إرادة المصريين قهرت المستحيل
إرادة المصريين قهرت المستحيل


7 سنوات إعـجاز| «إيفرجيفين».. بطولة لا تنسى.. السفينة البنمية جنحت.. فتوقف قلب العالم

حسام صالح

الخميس، 04 أغسطس 2022 - 08:14 م

قصص نجاح وإرادة عرفها المصريون وأدركها العالم مع تعويم السفينة ايفرجيفين وأيقن معها قيمة ذلك الممر الملاحى الاستراتيجى، لكن فى ذلك المستحيل الذى تحقق مشاهد وحكايات لم ترو بعد، لتسجل مهارة مرشدين وقباطين تحدت قوانين الفيزياء والطبيعة وقدرة تحمل الجسد، جرت فى الساعات الأولى التى أعقبت جنوح السفينة قبل أن يعرف العالم خبر الجنوح.

صباح يوم الثلاثاء 23 مارس العام الماضى، انطلقت قافلة الجنوب فى قناة السويس، كانت الرياح قوية تتخطى سرعتها 70 كيلو مترا فى الساعة، وكانت السفينة ايفرجيفين الرابعة فى ترتيب القافلة، وبسبب انعدام الرؤية الأفقية الناتجة عن سوء الأحوال الجوية فقد قبطان السفينة القدرة على توجيهها ما أدى إلى جنوحها عند الكيلو 151 ترقيم قناة، وعلى متنها حمولة تبلغ 220 ألف طن بطول 400 متر وعرض 59 مترا.

قبل الجنوح

يروى القبطان مصطفى بشارى المرشد على قاطرة «رد سي»، وقائد القاطرة سَلْام 9: فى ذلك اليوم، الرياح كانت شديدة ومثيرة للرمال لدرجة أنها حالت دون صعود المرشدين على اللنشات التى تبحر بهم من الرصيف إلى السفن التجارية المتراكية بمنطقة الغاطس قبل عبور القناة، وفى اليوم السابق للجنوح تولى القبطان «على جاد الله» قائد القاطرة سَلْام 9 _فى وردية عمله_ على نقل المرشدين الملاحيين وتوزيعهم على السفن التجارية، فالرياح أقل تأثيرا على القاطرات نظرا لحجمها ووزنها وعمق الغاطس. فى السادسة صباحا بدأت تدخل السفن تباعا تفصل بينها مسافة ثابتة، عبرت 3 سفن وجنحت الرابعة بشكل عرضى فى القناة، وكان خلفها 3 سفن دخلت المجرى الملاحى للقناة فى طريقها إلى البحر المتوسط.

القباطين فى الطريق 

جنحت السفينة، واستعرضت لتغلق المجرى الملاحى للقناة بالعرض، فى منطقة يقل فيها عرض المجرى الملاحى عن طول السفينة، جرى تشكيل غرفة عمليات برئاسة الفريق أسامة ربيع رئيس هيئة قناة السويس، وشاركت هيئة موانئ البحر الأحمر وهيئة موانئ بورسعيد والهيئة الاقتصادية فى جهود التعويم إذ دفعت بقاطراتها البحرية للمشاركة فى عملية التعويم.

حين وصل نبأ جنوح السفينة للمرشدين الملاحيين والقباطين، تسارعوا فى الوصول إلى القناة قبل مواعيد عملهم الرسمية، استقلوا اللنشات رغم خطورة ذلك فى ظل الطقس السيئ واتجهوا إلى القطع البحرية والقاطرات فى القناة، بسبب الرياح والعاصفة الترابية استغرقوا زمنا أطول فى الوصول، لكن مع بدء النوبتجيات كانوا على متن القاطرات.

إخلاء المجرى الملاحي

يقول القبطان بشارى إنه استلم العمل مرشدا على القاطرة «رد سي» فى السادسة مساء، فى البداية تلقى تكليف بالمشاركة فى تعويم السفينة الجانحة استغلالا لفترة المد بهدف تعويمها، لكن تغير الأمر بعد ساعة. 

السيناريو الأول

كان السيناريو الأول للتعامل مع جنوح السفينة مبنى على فرضية أن محركاتها تعطلت، ولذلك تلقى وزملاؤه القباطين تكليفا بإخلاء المجرى الملاحى من السفن الثلاث اللاحقة لإيفرجيفين، وفتح المجال للعودة بالسفينة إلى خليج السويس وفتح الحركة الملاحية فى القناة والتحفظ عليها خارج الغاطس واتخاذ الإجراءات القانونية.

كانت السفن الثلاث كبيرة الحجم، فالمتبع أن تبحر السفن الضخمة والأطول والأعمق من حيث الغاطس أولا فى القوافل، يتبعها السفن المتوسطة، هنا الصدفة والطقس والفيزياء اجتمعوا معا لتستحيل تلك المهمة لكنها تمت بنجاح بمهارة القباطين والمرشدين.

سفن عملاقة 

كانت السفن الثلاث هى سفينة الحاويات ميرسيك «ماستر دينفر» بطول 350 مترا وعرض 40 مترا وبعمق غاطس 44 قدما، وسفينة البضائع العملاقة اسيا روبى بطول 290 مترا وبغاطس 4 أمتار إذ كانت سفينة كارجو فارغة، والسفينة الحاويات «واى إم» بحمولة 64 ألف طن وبطول 275 مترا وغاطس 49 قدما.

يوضح القبطان بشارى إن قدرات القاطرات الثلاث بمتوسط قوة شد 70 طنا ولا تكافئ حجم وأطوال وقوة عزم السفن الثلاث، تلك السفن فى حاجة إلى قاطرة كبيرة مثل قاطرة عزت عادل بقوة شد 160 طنا، وهى مخصصة لقطر تلك السفن بالقطاع الجنوبى، لكنها كانت فى الشمال إذ أبحرت قبل يومين إلى بورسعيد للمساهمة فى تعويم سفينة ضخمة جنحت دون إعاقة حركة الملاحة فى القناة، ووقع حادث إيفرجيفين قبل عودتها. 

عكس التيار والاتجاه

إلى جوار قدرة القاطرات المتوسطة، كان على القباطين سحب السفن الضخمة عكس مسارها الطبيعى فهى تبحر للأمام تتصدر المقدمة الأقل عرضا وتشق المياه وتقلل مقاومتها تيار الهواء، السحب من مؤخر السفينة يزيد مقاومة تيار المياه والرياح، نظرا لصعوبة التفافها لتكون مقدمتها فى اتجاه الجنوب حيث الخروج من القناة إلى منطقة الانتظار.

جرى سحب السفينة الأولى «واى إم» وكانت الأكبر بين الثلاث بحمولة 65 ألف طن وكانت الأقرب للمدخل الجنوبى للقناة، تمت عملية القطر بدقة رغم الإبحار بعكس اتجاه سيرها، الشيمات تصل بين قاطرتين الأولى بمقدم السفينة تحافظ على مسارها وللتحكم ومقاومة الرياح التى تجاوزت سرعتها 70 كيلو مترا، والثانية بالمؤخرة مهمتها السحب والحفاظ على إبحار السفينة بالمنطقة «X» وهى فى منتصف عرض القناة وتمثل أعمق نقطة غاطس لضمان عدم الانحراف يمينا أو يسارا وإلا تعرضت السفينة لحادث شحوط.

كانت السفينة الثانية هى العملاقة «أسيا روبي»، فارغة بلا حمولة، لكن طول السفينة البالغ 256 مترا وبغاطس 4 أمتار فقط جعل المهمة أصعب، وزن السفينة خالية مع ذلك الطول يجعل مقاومتها لتيارات المياه والرياح أقل بكثير، الوزن هنا يمثل عامل ثبات فى تلك الظروف، لكن الرجال اوصلوها بأمان إلى منطقة الانتظار.

كانت سفينة الحاويات العملاقة ميرسيك «ماستر دينفر» هى الأقرب للسفينة الجانحة، بطول 350 مترا هى الأطول، وبحمولة 75 ألف طن من الحاويات، وبنفس الأسلوب العلمى والخطط نجح المرشدون والقباطين فى إخراجها وتراكيها بأمان فى الغاطس.

العودة للتعويم 

بعد انجاز مهمة اخلاء المجرى الملاحى، عادت القاطرت الثلاث، وصدرت تكليفات جديدة بالمشاركة فى تعويم ايفرجيفين، بأقصى سرعة عادت إلى موقع الجنوح كانت القاطرات الثلاث تعمل على دفع «البروة» مقدم السفينة، بينما القاطرتان بركة وعزت عادل تعمل على سحب مؤخرة السفينة بهدف استدارة المقدمة ناحية الشمال.

استمر عمل القباطين الثلاث نحو 72 ساعة دون نوم، من 6 مساء الثلاثاء وحتى السادسة مساء الجمعة، كانوا فى ذلك الوقت يتابعون ردود الأفعال فى العالم، ارتفاع سعر البترول 5%، وتكدس مئات السفن عند المدخل الجنوبى والشمالى للقناة فى انتظار عودة الملاحة للقناة.

قطاع صخرى

ويشير قائد القاطرة سلام 9 إلى أن قطاع السويس هو أخطر القطاعات فى القناة، هنا تيار المياه شديد والمد والجزر يصل مداه إلى 2.10 متر، والقاع صخرى كل تلك العوامل زادت من ساعات العمل فى التكريك وسحب الرمال لإخلاء المنطقة أسفل بطن السفينة.

وتابع أنه وزملاءه كانوا يتابعون العمل خلال وردية العمل الخاصة التى استمرت 72 ساعة، يتبادلون الأدوار على القاطرات والقطع البحرية المساعدة المشاركة فى عملية التعويم بين التدفيع من ناحية الجنوب والسحب من الشمال.

 يؤكد بشارى إن عملية تعويم السفينة منذ اخلاء المجرى الملاحى وحتى تحريك ايفر جيفين قدمت نموذجا فى إدارة الازمات والمخاطر، ورسخت روح العمل والتشجيع والغيرة على مصر وأن من يملك بين يديه تلك المهارة وفى قلبه هذه الروح يمكنه تحقيق المستحيل وكسر قوانين الطبيعة والفيزياء والوصول بالجسد إلى قدرة تفوق احتماله من العمل المستمر. 

وتابع أنه فى مسيرة عمله شارك فى عدة عمليات انقاذ وتعويم سفن جانحة، وشحوط أخرى استغرقت من ساعة إلى 6 ساعات، لكن تبقى تلك العملية بما عايشه فيها مختلفة ومتفردة، مع اتاحة سيناريوهات متعددة للتعامل مع الازمة، إذ كان السيناريو الثالث فى عملية التعويم هو تخفيف حمولة السفينة إلا أن الله وفق الرجال ولم يصلوا إلى مرحلة تخفيف حمولة السفينة.

إقرأ أيضاً|«بدون حمولة».. «إيفرجيفين» تعبر قناة السويس اليوم ضمن قافلة الشمال 

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة