إيهاب فتحى
الصديق « العتيبى» نحن لا ننسى .. ومستمرون
الثلاثاء، 05 يوليه 2022 - 02:08 م
..دائما ما أتابع جريدة الشرق الأوسط الرصينة وخاصة مقالات الرأى التى تعكس تنوعًا فكريًا جيدًا ومحببًا لمن يريد الاطلاع بعقلانية على كافة الآراء، نشرت الشرق الأوسط على صفحاتها فى عددها يوم الأحد الماضى 3 يوليو مقالا للكاتب السعودى عبدالله العتيبى بعنوان «مصر 30 يونيو ..حتى لا ننسى» قدم الكاتب فى مقاله رؤية صائبة لمقدمات ثورة يونيو والتطورات التى حدثت عقب تسلل الفاشية الإخوانية إلى السلطة فى مصر بمساعدة أمريكية فجة وقت إدارة أوباما /هيلارى وشرح طبيعة الوضع الإقليمى والدولى الذى أراد للفاشية والفوضى الاستمرار فى السلطة .
انتقل المقال أيضًا إلى تحولات التيارات السياسية التى كانت تبدو بعيدة عن الفاشية الإخوانية لكن بمجرد اقتراب السلطة من الفاشيست احتالت على كل ماقالته سابقًا ضد الفاشية وظهر على الساحة المتحولون من « اليسار المتأخون « والليبرو إخوان» من أجل تحقيق المصالح ملقين المبادئ خلف ظهورهم غير أنسياقهم وراء اليسار الغربى هذا اليسار الذى يعيش فى أوهامه وجنونه بعيدًا عن أرض الواقع، وسلط المقال الرؤية وهى رؤية صادقة على ظاهرة الكتاب الذين لا ينتمون إلى تيار الإسلام السياسى وروجوا بباطل إلى حق جماعة الإرهابية فى الحكم وأن الديمقراطية التى تأتى بهم ستزيلهم ويعلق العتيبى على هذه النقطة فى مقاله «هو طرح بالغ الجهل علميًا وشديد النفاق سياسيًا، وأصبح الترويج لمقولات اليسار الغربى شائعًا في كل وسائل الإعلام القديم والحديث دون عناء في التفكير أو مساءلة حقيقية لهذه الطروحات».
بالتأكيد المقال فى مجمله عمل رصين من حيث الرؤية والسرد ولكن هناك نقطتين فى المقال تحتاج الأولى وقفة للتوضيح والثانية عليها توافق ويزداد التوافق بإلقاء الضوء على الجارى الآن ، نبدأ بالوقفة كتب عبدالله العتيبى فى مقا له «للحقيقة وللتاريخ، وقفت في وجه هذا المد العاتي دولتان عربيتان فقط، راهنتا بقوةٍ على الدول العربية والشعوب العربية بغض النظر عن الهيجان السياسي والجماهير والشعارات، وهما السعودية والإمارات، في مقابل كل هذا التكتل الإقليمي والدولي، ورفضتا استقرار الفوضى ورفضتا الأصولية والإرهاب، ودعمتا استقرار الدولة وأولوية الأمن ورفضتا التدخلات الخارجية وأدانتا الخونة الداخليين في تلك الدول، ولولا المساندة السعودية والإماراتية لما كانت 30 يونيو ممكنةً، ولما عادت مصر لنفسها وشعبها وعالمها العربى».
كل ماذكره العتيبى فى مقاله عن الموقف السعودى الإماراتى المؤيد لثورة الـ 30 من يونيو ونضال الأمة المصرية هو حق بين لا جدال فيه أو حوله وكان أول المؤكدين لهذا الموقف النبيل الشعب المصرى والقيادة السياسية التى فى يونيو من كل عام توجه التحية لأشقائنا فى السعودية والإمارات على موقفهم، ولم يعرف يومًا عن الأمة المصرية الموغلة فى التاريخ صانعة الحضارة أنها تناست من وقف بجانبها فى نضالها أو تهاونت فى ثأرها من أعدائها.
تأتى الوقفة والتوضيح هنا مع كلمة « لولا « تلك وأن يونيو ماكانت لولا المساندة ، الحقيقة أن وفق حركة التاريخ العام وتاريخ الأمة المصرية فثورة الـ 30 من يونيو فوق أى مساندة فلايمكن لأى مساندة خارجية أو داخلية أن تحرك ملايين المصريين من قرى الريف إلى ميادين العاصمة بكافة شرائحهم الاجتماعية ومن نساء وأطفال ورجال وشيوخ فهذا الحراك الثورى لايحدث إلا بتفاعل شعبى حقيقى وقرار أمة أصرت على استعادة مقدراتها من يد قوى الظلام المؤيدة بمد استعمارى هو الأشرس فى التاريخ الإنسانى.
لا يعتبر الحراك الثورى الشامل حدثًا طارئًا على الأمة المصرية وتاريخها فقبل مايزيد عن مائة عام خرجت الأمة المصرية فى ثورة 1919 تواجه احتلال الامبراطورية التى لاتغيب عنها الشمس ولاعجب أن هذا الاحتلال هو من صنع بيده الجماعة الفاشية الإخوانية التى أطاحت بها نفس الجماهير فى الـ 30 من يونيو، أعتقد أنه يوم تحركت الأمة المصرية قبل مائة عام لم يكن الوطن العربى بوضعه السياسى الحالى موجودًا أو كان يستطيع المساندة وبلا شك عندما تتحرك الأمة المصرية فى ثورتها وتجد مساندة فإنها بواقع قيمها وتاريخها ستشكر الشقيق والصديق المساند.
عندما خرجت الأمة المصرية فى الـ 30 من يونيو لم تجر حسابات من سيساند ومن سيعادى لأنه علميًا الثورات الكبرى والأمم العظيمة لا تجرى حسابات تجارية بنسبة المساعدة والعداء التى ستواجهها عند الثورة وإذ كانت هناك حسابات وهو أمر لا تعرفه الثورات الكبرى فمن باب أولى تنظر الثورة إلى قوة العدو وهنا لم يكن العدو سهلا أوهينًا بل امبراطورية أمريكية تريد فرض جماعة فاشية على مقدرات أمة بحجم مصر لكن بالتاريخ والعلم الأمم العظيمة فى ثوراتها الكبرى لا تتوقع مساندة أو تخشى عدوًا فى قرارها المصيرى بالثورة والذى اتخذته بإرادة مكتملة الحرية وتصميم لا يلين.
لذلك فإن كلمة « لولا « لا محل لها من الإعراب بين الأشقاء وعند مساندة ثورة الأمة المصرية فى الـ30 من يونيو والتى امتد تأثيرها فى وطننا العربى من المحيط إلى الخليج الذى يشهد انهيار الفاشية الإخوانية فى كل مكان تسللت إليه بفضل المد الثورى ليونيو.
نذهب إلى نقطة التوافق وإلقاء الضوء على مايجرى الآن ، كتب العتيبى «نهاية الحكم الأصولي لا تعني نهاية الأصولية وخروجهم من السلطة لا يعني خروجهم من التأثير، والدول الداعمة لجماعة الإخوان المسلمين ولكل الجماعات المتطرفة ما زالت قائمةً، ومنها دولتان إقليميتان معاديتان للدول العربية وشعوبها، واليسار الذي يحكم عددًا من الدول الغربية يقدم دعمًا غير محدود لاستعادة تلك الجماعة ومثيلاتها للمشهد من جديد، وعناصر الجماعة وكوادرها في العديد من الدول العربية يقدمون مقولاتٍ جديدة ويعيدون التموضع والتأقلم مع الأوضاع الجديدة».
يقدم الكاتب هنا رؤية دقيقة من ناحيتين الناحية الأولى استمرار التأثير الاجتماعى للفاشية الدينية رغم زوال الوجود السياسى وفى اعتقادى أن هذا التأثير هو الأخطر، والناحية الثانية علاقة الفاشيست وارتباطهم بالوضع الدولى الذى يسيطر على جزء كبير منه التيار المعولم الذى يقف دائمًا فى حالة عداء مع مفهوم الدولة الوطنية واستقرارها ويقدم الدعم المستمر للفاشية الإخوانية بل يعمل على تطوير أساليبها الشريرة.
بالنسبة لهذا الوضع الدولى والمسيطرون عليه فتجربة هذه الأمة طوال تاريخها تقول بوضوح أنه مهما بلغت قوة أعدائها واتباعهم فإنهم لا يستطيعون فرض إرادتهم على الأمة المصرية وثورة يونيو ليست ببعيد ودروسها مازالت حاضرة فى أذهانهم بجلاء حتى حسابات السياسة التى تديرها الدولة المصرية مع محيطها الإقليمى والدولى فهى الآن تدار وفق قواعد العقل وبمرجعية وقدرة ثورة يونيو التى ثبت للجميع أن العمل مع مبادئها هو القاعدة وأى استثناء آخر سيزول بقوة هذه الثورة.
نأتى لناحية التأثير الاجتماعى للفاشية الدينية ، فى الأسبوع الماضى كتبت عن المرحلة الثانية من ثورة يونيو والمتعلقة بإزالة هذا التأثير «بعد هذه الأعوام التسع وفى هذه الأيام التى نستلهم فيها الدروس من روح ثورة الـ 30 من يونيو نسأل أنفسنا هل نحن نحتفل بذكرى هذه الثورة الفريدة ؟ الإجابة التى يراها كل مصرى مخلص لهذا الوطن أو مراقب خارجى منصف ليونيو تقول إن هذه الثورة لا يمكن أن تكون ذكرى لأن التفاعل الذى حركته الأمة المصرية بثورتها مازال يعمل بكامل طاقته ودخل فى مرحلته الثورية الثانية حيث يخوض معركة وجودية الآن فى الحاضر من أجل تحرير العقل المصرى من الظلامية والفاشية الدينية، استطاعت جماهير يونيو فى اندفاعها الأول وبالحشد المليونى فى كافة أرجاء الوطن الإطاحة بالفاشية والظلامية التى تسللت إلى السلطة السياسية لتبنى دولتها الحديثة ونفس هذه الجموع الآن تخوض معركة من أنبل معاركها من أجل استعادة هويتها المصرية الأصيلة وتحرر عقل المجتمع من الظلامية والخرافة التى سيطرت عليه برعاية هذه الفاشية لعقود طويلة «.
أقول هنا للصديق العتيبى ـ معتبرًا أن التوافق فى الكثير من الرؤى صداقة حتى دون لقاء ـ أن متابعة الأحداث اليومية فى المجتمع المصرى تقول بوضوح إن تفاعل يونيو يعيد ترتيب منظومة العقل المصرى ويحرره من الظلامية ويقف بالمرصاد لمحاولات عودة طغيان التأثير الاجتماعى للفاشية الدينية ولعل أوضح مثال على هذا الهجمة التى شنت مؤخرًا من الفاشية وكانت المرأة المصرية محورها الأساسى فمن تصدى لهذه الهجمة هم المصريون بالوعى الذى تديره ثورة يونيو فى مرحلتها الثانية مستخدمين الوسيلة الأحدث فى التعبير عن آرائهم وهى وسائط السوشيال ميديا وكما كتبت الأسبوع الماضى «لاتحتاج هذه الجموع إلى ميادين ولافتات لتعلن عن معركتها فيكفى فقط متابعة وسائط السوشيال ميديا هذه الوسيلة التى أصبحت كاشفة بجلاء عن توجه أى مجتمع ، لا نقول أنه فى لحظة سحرية واحدة تحول الجمع إلى محاربين من أجل هويتهم الأصيلة وتحرير العقل الجمعى المصرى لكن التفاعل الذى صنع ثورة يونيو طور من قدرات المواطن المصرى وتحول كل واحد إلى ناقد فيما يعرض أمامه وأصبحت القوالب السخيفة التى تنشرها الفاشية والرجعية فى مرمى نقد هذا المواطن من أجل القضاء عليها «. أؤكد للصديق العتيبى أن الأمة المصرية لا تنسى وذاكرتها التاريخية من حديد ومستمرة فى نضالها والآن تخوض معركة من أنبل معاركها من أجل استعادة كامل هويتها المصرية الأصيلة وتحرير عقل المجتمع من الظلامية والخرافة التى سيطرت عليه برعاية هذه الفاشية لعقود طويلة. وأن هذا التحرر الذى صنعته ثورة الـ 30 من يونيو لا يتوقف على مجتمعنا بل تمتد آثاره إلى كل أرجاء وطننا العربى.