صورة ارشيفية
صورة ارشيفية


خبير آثار: الحجاج سلكوا طرقًا برية وبحرية عبر مصر إلى مكة

محمد طاهر

الجمعة، 08 يوليه 2022 - 08:52 ص

أكد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان مدير عام البحوث والدراسات الأثرية والنشر العلمي بجنوب سيناء بوزارة السياحة والآثار أن مسالك الحجاج البرية عبر طريق الحج القديم بوسط سيناء تعد محطات هامة باركتها مسيرة الحجاج إلى الأراضى المقدسة وقد استخدم طريق الحج عبر سيناء منذ بداية العصر الإسلامى وتميز بوجود ثلاث مراحل زمنية،  الأولى من الفتح الإسلامى حتى أواخر حكم الفاطميين ، والثانية من أواخر حكم الفاطميين حتى أوائل حكم المماليك ، والثالثة من أوائل حكم المماليك حتى عام (1303هـ / 1885م) حين تحول إلى الطريق البحرى.

 

ويوضح الدكتور ريحان أن درب الحاج المصرى القديم ينقسم إلى أرباع ، الربع الأول من صحراء القاهرة المعزية إلى عقبة أيلة ، والثانى من عقبة أيلة إلى قلعة الأزلم، والثالث من قلعة الأزلم إلى ينبع والرابع من ينبع إلى مكة المكرمة، وأمّا الجزء الخاص بطريق الحاج بسيناء فينقسم لثلاث مراحل تتقارب فى مسافاتها إلى حد كبير فالأولى من بداية الطريق عند العاصمة وحتى عجرود وطولها 150كم، والثانية من عجرود إلى نخل وطولها 150كم، والثالثة من نخل إلى عقبة أيلة وطولها 200كم وكانت تقطع كل مرحلة من هذه المراحل الثلاث فى نحو ثلاثة أيام بالسير بقوافل الحجيج .

 

ويشير الدكتور ريحان إلى أن درب الحاج المصرى لم يكن قاصرًا على خدمة حجاج مصر فى ذهابهم وعودتهم وإنما كان يخدم حجاج المغرب العربى والأندلس وحجاج غرب أفريقيا وتزايدت أهمية الدرب خاصة مع قيام دولة سلاطين المماليك ومع الأهمية الكبرى لدرب الحاج المصرى كمعبر لقوافل الحجاج إلا أنه لم يكن المسلك الوحيد لهذه الرحلة المقدسة عبر الأراضى المصرية فهناك المسالك البحرية من خلال السفن المستخدمة لموانئ مصر على خليج السويس وهى ميناء القلزم (السويس) وميناء الطور بشهرته الواسعة خاصة أيام سلاطين المماليك والعثمانيين وميناء عيذاب المواجه للأراضى المقدسة الذى كان البديل الآمن عندما هددت الحملات الصليبية درب الحاج المصرى منذ آواخر حكم الفاطميين وتتمثل أهمية درب الحاج المصرى فى أنه أقصر الطرق الواصلة بين العاصمة ومدينة أيلة (العقبة حاليًا) كما أنه يرتبط بمجموعة طرق أخرى تزيد من أهميته ومنها مجموعة الطرق التى تصب فى بدايته.

 

وينوه الدكتور ريحان إلى  مجموعة من المسالك البرية والبحرية التى تنقل حجاج المغرب العربى والأندلس وغرب أفريقيا إمّا من خلال السفن العابرة للبحر المتوسط وصولًا إلى الإسكندرية أو برًا على طول المحور الساحلى بشمال أفريقيا وصولًا إلى الإسكندرية وعبر غرب الدلتا حتى الجيزة، وإمّا من خلال طرق داخلية عبر واحة سيوة ووادى النطرون وصولًا إلى قرية كرداسة ، ومما يعكس دور هذه الطرق فى طريق الحاج ما يحدث فى طريق الحاج من مسميات للقوافل الخارجة منها نحو الأراضى الحجازية من أمثال الركب المصرى والركب المغربى.

 

ويرصد الدكتور ريحان رحلة الرحالة البريطانى رتشارد بيرتون الذى قام برحلة بحرية شهيرة إلى مصر والحجاز فى (23 رمضان 1269هـ / أول يوليو 1853م) ووصف سفينة الحجاج وكيفية الإبحار فى خليج السويس والبحر الأحمر وميناء الطور والمعالم الحضارية بها  

وركب بيرتون سفينة الحجاج من ميناء السويس كان يطلق عليها سنبوك حمولتها 50 طن تقريبًا وعلى جانبى السفينة خطوط لقياس الجزء الغاطس فى الماء وهى فارغة أو محملة وليس لها سطح علوى إلا فوق المؤخرة والذى يرتفع بما فيه الكفاية ليقوم بدور الشراع فى مواجهة الريح العاتية ولهذه السفينة صاريان يكادان يميلان نحو مقدمة السفينة والصارى الأقرب للمؤخرة مزود بمثلث خشبى ضخم وليس فى هذه السفينة وسائل لثنى الشراع وليس بها بوصلة ولا جهاز لقياس سرعتها ولا حبال وأسلاك لسبر غور الأعماق ولا حبال احتياطية ولا حتى ما يشبه الخريطة  وهذه السفينة بقمرتها (كابينتها) الشبيهة بالصندوق ومخزنها المضلع تشبه السفن الهندية المعروفة باسم التونى أو الزورق الشجرى وهو زورق يصنع بتجويف جذع شجرة.

 

ويتابع الدكتور ريحان بأن صاحب السفينة اسمه مراد وقد وعد بأن يصطحب معه ستين مسافرًا إلا أنه زاد العدد إلى سبع وتسعين وقد ازدحمت السفينة بأكوام الصناديق والأمتعة من مقدمتها إلى مؤخرتها وسفن البحر الأحمر تبحر نهارًا بالقرب من الساحل وترسو ليلاً عند أول خليج صغير تجده ولا يبحر البحارة فيه إذا كانت الريح عاصفة خاصة فى الشتاء وكانت المحطة الثانية فى الرحلة هى عيون موسى حيث وصلوا إليها عند غروب الشمس ويصفها لنا بأنها منطقة تحوى بساتين النخيل متجمعة حول عيون موسى.

 

وقدمت لنا رحلة بيرتون وصفًا دقيقًا لميناء الطور التى كانت تتميز بوفرة مؤنها من الفاكهة والماء مما يجعلها من بين أهم موانئ البحر الأحمر وتتوفر بها الآبار وتقع بلدة الطور فوق السهل الذى يمتد بارتفاع تدريجى من البحر إلى عقدة جبال سيناء الشامخة وسكان الطور يتعيشون من بيع الماء والمؤن للسفن وفى الطور أكلوا بلحًا وعنبًا ورمانًا حمله السكان إلى الساحل لإطعام الحجاج الجوعى و تجول بعض الحجاج المغاربة على الشاطئ وبعضهم ذهب لملئ قربهم (أوعية من الجلد) بالمياه.

 

ولم يتمكنوا من الإقلاع فى صباح يوم (2 شوال 1269هـ / 9 يوليو 1853م) لوجود ريح عاتية كما كان البحر هائجًا لذلك خرجوا لزيارة عيون موسى الكبريتية بمدينة طور سيناء (حمام موسى) راكبين حمير هزيلة متجهين شمالاً عبر السهل فى اتجاه شريط طويل ضيق به نخيل وتحيطه أسوار طينية مهدمة حتى دخولهم منطقة بساتين.

 

وأردف الدكتور ريحان بأن رحلة بيرتون قدمت وصفًا لحمام موسى بأنه مبنى صغير من طابق واحد يشبه ما هو موجود فى الريف الإنجليزى أو الأحياء الفقيرة فى لندن بناه عباس باشا ليستخدمه استراحة وكان مطليًا باللون الأبيض الساطع ومزين بستائر من قماش الكاليكو ذو الألوان المتدرجة الرائعة  والحوض الخاص بالحمام يقع بالحجرة الداخلية للمبنى ومياهه دافئة فى الشتاء وباردة فى الصيف  طعمها مالح مائل للمرارة وتشتهر بخواصها المنشطة  وفى منطقة الحمام أكلوا بلح الطور الأصفر الصغير الذى يذوب فى الفم كعسل النحل 

ثم توجهوا بالحمير إلى منطقة بئر موسى حيث وصلوا فى غضون نصف ساعة ويصف بيرتون بناءً قديمًا جميلًا حول هذا البئر مسقوف بقبة من أحجار مربعة ويشبه كثيراً المبانى الريفية بجنوب انجلترا  وفى قاع البئر ماءً عذبًا غزيرًا وجلسوا على مقهى مجاور للبئر لحمايتهم من الشمس الحارقة وكان المقهى عبارة عن ظلة من جريد النخيل وحصيرة مفروشة على الأرض وجلس معهم مجموعة من أهل الطور وتم مغادرة الطور فى 11 يوليو.

 

ويتصل درب الحاج بطريق وادى الجفرة القادم من مدينة بلبيس وله أهميته التجارية فى نقل المؤن إلى الأراضى المقدسة عن طريق البحر، وأهم طريق يتصل بدرب الحاج هو ذلك الطريق الذى يخرج منه شرقى ميناء السويس وصولًا إلى ميناء الطور  فمثل هذا الطريق كان فى خدمة حجاج مصر وفى خدمة ما كان يرسل للأراضى المقدسة من سلع تجارية.


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة