيعطيها موقعا استراتيجيا وفاعلا ومؤثرا فى النظام الدولى ، فى حين أن ضمان شروط استدامة هذه الحرب سيسنزف القدرات الحربية والاقتصادية لروسيا ويجبرها فى المدى المتوسط على طلب التسوية السياسية بما يمثل هزيمة نكراء لها .

اجتماع قادة مجموعة الدول السبع انتبه إلى أن الحرب لا تقتصر على ساحات المواجهة العسكرية، بل هناك حروب أخرى تدور موازاة مع المواجهة المسلحة، وفى مقدمتها الحرب المتعلقة بالأمن الغذائي، حيث وجد الغذاء فى صلب هذه المواجهة ، و أضحى سلاحا فتاكا من الأسلحة المدمرة التى يمكن المراهنة عليها فى حسم نتيجة هذه الحرب. فسلاسل الانتاج والتسويق اختلت، وسارعت العديد من الدول المنتجة والمسوقة لمختلف أنواع الغذاء إلى تقليص كميات التصدير، بينما بادرت دول أخرى إلى تخزين كميات كبيرة وضخمة من الغذاء تحسبا للزمن الصعب القادم، فى حين وظفت أطراف الحرب الغذاء فى حساباتها وخططها الحربية، وهذا ما أفضى إلى ندرة كبيرة فى كميات الغذاء فى العالم، ونتيجة لكل ذلك ارتفعت اسعار العديد من المواد الاستهلاكية الأساسية والضرورية والمنتجات الطاقية إلى مستويات قياسية تؤشر على بداية مرحلة أزمة غذاء عالمى تكاد تكون غير مسبوقة فى التاريخ الإنسانى المعاصر. وبسبب ذلك تنامت المخاوف من الإضرار بالاستقرار السياسى و الاجتماعى فى العديد من الأقطار فى العالم. ولهذا سارع قادة مجموعة الدول السبع إلى الاجتماع فى ألمانيا، ليس لبحث هذه القضية المستعصية، ولكن أساسا لتوجيه رسالة إلى الرأى العام العالمى الهدف منها طمأنة الشعوب من خلال التأكيد على قدرة هذه الدول على التصدى لهذا التحدى و إبعاد الغذاء من حسابات المواجهة المسلحة، وإظهار العدو كمسؤول أول ومباشر على هذه الأزمة، خصوصا أن كميات مهمة من الغذاء العالمى يتم انتاجها من الدول التى تجرى الحرب بينها بصفة مباشرة .

وفى مسعى لإقناع الرأى العام العالمى بمصداقية خطابها فى هذا الشأن استغلت الدول السبع هذه القمة لإبراز أنها حريصة على مساعدة البلدان المتضررة من خلال تقديم مساعدات إنمائية، وتأخير تسديد الديون وإعادة جدولتها والمساعدة والبحث عن توفير مصادر بديلة للطاقة، وأيضا ضمان تسويق المواد الغذائية فى العالم. ولذلك حرص قادة مجموعة الدول السبع على دعوة قادة دول الهند وأندونيسيا والسنغال والأرجنتين و جنوب أفريقيا لحضور هذه القمة، لأن جل هذه الدول منتجة لكميات من الغذاء وبادرت منذ مدة إلى اتخاذ تدابير احترازية كبيرة أهمها تقليص التصدير وتخزين المواد (حالتا الهند وأندونيسا) وبكل تأكيد فإن قادة السبع الكبار سعوا من خلال اجتماعهم فى ألمانيا إلى إبراز قدرتهم الفائقة على التصدى بفعالية للصدمة الاقتصادية المترتبة عن الحرب، بهدف تبديد الشكوك الكثيرة و الأخطار المتعددة التى زادها طول مدة الحرب شرعية .

ليس من السهل الثقة فى صدقية ما راج فى قمة السبع الكبار فى العالم، كما أنه من الصعب إنكار أو تبخيس ما تدارسته القمة، ولكن المؤكد أن الحرب لا تزال مستعرة بين أطرافها المباشرين وغير المباشرين، و أن مجرد الكلام والوعود ليس بمقدورهما مواجهة التداعيات الخطيرة جدا المترتبة عن الحرب، التى تجمع كثير من المؤشرات على أنها مواجهة خطيرة بين القوى العظمى فى العالم، وأنها ستطول فى الزمن، لأن لا أحد من الطرفين قادر على حسمها فى المدى المنظور على الأقل. وكل ما يمكن التأكيد عليه اليوم، هو أن الدول الكبرى التى التأم قادتها فى ألمانيا هى الدول المسؤولة مسؤولية مباشرة عما يعيشه العالم من تحديات، و إكراهات تدفع الشعوب ثمنها غاليا.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة