علاء عبد الكريم
بداية
أصولية مقدسة
الثلاثاء، 05 يوليه 2022 - 02:06 م
..الإسلام منذ ظهوره؛ هو دين أكد لنفسه دومًا ومن خلال النظر في عقائده، ومبادئه، وأصوله العلمية صلاحية مطلقة؛ولكن بعض من ينتسبون إليه هم الذين يسددون له الطعنات بأفكارهم الرجعية بحجة أنهم وحدهم يمتلكون الحقيقة المطلقة، هؤلاء لا يزالون يعيشون أسر أفكار البنا مؤسس الإرهاب الأول في العالم صاحب الشجرة الخبيثة التي أنبتت لنا جماعات أصولية، وبدلًا من أن نتخذ من زمن رفاعة الطهطاوي قائد النهضة العلمية ورائد التنوير في العصر الحديث الذي بأفكاره خرجت مصر من زمن العصر المملوكي والعثماني إلى فكرة الدولة الحديثة، سرنا في الاتجاه المعاكس مع ظهور عصابة الإخوان وما تمخض منها من جماعات سلفية على مر العقود أصحاب الماضي الطائفي والانسداد التاريخي – مقتبسًا عبارة المفكر السوري هاشم صالح.
فما كان يقوله الطهطاوي مثلًا في القرن التاسع عشر أتى بعكسه صاحب الشجرة الخبيثة التي رواها ابناؤه بالدماء في القرن العشرين؛ فـ رفاعة الطهطاوي في كتابه القيم»تخليص الإبريز في تلخيص باريز»، هو الكتاب الذي ألفه عندما رشحه الشيخ حسن العطار إلى محمد علي بأن يجعله مشرفًا على رحلة التلاميذ إلى باريس في فرنسا ليكون المشرف عليهم ويرعاهم، فنجده يتحدث في كتابه عن سلطات الدولة الثلاث التشريعية، والتنفيذية، والقضائية، وعن الفصل بينها، ويتحدث عن الحقوق المدنية، وعن الحريات العامة، ويصف رائد التنوير الدولة الوطنية – ولأول مرة – التي يرتبط أفرادها برباط اللغة والأرض والتاريخ والمصلحة، ولا يفرق بينهم اختلاف العقائد الدينية والأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، وفي ردة شاملة متخلفة المقصود منها هي العودة لعصور الظلام، نجد جماعة الإخوان الفاشيست، العصابة التي فككت مفاصل الدولة وضربت بأمنها القومي، تتحدث عن الانتماء الديني لا الوطني الذي يعتبرون شرك بالله، وفي مقابل الدولة المدنية والديمقراطية، يتحدثون عن دولة الخلافة، وبدلًا من مجلس نواب الشعب يريدون أهل الحل والعقد، هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بدلًا من جهاز الشرطة، فخ يحاول بعض مشايخنا الذين ينتمون للأصولية الإسلامية أن يعيدوننا من الحاضر والمستقبل إلى الماضي.
مناسبة ما قلته آنفًا؛ هو ما أثير من حالة جدال خلال الساعات القليلة الماضية بعد تصريحات الدكتور سعد الدين الهلالي، المفكر وأستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر حول الحجاب، معتبرًا أن الحجاب ليس فريضة، حيث أكد أن الفقهاء الأمناء أكدوا أن ستر العورة فريضة، ثم تم تحريف العبارة لتتحول من ستر العورة فريضة إلى الحجاب فريضة، وبدلًا من أن يختلف معه بعض المشايخ في مناقشة هادئة، انهالوا عليه هجومًا وتطاولًا ونعته بالجهالة والضلال، وهو المثقف الواعي الذي قرأ مئات الكتب لا في العقيدة فقط وإنما في الفلسفة والمنطق وفي مختلف العلوم، ودائمًا وأبدًا يدعو إلى إعمال العقل بدلًا من النقل، فالرجل عندما وقف في صف رواية الكاتب إبراهيم عيسى من قبل حين قال؛ «إن اختلاف الفقهاء، وإن آراء الفقهاء فقه بشري تحتمل الصواب والخطأ»، خرج علينا أيضًا من هؤلاء الذين ينتمون إلى السلفية وهو أستاذ في جامعة الأزهر، إلى اتهام الدكتور الهلالي بأن كلامه به «تمويه، وتلبيس، ومغالطة، ومجاملة صريحة لأهل الباطل»، ثم يوجه إليه النصيحة، «بمراجعة نفسه في مواقفه قبل أن يقف بين يدي الله».
وعمومًا أنا لم استغرب ولم أفاجأ من هذا الهجوم من بعض أصحاب الماضي الطائفي والأصولي الذين تعلموا من كتب سيد قطب، والمودودي ونهلوا كل ما هو متطرف، فهي حلقة في مسلسل لم تبدأ اليوم بل بدأت منذ عقود طويلة، وفي ظني لن تنتهي بسهولة.
الذين هاجموا المفكر الواعي الدكتور سعد الدين الهلالي فيما قاله عن فرضية الحجاب، أقول لهم ألم يكتب الإمام محمد عبده وهو الداعية الإسلامي الذي عُرف بفكره الإصلاحي ودعوته للتحرر من كافة أشكال الاستعمار الأجنبي، من مائة عام مقالًا كان عنوانه؛ «حجاب النساء من الجهة الدينية»، قال فيه؛ «لو أن في الشريعة الإسلامية نصوصا تقضي بالحجاب (النقاب) على ما هو معروف الان عند بعض المسلمين لوجب علي اجتناب البحث فيه ولما كتبت حرفا يخالف تلك النصوص مهما كانت مضرة في ظاهر الأمر لأن الأوامر الإلهية يجب الإذعان لها بدون بحث ولا مناقشة»، وتابع الإمام محمد عبده؛ «لكننا لا نجد في الشريعة نصًا يوجب الحجاب على هذه الطريقة المعهودة وانما هي عادة عُرضت عليهم من مخالطة بعض الأمم فاستحسنوها وأخذوا بها وبالغوا فيها وألبسوها لباس الدين كسائر العادات الضارة التي تمكنت في الناس باسم الدين والدين منها براء»، وأضاف متسائلًا؛ «كيف لامرأة محجوبة أن تعمل بصناعة أو تجارة، وكيف يمكن لخادمة محجوبة أن تقوم بخدمة بمنزل فيه رجال، وكيف لامرأة محجوبة أن تدير تجارتها بين الرجال أو تمارس الزراعة أو الحصاد في مجتمع فيه رجال».
أخيرًا وليس آخرًا، نحن نحتاج لاستراتيجية شاملة طويلة المدى ترتكز على ضرورة نشر الثقافة الوسطية للإسلام، ومراجعة شاملة ودقيقة لكل كتب التراث التي شوهتها الإسرائليات وجعل البعض منها أصولية مقدسة، أما مواجهة الإرهاب فلن يكون إلا بالسلاح وهذه مهمة قوات إنفاذ القانون.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة