د. محمد سيد ورداني - عضو هيئة التدريس بكلية الإعلام-جامعة الأزهر
د. محمد سيد ورداني - عضو هيئة التدريس بكلية الإعلام-جامعة الأزهر


د. محمد سيد ورداني يكتب: «ولوموا أنفسكم»

الأخبار

الخميس، 28 يوليه 2022 - 08:20 م

بقلم: د. محمد سيد ورداني - عضو هيئة التدريس بكلية الإعلام-جامعة الأزهر

أن تعاتب نفسك خير لك من أن توجّه سيوف العتاب إلى غيرك، وأن تعيد حسابك أفضل لك من البحث عن شماعة لتعليق أخطائك عليها، كلنا عرضة للخطأ لكن القليل منّا من يتخذ موقفًا رجوليًا يعكس قوة إرادته، فالإنصاف لنفسك لا يكون إلا بك ومن ينتظر أن يُنصف من غيره قبل أن تتحرك من داخله قوى الإنصاف فهو كمن ألقى بقارورة مياه فى بحر وهو يعلم أنها لن تغير فيه شيئًا.

وقبل أن تبحث عن النجاح وإعادة ترتيب حياتك، فلابد أن تبحث أولًا عن «المنغصات»، وأعنى بها هنا كل ما من شأنه أن يوقف عجلة التقدم فى حياتك، فالتخلى عن معصية دائمة يحتاج إلى قرار بالابتعاد عن بيئتها، والتحلّى بخلق حسن يحتاج إلى تنقية النفس من شوائب مساوئ الأخلاق، كما أن تحقيق الإنجاز يحتاج إلى ترتيب الأولويات وترتيبها فى حاجة إلى أن تعين نفسك على أن تكون حاسمًا فى اتخاذ قرار التضحية بكل توافه الأمور من حولك.

أعرف جيدًا أن الأمر ليس باليسير وأن مجابهة النفس تحتاج إلى جهود عظيمة، وهو ما ندركه من المشهد الذى صورته لنا السنة النبوية المطهرة على لسان النبى -صلى الله عليه وسلم- عندما قال:«‏الْمُجَاهِدُ مَنْ جَاهَدَ نَفْسَهُ‏»‏، لكنه قبل أن تتحلى لابد وأن تتخلى، ولنا فى ذلك الكثير من الأمثلة، وفى هذا يقول الإمام أبو حامد الغزالي-رحمه الله- واصفًا حاله لما اعتزل الناس عندما خالط نفسه الشكّ فى نيّته وأعماله: «وكنت لا تصفو لى رغبة فى طلب الآخرة بُكرةً إلا ويحمل جند الشهوة حملةً فَيُفَتِرُهَا عشيةً، فصارت شهوات الدنيا تجاذبنى بسلاسلها إلى المقام، ومنادى الإيمان ينادى: الرحيل! فلم يبقَ من العمر إلا القليل، وبين يديك السفر الطويل، وجميع ما أنت فيه من العلم والعمل رياء وتخييل، ثم يعود الشيطان فيقول: هذه حالةٌ عارضةٌ، وإياك أن تطاوعها فإنَّها سريعة الزوال».

والتخلية والتحلية، أداتان مهمتان لمقاومة النفس وتغيير الذات إلى الأفضل، كلاهما لابد منه، لكن الأفضلية فى تقديم أحدهما على الآخر أراها تجربة تختلف باختلاف كل إنسان، لكن الأهم فيها هو الاستفادة من كليهما.

وإذا كان الإنسان فى حياته يواجه الكثير من الأعداء ممن اختلفت أدواتهم وأسلحتهم، كالشيطان والنفس والمال وغيره، فهو من أتاح لكل هؤلاء الأعداء أن يجيّشوا جيوشهم ضده، فالشيطان فتح له الباب وهيّأ له الأسباب ثم أعلن التخلى وبرّأ نفسه وقال: «فَلَا تَلُومُونِى وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ» ، والنفس كذلك أمرت بالسوء ثم وسوست لصاحبها وقدّمت له الأعذار فاستجاب لندائها، بل إن أخيه الإنسان اصطحبه إلى طريق الهلاك، ثم قال له: ألم يكن لك عقل يفكر وعين تنظر؟!، فكلهم لن ينفعوك بشيء، ففى الدنيا أنت قائد نجاح نفسك، وفى القبر لا يجيب على أسئلة الملكين لسان أحد غيرك، وفى الآخرة (وَلَقَدْ جِئْتُمُونَا فُرَادَى كَمَا خَلَقْنَاكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَتَرَكْتُمْ مَا خَوَّلْنَاكُمْ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ وَمَا نَرَى مَعَكُمْ شُفَعَاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكَاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَضَلَّ عَنْكُمْ مَا كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ) الأنعام/ 94.

كُن على نفسك رقيباً وانزع رداء التبعية فى غير حق، وتزيّن برداء الفضيلة، وخاطب نفسك فى كل تقصير خطابًا لوامًا وانثر بريق الأمل بين أروقة ذهنك فى كل إنجاز، واعلم بأنك لن تكون إلا بك ولن تنتهى إلا بفقدان ثقتك بنفسك، فمهما قدموا لك من دعم فلن يستطيعوا إنقاذك من السقوط فى بئر الفشر، ومهما كادوا لك من مكائد فلن يتمكنوا من كسر نفس علمت الحق واتبعته وأدركت كل باطل فأحبطته.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 

 
 
 
 
 

مشاركة