محمد الشماع
محمد الشماع


محمد الشماع يكتب: اختفاء شعار معارض !

محمد الشماع

الثلاثاء، 02 أغسطس 2022 - 06:26 م

لذلك كان سقوطهم مدوياً فى مصر وتونس، تشابه فى التجربة يثير العجب ويثبت أن التاريخ  تحكمه قوانين صارمة

أثبتت الأحداث الأخيرة على مستوى مصر وتونس أن نموذج الإسلام السياسي الذى يعتبر الإخوان المسلمين أكبر فصائله، أنه نموذج غير صالح لتولى مسئولية السلطة، لأنه يفقد بوصلته إذا غادر مقاعد المعارضة وقد صعد الإخوان إلى الحكم فى مصر وتونس، ففى مصر شغلوا موقع رئيس الجمهورية وفى تونس شغلوا منصب رئيس الوزراء الذى كان أقوى من موقع رئيس الجمهورية فى تونس قبل التعديلات الدستورية التونسية الأخيرة والتى جرى الاستفتاء عليها الأسبوع الماضى وحاز موافقة تقترب من الإجماع.

وفى كلا البلدين أصيب الشعب بصدمة إذ لم يجد لدى الإخوان منهجاً دينياً ولا دنيوياً فقد حولوا الحكم إلى إدارة لتحقيق المكاسب الخاصة دون أن يأتوا بالحل الإسلامى الذى وعدونا به، لأنه فى واقع الأمر لا يوجد حل إسلامى ولا حل مسيحى، وإنما الحلول هى حلول علمية لمشاكل يطرحها الواقع وهى مناهج سياسية وانحيازات طبقية وغير ذلك كذب وتضليل هدفه تحقيق المصالح الشخصية.

لكن المفاجأة الصادمة التى حدثت فى مصر وتونس جاءت فى صورة الضعف الشديد فى الأداء، ذلك لأن الإخوان قضوا تاريخهم كله يخطبون فى المساجد وفى المؤتمرات خطابهم فى كل ذلك كان خطابا وعظيا وشروط الخطاب الوعظى أن صاحبه واثق يمتلك الحقيقة والجمهور ما هم إلا مستمعون له يتبعون توجهاته، وما هكذا تدار الدول.

رئيس الدولة ليس واعظاً وللشعب مصالح تبحث عن حلول ولم يعهد الإخوان هذا المنهج. لذلك ما أن ارتقوا مقعد السلطة حتى اختفى شعار «الإسلام هو الحل» لأنه كان شعاراً معارضا يهدف إلى إحراج السلطة. فلما أصبحوا هم فى السلطة لم يعد لهذا الشعار فائدة، ثم أنهم لا يملكون حلولا لأى مشكلة من مشاكل الواقع، وهم لا يحسنون إلا الخطابة، أما السياسة العملية فهم أبعد ما يكونون عنها. لذلك تعاملوا مع السلطة على أنها غنيمة ساقها الله إليهم، فذهبوا يوزعون المناصب على الأقارب والمعارف بينما كان الجمهور ينتظر ما وعدوه به من منٍّ وسلوى فإذا بضاعتهم معيبة وبصعودهم إلى السلطة طار منهم الخطاب الوعظى فلم يعودوا يساوون شيئا.

لذلك كان سقوطهم مدويا فى مصر وتونس، تشابه وتطابق فى التجربة يثير العجب ويثبت أن التاريخ تحكمه قوانين صارمة وأن الفهلوة والجعجعة بالشعارات لا تشبع بطنا جائعاً ولا توفر وظيفة لعاطل. لكننا يجب ألا نخدع أنفسنا ونتصور أن تلك نهاية الانتهازية السياسية لهذه الجماعة التى تخلط الدين بالسياسة وتلعب بعواطف الجماهير لأن الأفكار لا تهزمها إلا أفكار أكثر تطوراً.

لذلك علينا أن نتكاتف جميعا لإنجاح المجتمع المدنى وتشكيل بنية ديمقراطية حقيقية تتعاطى مع مشاكل الواقع وهموم المواطن حتى نسد الباب أمام عودة كل الأفكار الفاشية والانتهازية.. وهذا ما اتفق عليه المشاركون فى الحوار الوطنى فى بلدنا مصر.

ذكريات تونس الخضراء
خلال متابعتى للأحداث التى سبقت إجراء الاستفتاء على الدستور فى تونس طوال الأيام الماضية تذكرت زيارتى لتونس الحبيبة التى قاربت أربع زيارات خلال عقد التسعينات من القرن الماضى للمشاركة فى تغطية اجتماعات ثلاث قمم عربية، تم تأجيل القمة الأولى ليلة انعقادها بعد وصول الوفود الرئاسية المشاركة من الملوك والرؤساء لأول مرة فى تاريخ القمم العربية بسبب خلافات حول القضايا المطروحة على جدول الأعمال!

أما القمة الثانية التى حضرتها فى تونس ولم تكتمل بسبب مغامرات العقيد الليبى معمر القذافى وإصراره على طرح أفكاره ومعاركه الكلامية مع القادة والرؤساء والملوك العرب على الهواء داخل الجلسة الافتتاحية للمؤتمر!

وعندما لم يتمكن العقيد من تحقيق هدفه انسحب مع الوفد الليبى من المؤتمر وكانت إشارة الانسحاب هى إشعال سيجارة وهو جالس على مقعده وأعلن أنه سيعقد مؤتمرا صحفيا عالميا بمقر إقامته فى العاصمة التونسية تونس موازيا لانعقاد القمة.. وهو ما حدث بالفعل، بعد أن غير ملابسه التقليدية وارتدى بدلة «افرنجية».. واستكمل فى مؤتمره الخاص الإعلان عن أفكاره وانتقاداته للقادة والرؤساء والزعماء والملوك العرب!

مازلت أتذكر تعليق السيد عمرو موسى أمين عام الجامعة العربية عقب قرار تونس تأجيل القمة، التى بذل من أجل إقامتها جهودا شاقة لعقدها وقد ظهر عليه الإجهاد واضحا حيث التفت إلى الصديق المرحوم بدر الدين أدهم رئيس قسم الشئون العربية «بالأخبار» الذى سأله.. إيه الأخبار يا معالى الأمين العام؟! وإذا بالأمين العام وبخفة ظل قائلا: كأنك يا بدر لا رحنا ولا جينا!!

زيارة لم تكتمل
أما زيارتى الثالثة لتونس الحبيبة فكانت لمتابعة أعمال انعقاد قمة منظمة الوحدة الأفريقية، وتسليم مصر قيادة المنظمة لتونس. رأس الرئيس مبارك الجلسة الافتتاحية صباحا وغادر المؤتمر والعاصمة التونسية متوجها إلى دولة الإمارات العربية المتحدة مخالفا بذلك برنامج الزيارة التى كانت تتضمن تسليم مصر قيادة المنظمة إلى تونس والمشاركة فى أعمال وجلسات المؤتمر التى استمرت عدة أيام.

كان قد سبق عقد الجلسة الافتتاحية وساطات من القادة والرؤساء الأفارقة والعرب ومنهم الزعيم الفلسطينى الرئيس ياسر عرفات كلها كانت تسترضى الرئيس مبارك الذى كان مصراً على عدم المشاركة فى القمة، بسبب خلاف حاد حول إجراءات الأمن الرئاسى التونسى واشتباك أمنى كاد أن يتطور إلى ما لا يحمد عقباه وأصر الرئيس على عدم المشاركة فى القمة، لكن الوساطات والاعتذارات التى أبداها رؤساء الوفود والوزير الأول التونس ـ رئيس الوزراء ـ للرئيس مبارك فى مقر إقامته توصلت إلى موافقة الرئيس على المشاركة فى الجلسة الافتتاحية فقط حفاظا على عدم فشل القمة، وتم التوصل إلى هذا الموقف قبل طلوع فجر يوم انعقاد المؤتمر!

كنت شاهدا وحاضرا على تلك الوساطات ومن شدة التعب والإجهاد جلست على الأرض أمام مقر إقامة الرئيس أنا وبعض أعضاء الوفد الرئاسى نتابع كل ما حدث. ومع قلقى وتوترى كتبت ما حدث وقدمت الخبر لأحد كبار أعضاء الوفد الرسمى المصرى الذى عرضه على الرئيس مبارك فوافق على النشر، أسرعت إلى التليفون الأرضى وقمت بإملاء الزملاء الخبر فى الجريدة بالقاهرة وكان انفرادا صحفيا ممتازا نشر بالصفحة الأولى وكان مثارا للحوار على كل الأصعدة!

زيارة مفاجئة
أما زيارتى الرابعة لتونس فكانت مفاجأة غير متوقعة وبدون أى ترتيبات لكنها كانت يوماً واحداً، كنت خلال هذه الزيارة ضمن وفد رئاسى يزور ليبيا أثناء الحصار الذى كان مفروضا عليها وعلى العقيد معمر القذافى حيث وصلنا إلى طرابلس قادمين من القاهرة بالسيارات، وبعد انتهاء الزيارة التى استمرت ثلاثة أيام، تقرر العودة والسفر بالسيارات من طرابلس إلى جربة جنوب تونس على الحدود الليبية التونسية.

فى مطار جربة التونسى كانت الطائرة الرئاسية المصرية فى انتظار الوفد المصرى وأقلعت بنا الطائرة متجهة إلى تونس العاصمة حيث استقبل الرئيس التونسى الرئيس مبارك والوفد المرافق له. وعقد الرئيسان جلسة ثنائية أعقبتها مأدبة غداء بقصر قرطاج الرئاسى، ثم أقلتنا الطائرة الرئاسية المصرية من تونس إلى القاهرة.

شريط من الذكريات مر أمامى وأنا أتابع بقلق شديد ما يحدث فى تونس الخضراء بعد أن حاولت حركة النهضة أخونة تونس وتحويلها إلى تونس السوداء.. لكنها ستظل خضراء بفضل وعى وثقافة وحرص الشعب التونسى الشقيق على وطنه الغالى.
ذكريات غير عادية لأحداث غير عادية فى بلد شقيق يعشق مصر والمصريين ويبادله المصريون أيضا نفس الحب والحرص على استقرار وأمن أمتنا العربية من هؤلاء الذين لا عهد لهم ولا أمان.

بعيداً عن السياسة
رغم المعارك السياسية الصاخبة التى خاضها قديس الصحافة المصرية أستاذنا موسى صبرى كان يكتب بابا أسبوعيا فى مجلة «آخر ساعة» تحت عنوان «بعيدا عن السياسة» يكتب فيه رومانسيات ومشاعر إنسانية وعاطفية وحكايات حب لأصدقاء وفنانين ومبدعين بأسلوب رشيق.
كانت هذه الكتابات سببا فى زيادة كميات التوزيع بشكل كبير جدا، حيث كان الآلاف من القراء والمعجبين ينتظرون صدور المجلة لكى يستمتعوا بما يكتبه أستاذنا العظيم أخذت بعضا من كلماته.

- يوم حب يعادل عشر سنوات فى عمر أعداء الحب.. نحن نحب لأن الحياة مخيفة بلا حب!

- إذا كان الحب هو عطاء العاطفة. فإن الصداقة هى عطاء العقل والقيم والأخلاقيات.

- الحب خيال جميل يقتله الواقع القبيح!

- بصيرة القلب أقوى من بصر العينين!

- قد لا يهتم الرجل بمجاملة الرجل ولكنه يتصور أن مجاملة المرأة تسعدها!

- كل شيء إلى زوال ولا غرور بجمال أو مال أو سلطان، رياح القدر أقوى دائما من رمال حياتنا!

- مهما عانينا من الصدق فهو فى النهاية الذى يجمل حياتنا، هو الذى يلهمنا القوة الجبارة التى تقهر كل النزوات والأطماع! وهو الذى يعطينا القدرة على اتخاذ القرار!

- كل منا يفترض فى نفسه أنه إنسان الحب والعطاء والمثل العليا، تؤلمه المصارحة، وإذا كنا جميعا بهذا الخير فأين هى الشرور؟!
اختفت هذه الكتابات من الصحافة المقروءة والمسموعة والمرئية التى كانت تدعو إلى التسامح والعطاء والحب والتفانى فى إرضاء الآخر. وانتشرت الكتابات عن العنف بين أفراد الأسرة والمجتمع وظهرت جرائم لم نتخيل يوما أن تحدث حتى فى أفلام الجرائم وأفلام الرعب والخيال وغابت الطمأنينة عن النفوس. هذا اللون من الكتابة كان له أدباء ومفكرون وشعراء وكتاب كثر بدار أخبار اليوم والصحف المصرية يبثون الأمل والسعادة فى قلوب الملايين من القراء.
حكمة:
ويل للتاريخ  من راوية السوء

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة