عاطف زيدان
عاطف زيدان


المرتشـون !

عاطف زيدان

الأحد، 07 أغسطس 2022 - 07:33 م

«وعندما سألته بلهفة: إيه هو الحل؟، أجاب: سأخفي ملفك الضريبي تماما. واستطرد: مش كده بس، هجيب الملف بالكامل وأسلمه لك عشان تبقى مطمئنا، وبكده مش هيكون لك أي تعامل مع المأمورية»

حدث هذا قبل 12 عاما تقريبا. اتصل بى أحد أصحاب المشروعات الصغيرة، يشكو من مضايقات وملاحقات أحد موظفى الضرائب. قال: فاجأنى مأمور ضرائب منذ عدة أيام بالمطالبة بمتأخرات ضريبة تتجاوز 450 ألف جنيه، رغم أننى أكافح لإبقاء مشروعى على قيد الحياة، وأدفع رواتب عمال ورشتى بالعافية. ولما لاحظ الموظف صدمتي. أعرب عن تأثره لحالى وعرض على حلا جذريا لأزمتي. وعندما سألته بلهفة: إيه هو الحل؟، أجاب: سأخفى ملفك الضريبى تماما. واستطرد: مش كده بس، هجيب الملف وأسلمه لك عشان تبقى مطمئنا، وبكده مش هيكون لك أى تعامل مع المأمورية. وقال صاحب المشروع الصغير إنه سأل المأمور عن مصير المطالبة الخاصة بالمتأخرات الجزافية.

رد المأمور: انسى خالص، ولا مطالبة ولا حد هيسأل فيك تاني. ووقف صاحب المشروع حائرا أمام العرض، وسأل موظف الضرائب عن ثمن هذه الخدمة. رد ببجاحة: 30 ألف جنيه فقط، وده عشان خاطرك! أبدى صاحب المشروع الصغير الموافقة وطلب مهلة لتدبير المبلغ. واتصل بى طالبا النصح، مؤكدا رفضه تماما التورط فى جريمة رشوة، حتى لو اضطر لإغلاق مشروعه بالضبة والمفتاح. اتصلت على الفور برئيس مصلحة الضرائب آنذاك الأستاذ أشرف العربى الذى اعتبره من أفضل من تولى قيادة المصلحة، وسردت عليه ما حصل. فطلب منى إعطاء رقم تليفونه الشخصى للشاب صاحب المشروع وأنه فى انتظار اتصاله به فورا. أبلغت الشاب بما جرى وأعطيته رقم تليفون رئيس المصلحة. وما هى إلا بضعة أيام حتى تم إعداد كمين بالتنسيق مع إحدى الجهات الرقابية لضبط الموظف المرتشى متلبسا بتقاضى الرشوة. وتم إحالته للمحكمة المختصة ليلقى جزاءه. أقصد من سرد هذه الواقعة التأكيد على أن الوسيلة الوحيدة لقطع دابر كل مرتشي، أيا كان موقعه، هو الإبلاغ عنه. ولا يمكن أن يتحقق ذلك إلا بتوفير أرقام مباشرة من قبل الجهات الرقابية لتلقى البلاغات. ويتولى الرد على الاتصالات كفاءات أمنية قادرة على التمييز بين الغث والسمين والبلاغ الحقيقى والكيدي. لعلنا بذلك نوقع بأكبر عدد من المرتشين ونحمى المال العام وممتلكات الوطن من أصحاب الضمائر الخربة، أيا كانت الجهة التى يعملون بها. كما أتمنى تغليظ عقوبة جريمة الرشوة بشكل عام وأن تقترن عقوبة السجن بمصادرة أموال المرتشى لصالح الشعب.

كاميرات مراقبة
الأحد :
.. وإذا كانت قضايا الرشوة واستغلال النفوذ الكبيرة التى تم ضبطها مؤخرا تحظى باهتمام الكل فى وسائل الإعلام. فإن هناك جرائم مماثلة، بمبالغ صغيرة، تتم فى وضح النهار، ببعض الجهات الحكومية المعنية بخدمة الجماهير. وقد يتم طلبها بعبارات ذات مغزى مثل «ما تنسناش فى الشاى يا باشا»، أو «عاوزين الدخان»، «كل سنة وأنت طيب» الخ الخ. وإذا أبدى المواطن صاحب المصلحة أى إشارة رفض. يبقى يومه أسود ولن تنتهى معاملته ! الظاهرة نواجهها جميعا فى معظم الأماكن الحكومية الخدمية. ويمكن القضاء عليها بطريقة بسيطة وهى تركيب كاميرات مراقبة لصالات التعامل مع الجماهير، لكشف أى تجاوزات واتخاذ الإجراءات العقابية ضد المخالفين فورا. وأظن أنه فور علم الموظفين العاملين بتلك الجهات بأنهم تحت رقابة الكاميرات، سوف يفكرون ألف مرة قبل طلب رشوة أو إكرامية أو الدخان والشاى من أى مواطن.

مهنة من لا مهنة له!
الإثنين :
وسط فوضى فيديوهات اليوتيوب والبث المباشر التى تهاجمنا حاليا، ألح على سؤال من عينة «لو»، مفاده ماذا لو عاد أساتذتنا فى كلية الإعلام جامعة القاهرة الذين رحلوا عن دنيانا وشاهدوا هذه الفوضى؟! سيدة تبث فيديو لها بعنوان «روتينى اليومي» وهى تتحرك فى المطبخ بلباس مثير! وأخرى تتلقى اتصالات مفبركة فيما يبدو عن حكايات أيضا مفبركة لزوجة تفكر فى خيانة زوجها لأن حياتها معه أصبحت رتيبة مملة، أو زوج يقيم علاقة غير شرعية مع صديقة زوجته، وثالثة تقيم علاقة مع «صديق العيلة» المتزوج وتغار عليه من نظرات أخت زوجها! وفيديوهات أخرى لنساء يقدمن أنفسهن على أنهن خبيرات العلاقات الزوجية وتتحدثن ببجاحة ودون حياء فى أدق تفاصيل العلاقة الحميمية وتقدم نصائح صادمة للنساء حول كيفية تحقيق أقصى متعة ممكنة من علاقاتهن بأزواجهن. ناهيك عن فيديوهات الطبخ والوصفات الطبيعية لتكبير وتصغير... وكذا وكذا وكذا، مما يمنعنى الحياء عن ذكره. أما البث المباشر فحدث ولا حرج. حفلات ماجنة راقصة وشكاوى لا تخلو من السب والقذف، الخ الخ الخ. ترى لو عاد أساتذتنا الراحلين الذين حدثونا على مدى سنوات فى كلية الإعلام جامعة القاهرة، عن مواصفات القائم بالاتصال والرسالة الإعلامية وأهداف الرسالة ونوعية المتلقي، ووجدوا هذه الفوضى التى تحاصرنا. كل من هب ودب أصبح قائما باتصال صوتا وصورة، دون تأهيل أو ضوابط، ودون أى دراية بخطورة ما يقوم به. لا شك أنهم سيعودون أدراجهم إلى قبورهم، رفضا لهذه الفوضى التى جعلت الإعلام مهنة من لا مهنة له. هذا يشتم من يشاء، وهذا يصور أدق تفاصيل حياته وزوجته، وهذه تهز وتلك تعرض بعض مفاتنها، و .. و .. و ... وكل هذا، من أجل تحقيق أكبر حجم من المشاهدات، وتحقيق أعلى أرباح دولارية ممكنة. رحم الله أساتذتنا العظام الذين رسخوا فى تكويننا النفسى والوجدانى أن الإعلام رسالة مقدسة، لها أصول وقواعد ومواثيق شرف، ولا عزاء فى ظل الفوضى السائدة حاليا، للمبادئ والأخلاق والقيم النبيلة!

لعيب من كوكب تانى !
الثلاثاء :
لا أعفى معلقى مباريات كرة القدم من حالة التردى التى تشهدها ملاعبنا، سواء تراجع المستوى واختفاء المواهب، وبالطبع غرور أنصاف اللاعبين ومغالاتهم فى أسعارهم التى باتت بعشرات الملايين. ففى كل مباراة تجد بعض المعلقين يبالغون فى إسباغ الأوصاف الرنانة على اللاعبين لمجرد قيام أحدهم بمغازلة لاعب منافس أو القيام بتمريرة سليمة، ويا سلام لو جاب جول برأسه. يبقى لاعبا من كوكب آخر. وكأن الطبيعى ألا يعرف اللاعب التمرير السليم والمراوغة وإحراز الأهداف بالرأس والقدم وحتى الصدر. يا إخواننا كفاية نفخ، خليتوا اللاعب العادى يتصرف كنجم لم تشهد الملاعب مثله. والنتيجة نراها على أرض الواقع عندما نصطدم بمنتخبات احترافية قوية، والسنغال أقرب مثال. كفاية مبالغة ربنا يهديكم.

بيزنس المقابر !
الأربعاء :
لم يكن أحد يتصور دخول رجال البيزنس مجال المقابر والمدافن. وظهور إعلانات وفيديوهات على مواقع التواصل تروج لكمبوندات مدافن محاطة بأسوار وشوارع مبلطة بالإنترلوك، بمساحات مختلفة تبدأ من 28 مترا وحتى 80 مترا. والأسعار نار نار. ومما يؤسف له أن محافظة القاهرة - التى كانت تتعامل مع هذا الأمر بكل الرحمة والإنسانية – دخلت المجال وباتت تنافس القطاع الخاص فى مجال بيع المقابر. فالحجز يتم عبر موقع المحافظة على الإنترنت والأسعار تفوق القطاع الخاص. فسعر المدفن 20 مترا بوادى الراحة 150 ألف جنيه كاش، أو على 40 دفعة بالتقسيط يتم بعدها التسليم! الله يرحم الزمن الذى كانت توفر فيه المحافظة المدافن للأهالى بسعر التكلفة والأرض بثمن زهيد. وربنا يرحمنا جميعا من البيزنس الذى لا يرحم الأحياء أو الأموات. يا سيادة المحافظ: من حق كل مواطن أن يجد مدفنا بسعر معقول لدفنه وأفراد عائلته. وفروا المقابر بأسعار التكلفة فالضرب فى الميت حرام حرام حرام!

آخر كلام
الخميس :
سنين العمر تطوينا
تعربد فى مآقينا
تزلزل كل ما فينا
وينزف كل ما فينا
ولا شيء يضمدنا
ولا أحد يداوينا
سنين العمر تطوينا
ولا أحد يواسينا .. يداوينا.

 

 

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة