عمرو الديب
عمرو الديب


صدى الصوت

جنازة يوسف إدريس!

عمرو الديب

الأحد، 07 أغسطس 2022 - 09:30 م

حاضرة فى ذاكرتى، وكأنها وقعت بالأمس، تفاصيل تلك الأيام الحارة من أغسطس الغارق فى مستنقعات الرطوبة، أستعيد ملامحها دون عناء، على الرغم من مرور أكثر من ثلاثين عاما على انقضائها، كنت لم أزل فى بداية الطريق الشاق فى عالم الصحافة محررا أدبيا ناشئا يتلمس خطواته فى تلك الدنيا الصاخبة، كنت أسير خلف نعش أديبنا الفذ يوسف إدريس بعد أن أدينا صلاة الجنازة على الفقيد المغادر فى مثل هذه الأيام منذ أكثر من ثلاثين عاما، تهادى الركب بعد خروج الجثمان من مسجد «عمر مكرم» الشهير فى قلب القاهرة واصطففنا خلفه، وما أن بدأ مسير الجنازة حتى تلاحقت الصور والأفكار فى رأسي، كنت فى مهمة عمل لتغطية حدث توديع أمير القصة العربية الذى عرفته عن قرب،

واقتربت منه إنسانيا، تذكرت حرصه على أن تحقق مجموعته الأخيرة الأصداء التى يتوقعها وأن تنال المجموعة التى حملت عنوان «العتب على النظر» اهتمام القراء والنقاد، وفى القصة التى حملت المجموعة عنوانها قدر هائل من الأسى.. إحساس غامر بالغروب، ودنو أوان المغادرة، وفى ركب الوداع  ألحت على ذهني،  وتبدت لى شخوص عالمه المذهل، وهى تلوح لى من فوق النعش حيث تودع صاحبها إلى مثواه الأخير، الطفلة القروية البريئة وهى تحمل وزرها الثقيل من «صاجات الكحك» فى قصته الأشهر «نظرة»، والبواب القادم من الريف ليطرق أبواب الرزق فى المدينة وزوجته المنبهرة بالأضواء فى رائعته «النداهة» وللأسف اكتشفت بعد أن اتسع طريق المسير أن عدد المودعين لم يكن بالكثرة الواجبة فى مثل حالته مما صدمنى حقا وعبرت عن ذلك فى تقرير الوداع الذى نشر بجريدة «الأخبار» فى اليوم التالى للجنازة،

وقد استرعى انتباهى مشهد ذلك الرجل الضخم فارع الطول الذى سار وراء النعش، وقد ذكرنى بمدرب الأسود بطل قصته الفذة، وأعمق سردياته وأروعها «أنا سلطان قانون الوجود»، حيث مشى حزينا يجرجر خطواته، أما تلك السيدة الضامرة التى سارت خلف الجنازة فقد ذكرتنى ببطلة الحرام فى انكسارها وقلة حيلتها مع أنها كانت ترتدى ثيابا فاخرة تنم عن ثراء لا تعرفه فتاة «الحرام» وربما يكون السبب هو هذا الضمور البادى وضعف البنية وآثار المرض.. ومضى موكب الوداع  حتى السيارة السوداء الرهيبة التى أقلت الجثمان حتى مشهد النهاية.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة