عبدالصبور بدر
عبدالصبور بدر


عسل في الكوز

عبدالصبور بدر يكتب: عزب وأطيان الصحفيين!

بوابة أخبار اليوم

الجمعة، 19 أغسطس 2022 - 02:15 م

في زيارتي الأخيرة للصعيد نصحني ابن عمي أن أستثمر أموالي في شراء الأراضي، وقلت له إنني أفضل العقارات، لأن ربحها سريع ومضمون. يتصور ابن عمي أنني أقبض فلوس "متلتلة" من الصحافة، وأنا لا أرغب في إفساد تصوراته التي تجعله يظن أن الصحفيين يقبضون مرتباتهم رزم رزم، ويمتلكون عمارات بحري بحري، وعزب وأطيان مروية بالراحة. 

من حق ابن عمي أن يراني كما يحب، ومن حقي أن أحب ما يراني عليه ابن عمي، وأتعامل معه وفق خيالاته المشروعة، والصيت ولا الغنى كما يقول المثل الشعبي؛ خاصة أن الصورة الذهنية المأخوذة عن الصحفي أنه قريب من الحكومة بيفطر ويتغدى ويتعشى ويصيف ويسافر معاهم ويابخت اللي الحكومة قريبته، يقف ويقول أنا هو أنا هو تمثال رمسيس التاني!.

ولكن المؤلم أن الصحفي الذي يملأ الدنيا صراخا وعويلا من أجل إعادة الحق إلى أصحابه، يلتزم الصمت ولا يطالب بحقه في حياة كريمة توفر احتياجات أسرته الضرورية؛ ما يجعله يعمل في أكثر من مكان، ويقبل أي شغل يأتي إليه، حتى ولو كان لا علاقة له بالصحافة، والرزق يحب الخفّية. 

أما شيوخ المهنة الذين يقع على أكتافهم المطالبة بتحسين أجور الصحفيين، فإن أغلبهم مشغول بتحسين أجره فقط، يمارس هوايته في صيد المناصب، ويقبض كل شهر الشيء الفولاني، سعيدا وراضيا ومتبغددا، وحالته ونفسيته مرتاحه ترفع شعار "طب وأنا مالي، وأنا مالي، بالأحزان أنا مالي، عايشة في أحلى ليالي".

لا يخفى على أحد أن حال الصحافة اليوم لا يسر عدوا ولا حبيبا، وذلك ليس بسبب غياب الحرية كما يزعم البعض، فالصحفي الشاطر يستطيع تهريب كل ما يريد قوله داخل موضوعاته ومقالاته دون أن يتمكن أحد من الإمساك به، ولكن السبب الرئيسي - من وجهة نظري – هو غياب عنصر الإبداع في المواد المنشورة، والإبداع لا يمكن أن يأتي من صحفي يفترسه القلق، ومشغول بالبحث عن الفلوس التي يدفع بها طلبات الشهر ومصاريف المدارس وفواتير الكهرباء، والغاز، والماء.

إفقار الصحفي هو ما أدى إلى موت إكلينيكي للصحافة، وحول الصحفي إلى "محبراتي" يعمل بمنطق "عبيله واديله"، أو بوسطجي ينقل البيانات من الإيميل إلى الجريدة، وكان الله بالسر عليم.
 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة