هتلر وتشامبرلين
هتلر وتشامبرلين


أوروبا تخشى تكرار سيناريو «هتلر- تشامبرلين».. كـــــابـوس«1937»

آخر ساعة

الأحد، 10 يوليه 2022 - 04:30 م

خالد حمزة

حينما عاد نيفيل تشامبرلين رئيس الوزراء البريطانى الأسبق من اجتماع ميونيخ الشهير 1938، كان يحمل فى يده ورقة لوح بها بعد نزوله من الطائرة؛ كانت ورقة اتفاق وقعه مع أودولف هتلر، ونص على ألا تكون هناك حرب، وظن تشامبرلين أن توقيع الورقة سيحمى بريطانيا من الأطماع التوسعية لألمانيا النازية، التى مضت فى بناء واحد من أقوى الجيوش. لكن سرعان ما تبخر هذا الظن مع قيام هتلر بغزو تشيكوسلوفاكيا مما اضطر تشامبرلين إلى تقديم استقالته، بعد أن تعرض لانتقادات لاذعة من البرلمان البريطانى، وكان فى مقدمة منتقديه ونستون تشرشل، الذى قال له: القد خيرت بين المهانة والحرب فاخترت المهانة وستواجه الحرب!.

 

كان هدف تشامبرلين تجنب حرب عالمية ثانية، خاصة أن الجميع كان يعرف كيف ستبدأ الحرب، لكن أحداً لم يكن يعرف كيف ستنتهى، ورغم ذلك اتهمه البريطانيون بخطيئتين قاتلتين الأولى أنه تصرف بشكل مخز، بالتضحية ببلد عاجز عن الدفاع عن نفسه، لصالح ديكتاتور قاس، والثانية أنه باسترضاء هتلر جعل منه شخصا أكثر عدوانية، وجعل نشوب حرب أكبر وأكثر دموية أمرا لا مفر منه، وهذا ما حدث بالفعل.

 

لحظة 1937، التى أشار إليها قائد الجيش البريطانى، لها قصة، ففى 28 مايو 1937، أصبح نيفيل تشامبرلين رئيسا لوزراء بريطانيا، وعندما كانت أوروبا على شفا الحرب العالمية الثانية، اتبع تشامبرلين سياسة الاسترضاء مع ألمانيا لمنع هتلر من جر أوروبا لحرب عالمية جديدة، وكان تشامبرلين يأمل فى منع الحرب بأى ثمن، وكان يرى أنه طالما لم تبدأ الحرب فيوجد دائما أمل فى منعها، واصفا نفسه بأنه رجل سلام وأن الصراع المسلح يمثل كابوسا بالنسبة له.

 

فى 30 سبتمبر 1938، توصلت ألمانيا وبريطانيا وفرنسا وإيطاليا لتسوية سمحت للألمان بضم إقليم السوديت التابع لتشيكوسلوفاكيا، وكان الإقليم يضم 3 ملايين شخص من أصول ألمانية، وفى مايو 1938 أصبح واضحا أن هتلر كان يخطط لاحتلاله، ولذلك حاول تشامبرلين تجنب الحرب، وسافر إلى ألمانيا 3 مرات لمقابلة هتلر، وفى آخر رحلة إلى ميونيخ توصل تشامبرلين لاتفاقية مع هتلر، تسمح له بضم أجزاء من تشيكوسلوفاكيا مقابل إنهاء التوسع النازى، لكن بعدها بـ6 أشهر نكث هتلر وعوده وأمر قواته بالتقدم نحو العاصمة التشيكية براج، ومع أواخر 1938، انهارت المفاوضات بين هتلر وتشامبرلين، وبدأت الحرب العالمية الثانية فى الأول من سبتمبر 1939 بغزو ألمانيا لبولندا، ما دفع الحلفاء لإعلان الحرب على ألمانيا بعدها بيومين فقط. 

 

واستحضار تشامبرلين هذه المرة فى الأزمة الروسية الأوكرانية، جاء بعد حديث رئيس الأركان البريطانى الجنرال باتريك ساندرز، للمرة الأولى عن الحرب بقوله إنها لحظة 1937بالنسبة لبريطانيا، وعلينا أن نواجه التهديد الروسى وأن نربح، قال ذلك ثم أعلن مضاعفة عدد القوات المتأهبة فى أوروبا، وفى مدريد أعلنت قمة حلف شمال الأطلنطى االناتوب رفع العدد لسبعة أضعاف350 ألفًاب، وفى ميونيخ أبلغت قمة الدول السبع الرئيس الأوكرانى زيلينسكى أنها سترسل المال والسلاح اللذين طلبهما وفى أسرع وقت ممكن.

 

وحذر قائد الجيش البريطانى من أن بلاده والدول الحليفة تواجه لحظة 1937، فى إشارة لتوقيت انفجار الصراع مع الزعيم النازى أدولف هتلر وخططه التوسعية، وفى إسقاط غير مباشر على الزعيم الروسى بوتين، الذى غزا أوكرانيا وقد يستعد لتوسيع نطاق حربه التوسعية لدول أخرى، وحسب شبكة سكاى نيوز البريطانية، قال الجنرال باتريك ساندرز، الذى أصبح رئيسًا للأركان فى يونيو الماضى: إنه يجب فعل كل ما يمكن لتجنب اندلاع حرب عالمية ثالثة، بالتزامن مع التوقعات بإعلان رئيس الوزراء بوريس جونسون، زيادة الإنفاق الدفاعى لبريطانيا، كما حذّر من أن بوتين وطموحاته التوسعية يشكل التهديد الأكبر لأوروبا والعالم كله، وأن تركيزه الوحيد هو تعبئة الجيش للمساعدة فى منع انتشار الحرب فى أوروبا عن طريق الاستعداد للقتال والانتصار بجانب حلفاء وشركاء الناتو.

 

ساندرز له رؤيته بشأن كيفية التعامل مع التهديد الذى تفرضه روسيا، وإعادة بناء مخزونات الأسلحة، التى جرى تفريغها منذ نهاية الحرب الباردة، وهو إجراء لم تلجأ له بريطانيا منذ عقود، وهو كقائد عسكرى يرى أن بريطانيا والغرب ليسوا فى حالة حرب، لكن يجب أن يتحركوا سريعًا كى لا ينجروا لحرب فى أى لحظة من خلال الفشل فى احتواء التوسع الإقليمى لبوتين بحسب زعمهم، ودعا بحسب شبكة سكاى نيوز لتحديث الجيش وتبنى التكنولوجيات الحديثة مثل الحرب السيبرانية والصواريخ بعيدة المدى إلى جانب الاحتفاظ بالمهارات التقليدية للجنود، وهو ما يعنى الاستعداد لحرب عالمية ثالثة مفترضة قد يكون بطلها هذه المرة بوتين.

 

فى المقابل، لا يكف فلاديمير بوتين عن توسيع الجبهة، وقد أشرك فى الحرب بيلاروسيا حتى الآن، ولا يعرف من تكون الدولة التالية، لكن لم يعد هناك شك فى أن أوروبا تعيش أجواء 1937، التى سبقت الحرب العالمية الثانية، كما تنتاب أمريكا والغرب الشكوك حول استخدام روسيا لأسلحة فتاكة، لم تستخدمها من قبل فى الحرب الأوكرانية مثل الصواريخ الموجهة بدقة متناهية، إضافة لمعلومات غير مؤكدة من وضعها خيارها النووى على أهبة الاستعداد مع الأيام الأولى للحرب، كما تسعى روسيا مع حليفتها الصين، وفى مواجهة العقوبات الأمريكية الغربية القاسية لتقوية مجموعة البريكس، واختصارًا يُشير الاسم للأحرف الأولى من أسماء البلدان المؤسسة لها االبرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقياب، وهى الدول التى تعد صاحبة أسرع نمو اقتصادى حاليًا فى العالم، وفى يونيو 2009 عُقدت أول قمة بين رؤساء الدول الأربع المؤسسة لهذه المجموعة فى روسيا دون جنوب أفريقيا، وتضمنت الإعلان عن تأسيس نظام عالمى ثنائى القطبية، يدعو لتمثيل أكبر للاقتصادات الناشئة الرئيسية، ويقف ضد هيمنة غير متكافئة للقوى الغربية والأمريكية، واتفق الرؤساء على مواصلة التنسيق فى أكثر القضايا الاقتصادية العالمية، بما فيها التعاون فى المجال المالى وحل الأزمات الغذائية، وانضمت جنوب أفريقيا للمجموعة 2010، فأصبحت تسمى بريكس بدلًا من بريك.

 

وحسب مجموعة جولدمان ساكس البنكية العالمية، تشكل مساحة المجموعة ربع مساحة العالم، وعدد سكانها يقارب 40% من سكانه، وتمتلك 25% من الناتج الإجمالى العالمى، وبحلول 2050 ستنافس اقتصاداتها اقتصاد أغنى الدول فى العالم، والأهم أنها تسعى لتشكيل حلف سياسى دولى، وهناك عدد من المكونات المالية والاقتصادية فى البنية المالية ومقره شنغهاى، لتوفير الحماية ضد ضغوط السيولة العالمية أو ما يعرف بنظام سويفت المالى الدولى، الذى تتحكم فيه الولايات المتحدة.

 

وبالنسبة لروسيا كان حضور بوتين لقمة المجموعة الأخيرة فى الصين منذ أيام عودة قوية للمسرح العالمى لأنها كانت المرة الأولى التى يحضر فيها الرئيس الروسى منتدى بهذه الأهمية مع رؤساء الاقتصادات الكبرى منذ غزو أوكرانيا، كما كانت القمة تأكيدًا على أن العالم لا يدور فى فلك أمريكا أو أوروبا فقط اللتين فرضتا عقوبات قاسية على الاقتصاد الروسى، خاصة أن قادة البريكس تجنبوا إدانة روسيا صراحة، بينما اتخذت بكين موقفاً قوياً مع روسيا، وقبل أسابيع من الغزو الروسى لأوكرانيا، قال الرئيس الصينى إن علاقات بلاده مع موسكو لا حدود لها، وهو ما أثار الغرب الذى اتهم بكين وقتها بالانحياز الصريح لموسكو.

 

وفى مايو الماضى، اقترحت الصين توسيع مجموعة البريكس خلال اجتماع لوزراء خارجية المجموعة، ورغم الترحيب بالاقتراح من قبل الدول الأعضاء الأخرى، لم تكن هناك إعلانات رسمية عن الأعضاء الجدد أو دعوات رسمية لها، رغم دعوة العديد من الدول من خارج المجموعة لحضور المنتديات والقمم الخاصة بها، وعدد من الدول الناشئة قد تكون مهتمة بالانضمام، خاصة تلك التى كان لها موقف معارض للموقف الأمريكى من الغزو الروسى لأوكرانيا.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة