د. أسامة السعيد
د. أسامة السعيد


د. أسامة السعيد يكتب: من رموز يوليو لأبطال أكتوبر .. الجمهورية الجديدة تعيد الاحترام للتاريخ

اللواء الإسلامي

الخميس، 21 يوليه 2022 - 09:46 ص

لا‭ ‬يقوى‭ ‬على‭ ‬مواجهة‭ ‬الماضى‭ ‬سوى‭ ‬الأقوياء،‭ ‬فبناء‭ ‬المستقبل‭ ‬الحقيقى‭ ‬لا‭ ‬يقوم‭ ‬إلا‭ ‬على‭ ‬قيم‭ ‬العدالة‭ ‬والإنصاف‭ ‬وإعطاء‭ ‬كل‭ ‬ذى‭ ‬حق‭ ‬حقه،‭ ‬والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬من‭ ‬يتابع‭ ‬نهج‭ ‬الرئيس‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬السيسى‭ ‬فى‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬التاريخية‭ ‬التى‭ ‬تعرضت‭ ‬لمظالم‭ ‬عدة‭ ‬فى‭ ‬فترات‭ ‬تاريخية‭ ‬مختلفة،‭ ‬يمكنه‭ ‬بسهولة‭ ‬أن‭ ‬يلحظ‭ ‬كيف‭ ‬تمثل‭ ‬قيمة‭ ‬‮«‬الإنصاف‮»‬‭ ‬أحد‭ ‬ثوابت‭ ‬فكر‭ ‬وضمير‭ ‬الرئيس،‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصل‭ ‬إلى‭ ‬موقع‭ ‬الرئاسة،‭ ‬بل‭ ‬ومنذ‭ ‬توليه‭ ‬منصب‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬وهو‭ ‬لا‭ ‬يتوانى‭ ‬عن‭ ‬تحريك‭ ‬المياه‭ ‬الراكدة،‭ ‬ورفع‭ ‬الظلم‭ ‬عن‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬‮«‬مظاليم‭ ‬التاريخ‮»‬‭.‬

وإذا‭ ‬ما‭ ‬حاولنا‭ ‬استعراض‭ ‬قائمة‭ ‬من‭ ‬استعادوا‭ ‬حقهم‭ ‬فى‭ ‬التقدير‭ ‬واستعادة‭ ‬الاعتبار‭ ‬سواء‭ ‬من‭ ‬العسكريين‭ ‬أو‭ ‬المدنيين،‭ ‬فإن‭ ‬القائمة‭ ‬ستطول،‭ ‬ولكن‭ ‬نكتفى‭ ‬هنا‭ ‬بمجموعة‭ ‬من‭ ‬رموز‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو‭ ‬1952،‭ ‬الذين‭ ‬عصفت‭ ‬بهم‭ ‬متغيرات‭ ‬السياسة،‭ ‬وكذلك‭ ‬أبطال‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973،‭ ‬الذين‭ ‬طمس‭ ‬غبار‭ ‬النسيان‭ ‬والتجاهل‭ ‬المتعمد‭ ‬على‭ ‬أدوارهم،‭ ‬وكاد‭ ‬ذكرهم‭ ‬يتوارى‭ ‬لولا‭ ‬أن‭ ‬القيادة‭ ‬السياسية‭ ‬الواعية‭ ‬بأدوارهم،‭ ‬المدققة‭ ‬فى‭ ‬حقائق‭ ‬التاريخ‭ ‬بعيون‭ ‬مبصرة‭ ‬وببصيرة‭ ‬مستنيرة،‭ ‬قررت‭ ‬بوفاء‭ ‬ونبل‭ ‬أن‭ ‬تعيد‭ ‬لهؤلاء‭ ‬‮«‬المنسيين‮»‬‭ ‬ما‭ ‬يستحقون‭ ‬من‭ ‬تقدير‭ ‬واحترام‭.‬

‭  ‬نجيب‭ ... ‬‮«‬رئيس‭ ‬المظاليم‮»‬‭ ‬‭ ‬

أول‭ ‬اسم‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يتبادر‭ ‬إلى‭ ‬ذهن‭ ‬من‭ ‬يقرأ‭ ‬تعبير‭ ‬‮«‬مظاليم‭ ‬التاريخ‭ ‬بالتأكيد‭ ‬سيكون‭ ‬اللواء‭ ‬محمد‭ ‬نجيب‭ ‬أول‭ ‬رئيس‭ ‬للجمهورية،‭ ‬والوجه‭ ‬الأكثر‭ ‬شهرة‭ ‬لثورة‭ ‬يوليو‭ ‬1952‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يُطاح‭ ‬به‭ ‬وتُحدد‭ ‬إقامته‭ ‬لنحو‭ ‬ربع‭ ‬قرن‭ ‬من‭ ‬الزمان‭.‬

كان‭ ‬محمد‭ ‬نجيب‭ ‬شخصية‭ ‬نابغة‭ ‬منذ‭ ‬شبابه،‭ ‬فكان‭ ‬أول‭ ‬ضابط‭ ‬بالجيش‭ ‬المصرى‭ ‬يحصل‭ ‬على‭ ‬إجازة‭ ‬الحقوق‭ ‬فى‭ ‬مايو1927،‭ ‬ثم‭ ‬حاز‭ ‬على‭ ‬دكتوراه‭ ‬فى‭ ‬الاقتصاد‭ ‬السياسى‭ ‬عام‭ ‬1929،‭ ‬كما‭ ‬نال‭ ‬دبلوم‭ ‬الدراسات‭ ‬العليا‭ ‬فى‭ ‬القانون‭ ‬الخاص‭ ‬ثم‭ ‬شهادة‭ ‬أركان‭ ‬حرب‭ ‬عام‭ ‬1939‭. ‬وبدأ‭ ‬فى‭ ‬إعداد‭ ‬الدكتوراه،‭ ‬لكن‭ ‬طبيعة‭ ‬عمله‭ ‬العسكرى‭ ‬حالت‭ ‬دون‭ ‬إتمامها،‭ ‬وكان‭ ‬يجيد‭ ‬اللغات‭ ‬الإنجليزية‭ ‬والفرنسية‭ ‬والإيطالية‭ ‬والألمانية‭ ‬وذكر‭ ‬فى‭ ‬مذكراته‭ ‬أنه‭ ‬تعلم‭ ‬العبرية‭ ‬أيضاً‭.‬

وكانت‭ ‬المواقف‭ ‬الوطنية‭ ‬العديدة‭ ‬سببا‭ ‬لشهرة‭ ‬‮«‬الضابط‮»‬‭ ‬محمد‭ ‬نجيب‭ ‬فعندما‭ ‬اندلعت‭ ‬ثورة‭ ‬1919‭ ‬فى‭ ‬القاهرة،‭ ‬أصر‭ ‬على‭ ‬تحدى‭ ‬رؤسائه‭ ‬من‭ ‬الإنجليز،‭ ‬وسافر‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬سرا،‭  ‬ولم‭ ‬يخف‭ ‬إعلان‭ ‬تأييده‭ ‬لسعد‭ ‬زغلول‭ ‬عندما‭ ‬ذهب‭ ‬مع‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الضباط‭ ‬الصغار‭ ‬فى‭ ‬ملابسهم‭ ‬العسكرية‭ ‬إلى‭ ‬مقر‭ ‬إقامة‭ ‬زغلول،‭ ‬فى‭ ‬بيت‭ ‬الأمة‭ ‬ليعبروا‭ ‬عن‭ ‬رفضهم‭ ‬لنفيه‭ ‬إلى‭ ‬جزيرة‭ ‬سيلان‭.‬

وعقب‭ ‬حادثة‭ ‬4‭ ‬فبراير1942،‭ ‬حين‭ ‬حاصرت‭ ‬الدبابات‭ ‬البريطانية‭ ‬قصر‭ ‬الملك‭ ‬لإجباره‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬مصطفى‭ ‬النحاس‭ ‬إلى‭ ‬رئاسة‭ ‬الوزراء‭ ‬أو‭ ‬التنازل‭ ‬عن‭ ‬العرش،‭ ‬قدم‭ ‬استقالته‭ ‬من‭ ‬الجيش‭ ‬احتجاجا‭ ‬على‭ ‬التدخل‭ ‬الإنجليزى‭ ‬السافر‭ ‬فى‭ ‬شئون‭ ‬مصر‭ ‬الداخلية‭. ‬لكن‭ ‬الملك‭ ‬رفض‭ ‬الاستقالة،‭ ‬واشترك‭ ‬نجيب‭ ‬فى‭ ‬حرب‭ ‬فلسطين‭ ‬وجرح‭ ‬ثلاث‭ ‬مرات،‭ ‬كان‭ ‬آخرها‭ ‬فى‭ ‬معركة‭ ‬التبة‭ ‬فى‭ ‬دير‭ ‬البلح‭ ‬فى‭ ‬23‭ ‬ديسمبر‭ ‬1948،‭ ‬وهى‭ ‬أهم‭ ‬المعارك‭ ‬التى‭ ‬خاضها‭ ‬فى‭ ‬فلسطين،‭ ‬وعددها‭ ‬21‭ ‬معركة‭.‬

واقترن‭ ‬اسم‭ ‬محمد‭ ‬نجيب‭ ‬بأولى‭ ‬شرارات‭ ‬الثورة،‭ ‬التى‭ ‬تمثلت‭ ‬فى‭ ‬فوزه‭ ‬بانتخابات‭ ‬نادى‭ ‬الضباط‭ ‬عام‭ ‬1951،‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬مرشح‭ ‬الملك،‭ ‬حسين‭ ‬سرى‭ ‬عامر‭ ‬باشا،‭ ‬الذى‭ ‬سبق‭ ‬وأن‭ ‬عينه‭ ‬الملك‭ ‬مديرا‭ ‬لسلاح‭ ‬الحدود‭ ‬بدلا‭ ‬من‭ ‬نجيب،‭ ‬حيث‭ ‬استقر‭ ‬رأى‭ ‬الضباط‭ ‬الأحرار‭ ‬على‭ ‬ترشيح‭ ‬نجيب‭ ‬رئيسا‭ ‬لمجلس‭ ‬إدارة‭ ‬النادى‭ ‬ضد‭ ‬مرشح‭ ‬الملك،‭ ‬وهى‭ ‬المواجهة‭ ‬التى‭ ‬عجلت‭ ‬بقرار‭ ‬الثورة‭.‬

وكان‭ ‬اختيار‭ ‬تنظيم‭ ‬الضباط‭ ‬الأحرار‭ ‬لمحمد‭ ‬نجيب‭ ‬سر‭ ‬نجاح‭ ‬التنظيم‭ ‬داخل‭ ‬الجيش،‭ ‬فكان‭ ‬ضباط‭ ‬التنظيم‭ ‬حينما‭ ‬يعرضون‭ ‬على‭ ‬باقى‭ ‬ضباط‭ ‬الجيش‭ ‬الانضمام‭ ‬إلى‭ ‬الحركة‭ ‬كانوا‭ ‬يسألون‭ ‬من‭ ‬القائد،‭ ‬وعندما‭ ‬يعرفوا‭ ‬أنه‭ ‬اللواء‭ ‬محمد‭ ‬نجيب‭ ‬يسارعون‭ ‬بالانضمام‭.‬

وأشار‭ ‬المؤرخ‭ ‬العسكرى‭ ‬اللواء‭ ‬جمال‭ ‬حماد،‭ ‬وهو‭ ‬أحد‭ ‬الضباط‭ ‬الأحرار،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الحركة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬لتنجح‭ ‬لولا‭ ‬انضمام‭ ‬محمد‭ ‬نجيب‭ ‬إليها‭ ‬لما‭ ‬كان‭ ‬له‭ ‬من‭ ‬سمعة‭ ‬طيبة‭ ‬فى‭ ‬الجيش،‭ ‬ولما‭ ‬كان‭ ‬لمنصبه‭ ‬من‭ ‬أهمية،‭ ‬إذ‭ ‬أن‭ ‬باقى‭ ‬الضباط‭ ‬الأحرار‭ ‬كانوا‭ ‬ذوو‭ ‬رتب‭ ‬صغيرة‭ ‬وغير‭ ‬معروفين‭.‬

وجاء‭ ‬انتخابه‭ ‬كأول‭ ‬رئيس‭ ‬للجمهورية‭ ‬منطقيا‭ ‬ومتوقعا،‭ ‬لكن‭ ‬سرعان‭ ‬ما‭ ‬دبت‭ ‬صراعات‭ ‬السياسة‭ ‬بين‭ ‬أعضاء‭ ‬مجلس‭ ‬قيادة‭ ‬الثورة‭ ‬بعد‭ ‬أزمة‭ ‬1954،‭ ‬وخرج‭ ‬اللواء‭ ‬نجيب‭ ‬من‭ ‬المشهد،‭ ‬حيث‭ ‬تقرر‭ ‬تحديد‭ ‬إقامته‭ ‬فى‭ ‬قصر‭ ‬زينب‭ ‬الوكيل‭ ‬بالمرج،‭ ‬ومنعت‭ ‬عنه‭ ‬الزيارة،‭ ‬وبقى‭ ‬هناك‭ ‬حتى‭ ‬أفرج‭ ‬عنه‭ ‬الرئيس‭ ‬أنور‭ ‬السادات‭ ‬عام‭ ‬1971‭.‬

وفى‭ ‬عهد‭ ‬الرئيس‭ ‬الأسبق‭ ‬حسنى‭ ‬مبارك،‭ ‬تقرر‭ ‬تخصيص‭ ‬فيلا‭ ‬فى‭ ‬القاهرة‭ ‬لإقامة‭ ‬نجيب،‭ ‬كما‭ ‬أطلق‭ ‬اسمه‭ ‬على‭ ‬واحدة‭ ‬من‭ ‬محطات‭ ‬الخط‭ ‬الثانى‭ ‬لمترو‭ ‬الأنفاق،‭ ‬وعندما‭ ‬توفى‭ ‬عن‭ ‬عمر‭ ‬يناهز‭ ‬‮٨٤‬‭ ‬عامًا،‭ ‬أمر‭ ‬مبارك‭ ‬بتشيع‭ ‬جنازته‭ ‬عسكريا‭ ‬من‭ ‬مسجد‭ ‬رابعة‭ ‬العدوية‭ ‬بمدينة‭ ‬نصر‭.‬

‭ ‬لكن‭ ‬التكريم‭ ‬الأكبر‭ ‬والأهم‭ ‬والإنصاف‭ ‬الأبرز‭ ‬الذى‭ ‬حظى‭ ‬به‭ ‬اللواء‭ ‬نجيب،‭ ‬جاء‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الرئيس‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬السيسي،‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬يدرك‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬محمد‭ ‬نجيب‭ ‬لم‭ ‬ينل‭ ‬ما‭ ‬يستحق‭ ‬من‭ ‬تقدير،‭ ‬ومن‭ ‬هنا‭ ‬جاء‭ ‬قرار‭ ‬الرئيس‭ ‬السيسى‭ ‬بتخليد‭ ‬اسم‭ ‬نجيب‭ ‬بين‭ ‬قادة‭ ‬مصر‭ ‬الكبار،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬إطلاق‭ ‬اسمه‭ ‬على‭ ‬أكبر‭ ‬قاعدة‭ ‬عسكرية‭ ‬فى‭ ‬الشرق‭ ‬الأوسط‭ ‬وأفريقيا،‭ ‬وإحدى‭ ‬أكبر‭ ‬القواعد‭ ‬العسكرية‭ ‬الاستراتيجية‭ ‬الشاملة‭ ‬فى‭ ‬العالم،‭ ‬ليرتبط‭ ‬اسمه‭ ‬بالجيش‭ ‬المصري،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬كأول‭ ‬رئيس‭ ‬للجمهورية،‭ ‬ولكن‭ ‬كقائد‭ ‬عسكرى‭ ‬منح‭ ‬وطنه‭ ‬أقصى‭ ‬ما‭ ‬يستطيع‭.‬

‭  ‬يوسف‭ ‬صديق‭ .. ‬الفارس‭ ‬المقهور‭  ‬

ولا‭ ‬تخلو‭ ‬قائمة‭ ‬رموز‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو‭ ‬1952‭ ‬من‭ ‬أسماء‭ ‬أخرى‭ ‬تعرضت‭ ‬لظلم‭ ‬تاريخي،‭ ‬استبعدت‭ ‬من‭ ‬مشاهد‭ ‬التكريم‭ ‬والاحتفاء،‭ ‬والقى‭ ‬بها‭ ‬إلى‭ ‬أركان‭ ‬الظلمة‭ ‬والاختفاء،‭ ‬ومن‭ ‬بين‭ ‬تلك‭ ‬الأسماء‭ ‬يبرز‭ ‬اسم‭ ‬شاعر‭ ‬وفارس،‭ ‬طالما‭ ‬آمن‭ ‬بقضية‭ ‬وطنه،‭ ‬وحمل‭ ‬حياته‭ ‬بين‭ ‬كفيه‭ ‬قربانا‭ ‬لوطنه‭ ‬فى‭ ‬ليلة‭ ‬الثورة،‭ ‬وكان‭ ‬هو‭ ‬المنقذ‭ ‬الذى‭ ‬دفع‭ ‬به‭ ‬القدر‭ ‬لتغيير‭ ‬التاريخ‭ ‬فى‭ ‬لحظات،‭ ‬ولولاه‭ ‬لما‭ ‬عرفت‭ ‬الثورة‭ ‬انتصارا،‭ ‬بل‭ ‬لعلقت‭ ‬رؤوس‭ ‬الثوار‭ ‬فوق‭ ‬أعواد‭ ‬المشانق‭!!‬

إنه‭ ‬العقيد‭ ‬أركان‭ ‬حرب‭ ‬يوسف‭ ‬منصور‭ ‬صديق‭ ‬عضو‭ ‬مجلس‭ ‬قيادة‭ ‬الثورة،‭ ‬الملقّب‭ ‬بـ«فارس‭ ‬ثورة‭ ‬يوليو‭ ‬ومنقذها‮»‬،‭ ‬والذى‭ ‬كان‭ ‬على‭ ‬موعد‭ ‬مع‭ ‬القدر‭ ‬فى‭ ‬ليلة‭ ‬الثورة،‭ ‬فقبل‭ ‬أن‭ ‬ينتصف‭ ‬ليل‭ ‬القاهرة‭ ‬تحرك‭  ‬يوسف‭ ‬صديق‭ ‬بقواته‭ ‬من‭ ‬منطقة‭ ‬‮«‬الهايكستب‮»‬‭ ‬مبكرا‭ ‬عن‭ ‬الموعد‭ ‬المتفق‭ ‬عليه‭ ‬بين‭ ‬قادة‭ ‬حركة‭ ‬الضباط‭ ‬الأحرار،‭ ‬وهو‭ ‬التحرك‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬بمثابة‭ ‬منحة‭ ‬من‭ ‬القدر‭ ‬لإنقاذ‭ ‬الثورة‭ ‬من‭ ‬الفشل،‭ ‬فقد‭ ‬مكّن‭ ‬ذلك‭ ‬التحرك‭ ‬المبكر‭ ‬صديق،‭ ‬من‭ ‬السيطرة‭ ‬على‭ ‬مقر‭ ‬قيادة‭ ‬الجيش‭ ‬بعد‭ ‬إلقائه‭ ‬القبض‭ ‬على‭ ‬قيادات‭ ‬الجيش‭ ‬الملكى‭ ‬قبل‭ ‬تحركهم‭ ‬للقبض‭ ‬على‭ ‬الضباط‭ ‬الأحرار‭.‬

قبل‭ ‬تحركه‭ ‬وبدء‭ ‬مشاركته‭ ‬البطولية‭ ‬فى‭ ‬الثورة‭ ‬خطب‭ ‬يوسف‭ ‬صديق‭ ‬فى‭ ‬ضباطه‭ ‬وجنوده‭ ‬قائلا‭ ‬إنهم‭ ‬مقدمون‭ ‬هذه‭ ‬الليلة‭ ‬على‭ ‬عمل‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬الأعمال‭ ‬فى‭ ‬التاريخ‭ ‬المصري،‭ ‬وسيظلون‭ ‬يفتخرون‭ ‬بما‭ ‬سيقومون‭ ‬به‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭ ‬هم‭ ‬وأبناؤهم‭ ‬وأحفادهم‭ ‬وأحفاد‭ ‬أحفادهم،‭ ‬وكم‭ ‬كان‭ ‬صادقا‭ ‬ذلك‭ ‬الشاعر‭ ‬النبيل‭ ‬وهو‭ ‬يلقى‭ ‬بتلك‭ ‬الكلمات‭ ‬أجمل‭ ‬قصائده‭ ‬فى‭ ‬حب‭ ‬وطنه،‭ ‬فقصيدته‭ ‬لم‭ ‬يصغها‭ ‬بالكلمات،‭ ‬بل‭ ‬بروحه‭ ‬وحياته‭ ‬التى‭ ‬وضعها‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬الليلة‭ ‬فداء‭ ‬لوطنه‭.‬

انضم‭ ‬يوسف‭ ‬صديق‭ ‬صاحب‭ ‬التاريخ‭ ‬العسكرى‭ ‬المشرف،‭ ‬والوعى‭ ‬السياسى‭ ‬المستنير،‭ ‬للضباط‭ ‬الأحرار‭ ‬فى‭  ‬أكتوبر‭ ‬1951،‭ ‬وجاءت‭ ‬عواصف‭ ‬أزمة‭ ‬1954‭ ‬لتبعد‭ ‬الفارس‭ ‬الشاعر‭ ‬عن‭ ‬المشهد،‭ ‬لكنه‭ ‬لم‭ ‬يبتعد‭ ‬يوما‭ ‬عن‭ ‬الميدان،‭ ‬فقد‭ ‬ظل‭ ‬مساندا‭ ‬لوطنه‭ ‬وللثورة،‭ ‬رغم‭ ‬الخلاف‭ ‬الحاد‭ ‬وقتها‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬جمال‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭.‬

وتجسدت‭ ‬أخلاق‭ ‬الفرسان‭ ‬حقا‭ ‬فى‭ ‬لحظة‭ ‬وفاة‭ ‬عبد‭ ‬الناصر،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬وقتها‭ ‬العقيد‭ ‬يوسف‭ ‬صديق‭ ‬يُعالج‭  ‬فى‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتى‭ ‬من‭ ‬سرطان‭ ‬الرئة،‭ ‬وعندما‭ ‬وصله‭ ‬الخبر‭ ‬قطع‭ ‬رحلة‭ ‬علاجه‭ ‬وعاد‭ ‬إلى‭ ‬مصر‭ ‬على‭ ‬وجه‭ ‬السرعة،‭ ‬وكتب‭ ‬قصيدة‭ ‬رثاء‭ ‬فى‭ ‬صديقه‭ ‬الراحل،‭ ‬وقد‭ ‬توفى‭ ‬صديق‭ ‬فى‭ ‬31‭ ‬مارس‭ ‬1975‭.‬

‭ ‬وبعد‭ ‬43‭ ‬عاما‭ ‬على‭ ‬رحيله‭ ‬كان‭ ‬مشهد‭ ‬آخر‭ ‬لأخلاق‭ ‬الفرسان‭ ‬يتجدد‭ ‬بتكريم‭ ‬صديق،‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬رئيس‭ ‬مصر‭ ‬الذى‭ ‬يعرف‭ ‬جيدا‭ ‬قيمة‭ ‬الوفاء،‭ ‬ويقدر‭ ‬الرجال‭ ‬حق‭ ‬قدرهم،‭ ‬فقد‭ ‬قرر‭ ‬الرئيس‭ ‬السيسى‭ ‬عام‭ ‬2018‭ ‬منح‭ ‬اسم‭ ‬البطل‭ ‬يوسف‭ ‬صديق‭ ‬‮«‬قلادة‭ ‬النيل‮»‬‭ ‬أرفع‭ ‬الأوسمة‭ ‬المصرية،‭ ‬وجاء‭ ‬التكريم‭ ‬خلال‭ ‬الاحتفال‭ ‬بتخرج‭ ‬دفعة‭ ‬جديدة‭ ‬من‭ ‬طلبة‭ ‬الكليات‭ ‬والمعاهد‭ ‬العسكرية‭ ‬فى‭ ‬الكلية‭ ‬الحربية،‭ ‬وكأن‭ ‬القيادة‭ ‬السياسية‭ ‬أرادت‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬التكريم‭ ‬درسا‭ ‬عمليا‭ ‬وتجسيدا‭ ‬واقعيا‭ ‬لقيمة‭ ‬النبل‭ ‬والوفاء،‭ ‬النبل‭ ‬من‭ ‬جانب‭ ‬رجل‭ ‬حمل‭ ‬روحه‭ ‬على‭ ‬كفه،‭ ‬وقرر‭ ‬أن‭ ‬ينحاز‭ ‬لوطنه‭ ‬وتغييره‭ ‬للأفضل،‭ ‬وحتى‭ ‬عندما‭ ‬اختلفت‭ ‬الرؤى‭ ‬وافترقت‭ ‬المصائر،‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬عبئا‭ ‬على‭ ‬بلده‭ ‬أو‭ ‬قيادته،‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬دائما‭ ‬داعما‭ ‬لها‭ ‬وسندا‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬المناسبات‭ ‬والمواقع‭ ‬فى‭ ‬إنكار‭ ‬للذات‭.‬

‭  ‬الشاذلى‭ ‬من‭ ‬المجد‭ ‬إلى‭ ‬الحبس‭! ‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬صراعات‭ ‬السياسة‭ ‬قد‭ ‬عصفت‭ ‬بالعديد‭ ‬من‭ ‬رموز‭ ‬يوليو،‭ ‬فإن‭ ‬الخلافات‭ ‬أيضا‭ ‬كانت‭ ‬أحد‭ ‬أسباب‭ ‬‮«‬ظلم‮»‬‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬قادة‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر،‭ ‬يُضاف‭ ‬إليها‭ ‬بعض‭ ‬نوازع‭ ‬الغيرة،‭ ‬والرغبة‭ ‬فى‭ ‬‮«‬احتكار‮»‬‭ ‬النصر‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬عقود‭ ‬لصالح‭ ‬أسماء‭ ‬بعينها،‭ ‬مقابل‭ ‬تجاهل‭ ‬أسماء‭ ‬أبطال‭ ‬حقيقيين‭ ‬خلد‭ ‬التاريخ‭ ‬العسكرى‭ ‬بطولاتهم‭ ‬وتضحياتهم،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬تجاهلتها‭ ‬السياسة،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬جاء‭ ‬إنصاف‭ ‬الرئيس‭ ‬السيسى‭ ‬للكثير‭ ‬من‭ ‬هذه‭ ‬الأسماء‭.‬

وأول‭ ‬الأسماء‭ ‬البارزة‭ ‬من‭ ‬أبطال‭ ‬وقادة‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬الذين‭ ‬طُوى‭ ‬ذكرهم‭ ‬عمدا،‭ ‬كان‭ ‬الفريق‭ ‬سعد‭ ‬الدين‭ ‬الشاذلي،‭ ‬رئيس‭ ‬أركان‭ ‬حرب‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬خلال‭ ‬معركة‭ ‬العبور،‭ ‬بعد‭ ‬خلافه‭ ‬الشهير‭ ‬مع‭ ‬الرئيس‭ ‬السادات‭ ‬بشأن‭ ‬أسلوب‭ ‬تصفية‭ ‬ثغرة‭ ‬الدفرسوار،‭ ‬فتوسعت‭ ‬دائرة‭ ‬الخلاف،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬تقتصر‭ ‬على‭ ‬البعد‭ ‬العسكري‭.‬

كان‭ ‬سعد‭ ‬الدين‭ ‬الشاذلى‭ ‬واحدا‭ ‬من‭ ‬نجباء‭ ‬المؤسسة‭ ‬العسكرية،‭ ‬وكانت‭ ‬معركة‭ ‬العبور‭ ‬صفحة‭ ‬ناصعة‭ ‬فى‭ ‬تاريخه،‭ ‬فهو‭ ‬أحد‭ ‬أبطالها‭ ‬الكبار،‭ ‬الذين‭ ‬أسهموا‭ ‬فى‭ ‬تحقيق‭ ‬النصر،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬بحكم‭ ‬منصبه‭ ‬كرئيس‭ ‬للأركان،‭ ‬لكن‭ ‬لأنه‭ ‬كان‭ ‬أحد‭ ‬الخبرات‭ ‬العسكرية‭ ‬الفريدة،‭ ‬فقد‭ ‬شارك‭ ‬فى‭ ‬حرب‭ ‬فلسطين‭ ‬عام‭ ‬1948،‭ ‬وانضم‭ ‬للضباط‭ ‬الأحرار‭ ‬فى‭ ‬1951،‭ ‬وخاض‭ ‬بعدها‭ ‬كل‭ ‬معارك‭ ‬الوطن‭ ‬فى‭ ‬1956،‭ ‬و1967،‭ ‬وحرب‭ ‬الاستنزاف‭.‬

تنسب‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬المراجع‭ ‬العسكرية‭ ‬للفريق‭ ‬الشاذلى‭ ‬دوره‭ ‬البارز‭ ‬فى‭ ‬وضع‭ ‬خطة‭ ‬العبور،‭ ‬التى‭ ‬اشتهرت‭ ‬بخطة‭ ‬‮«‬المآذن‭ ‬العالية‮»‬،‭ ‬وتجسدت‭ ‬فيها‭ ‬قدرة‭ ‬الشاذلى‭ ‬على‭ ‬استخدام‭ ‬التكتيك‭ ‬العسكرى‭ ‬والقيادة‭ ‬والمناورة،‭ ‬وفهمه‭ ‬لطبيعة‭ ‬العدو‭ ‬وحدود‭ ‬قدراته،‭ ‬وسارت‭ ‬الأمور‭ ‬وفق‭ ‬الخطة‭ ‬المرسومة‭ ‬حتى‭ ‬حدوث‭ ‬‮«‬ثغرة‭ ‬الدفرسوار‮»‬‭ ‬التى‭ ‬تسببت‭ ‬فى‭ ‬خلاف‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬الرئيس‭ ‬السادات،‭ ‬اضطره‭ ‬إلى‭ ‬قضاء‭ ‬سنوات‭ ‬طويلة‭ ‬خارج‭ ‬مصر،‭ ‬وحتى‭ ‬عندما‭ ‬عاد‭ ‬إلى‭ ‬البلاد‭ ‬فى‭ ‬منتصف‭ ‬التسعينات،‭ ‬تعرض‭ ‬للحبس‭ ‬لمدة‭ ‬ثلاث‭ ‬سنوات،‭ ‬ورفض‭ ‬الرئيس‭ ‬الراحل‭ ‬مبارك‭ ‬منحه‭ ‬عفوا‭ ‬رئاسيا،‭ ‬رغم‭ ‬امتلاكه‭ ‬الحق‭ ‬القانونى‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭!‬

ورغم‭ ‬رحيل‭ ‬الفريق‭ ‬سعد‭ ‬الشاذلى‭ ‬فى‭ ‬10‭ ‬فبراير‭ ‬2011‭ ‬عن‭ ‬89‭ ‬عاما‭ ‬بعد‭ ‬معاناة‭ ‬طويلة‭ ‬مع‭ ‬المرض،‭ ‬بينما‭ ‬مصر‭ ‬تجتاز‭ ‬لحظة‭ ‬فارقة‭ ‬من‭ ‬عمرها،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الوفاة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬هى‭ ‬مشهد‭ ‬النهاية‭ ‬فى‭ ‬حكاية‭ ‬هذا‭ ‬القائد‭ ‬العسكرى‭ ‬الفذ،‭  ‬فقد‭ ‬تحققت‭ ‬نبؤة‭ ‬الشاذلى‭ ‬التى‭ ‬دونها‭ ‬فى‭ ‬مذكراته‭ ‬عندما‭ ‬كتب‭: ‬‮«‬أنا‭ ‬واثق‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬مصر‭ ‬سوف‭ ‬تكرمنى‭ ‬فى‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬الأيام‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬تعرف‭ ‬حقائق‭ ‬وأسرار‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‮»‬،‭ ‬على‭ ‬يد‭ ‬الرئيس‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬السيسى‭ ‬فى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مناسبة،‭ ‬حتى‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يتولى‭ ‬رئاسة‭ ‬البلاد،‭ ‬فقد‭ ‬قرر‭ ‬السيسى‭ ‬خلال‭ ‬توليه‭ ‬منصب‭ ‬القائد‭ ‬العام‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة،‭ ‬إطلاق‭ ‬اسم‭ ‬الفريق‭ ‬سعد‭ ‬الدين‭ ‬الشاذلى‭ ‬على‭ ‬الدفعات‭ ‬109‭ ‬حربية،‭ ‬و67‭ ‬بحرية‭ ‬و82‭ ‬جوية‭ ‬و54‭ ‬فنية‭ ‬عسكرية،‭ ‬و44‭ ‬دفاع‭ ‬جوي،‭ ‬وهو‭ ‬تكريم‭ ‬له‭ ‬قيمته‭ ‬فى‭ ‬التقاليد‭ ‬العسكرية‭ ‬العريقة،‭ ‬كما‭ ‬تم‭ ‬إطلاق‭ ‬اسمه‭ ‬على‭ ‬أحد‭ ‬المحاور‭ ‬الرئيسية‭ ‬التى‭ ‬تربط‭ ‬طريقى‭ ‬السويس‭ ‬والإسماعيلية‭ ‬الصحراوى‭.‬

‭  ‬الجنرال‭ ‬النحيف‭ ‬المخيف‭ ‬

وإذا‭ ‬كانت‭ ‬الخلافات‭ ‬بين‭ ‬الشاذلى‭ ‬والسادات‭ ‬وراء‭ ‬أزمة‭ ‬الأول،‭ ‬فإن‭ ‬المشير‭ ‬محمد‭ ‬عبد‭ ‬الغنى‭ ‬الجمسى‭ ‬رئيس‭ ‬هيئة‭ ‬العمليات‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة‭ ‬خلال‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬المجيدة،‭ ‬الذى‭ ‬اشتهر‭ ‬بأنه‭ ‬‮«‬مهندس‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‮»‬،‭ ‬ووصفته‭ ‬جولدا‭ ‬مائير‭ ‬رئيسة‭ ‬الحكومة‭ ‬الإسرائيلية‭ ‬بأنه‭: ‬‮«‬الجنرال‭ ‬النحيف‭ ‬المخيف‮»‬،‭ ‬قد‭ ‬تعرض‭ ‬لظلم‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر،‭ ‬عندما‭ ‬تم‭ ‬تجاهل‭ ‬دوره‭ ‬لسنوات‭ ‬طويلة،‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬واصل‭ ‬الصعود‭ ‬على‭ ‬سلم‭ ‬القيادة،‭ ‬حتى‭ ‬تولى‭ ‬منصب‭ ‬وزير‭ ‬الحربية،‭ ‬وكان‭ ‬آخر‭ ‬من‭ ‬يحمل‭ ‬هذا‭ ‬اللقب،‭ ‬فقد‭ ‬تغير‭ ‬مسمى‭ ‬الوزارة‭ ‬عقب‭ ‬خروجه‭ ‬من‭ ‬الحكومة‭ ‬ليكون‭ ‬وزارة‭ ‬الدفاع‭.‬

ورغم‭ ‬الدور‭ ‬الوطنى‭ ‬الكبير‭ ‬والعطاء‭ ‬المتميز،‭  ‬لصاحب‭ ‬‮«‬كشكول‭ ‬الجمسي‮»‬،‭ ‬والذى‭ ‬ساهم‭ ‬بعقليته‭ ‬العسكرية‭ ‬المنظمة،‭ ‬ودأبه‭ ‬الفريد‭ ‬فى‭ ‬جمع‭ ‬المعلومات‭ ‬وتوظيفها‭ ‬لإدارة‭ ‬العمليات،‭ ‬فى‭ ‬نجاح‭ ‬عملية‭ ‬العبور،‭ ‬كما‭ ‬ترأس‭ ‬وفد‭ ‬مصر‭ ‬العسكرى‭ ‬فى‭ ‬مفاوضات‭ ‬فض‭ ‬الاشتباك،‭ ‬التى‭ ‬عُرفت‭ ‬بمفاوضات‭ ‬الكيلو‭ ‬101،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬عانى‭ ‬طويلا‭ ‬أيضا‭ ‬ولسنوات‭ ‬من‭ ‬تجاهل‭ ‬دوره‭ ‬المهم‭ ‬والحيوى‭ ‬وبخاصة‭ ‬فى‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر،‭ ‬لصالح‭ ‬التركيز‭ ‬فقط‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬الضربة‭ ‬الجوية،‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬سببا‭ ‬لإحساس‭ ‬‮«‬الجنرال‭ ‬النحيف‭ ‬المخيف‮»‬‭  ‬بالمرارة،‭ ‬وقد‭ ‬لمستُ‭ ‬الأمر‭ ‬شخصيا‭ ‬فى‭ ‬حوار‭ ‬صحفي،‭ ‬كان‭ ‬لى‭ ‬شرف‭ ‬إجراؤه‭ ‬مع‭ ‬المشير‭ ‬الجمسى‭ ‬قبل‭ ‬رحيله‭ ‬بأربعة‭ ‬أعوام،‭ ‬لكن‭ ‬الرجل‭ ‬الذى‭ ‬اعتاد‭ ‬العطاء،‭ ‬لم‭ ‬يطلب‭ ‬لنفسه‭ ‬شيئا،‭ ‬ولا‭ ‬حتى‭ ‬ارتضى‭ ‬أن‭ ‬يشكو‭ ‬من‭ ‬ذلك‭ ‬التجاهل‭ ‬والنسيان‭.‬

ورغم‭ ‬رحيل‭ ‬مهندس‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬فى‭ ‬صمت‭ ‬بعد‭ ‬معاناة‭ ‬مع‭ ‬المرض‭ ‬فى‭ ‬7‭ ‬يونيو‭ ‬2003‭ ‬عن‭ ‬عمر‭ ‬يناهز‭ ‬82‭ ‬عاما،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الرئيس‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬السيسى‭ ‬أعاد‭ ‬إليه‭ ‬بعض‭ ‬التكريم‭ ‬المستحق،‭ ‬والإنصاف‭ ‬الذى‭ ‬لم‭ ‬يحظ‭ ‬به‭ ‬الرجل‭ ‬فى‭ ‬حياته،‭ ‬فأطلق‭ ‬اسمه‭ ‬على‭ ‬الدفعة‭ ‬55‭ ‬من‭ ‬الكلية‭ ‬الفنية‭ ‬العسكرية‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬وكذلك‭ ‬على‭ ‬الدفعة‭ ‬الأولى‭ ‬من‭ ‬كلية‭ ‬طب‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة،‭ ‬التى‭ ‬شهد‭ ‬الرئيس‭ ‬بنفسه‭ ‬حفل‭ ‬تخريجها‭ ‬من‭ ‬كلية‭ ‬طب‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬الجديدة،‭ ‬فى‭ ‬أكتوبر‭ ‬2019‭ ‬،‭ ‬وقد‭ ‬شاهد‭ ‬الرئيس‭ ‬خلال‭ ‬الاحتفال‭ ‬فيلما‭ ‬تسجيليا‭ ‬يرصد‭ ‬جوانب‭ ‬مضيئة‭ ‬من‭ ‬تاريخ‭ ‬الرجل،‭ ‬ودوره‭ ‬العسكرى‭ ‬والوطنى‭ ‬الحافل‭ ‬بالانجازات‭.‬

  ‬صاحب‭ ‬خطة‭ ‬الضربة‭ ‬الجوية‭ ‬الحقيقي‭ ‬‭ ‬

ومن‭ ‬الأسماء‭ ‬الكبيرة‭ ‬وصاحبة‭ ‬التضحيات‭ ‬النادرة‭ ‬التى‭ ‬لم‭ ‬تحظ‭ ‬بنصيبها‭ ‬من‭ ‬تسليط‭ ‬الأضواء‭ ‬أو‭ ‬الحصول‭ ‬على‭ ‬التكريم‭ ‬الواجب،‭ ‬اسم‭ ‬اللواء‭ ‬اللواء‭ ‬أ‭.‬ح‭ ‬طيار‭ ‬مصطفى‭ ‬شلبى‭ ‬الحناوى،‭ ‬قائد‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭ ‬أثناء‭ ‬حرب‭ ‬الإستنزاف،‭ ‬وقد‭ ‬تولى‭ ‬قياده‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭  ‬فى‭ ‬أكتوبر‭ ‬1967‭ ‬وبدأ‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬فى‭ ‬تطوير‭ ‬وإصلاح‭ ‬سلاح‭ ‬الطيران‭ ‬بعد‭ ‬هزيمة‭ ‬حرب‭ ‬1967،‭ ‬والذى‭ ‬دمرت‭ ‬معظم‭ ‬قدراته‭ ‬القتالية‭ ‬فى‭ ‬أول‭ ‬أيام‭ ‬حرب‭ ‬الأيام‭ ‬الستة‭.‬

وكان‭ ‬اللواء‭ ‬الحناوى‭ ‬متفوقا‭ ‬منذ‭ ‬بداياته‭ ‬الدراسية،‭ ‬فقد‭ ‬ولد‭ ‬فى‭ ‬23‭ ‬مايو‭ ‬1924‭ ‬فى‭ ‬محافظة‭ ‬البحيرة،‭ ‬مركز‭ ‬ايتاى‭ ‬البارود،‭ ‬بقرية‭ ‬كفر‭ ‬عوانة،‭ ‬وكان‭ ‬يرغب‭ ‬فى‭ ‬دراسة‭ ‬الطب،‭ ‬لكن‭ ‬التحق‭ ‬قدرا‭ ‬بالكلية‭ ‬الحربية،‭ ‬وكان‭ ‬من‭ ‬أوائل‭ ‬دفعته،‭ ‬فالتحق‭ ‬بالكلية‭ ‬الجوية،‭ ‬وكان‭ ‬أيضا‭ ‬أول‭ ‬دفعته‭ ‬بها‭.‬

شارك‭ ‬اللواء‭ ‬الحناوى‭ ‬فى‭ ‬بعثات‭ ‬خارجية‭ ‬فى‭ ‬المملكة‭ ‬المتحدة‭ ‬والاتحاد‭ ‬السوفيتى،‭ ‬وقام‭ ‬بالطيران‭ ‬على‭ ‬22‭ ‬نوعا‭ ‬من‭ ‬الطائرات،‭ ‬كما‭ ‬حصل‭ ‬على‭ ‬درجة‭ ‬ماجستير‭ ‬فى‭ ‬العلوم‭ ‬العسكرية‭ ‬من‭ ‬أكاديمية‭ ‬‮«‬فرونز‮»‬‭ ‬من‭ ‬الاتحاد‭ ‬السوفيتى‭ ‬سنة‭ ‬1959،‭ ‬وشارك‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬المعارك‭ ‬بداية‭ ‬من‭ ‬حرب‭ ‬1948‭ ‬وحتى‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973‭ ‬التى‭ ‬وضع‭ ‬خطة‭ ‬الهجوم‭ ‬للقوات‭ ‬الجوية‭ ‬بها‭.‬

وكانت‭ ‬فترة‭ ‬تولى‭ ‬اللواء‭ ‬الحناوى‭ ‬كقائد‭ ‬للقوات‭ ‬الجوية‭ ‬و‭ ‬الدفاع‭ ‬الجوى‭ ‬1967‭-‬1969‭ ‬هى‭ ‬فترة‭ ‬البناء‭ ‬الحقيقية‭ ‬للقوات‭ ‬الجوية،‭ ‬باعتراف‭ ‬الفريق‭ ‬حسنى‭ ‬مبارك،‭ ‬الذى‭ ‬خلفه‭ ‬فى‭ ‬القيادة،‭ ‬وتولى‭ ‬قيادة‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭ ‬خلال‭ ‬الحرب،‭ ‬وكان‭ ‬رفض‭ ‬اللواء‭ ‬الحناوى‭ ‬تدخلات‭ ‬بعض‭ ‬المقربين‭ ‬من‭ ‬الرئيس‭ ‬عبد‭ ‬الناصر‭ ‬فى‭ ‬عمله،‭ ‬سببا‭ ‬فى‭ ‬تقاعده،‭ ‬لكن‭ ‬الفريق‭ ‬أول‭ ‬محمد‭ ‬صادق‭ ‬بعد‭ ‬توليه‭ ‬منصب‭ ‬وزير‭ ‬الحربية‭ ‬عام‭ ‬1971،‭ ‬وعقب‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬مراكز‭ ‬القوى،‭ ‬أصر‭ ‬على‭ ‬إعادة‭ ‬اللواء‭ ‬الحناوى‭ ‬للخدمة‭ ‬العسكرية،‭ ‬وكان‭ ‬الاتفاق‭ ‬أن‭ ‬يعود‭ ‬الحناوى‭ ‬إلى‭ ‬أكاديمية‭ ‬ناصر‭ ‬العسكرية‭ ‬انتظارا‭ ‬لأول‭ ‬تعديل‭ ‬وزارى‭ ‬فيتم‭ ‬تعيينه‭ ‬وزيرا‭ ‬للطيران‭ ‬المدني،‭ ‬لكن‭ ‬التعديل‭ ‬الوزارى‭ ‬جاء‭ ‬بخروج‭ ‬الفريق‭ ‬أول‭ ‬محمد‭ ‬صادق‭ ‬من‭ ‬الحكومة،‭ ‬وبقى‭ ‬اللواء‭ ‬الحناوى‭ ‬فى‭ ‬الفترة‭ ‬من‭ ‬1971‭ ‬وحتى‭ ‬1975‭ ‬فى‭ ‬أكاديمية‭ ‬ناصر،‭ ‬لكن‭ ‬القدر‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬خيرا‭ ‬لمصر‭ ‬كلها،‭ ‬فقد‭ ‬طلب‭ ‬الجنرال‭ ‬كاو‭ ‬كاريف‭ ‬رئيس‭ ‬قسم‭ ‬الطيران‭ ‬بالأكاديمية‭ ‬من‭ ‬اللواء‭ ‬الحناوى‭ ‬بما‭ ‬لديه‭ ‬من‭ ‬خبرات‭ ‬وقدرات‭ ‬قيادية‭ ‬يعرفها‭ ‬جيدا‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬خطة‭ ‬هجوم‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭ ‬على‭ ‬القوات‭ ‬الإسرائيلية،‭ ‬وكان‭ ‬رد‭ ‬اللواء‭ ‬الحناوى‭ ‬أنه‭ ‬ليس‭ ‬فى‭ ‬موقع‭ ‬القيادة‭ ‬ليقوم‭ ‬بذلك،‭ ‬فأخبره‭ ‬الجنرال‭ ‬السوفيتى‭ ‬أنه‭ ‬يمكنه‭ ‬إعداد‭ ‬الخطة‭ ‬كبحث‭ ‬يصدر‭ ‬من‭ ‬الأكاديمية‭.‬

‭ ‬وبالفعل‭ ‬عكف‭ ‬اللواء‭ ‬الحناوى‭ ‬على‭ ‬إعداد‭ ‬الخطة،‭ ‬وجمع‭ ‬أحدث‭ ‬المعلومات‭ ‬بالاستعانة‭ ‬بالمخابرات‭ ‬الحربية،‭ ‬وقدم‭ ‬الخطة‭ ‬كبحث‭ ‬نوقش‭ ‬على‭ ‬أعلى‭ ‬المستويات‭ ‬داخل‭ ‬الأكاديمية‭ ‬قبل‭ ‬تقديمه‭ ‬للقيادة‭ ‬العامة،‭ ‬وكان‭ ‬هناك‭ ‬اعتقاد‭ ‬سائد‭ ‬بأن‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭ ‬لا‭ ‬تستطيع‭ ‬تنفيذ‭ ‬عملية‭ ‬هجومية،‭ ‬لكن‭ ‬عندما‭ ‬تلقى‭ ‬الفريق‭ ‬أول‭ ‬صادق‭ ‬الخطة،‭ ‬وكان‭ ‬يؤمن‭ ‬بقدرات‭ ‬وكفاءة‭ ‬اللواء‭ ‬الحناوى‭ ‬اعتمد‭ ‬الخطة،‭ ‬كما‭ ‬اعتمدها‭ ‬من‭ ‬بعده‭ ‬المشير‭ ‬أحمد‭ ‬إسماعيل‭ ‬الذى‭ ‬تولى‭ ‬قيادة‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬لاحقا،‭ ‬وكان‭ ‬يعرف‭ ‬اللواء‭ ‬الحناوى‭ ‬جيدا،‭ ‬وأخبره‭ ‬فى‭ ‬لقاء‭ ‬بينهما‭ ‬قبل‭ ‬الحرب‭ ‬أنه‭ ‬أعجب‭ ‬بالخطة‭ ‬واعتمدها‭ ‬وأحالها‭ ‬للقوات‭ ‬الجوية‭ ‬للتنفيذ‭.‬

وعندما‭ ‬اندلعت‭ ‬شرارة‭ ‬الحرب،‭ ‬كانت‭ ‬المفاجأة‭ ‬بأن‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬تضمنته‭ ‬الخطة‭ ‬جاء‭ ‬دقيقا‭ ‬إلى‭ ‬أبعد‭ ‬حد،‭ ‬حتى‭ ‬توقعات‭ ‬الخسائر‭ ‬فى‭ ‬الطائرات،‭ ‬ولكن‭ ‬خلال‭ ‬القتال‭ ‬تم‭ ‬تنفيذ‭ ‬عملية‭ ‬إبرار‭ ‬جوى‭ ‬بالهليكوبتر‭ ‬لقوات‭ ‬الصاعقة،‭ ‬وفشلت‭ ‬العملية،‭ ‬وطلب‭ ‬المشير‭ ‬إسماعيل‭ ‬من‭ ‬اللواء‭ ‬الحناوى‭ ‬تقييم‭ ‬العملية‭ ‬وفق‭ ‬الخطة،‭ ‬فكان‭ ‬رده‭  ‬بعد‭ ‬دراسة‭ ‬العملية‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬واردة‭ ‬بالخطة،‭ ‬وأن‭ ‬العملية‭ ‬شابها‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الأخطاء‭ ‬فى‭ ‬التخطيط‭ ‬والتنفيذ‭.‬

ونقل‭ ‬المشير‭ ‬إسماعيل‭ ‬تلك‭ ‬الملاحظات‭ ‬للفريق‭ ‬حسنى‭ ‬مبارك‭ ‬قائد‭ ‬القوات‭ ‬الجوية،‭ ‬ويبدو‭ ‬أنه‭ ‬لم‭ ‬يتقبل‭ ‬تلك‭ ‬الملاحظات،‭ ‬فأرسل‭ ‬عبر‭ ‬وسيط‭ ‬إلى‭ ‬اللواء‭ ‬الحناوى‭ ‬يطلب‭ ‬منه‭ ‬عدم‭ ‬انتقاد‭ ‬القوات‭ ‬الجوية،‭ ‬‮«‬فهو‭ ‬الذى‭ ‬بنى‭ ‬تلك‭ ‬القوات‭ ‬وهو‭ ‬الذى‭ ‬وضع‭ ‬خطة‭ ‬الهجوم‮»‬،‭ ‬ولاحقا‭ ‬التقى‭ ‬اللواء‭ ‬الحناوى‭ ‬ومبارك‭ ‬بطلب‭ ‬من‭ ‬الأخير‭ ‬وتم‭ ‬تصفية‭ ‬الأمر،‭ ‬وأوضح‭ ‬الحناوى‭ ‬أن‭ ‬ملاحظاته‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬انتقادا،‭ ‬ولكنها‭ ‬تقييم‭ ‬لعملية،‭ ‬والخطأ‭ ‬وارد‭ ‬خلال‭ ‬القتال،‭ ‬وتحدث‭ ‬الرجلان‭ ‬فى‭ ‬اجتماع‭ ‬مغلق‭ ‬لثلاث‭ ‬ساعات،‭ ‬لكن‭ ‬يبدو‭ ‬أنها‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬كافية‭ ‬لإزالة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬فى‭ ‬نفس‭ ‬مبارك‭ ‬الذى‭ ‬أختير‭ ‬بعدها‭ ‬نائبا‭ ‬لرئيس‭ ‬الجمهورية‭.‬

وشعر‭ ‬اللواء‭ ‬الحناوى‭ ‬فى‭ ‬عام‭ ‬1975‭ ‬أن‭ ‬أمورا‭ ‬كثيرة‭ ‬تتبدل‭ ‬من‭ ‬حوله،‭ ‬وأن‭ ‬جيلا‭ ‬جديدا‭ ‬يصعد‭ ‬لتولى‭ ‬القيادة،‭ ‬فآثر‭ ‬الخروج‭ ‬فى‭ ‬صمت،‭ ‬وتقدم‭ ‬باستقالته‭ ‬من‭ ‬أكاديمية‭ ‬ناصر،‭ ‬واستمر‭ ‬هذا‭ ‬الصمت‭ ‬حتى‭ ‬وفاته‭ ‬عام‭ ‬1999،‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحظى‭ ‬واضع‭ ‬خطة‭ ‬هجوم‭ ‬القوات‭ ‬الجوية‭ ‬فى‭ ‬حرب‭ ‬أكتوبر‭ ‬بأى‭ ‬تكريم،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬جاء‭  ‬قرار‭ ‬الرئيس‭ ‬عبدالفتاح‭ ‬السيسي،‭ ‬القائد‭ ‬الأعلى‭ ‬للقوات‭ ‬المسلحة،‭ ‬بتكريم‭ ‬هذا‭ ‬البطل‭ ‬وإطلاق‭ ‬اسمه‭ ‬على‭ ‬الدفعة‭ ‬85‭ ‬جوية،‭ ‬وشهد‭ ‬الرئيس‭ ‬بنفسه‭ ‬الاحتفال‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬وكان‭ ‬هذا‭ ‬التكريم‭ ‬لمسة‭ ‬وفاء‭ ‬حقيقى‭ ‬لأحد‭ ‬أبطال‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة،‭ ‬الذين‭ ‬لم‭ ‬تمنحهم‭ ‬الظروف‭ ‬ما‭ ‬يستحقون‭ ‬من‭ ‬تقدير‭.‬

‭  ‬الأب‭ ‬الروحى‭ ‬للصاعقة‭ ‬المصرية‭ ‬

أما‭ ‬حكاية‭ ‬البطل‭ ‬جلال‭ ‬هريدي،‭ ‬فهى‭ ‬قصة‭ ‬درامية‭ ‬بكل‭ ‬ما‭ ‬تحمله‭ ‬الكلمة‭ ‬من‭ ‬معانٍ،‭ ‬فهذا‭ ‬الرجل‭ ‬كان‭ ‬أصغر‭ ‬قائد‭ ‬بالجيش‭ ‬المصري،‭ ‬وهو‭ ‬الأب‭ ‬الروحى‭ ‬للصاعقة‭ ‬المصرية‭ ‬بعد‭ ‬أن‭ ‬قرر‭ ‬نقل‭ ‬مفهوم‭ ‬‮«‬الصاعقة‮»‬‭ ‬عقب‭ ‬دراسته‭ ‬لها‭ ‬فى‭ ‬الولايات‭ ‬المتحدة،‭ ‬وأصبح‭ ‬قائد‭ ‬السلاح‭ ‬وهو‭ ‬ما‭ ‬زال‭ ‬نقيبا‭.‬

قدم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬البطولات‭ ‬خلال‭ ‬حربى‭ ‬1948،‭ ‬وحصل‭ ‬على‭ ‬وسام‭ ‬الجدار‭ ‬الذهبى‭ ‬عن‭ ‬دوره‭ ‬فيها،‭ ‬كما‭ ‬ساهم‭ ‬مع‭ ‬رجاله‭ ‬خلال‭ ‬العدوان‭ ‬الثلاثى‭ ‬عام‭ ‬1956‭ ‬بأعمال‭ ‬استثنائية‭ ‬حيث‭ ‬فجروا‭ ‬معسكر‭ ‬الدبابات‭ ‬البريطانية‭ ‬فى‭ ‬بورسعيد،‭ ‬كما‭ ‬رفض‭ ‬الاستسلام‭ ‬للهزيمة‭ ‬فى‭ ‬1967،‭ ‬وكانت‭ ‬قوات‭ ‬الصاعقة‭ ‬صاحبة‭ ‬الفضل‭ ‬فى‭ ‬إيقاف‭ ‬العدو‭ ‬الإسرائيلى‭ ‬فى‭ ‬معركة‭ ‬‮«‬رأس‭ ‬العش‮»‬،‭ ‬وتقديم‭ ‬نموذج‭ ‬ملهم‭ ‬لإمكانية‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬الروح‭ ‬المعنوية‭ ‬والتصدى‭ ‬ببسالة‭ ‬للعدوان‭.‬

حكم‭ ‬عليه‭ ‬بالإعدام‭ ‬بسوريا،‭ ‬عندما‭ ‬كان‭ ‬قائدا‭ ‬للقوات‭ ‬فى‭ ‬اللاذقية‭ ‬ووضع‭ ‬فى‭ ‬سجن‭ ‬المزة‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬الانفصال‭ ‬عن‭ ‬مصر‭ ‬عام‭  ‬1961،‭ ‬ولم‭ ‬ينفذ‭ ‬الحكم،‭ ‬كما‭ ‬حُكم‭ ‬عليه‭ ‬مجددا‭ ‬بالإعدام‭ ‬أثناء‭ ‬الصراع‭ ‬على‭ ‬السلطة‭ ‬بين‭ ‬المشير‭ ‬عبدالحكيم‭ ‬عامر‭ ‬والرئيس‭ ‬جمال‭ ‬عبدالناصر‭ ‬بعد‭ ‬النكسة،‭ ‬إلا‭ ‬أن‭ ‬الحكم‭ ‬خُفف‭ ‬للمؤبد،‭ ‬وفى‭ ‬عام‭ ‬1974‭ ‬أفرج‭ ‬الرئيس‭ ‬أنور‭ ‬السادات‭ ‬عن‭ ‬هريدى‭ ‬صحيا‭ ‬بعد‭ ‬قضاء‭ ‬7‭ ‬سنوات‭ ‬وشهرين‭ ‬و5‭ ‬أيام،‭ ‬ليتوارى‭ ‬تماما‭ ‬عن‭ ‬الأنظار،‭ ‬وتطوى‭ ‬سيرة‭ ‬أحد‭ ‬الأبطال‭ ‬الذين‭ ‬قدموا‭ ‬مسيرة‭ ‬عسكرية‭ ‬استثنائية‭ ‬وتضحيات‭ ‬لا‭ ‬تُنسى‭.‬

إلى‭ ‬هنا‭ ‬كان‭ ‬يمكن‭ ‬للقصة‭ ‬أن‭ ‬تنتهي،‭ ‬لكن‭ ‬الرئيس‭ ‬عبد‭ ‬الفتاح‭ ‬السيسى‭ ‬خلال‭ ‬توليه‭ ‬منصب‭ ‬وزير‭ ‬الدفاع‭ ‬أراد‭ ‬ألا‭ ‬تطوى‭ ‬الصفحة‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يحظى‭ ‬البطل‭ ‬جلال‭ ‬هريدى‭ ‬بما‭ ‬يستحقه‭ ‬من‭ ‬تكريم،‭ ‬فكان‭ ‬ظهوره‭ ‬العلنى‭ ‬الأول‭ ‬بعد‭ ‬سنوات‭ ‬من‭ ‬البقاء‭ ‬فى‭ ‬الظل،‭ ‬ففى‭ ‬احتفالات‭ ‬أكتوبر‭ ‬2012،‭ ‬تم‭ ‬تكريم‭ ‬هريدى‭ ‬بمنحه‭ ‬رتبة‭ ‬فريق‭ ‬فخرى‭ ‬ونوطا‭ ‬للتكريم،‭ ‬وقال‭ ‬هريدى‭ ‬حينها‭ ‬إنه‭ ‬بمنحه‭ ‬هذه‭ ‬الرتبة‭ ‬قد‭ ‬استرد‭ ‬كرامته‭ ‬فى‭ ‬أخر‭ ‬أيام‭ ‬عمره‭ ‬وبعد‭ ‬وصوله‭ ‬لسن‭ ‬83‭ ‬عاما‭.‬

ولم‭ ‬يتوقف‭ ‬‮«‬الإنصاف‮»‬‭ ‬الذى‭ ‬ناله‭ ‬الأب‭ ‬الروحى‭ ‬للصاعقة‭ ‬المصرية‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬الحد،‭ ‬بل‭ ‬جاء‭ ‬إنصاف‭ ‬من‭ ‬نوع‭ ‬آخر‭ ‬وهو‭ ‬الاستفادة‭ ‬من‭ ‬روحه‭ ‬الوطنية،‭ ‬فكان‭ ‬تأسيسه‭ ‬لحزب‭ ‬‮«‬حماة‭ ‬وطن‮»‬‭ ‬بعد‭ ‬ثورة‭ ‬30‭ ‬يونيو،‭ ‬والذى‭ ‬ضم‭ ‬كوكبة‭ ‬من‭ ‬رجال‭ ‬القوات‭ ‬المسلحة‭ ‬السابقين،‭ ‬الذين‭ ‬وضعوا‭ ‬خلاصة‭ ‬خبراتهم‭ ‬ورؤيتهم‭ ‬لدعم‭ ‬منظومة‭ ‬الأمن‭ ‬القومى‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬الكيان‭ ‬المدنى‭ ‬النشط‭.‬

كما‭ ‬تم‭ ‬تعيين‭ ‬الفريق‭ ‬هريدى‭ ‬بقرار‭ ‬جمهورى‭ ‬ضمن‭ ‬100‭ ‬من‭ ‬الشخصيات‭ ‬العامة‭ ‬فى‭ ‬مجلس‭ ‬الشيوخ،‭ ‬وليترأس‭ ‬الرجل‭ ‬الجلسة‭ ‬الأولى‭ ‬لهذا‭ ‬المجلس‭ ‬النيابى‭ ‬بعد‭ ‬عودته‭ ‬إلى‭ ‬الحياة،‭ ‬ليعرف‭ ‬الناس‭ ‬سطورا‭ ‬بسيطة‭ ‬من‭ ‬سيرة‭ ‬بطل،‭ ‬ظلمته‭ ‬الأحداث،‭ ‬وأنصفه‭ ‬الرئيس‭ ‬السيسي‭.‬

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة