علاء عبدالهادى
علاء عبدالهادى


يوميات الاخبار

ماذا حدث للمصريين؟

علاء عبدالهادي

الأحد، 24 يوليه 2022 - 08:17 م

لا أريد أن أكون من جلادى الذات، ولكننى فى الوقت نفسه لا أريد أن أكون ممن يدفنون رءوسهم فى الرمال كالنعام

السؤال لم أطرحه أنا ولكن طرحه المفكر الكبير الدكتور جلال أمين قبل قرابة ثلاثة عقود، وجعل الإجابة عنه مادة لكتاب يحمل نفس الإسم، وأحدث وقت صدوره ولا يزال ردود فعل كبيرة ، إذ راح يرصد ويحلل التغيرات التى طرأت على حياة المصريين، وانعكست بالتبعية على سلوكياتهم وأخلاقياتهم وطبائعهم خلال نصف قرن من 1945 الى 1995 (وقت تحرير الكتاب) حيث تناول بأسلوبه ما تعرضت له الطبقة الوسطى من تغيرات فى تركيبتها، وسلوكياتها، وتقسيماتها، كما كان من الضرورى أن يتناول ظاهرة التعصب الديني التى طرأت على تركيبة الشخصية المصرية المسالمة المتسامحة مع الآخر، وغير ذلك من التغيرات فى كل منحى من مناحى الحياة، ومن يقرأ الكتاب بالتأكيد يشعر أن التغيرات كانت فى مجملها سلبية.


رحل د. جلال أمين، قبل أربعة أعوام تقريبا وبقى سؤاله قائما، ولو كان حياً إلى اليوم لكان قد وجد لزاماً عليه أن يؤلف جزءاً ثانياً وربما ثالثاً، فى محاولة للإجابة عن هذا السؤال الذى يحمل مرارة الإجابة فى مضمونه؟ وإذا جاز لى أن أقتبس العنوان وأضعه عنواناً لهذه اليوميات فأنا سوف أستعمل صيغة المضارع (يحدث) وليس (حدث) كما اختار مفكرنا الكبير، مبررى فى ذلك أن ما يحدث لا زال يحدث، وما وصلنا إليه اليوم من تغيرات تكاد تكون جذرية فى الشخصية المصرية، إنما هو امتداد لما رصده هو قبل نصف قرن عندما خط كتابه، فهى عملية متراكمة متراكبة ومتجددة، وما زرعه من سبقونا قبل عقود نجنى اليوم نتائجه، ولكن وتيرة التغيرات الآن أسرع وأشد بما يفوق أحيانا قدرتنا على الرصد والتحليل.


ماذا يحدث للمصريين؟
لا أريد أن أكون من جلادى الذات، ولكننى فى الوقت نفسه لا أريد أن أكون ممن يدفنون رءوسهم فى الرمال كالنعام.. المؤكد أن الشخصية المصرية تعرضت للتجريف فى العقود الأخيرة، وما نشاهده ونتابعه اليوم من انحرافات فى الشخصية، ليس وليد الأمس القريب، إذ لم نستيقذ فجأة على هذا الكم من الجرائم ونوعيتها، جرائم غير مسبوقة، جرائم تجاه الغير، وتجاه حتى النفس، انحرافات طالت المجتمع كله، لم تعد الجريمة مرتبطة بالطبقات الدنيا أو المهمشين اجتماعيا، بل إنها امتدت لتطال طبقة الأغنياء، ولكن بصورة مختلفة.. الكل فى الانحراف سواء.


الجلوس أمام شاشة المحمول لساعة فقط سوف يكشف لك وبسهولة عن كم الأمراض الاجتماعية التى أصبحنا نعيش فيها ونعانى منها، تشوهات وصلت بنا إلى تبرير القتل، نعم تبرير الجريمة (تستحق ما جرى لها.. قتلها لأنها لم تكن ترتدى الحجاب!!) لا نترك ناجحا إلا وننال منه، هذه فازت بميدالية ذهبية فى العدو وتلك بذهبية السباحة، والثالثة ببطولة العالم فى الإسكواش، وبدلا من أن نهنئهن، يطفو الصديد الذى سكن نفوسا متقيحة فى «بوستات» تنال من الفائزات  «اللاتى يكشفن عوراتهن» للعامة.. نتشفى فى المرض وفى الموت، لأنه مرة ليس على ملتنا (لن يرد على الجنة)، ومرات لأنه غنى.. إلى هذه الدرجة وصلنا؟
جرائم طالت سكان «الكمبوند» كما طالت سكان العشوائيات، عنف اجتماعى غير مسبوق، جرائم أسرة، جعلت مصر فى صدارة دول العالم فى أرقام الطلاق، وفى العنف الأسرى، لم نعد نتميز بأهم ملمح كان يميز الأسرة المصرية: صلة الأرحام، والتعاطف واحترام الكبير وقدسية الأسرة، ووصل الأمر إلى حد أن أخا يؤجر من يتعدى على حرمة أخته ويهتك عرضها من أجل الميراث.


يقتل بعضنا البعض، على أبواب الحرم الجامعى، وحتى داخل بيوت الله، يتربص بعضنا لبعض  ونقتل ونهتك الأعراض، مرة باسم الله والله مما يفعلون برىء، ومرة بأسباب أخرى كثيرة؟
أصبحت حوادث الانتحار شيئا عاديا لا تقشعر له أبداننا، لقد قست قلوبنا وألفت الجريمة واعتادت آذاننا سماع السباب فى شوارعنا، بعد أن غزت غرف نومنا مع أفلام رفعت شعار تعرية الواقع، فقامت بتعريتنا جميعا وأطاحت بالبقية الباقية من منظومة القيم، وبعد أن كنا نصدر أغانى أم كلثوم وعبد الحليم حافظ وشادية ونجاة أصبحنا نصدر أغانى المهرجانات، وبعد أن كان يتغنى بعض الأميين بقصائد أم كلثوم «أراك عصى الدمع شيمتك الصبر» أصبحنا نغنى «علشان تبقى تقولى لأ»!!، أصبحنا من ذوى الجلد السميك، غلاظ القلوب، لا تتفلت العبرات من عيوننا بسهولة، وانتهى بنا الحال إلى أننا أصبحنا نتساهل مع تنامى أرقام الانتحار، وظاهرة الانتحار «أونلاين» ونتعامل معه مثل أى خبرعابر؟
ماذا تبقى لنا؟
ماذا تبقى لنا من أخلاق المصريين الطيبة؟
الغالبية العظمى من المصريين كانوا بسطاء، لكنهم كانوا كرماء، لديهم نخوة وشهامة، ومروءة، كانت سمه ابن البلد الرجولة، والجدعنة والنخوة، حتى وإن كان لا يجد فى بيته إلا العيش الحاف، عاش السواد الأعظم من المصريين حياة شديدة بسيطة، كان من يمتلك فيها ثلاجة أو تليفزيونا يعد من الميسورين.
أصبحت أنام مكدراً على تفاصيل جريمة بشعة تقشعر لتفاصيلها الأبدان، تزينها وسائل التواصل الاجتماعى بصورة مقززة، تنتهك خلالها حرمات من ماتوا وتحكم بالإعدام على ذويهم، وأستيقظ على تنابز  بالألقاب عبر بوستات ملغمة، بعضها يستخدم آيات قرآنية.. تخيلوا الى أية درجة وصلنا: نوظف كلمات المولى عز وجل لكى نرمى محصنة أو نتهكم على أحد!!، ليست هذه هى مصر التى ولدت فيها، وليس هؤلاء هم المصريون الذين سادوا العالم بحضارتهم التى ما زالت تبهر الدنيا.
ربما لن أضيف لك شيئا إذا كررت على مسامعك أحاديث تتعلق بالانهيار الأخلاقى الذى تعرضنا له، وجاءت «السوشيال ميديا» لتكون القشة التى قصمت ظهر البعير، فالجميع يتعرى من أجل «الدولار» ومن أجل المال نصنع عجين الفلاحة: فى السياسة والاقتصاد، وحتى فى القضايا السياسية بل والعسكرية، الكل يتعرى أمام الكل، كم من الفضائح فوق استيعاب العقل؟
وسط هذا الطوفان، كيف نتحدث عن أخلاق  وتربية، وبيئة آمنة تطمئن فيها على مستقبلك ومستقبل أبنائك وأحفادك؟
حقيقى أنا فى حيرة من أمرى إلى من نلجأ لكى يضع لنا روشتة العلاج، فجميعنا يعرف أننا نسير فى الاتجاه الخاطئ، ولكن من يضع لنا روشتة الإصلاح.. ماذا نفعل بعد أن طال فيروس الانهيار حتى من نحسبهم علماء، وأصبحوا هم أنفسهم لا يلتزمون بآدب الحوار عند اختلافهم؟!
إذا كان لى كلمة فأنا أقول إن البداية قد تكمن فى الطبقة المتوسطة التى فى زيادة حجمها زيادة فى صمام أمان هذا المجتمع، هذه الطبقة تنحاز دائما إلى العلم والتربية والثقافة، تستثمر كل ما تملك من أجل تربية وتعليم أولادها، هذه الطبقة تعرضت لضغوط فاقت تحملها، فانزلق بعض المنتمين إليها إلى طبقة الفقراء (المتعففين) والباقى يناضل لكى يوفر الحد الأدنى.. الحل فى هذه الطبقة، صمان أمان مصر لن يكون فى يد أغنيائها، ولا فقرائها.. التفتوا إلى الطبقة المتوسطة وحافظوا على بقائها لا تتركوها تعانى شظف العيش، يجب ألا نتركهم يتحولون إلى عزيز قوم ذل، لأن من عند هذه الطبقة يبدأ الحل.
نادى دبى للصحافة
خلال عقدين من الزمان استطاع «نادى دبى للصحافة» أن يصنع لنفسه مساحة لا يستهان بها فى دنيا الإعلام العربى من خلال أنشطته وفعالياته، وأصبحت جائزة الصحافة العربية التى يمنحها النادى سنوياً محط اهتمام وتقدير كل العاملين بمهنة الصحافة، لما تمثله من قيمة أدبية ومادية، هذا الأمر ليس وليد اللحظة ولم يتحقق بضربة حظ، أو باعتمادات مالية مفتوحة للنادى ولأنشطته، كما قد يعتقد البعض عن غير علم، ولكن للأمانة هذا النجاح وليد تخطيط ودراسة واعية، لواقع ومستقبل الإعلام العربى، وإدارة مستقرة وراسخة قادتها الأستاذة منى المرى نائب العضو المنتدب لمجلس دبى للإعلام، رئيسة نادى دبى، جاءت المرى قبل عشرين عاما إلى القاهرة لتعلن انطلاق الدورة الأولى من جائزة الصحافة العربية، بدعم ورعاية وتوجيه رموز الإعلام وكبار الصحفيين المصريين فى ذلك الوقت، وخلال ذلك تم إنشاء منتدى الإعلام العربى الذى يشارك فيه صفوة الإعلاميين والخبراء العاملين فى الإعلام الذى تتعامل معه دبى باعتباره صناعة استراتيجية.. مؤخراً جاءت المرى إلى القاهرة على رأس وفد رفيع المستوى، لتعلن إعادة إطلاق الجائزة، لأول مرة بعد تحويل مسماها الى جائزة الإعلام العربى، لمواكبة التغييرات التى طرأت على وسائل الإعلام: وبعد أن كانت أغلب الجوائز تذهب للصحافة الورقية، سوف تتجه مستقبلا للصحافة الورقية وللإعلام التليفزيونى، وللإعلام الرقمى.. جاءت المرى إلى القاهرة على رأس وفد رفيع المستوى، وقامت بجولة فى عدد من المؤسسات الإعلامية، وزارت المجلس الأعلى للإعلام، والهيئة الوطنية للإعلام، وتوجت جولتها بزيارة لمؤسسة أخبار اليوم، وقامت المرى ومديرة النادى ميثاء بو حميد باستعراض تفاصيل التغيرات التى ستطرأ على فروع الجائزة، ومسماها، لم تجد المرى أية غضاضة فى أن تكشف أثناء احتفالية أقامتها لرموز الإعلام المصرى أن هواها مصرى، فهى تحب اللهجة المصرية وتحاول منذ طفولتها أن تتحدث مثل مدرسيها المصريين الذين تعلمت على أيديهم، أو مثل أبطال المسلسلات والأفلام والأغانى المصرية، هنيئا للإعلام العربى بالتوجه الجديد الذى سيصب فى صالح الجميع.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة