نوال مصطفى
نوال مصطفى


نوال مصطفى تكتب: هل تحرك صورتهم ضمير العالم؟

نوال مصطفى

الأربعاء، 10 أغسطس 2022 - 06:59 م

أربعة أطفال ذهبوا بأحلامهم البريئة للسماء كما وصف أباهم ما حدث، الله رحيم بالأم أخذها معهم فى القصف الإسرائيلى على غزة، ماتت معهم تحت الأنقاض جراء انهيار منزل أسرة الأم الذى حدث غدرًا من القوات الإسرائيلية دون إنذار، أو طلب إخلاء المنزل من المدنيين الأبرياء قبل القصف. كانت الزوجة تقوم بتهنئة أخيها الذى أنجب طفلاً جديدًا، ذهبت مع أولادها لبيت العائلة الذى تعرض للقصف الوحشى، لتفارق هى وأطفالها الأربعة الحياة.

عندما أخرجوهم خمستهم، كانت الأم التى فارقت الحياة تحتضن أخاهم الخامس، عمره خمسة شهور، وهو الناجى الوحيد من العائلة مع أبيه الذى يتجول بين خزائن ملابس أبنائه التى تحتوى ملابسهم، ولعبهم، يتشمم رائحتهم ويبكى، قلبه المحروق بنار الغدر والفقد تمزقه الحقيقة المرة، أنه لن يرى على، ولا عبد الرحمن، ولا أسامة، ولا محمود مرة أخرى، فقط سوف يعيش مع صغيره عمر بين أطلال الذكريات، و وجع مقيم لا ينتهى.

مشاهد الأب المذهول المفجوع بما جرى توجع القلب، تجوله بين أشياء أولاده كتبهم، كراساتهم، فرش الشعر، وزجاجات عطرهم شيء يفوق الوصف. ربما أراد الله أن يترك له أملًا صغيرًا يبقيه حيًا، متمسكًا ببقايا قوة وطاقة على الاستمرار، ابنه الصغير ذو الخمسة أشهر الذى حفظه حضن أمه الشهيدة، وخرج حيًا من تحت الأنقاض.

الصورة الثانية، أو القصة الموجعة تحكى عن ست بنات صغيرات يبكين بحرقة إثر مشاهدتهم لمصرع أبيهم وأمهم أمام أعينهن. ست بنات أصبحن يتامى الأم والأب فى لحظة قدرية موحشة. مشهد هز الملايين الذين طالعوا صورتهن، يمزقهن الألم، وتعصف بسلامهن إلى الأبد تلك اللقطة الرهيبة، الحالكة السواد فى حياتهن، التى قطعا لن تنمحى من ذاكرة أيامهن مهما مرت السنون، وتبدل الزمن.

هذه الحرب القذرة التى تدور رحاها فى غزة بين حركة الجهاد التى ترعاها إيران وتمولها، وبين إسرائيل التى تتفنن فى عرقلة مباحثات السلام وتتحيّن الفرص للرد على العمليات التى تقوم بها الجهاد بعنف ووحشية. مصر تدخلت كالعادة بسرعة وحسم لوقف إطلاق النار، وتوجه قادة حركة الجهاد الإسلامية بالشكر لمصر ورئيسها عبد الفتاح السيسى لمساعيه المؤثرة فى هذا الشأن. لكن الشيء المهم هو أن يطالب قادة العرب مجتمعين بعودة القضية الفلسطينية إلى مائدة المفاوضات، وبحث الحلول العملية، الواقعية لإحداث سلام حقيقى فى المنطقة، حل الدولتين الفلسطينية والإسرائيلية أراه أكثر الحلول منطقية، بشرط كتابة بنود واضحة تحفظ حقوق وحدود كل دولة، ولا يحق لأحدهما اختراقها أو عدم الالتزام بها.

لقد تراجعت القضية الفلسطينية خلال السنوات الأخيرة عن بؤرة الضوء فى الأجندة السياسية العالمية، وبرزت قضايا أخرى صارت مركز اهتمام العالم ومصدر انشغاله. الآن يجب أن تعود هذه القضية القديمة المتجددة إلى بؤرة الضوء وأن يدفع بها العرب إلى دائرة الحل والاهتمام.

أطفال فلسطين وقصصهم المأساوية تحتاج لعشرات الأفلام والروايات والقصص، هل نترك جيلا كاملا من أبنائنا يتكون وعيهم من خلال تلك المشاهد الدامية؟ كيف السكوت على هذا الوضع المأساوى؟ ولمصلحة من هذا الصمت العربى الرهيب!.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة