محمد بركات
محمد بركات


محمد بركات يكتب: مسئولية القادرين

محمد بركات

الثلاثاء، 09 أغسطس 2022 - 05:58 م

 

الأزمة الاقتصادية الحالية تتطلب أن نشير بجدية، للدور المهم الذى يجب أن تقوم به الفئات القادرة، للمساهمة فى خدمة مواطنيهم وأهلهم ومجتمعهم.

فى مقتبل العمر وبالتحديد فيما بعد مرحلة الصبا وبداية الشباب المبكر، كان ينتابنى العجب وتستولى علىّ حالة من الاندهاش الشديد، وربما عدم الفهم بصورة كاملة أو حتى جزئية، لذلك التصرف الذى يقدم عليه بعض الأغنياء من كبار رجال المال والأعمال، وفطاحل أصحاب ومالكى الشركات العابرة للقارات، فى العديد من بلاد العالم الغربى بصفة عامة سواء فى الولايات المتحدة الأمريكية أو الدول الأوروبية، مثل ألمانيا وفرنسا وانجلترا وغيرها،..، عندما أسمع أو أقرأ أنهم تنازلوا عن جزء كبير من أموالهم وثرواتهم، عن طيب خاطر وبنفس راضية ويتبرعون بها للأعمال الخيرية، أو يوقفونها لدعم ومساندة المحتاجين والفئات الفقيرة من أبناء شعبهم. أو يحولون بعض هذه الثروة الخاصة بهم لدعم الجامعات والبحث العلمى، وتقديم منح مجانية لتعليم المتفوقين من الطلاب الفقراء وغير القادرين، أو يخصصون مبالغ ضخمة من ثرواتهم للمستشفيات والمؤسسات الصحية لتقديم العلاج لكل من يحتاجه.

ليست مبالغة
ولا أخفيكم سرا بأننى كنت فى البداية كلما سمعت أو قرأت أو نما إلى علمى، ما قام به متبرع من هؤلاء الذين يتنازلون عما يملكون من ملايين الدولارات للمؤسسات القائمة بالأعمال الخيرية أو الصحية والتعليمية أو الأبحاث العلمية أو غيرها..،.. كنت أجد صعوبة فى استيعاب الموقف بقدر مقنع من الوضوح، بل وكنت أتصور فى تلك السن المبكرة، أن هناك مغالاة أو مبالغة فيما هو مذكور، وقد احتاج الأمر منى بعض الوقت والمزيد من المتابعة والقراءة ومعرفة أحوال المجتمعات، كى أدرك أن ذلك تصرف مألوف من الأغنياء وأصحاب المال والأعمال والمشروعات الضخمة والشركات الكبيرة فى العديد من الدول والمجتمعات المتقدمة، للمساهمة الطوعية فى المشروعات الخيرية وسبل تحسين الحياة بصفة عامة فى بلادهم، وذلك انطلاقا من اقتناعهم الكامل بأن هذه رسالة يجب عليهم القيام بها لصالح مواطنيهم ومجتمعاتهم، وأن ذلك واجب اجتماعى يحتم عليهم الوفاء به، وأنها مسئولية اجتماعية وإنسانية يلتزمون بأدائها بطيب خاطر، لإرضاء ضمائرهم وإسعاد أنفسهم أولا وأيضا إرضاء مجتمعاتهم وإسعاد مواطنيهم فى ذات الوقت، وتقديم المثل لغيرهم من القادرين وتشجيعهم ودفعهم للسير فى نفس الطريق والقيام بذات السلوك.

هذا بالإضافة إلى اقتناعهم بأن ما يقومون به يؤدى للسلام الاجتماعى فى دولتهم، ويمنع ما يمكن أن يتولد لدى بعض الفئات المحتاجة من ضغائن أو حقد على الأغنياء.

وأصدقكم القول بأنى كنت ومازلت أشعر بغيرة شديدة تجاه هذا التصرف المحمود والنبيل، الذى يقوم به هؤلاء القادرون والموسرون فى أوروبا وأمريكا وغيرها من الدول والمجتمعات، وكنت ولا زلت أتمنى أن أرى مثل ذلك عندنا، وأن تنتشر مثل هذه التصرفات فى بلدنا، وأن نشاهد العديد من المبادرات من جانب كبار رجال الأعمال والمال من القادرين، للمساهمة فى المشروعات الخدمية والإنتاجية التى نحن فى أمس الحاجة إليها.

مسئولية.. وواجب
وفى ذلك لعلنا نتفق جميعا على أن هناك مسئولية اجتماعية جسيمة وعاجلة أيضا، تقع على عاتق رجال المال والأعمال الكبار، وأصحاب المشروعات الضخمة من القادرين الشرفاء، الذين أفاء الله عليهم من خيره ورزقه ونعمته، وأصبحوا من أصحاب الثروات المليونية أو المليارديرية، بجهدهم وتميزهم وأيضا بجهد وعرق المواطنين من أبناء مصر، الذين عملوا معهم وساعدوهم فى تنمية ونجاح مشروعاتهم وأعمالهم فى الصناعة أو التجارة أو الزراعة أو غيرها، بكل أمانة وإخلاص حتى راجت تجارتهم وازدهرت صناعتهم وأصبحوا على ما هم عليه الآن أسماء لامعة فى السوق المحلى والإقليمى والدولى.
وأحسب أن الأزمة الاقتصادية الخانقة التى فرضت وجودها الثقيل على مصر حاليا ومنذ فترة ليست بالقصيرة، تتطلب أن تشير بكل الجدية إلى الدور المهم الذى يجب أن تقوم به كل الفئات القادرة ماديا، فى مواجهة هذه الظروف الاجتماعية والاقتصادية التى تمر بها البلاد حاليا، وما تعانيه فئات كثيرة من ارتفاع وغلاء الأسعار، وما تحتاجه من خدمات الصحة والتعليم ومساندة فى مواجهة الظروف الطارئة.

وأعتقد أنه لا مبالغة فى القول بأن الظروف الحالية تفسح المجال بحرية كاملة، أمام دور فعال وإيجابى لرجال الأعمال وأصحاب المشروعات والأموال والتجارة والصناعة من القادرين والموسرين، لضرب المثل الحى على إيمانهم الكامل بدورهم الاجتماعى لخدمة المواطنين من أبناء وطنهم، وحرصهم على القيام بواجباتهم ومسئولياتهم الاجتماعية تجاه البسطاء من الناس، وإعطائهم المثل والقدوة على التكافل الاجتماعى، والحرص على تنمية روح المودة والانتماء والتماسك لدى كل طبقات المجتمع الفقيرة والغنية على السواء.

ليس تفضلًا
وأصارحكم القول بأنى كنت وما زلت أتمنى ألا يقتصر دور رجال الأعمال والمال عندنا على التبرع والمساهمة فى أحد المشروعات الخيرية، مهما كبر أو صغر هذا المشروع، معتبرين أن ذلك هو غاية المراد من رب العباد، وأنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان،..، ثم يذهبون إلى بيوتهم ليناموا مرتاحى الضمير وكأنهم قد أدوا رسالتهم وقاموا بواجبهم.

بل أقول إن هذا التبرع وتلك المساهمة رغم أهميتها ليست كافية على الإطلاق، ولكن المأمول هو أن يرتقى وعى الموسرين الذين نفخر بهم ونساندهم ونتمنى لهم المزيد من النجاح فى أعمالهم، وأن يزدادوا ثراء على ثرائهم طالما كانوا يعملون بجهد وشرف وأمانة، ويضيفون إلى اقتصاد مصر ويتيحون المزيد من فرص العمل.

وفى هذا عليهم أن يدركوا أن عليهم واجبا لابد من أدائه، فى الوقوف بجوار وطنهم ومواطنيهم فى ظل الأزمة الخانقة، وألا ينتظروا من أحد دعوتهم، بل واجبهم أن يكونوا سباقين إلى ذلك مسارعين إليه دون دعوة منى أومن أحد غيرى،. هذا واجب عليهم وليس تفضلا منهم.
ولكنى أقول أكثر من ذلك وهو أن ذلك فى صالحهم أيضا لأنه ببساطة يصب ليس فى ميزان حسناتهم فقط، بل وأيضا يصب فى دائرة المصلحة العامة والسلام الاجتماعى.

وفى تصورى بل واقتناعى أيضا، أن إدراكهم بأن أداءهم لهذا الواجب الذى يؤدى إلى تخفيف معاناة الناس البسطاء، ومعالجة هموم الفقراء ومحدودى الدخل ومعاونتهم قدر المستطاع فى مواجهة الظروف الحالية، يجب ألا يقتصر على الهبات أو الصدقات التى تنتهى آثارها فور استهلاكها، ولكن يجب أن يكون بالعمل فى إطار مؤسسى شامل، لإقامة كيانات لها صفة الاستمرارية والدوام على المستوى الاقتصادى والاجتماعى بصوره المتعددة الخدمية والإنتاجية، سواء كان ذلك بإقامة مشروعات للتشغيل والإنتاج فى ذات الوقت أو مشروعات إسكان لغير القادرين، أو إنشاء المدارس والوحدات الصحية والمستشفيات، أو إقامة مجمعات لبيع السلع بأسعار الجملة وغيرها من المشروعات التى يحتاجها عامة الناس ومن الممكن أن تخفف عنهم معاناتهم وتخفف أيضا من أعباء الدولة فى ظل هذه الظروف الطارئة التى تتحمل الدولة فيها أعباء كبيرة جدا وتقوم بجهد هائل لمواجهتها.

مشروعات مقترحة
وفى هذا السياق أعتقد أنه يسعد كل مصرى بالفعل أن يرى مجموعة من رجال الأعمال تتبنى مشروعا قوميا شاملا لبناء آلاف المدارس النموذجية فى مدن ومحافظات وقرى مصر خلال ثلاث سنوات مثلا،..، أو تقوم مجموعة منهم بإقامة هيئة مدنية لإقامة كيان تعليمى، يتولى إقامة جامعتين أهليتين واحدة فى الدلتا والأخرى فى الصعيد، على غرار الجامعات المتقدمة والحديثة بالخارج.

ويحدونى الأمل  في أن أرى مجموعة من رجال الأعمال والمال والتجارة والصناعة، تنشئ مؤسسة متطورة لنشر المشروعات الصغيرة والمتوسطة فى المدن والقرى والأحياء المختلفة بطول مصر وعرضها، فى إطار مؤسسى حديث ومنظم ومستمر يساهم فى القضاء على البطالة ويزيد الإنتاج.

كما يراودنى الأمل  في أن تقوم مجموعة منهم بإنشاء هيئة أهلية لشراء السلع بسعر التكلفة من المنبع، وطرحها للبيع للمواطنين فى منافذ وأسواق تقام بالأحياء ذات الكثافة السكانية، بهامش ربح بسيط وأن تنافس فى ذلك ما تقوم به وزارة التموين وما يقوم به جهاز الخدمة فى القوات المسلحة، ولنا أن نتصور الأثر الإيجابى الكبير لذلك على المواطنين.

وكم أتمنى أن يأتى اليوم الذى يقوم فيه رجال المال والأعمال والصناعة بتبنى مشروع قومى لإعادة تأهيل الشباب والخريجين، وفقا لاحتياجات أسواق العمل المحلية والإقليمية والدولية، وذلك بإقامة مائة مركز متقدم وحديث للتدريب والتأهيل على التخصصات والأعمال والمهن المختلفة فى كل محافظات مصر، حتى تعود للعامل والصانع والمهندس المصرى سمعته وكفاءته ومهارته التى كانت مشهودة ومحل إقبال وإعجاب الجميع محليا وإقليميا ودوليا.

ومازلت آمل وأتمنى بالكثير والكثير من جانب رجال المال والأعمال من أبناء مصر الموسرين، فى ظل ما تمر به البلاد من ظروف صعبة بتأثير الأزمة الاقتصادية العالمية التى نعانى منها نحن وكل العالم.

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

 
 
 

 
 
 

مشاركة