قضاة مصر
قضاة مصر


فى مواجهة الجماعة الإرهابية.. قضاة مصر حافظوا على استقلال القضاء

أخبار الحوادث

الأحد، 17 يوليه 2022 - 04:34 م

تقرير يكتبه: عمرو فاروق

 مرت العلاقة بين جماعة الإخوان الإرهابية، وقضاة مصر بالكثير من التطورات خلال المراحل الزمنية المختلفة.

 

كان البنا قد هاجم خلال ثلاثينات وأربعينيات القرن الماضي، القوانين السارية في مصر والعالم العربي، مطالبًا زعماء العرب وأمرائهم، بإصلاحات تشريعية وفقًا للشريعة الإسلامية، ومقاطعة المحاكم الأهلية وكل قضاء غير إسلامي، تحت عنوان «بعض خطوات الإصلاح العملي»، حسب ما جاء في رسالة «نحو النور»، التي تضمنها كتابه الشهير «الرسائل».

 

اتخذت الجماعة موقفًا حادًا من القضاء المدني الذي يطبق القانون، لكونها ضد فكرة حكم القانون من الأساس، إذ تعتبره عدوانًا على حاكمية الله، وفق ما قاله سيد قطب، أحد رموزهم المدرسة التكفيرية، الذي أطلق على القضاء مصطلح «الطاغوت».

 

 

 

كانت بداية الصدام الحقيقي بين «الجماعة الارهابية» والقضاء المصري، عقب إصدار المستشار أحمد بك الخازندار، حكمًا بالأشغال الشاقة المؤبدة، على بعض عناصر الإخوان، في قضية اعتدائهم على جنود بريطانيين بالإسكندرية في 22 نوفمبر، 1947، ليطلق البنا مقولته الشهيرة «اللهم أرحنا من الخازندار وأمثاله»، والتي كانت بمثابة الضوء الأخضر، والفتوى الشرعية لاغتيال الخازندار على يد عناصر التنظيم الخاص، بتسعة رصاصات أمام منزله بالمعادي.

 

عن هذه الواقعة يشير عبد العزيز كامل، أحد قيادات «التنظيم الخاص» للجماعات الارهابية، في مذكراته «في نهر الحياة»، أن القاضي أحمد بك الخازندار كان متعسفًا في أحكامه ضد الإخوان الإرهابية.

 

بينما تشير اعترافات أحمد عادل كمال، أحد قيادات التنظيم الخاص، في كتابه «النقط فوق الحروف»، أنه تم تهديد القاضي لإثنائه عن السير في القضية، وعندما لم تفلح محاولاتهم، وأصدر أحكامًا بالأشغال الشاقة المؤبدة على الشباب، اشتاط البنا غضبًا وهو يصرخ «ربنا يريحنا من الخازندار وأمثاله»، وهو ما اعتبره «السندى»، وأعضاء التنظيم فتوى، وضوءًا أخضر»، من البنا باستحلال دم الخازندار.

السيارة الجيب

عقب اغتيال القاضي الخازندار جاءت محاولة الإخوان لنسف محكمة استئناف القاهرة في يناير 1949 والتي كانت تحتوى على ملفات واعترافات أعضاء الإخوان  الإرهابية الذين تم ضبطهم فيما عرف بقضية «السيارة الجيب»، وهى سيارة كانت مليئة بالسلاح والذخائر والمتفجرات المنقولة إلى بيت أحد أعضاء التنظيم الخاص بالعباسية، إلا أن قدر الله جعل هذه السيارة تصاب بالعطل ليكتشف أحد جنود الشرطة محتوياتها ويتم القبض على ركابها، الذين اعترفوا بأنهم ينتمون إلى جماعة الإخوان الإرهابية، وتحديدا التنظيم الخاص، الذي يقوده عبدالرحمن السندي، واعترفوا كذلك بأن هذه الأسلحة كانت تعد لعمليات قتل سياسي وتخريب منشآت حكومية ومحطات مياه ولدور سينما، كما سبق تلك الواقعة قضية «الأوكار»، عام 1947، إذ داهمت الشرطة المصرية 50 وكرًا تابعًا للتنظيم تم استخدامها كمخازن للأسلحة.

 

وقد زعم «الإخوان الارهابية» أن هذه القضايا ملفقة، وتم استخدامها ذريعة لاتخاذ قرار بحل الجماعة، واعتقال أعضائها وتأميم ممتلكاتها، وهو القرار الذي أصدره رئيس وزراء مصر، محمود فهمي النقراشي، وكان سببًا في اغتياله على يد أحد أعضاء الجماعة الإرهابية، خلال عملية تأسيس البنا لجماعته، حاول تدعيمها بالكثير من رجال السلطة كنوع من التغلغل في الطبقات العليا للمجتمع، بهدف زيادة صلابة التنظيم وقوته في مواجهات أية إخفاقات أمام القيادة السياسية.

 

ومن ثم عمل البنا على مسارات التجنيد الفكري، قبل التجنيد التنظيمي لبعض العناصر التي تشغل أماكن حساسة في الدولة المصرية، حتى لا يتم اكتشاف تغلغل الجماعة وسيطرتها على هذه المؤسسات الهامة، في الوقت الذي يسهل فيه التأثير على قرارات هذه الكيانات دون أن يشعر أحد، فمثلا تم تجنيد كل من منير الدلة، المستشار بمجلس الدولة أحد أبناء الطبقة الثرية، الذي التحق بالإخوان في بداية الأربعينيات، وأصبح عضوًا في مكتب الإرشاد عام 1948، وكذلك تم ضم حسن العشماوي، الذي كان وكيلا للنائب، وأصبح عضوا في مكتب الإرشاد، وعضوًا في لجنة وضع الدستور المصري عام 1953.

 

وأيضًا عبد القادر عودة الذي التحق بالنيابة، ثم القضاء، وكان من القضاة المعنيين بنظر قضايا الإخوان ومنح الكثر منهم البراءة، واعتبر أن القرار العسكري بحل الإخوان باطل قانونا، واستقال من سلك القضاء، وعمل بالمحاماة، وتولى ملف قضايا الإخوان عام 1951، وأصبح عضوًا في مكتب الإرشاد، وعضوًا في لجنة وضع الدستور المصري عام 1953.

 

وكذلك المستشار حسن الهضيبي، رئيس محكمة الاستئناف، الذي انضم للإخوان في منتصف الأربعينات، وتم تكليفه بمنصب المرشد الثاني بناء على وصية من حسن البنا نفسه، قال فيها «لو حدث لي شيء واختلفتم إلى من يكون مرشدا بعدي فاذهبوا إلى حسن الهضيبي فأنا أرشحه ليكون مرشدا بعدي».

 

كما إن المستشار أحمد كامل، والمستشار محمود عبد اللطيف المعنيين بنظر أشهر القضايا المتهم فيها الإخوان، في الخمسينات من القرن الماضي وهي قضية «الأوكار»1947، وقضية «السيارة الجيب»، التي تم ضبطها في يوم 21 نوفمبر 1948، واتهم فيها 33 متهمًا من قيادات التنظيم الخاص على رأسهم عبد الرحمن السندي ومصطفى مشهور، وصدر فيها احكاما بين سنتين وثلاثة فقط لـ17 متهمًا، بينما حصل 14 متهمًا على البراءة، إذ أن قضية «السيارة الجيب»، كان من المتوقع أن تتراوح فيها الأحكام بين المؤبد أو الإعدام، لكن حيثيات القضية ذهبت إلى أن الأسلحة المضبوطة في محازن الإخوان كانت مجهزة للحرب في فلسطين.

 

ليكتشف الجميع أن المستشار أحمد كامل، كان من القيادات الإخوانية المستترة داخل سلك القضاء، وعقب خروجه أعلن إخوانيته، وأصبح من أهم القيادات التنظيمية، وقال مقولته الشهيرة «الإخوان جمعية إسلامية تهدف إلى إقامة مجتمع إسلامي مثالي يحكمه الدين».

 

كما قال؛ «كنت مطالبًا بأن أكون عقيدة لنفسي قبل أن أكون عقيدة لغيري، وكان يجب أن أعيش في القضية مكان المتهمين ومكان أعضاء الجماعة ومكان قائد الدعوة، لأومن بما يؤمنون به، أو لأكفر بما يعتقدون إنه الحق.. وبين الإيمان والكفر كانت تنظر قضية سيارة الجيب، لتحدد وإلى الأبد، مصير الإخوان المسلمين».. ثم أعلن استقالته من القضاء وعمل محاميًا بالإسكندرية، وترافع ضد الحكومة في قضية مقتل حسن البنا.

 

كما صرح المستشار محمود عبد اللطيف، عضو اليمين في هذه المحكمة فور الانتهاء من نظر قضية «السيارة الجيب» قائلاً: «كنت أحاكمهم فأصبحت واحدًا منهم»، وذلك وفقًا لما نشرته صحيفة «أخبار اليوم» المصرية في 12 يوليو 1952 تحت عنوان:»المستشار الذي حاكم الإخوان المسلمين أصبح واحدا منهم».

وكان من ضمن القضاة الذين تم استقطابهم لتنظيم الإخوان، المستشار فتحي لاشين، الذي كان عضوًا في التنظيم الخاص خلال مرحلة المرشد حسن الهضيبي، ثم أصبح أحد قيادات التنظيم الدولي خلال انتدابه للعمل خارج مصر، وعندما عاد إلى مصر، تولى مسؤولية ملف «القضاة» داخل الجماعة، ضمن قسم الوحدات، وتم القبض عليه عام 2009 بتهمة انتمائه للإخوان، ثم أفرج عنه بعدها، وفي بداية عام 2010، حسم الجدل القانوني حول انتخاب محمد بديع مرشدًا عامًا للإخوان داخل الجماعة، كما كان له دور بارز في الإعلان الدستوري المكمل الذي أصدره المعزول مرسي في 22 نوفمبر 2012 .

 

كما تولى مسؤولية ملف «القضاة» داخل التنظيم، المستشار جميل بسيوني، الذي بعد خروجه على المعاش ترافع عن الإخوان في قضية «سلسبيل» الشهيرة، التي تورط فيها خيرت الشاطر وبعض قيادات الجماعة، وكذلك المستشار حسام الغرياني، رئيس مجلس القضاء الأعلى السابق، ورئيس الجمعية التأسيسية لتعديل الدستور في 2012، وقد وصل عدد القضاة المنتمين للتنظيم خلال مرحلة ما قبل 2010، إلى ما يقارب 90 قاضيا، يعتبروا من الخلايا الكامنة داخل مؤسسة القضاء المصري، لكن تم كشف هوية هؤلاء جميعا خلال مرحلة تصدر الإخوان للحكم في مصر، وسقوطهم المدوي في 30 يونيو 2013، حيث ظهروا تحت ما سمى بـ»تيار الاستقلال»، و»قضاة من أجل مصر»، و»قضاة جبهة الضمير».

 

اقتصر دور مسؤول ملف «القضاة»، داخل التنظيم في توصيل القرارات والتعليمات، إذ وضع الإخوان عدة شروط لإدارة ملفات أصحاب المهن السيادية، منها أن يكون نشاط أي فرد منهم مقتصرا على أسرته الإخوانية، وهى المجموعة التي يتم فيها تأهيل الفرد فكريًا وثقافيًا، لما يتوافق مع أدبيات الجماعة، وقسم الأسر تابع لما يطلق عليه لجنة «التربية» داخل التنظيم، وهي المعنية في النهاية بعملية التصعيد التنظيمي للعناصر والأفراد.

 

عندما تصدرت الجماعة للسلطة في مصر، حصل قضاة الإخوان والمتحالفين معهم، على مناصب عليا بالدولة، فتم تعيين المستشار محمود مكي، نائبًا لرئيس الجمهورية، وتعيين شقيقه أحمد مكي، وزيرًا للعدل، وخلفه المستشار أحمد سليمان، وأصبح المستشار هشام جنينه رئيسًا للجهاز المركزي للمحاسبات، ومحمود الخضيري رئيسًا للجنة التشريعية بمجلس الشعب المنحل، وحسام الغرياني رئيسًا للجمعية التأسيسية لوضع الدستور، ثم رئيسًا للمجلس القومي لحقوق الإنسان.

وفي محاولتهم إحكام سيطرتهم على المؤسسة القضائية سعى الإخوان لسن قانون جديد للسلطة القضائية ينص على خفض سن تقاعد القضاة من 70 سنة إلى 60، ما يؤدي إلى عزل نحو 3500 قاض، بهدف استبدالهم بعناصر شبابية جديدة، ينتمون للجماعة.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة