شعبان أحمد شعبان
شعبان أحمد شعبان


كنوز الأميرة

كنوز الأميرة: حكاية فنان كبير.. لكنه مغمور!

آخر ساعة

الأحد، 24 يوليه 2022 - 04:05 م

أحمد الجمَّال

قبل 58 عامًا نشرت اآخرساعةب قصة موظّف يعمل فى إدارة ضريبة الملاهى، وبعيدًا عن مهنته التقليدية تلك، كان الرجل يتمتع بموهبة فنية أدهشت كل من عرفه، فقد كان فنانًا مبدعًا فى الرسم والنحت، وحين بلغ السابعة والخمسين أراد أن يحصل على منحة من وزارة الثقافة، ليتفرغ للإبداع من خلال مشروع فنى كان يحلم بتنفيذه لتوثيق كل مواطن الجمال فى ربوع مصر.. قال عنه أساتذة الفنون الجميلة وقتذاك إنه مبدع وسيبحث الجميع عن لوحاته بعد 100 سنة لوضعها فى المتاحف، لكن للأسف تم رفض طلب هذا الفنان المغمور.. الحكاية نعيد نشرها بتصرف فى السطور التالية

الاسم: شعبان أحمد شعبان.. العمر: 57 سنة بالضبط.. المهنة: مفتش بإدارة ضريبة الملاهى، وفوق ذلك فهو رب أسرة، وفنان، وأولاده فنانون.. وكبرى بناته (سامية) معيدة بمعهد التربية الفنية وكانت الوحيدة من خريجات المعهد التى نالت عن المشروع النهائى للتخرج 100% من مجموع الدرجات.. والفضل فى ذلك لأبيها.. إنه فنان كبير ولكنه مغمور!

وشعبان مازال يذكر كيف كان يحفر على جذوع الأشجار وفوق جدران المنزل وجوه الأشخاص والحيوانات وعمره عشرة أعوام، ومع نمو جسمه الصغير كان فنه أيضًا ينمو، وإذا به يرسم بريشته عدة لوحات، ولكن النحت يجذبه، فيقلِّد تمثال انهضة مصرب ويفشل، ويكرِّر المحاولة وينجح، ثم يذهب إلى دار الآثار لقضاء الساعات الطوال أمام تمثال معين.. يرسمه من زوايا مختلفة ثم يعود إلى المنزل ويحاول نحت تمثال يشبهه فى حجم صغير جدًا، ثم تبدأ أحاسيسه الفنية فى التبلور كما يظهر ذلك فى تمثالين له للزعيمين مصطفى كامل وسعد زغلول.

وتكون معرفته بتاجر آثار وعاديات فى خان الخليلى نقطة تحوُّل كبيرة فى حياته، فقد أصبح شغوفًا بزيارته والجلوس إلى ما يحويه دكان هذا التاجر من تحف قديمة.. وأصبح يقضى أكثر وقته ينتقل من مكان لمكان فى خان الخليلى.. حتى استقر أخيرًا فى ورشة صغيرة يجلس فيها أكثر من صانع يعملون فى تطعيم المصنوعات الخشبية والحلى بالصدف والسن وغيرها من الخامات.. جلس معهم واختلط بهم وأخذ عنهم أصول فنهم هذا، وكثيرًا ما كان يترك عمله ويهرب إليهم.. إلى فنه.. وهو أيضًا جمع التحف الصينية الصغيرة المصنوعة من الصدف والسن، حيث كان يجلس أمامها ليتذكر - على حد تعبيره هو - ثم ليفكر بعد ذلك فى تطوير فن خان الخليلى من مرحلة التطعيم إلى رسم اللوحات الكبيرة ذات الموضوعات الهامة بالصدف أو السن.. وبدأ العمل، ولكن اللوحة الواحدة كانت تحتاج إلى وقت طويل، وصبر ومهارة، وهو يقضى وقته خلف مكتبه ووراء أكوام الدوسيهات والتقارير، فإذا عاد إلى المنزل وبدأ العمل الذى يحبه وجد قواه تخونه كما هو الحال الآن.

ثم ظهر نظام التفرغ.. ومع علمه بالعقبات التى تواجهه: الوظيفة وقيود الوظيفة، وعدم وفرة آلات قطع الصدف، والوقت.. مع تفكيره فى كل هذا شعر أن الله قد ألهم الذين قرروا نظام التفرغ ليكون له هو، أليس فنانًا يريد أن يتفرغ لفنه؟ إنه إذا حصل على منحة التفرغ لن يقدِّم لوحتين أو ثلاثًا من لوحات الفن التجريدى كما قدَّم بعض من حصلوا على المنح، لكنه يريد الطواف ببلاد الجمهورية يلتقط منها صورًا يعرضها فى لوحات مبتكرة، ويريد أيضًا أن يصوِّر أمجادنا وانتصاراتنا بهذه الطريقة الجديدة.

وحمل الرجل عدة لوحات، منها لوحته المسماة ابُرج القاهرةب الموجودة بمكتب يحيى أبوبكر، وكيل وزارة الثقافة، وحمل معه أيضًا خبرة ثلاثين عاما فى الحفر بالصدف والسن، وتقدم بكل هذا إلى إدارة التفرغ.. قال عنه فنان كبير اإن فنه جديد ويمتاز بالدراسة العميقة وله ملامح واضحة وشخصية فريدة فى معالجة الموضوعات بخامة الصدف والجلاليت، يهدف بها إلى تصوير ملامح بلادنا قديمًا وحديثًاب.

وبعثت مراقبة الخدمات الفنية بمصلحة الاستعلامات إلى لجنة التفرغ.. جاء فى المذكرة اإن لوحاته تمثل شكلًا من أشكال التطوير الطبيعى لفن من فنوننا المعروفة، ولسنا نشك فى أن تفرغه لمثل هذا العمل سوف ينمى خبراته ويرفع مستواه ويجعل من تلك المحاولات نقطة انطلاق نحو فن جديد تتوافر كل إمكانيات ازدهاره فى بلدنا اليومب.

وقال مصطفى متولى، وكيل كلية الفنون الجميلة، بالحرف الواحد: ابعد 100 سنة سوف يبحثون عن لوحاته لوضعها فى المتاحفب.

وتقدّم الرجل بكل هذا طالبًا منحة تفرغا لفنه الذى يحبه بعد أن أثقلت الوظيفة كاهله، ولكن طلبه رُفض!! وبعد ثلاثة أعوام سيُحال إلى الاستيداع، وبعد ذلك سوف تزحف إليه الشيخوخة، وهو يريد قبل حلول هذه المرحلة من العمر أن ينفع بلده بفنه الفريد من نوعه فى العالم كله، ويريد تكوين مدرسة فنية لهذا اللون الذى يعتبر تطويرًا طبيعيًا لفن التطعيم الموجود فى خان الخليلى.

(اآخرساعةب 14 أكتوبر 1964)

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة