العمارة المصرية أساس اليونانية
العمارة المصرية أساس اليونانية


كتب ودراسات تعيد اكتشافها.. الفن الغربي يعترف بجذوره المصرية!

آخر ساعة

الجمعة، 19 أغسطس 2022 - 09:20 م

كتب: رشيد غمرى

فى عام 1976 صدر كتاب «أصول الفن الغربى» الذى تناول الجذور الأولى لفنون الغرب، واضعا على غلافه صورة من مصر القديمة، مؤكدا على أن الفن المصرى هو أهم جذور الإبداع الغربى الحديث. ولم تكن تلك هى الإشارة الأولى، ولا الأخيرة، فهناك العديد من الكتابات، والدراسات، والممارسات المتحفية والأكاديمية تؤكد جميعا حقيقة أن الغرب يعتبر الفنون المصرية الطور الأول والجذر القديم لإبداعات فنانيه، وإن تأجل الاعتراف بذلك لبعض الوقت.

عصر النهضة استلهم الفن اليونانى المتأثر بالمصريين

 

تعددت مسارات الحضارات الإنسانية، وتداخلت، على مدار التاريخ، ما جعل تتبع جذورها، وروافدها عملية صعبة، ودقيقة. إلا أن المسار الذى وصل إلى الحضارة الغربية الحديثة، بفنونها المهيمنة حاليا، حظى بكثير من الدراسة، وأصبح من المتفق عليه أن الحداثة الغربية المعاصرة هى تطور طبيعى لفنون عصر النهضة الأوروبي، والذى قام فى الأساس على إحياء التقاليد الكلاسيكية اليونانية.

ورغم تباطؤ الاعتراف بالمراحل الأقدم من هذا المسار، فإن الكثير من الكتابات والممارسات أصبحت تشير بوضوح إلى فضل الحضارة المصرية القديمة على اليونانية، وإلهامها لها فيما يتعلق بكثير من الرؤى والأفكار والتقنيات، ما يعنى أن الفنون الغربية المعاصرة، هى فرع لشجرة، نبتت جذورها الأولى هنا فى وادى النيل قبل آلاف السنين.

الفراعنة أول من عرفوا الرمزية والتجريد

وفقا لكتاب «استعادة عصر النهضة» للكاتب ماثيو هاييز، فقد بدأت النهضة الأوروبية الحديثة فى فلورنسا، ومدن إيطالية أخرى خلال القرن الخامس عشر، ويرجع الفضل فى ذلك إلى اهتمام طبقة التجار بالفن، ورعاية الفنانين، وهو الدفق الذى تواصل عبر القارة الأوروبية، مرورا بعصر الباروك، ودخول حقبة التنوير، وما صاحبها من أفكار جديدة، أدت إلى ظهور مدارس فنية جديدة كالرومانسية والواقعية، فالانطباعية، لتبدأ الحداثة، بتجلياتها من التكعيبية إلى السيريالية والتجريدية.

ويعتبر الإنجاز الأكبر لعصر النهضة أنه حوَّل العمل الفنى إلى رسالة إنسانية، بعد أن كان مجرد غرض ديني، وهو بذلك أعاد ما انقطع منذ العصر الكلاسيكى اليونانى، بسبب القبضة الكنسية طوال العصور الوسطى، كما ركَّز فن ذلك العصر على الفرد البشرى، مع زيادة الوعى بالطبيعة، وكان أحد أهم دروسه استلهام الماضى، ودفعِه نحو المستقبل، ما أنتج فى وقت قياسى إبداعات دافينشى، ومايكل أنجلو ورافاييل، ومهَّد للطفرة الموسيقية.

عباقرة الحقبة الكلاسيكية تعلموا فى مصر

ويؤكد كتاب «فلسفة الفن.. التصوير الإيطالى فى عصر النهضة» لهيبوليت تين، أن النهضة الفنية قامت فى الأساس على استعادة روح الحقبة الكلاسيكية اليونانية، وأعاد الفنانون اكتشاف جمالياتها، وفلسفتها، واعتبروها المثل الأعلى للجمال، والتعبير الفنى، وهو ما يجمع عليه كتاب ومؤرخو الفن فى العالم، لكن الاعتراف بدور الفن المصرى القديم فى نشأة وتطوير فنون اليونان القديمة، بقى مغفلا لبعض الوقت، ثم ذُكر على استحياء من وقت لآخر، ليس فقط بسبب تأخر التعرف على الآثار المصرية، ودراستها بشكل علمى وجمالى، لكن لاعتبارات النزعة العنصرية التى سيطرت على مفكرى ومنظرى الحقبة الاستعمارية.

ورغم ذلك لم تعدم الحضارة المصرية من يعترف بفضلها، من أمثال السير ريتشارد برتون، الرحالة والكاتب ومترجم «ألف ليلة وليلة»، الذى قال إن مصر هى مخترعة الأبجدية وواعظ الروحانية ومصدر كل الحضارة، ورغم عنصرية الكثيرين، وتقسيمهم الشعوب إلى طبقات، واستبعاد غير البيض عن المساهمة فى الحضارة الإنسانية، فإن مصر بدت بالنسبة إليهم مأزقا كبيرا، وكان من الصعب استبعادها، ووصل الأمر ببعضهم إلى اعتبار المصريين ضمن العرق الأبيض، حتى لا يخل بنظريته، ومنهم جاك جوزيف شامبليون،  الشقيق الأكبر لفرانسوا شامبليون، الذى فك رموز حجر رشيد، وكذلك فعل جون كامبل، ويوشيا سى. نوت، وجورج جليدين، وغيرهم من علماء الحركة الإيطالية فى الولايات المتحدة، منتصف القرن التاسع عشر، حيث نسبوا المصريين للعرق القوقازى.

إقرأ أيضًا | «السياحة» تشارك في المؤتمر الدولي الثامن لعلم المصريات بإسبانيا

الآن لم يعد تأثر الإغريق بالمصريين محل شك، بعد ظهور اعترافات وشهادات عظماء اليونان أنفسهم، والتى أقروا فيها بفضل المصريين عليهم، كما أن أغلب عباقرة عصرهم الذهبى قد قدِموا إلى مصر للتعلم.

وكان أفلاطون قد وصف الموسيقى المصرية بأنها الأعظم، والأجدر بأن تعزف فى مدينته الفاضلة، وهو الذى أقام فى «أون» المصرية 13 سنة، وقال إن كل ما نعلمه قد أخذناه عن مصر، كذلك تعلم أرسطو فى مصر، وفيثاغورث كان تلميذا للكهنة المصريين، قبل أن يحقق إنجازاته الفلسفية والرياضية، واعترف بفضل الحضارة المصرية وقيمها، وبالمثل إقليدس الذى تعلّم فى الإسكندرية، وكان هؤلاء الفلاسفة والرياضيون من وضعوا الأسس النظرية لفنون العمارة والموسيقى، وغيرها.

ويكفى أن نعلم أن تأريخ الحقبة القديمة للفن اليونانى، حددت بدايته بعام 600 قبل الميلاد، بسبب انتشار نوع من التماثيل، تعرف باسم «كوروس»، وهى منحوتات حجرية بالحجم الطبيعى لشباب على الأغلب، وهى مستوحاة بوضوح من النحت المصرى، وكانت مواكبة للحظة تعمق العلاقات، وقدوم اليونانيين بكثافة إلى مصر، كذلك ظهر تأثير عمارة المعابد المصرية فى العمارة اليونانية، وهو ما نراه بوضوح فى تأثير معبدى حتشبسوت، والرمسيوم على معبد أكروبوليس، وغيره، فضلا عن اعتماد العناصر المعمارية المصرية عموما ممثلة فى الأعمدة، ورءوسها على شكل زهرتى اللوتس والبردى، ورءوس الآلهة، ويبدو الأمر منطقيا عندما نعلم أنه عندما كانت اليونان تبدأ خطواتها الأولى على طريق الحضارة، كانت مصر تنتج روائعها الفنية قبل ثلاثة آلاف عام على الأقل.

ومع ذلك فمن الخطأ أن نعتبر حضارة اليونان تقليدا لما أنجزه المصريون، فالتقليد لا ينتج حضارة، ولكن الخيط الذى أمسكوا بطرفه فى مصر، عملوا على تطويره بطريقتهم، حتى صارت لهم أنماطهم الفنية المستقلة، والتى تقوم على فلسفة، ومنطلقات جمالية مختلفة، وعموما اهتم اليونانيون بالأفكار المجردة والنظريات، وابتعدوا عن السيمترية فى الشكل، واهتموا بالحركة، والتعبير فى المنحوتات.

كما قاموا بتلوين التماثيل أسوة بالمصريين، وهى الألوان التى سقطت بفعل الزمن، لذلك سنجد أن فنانى عصر النهضة، وهم يستلهمون المنحوتات اليونانية، وجدوها وقد فقدت ألوانها، ولذلك تبنوا النحت غير الملوّن، واستعاض البعض عن التلوين بالتباين بين الصقل والخشونة، مثل مايكل أنجلو، لكن النحت الملون عاد للظهور نهايات القرن التاسع عشر مع الحداثة الأوروبية، ليتصل مجددا بالأصول اليونانية والمصرية.

فى أواخر القرن التاسع عشر، رسم بلاشفيلد لوحته الشهيرة التى تتصدر إلى الآن القاعة المستديرة بمكتبة الكونجرس، وتحمل اسم «تطوُّر الحضارة». وتضم مصر فاليونان فروما فالمسلمين فأمريكا. وبعد ذلك بقليل، وفى عدة كتب تبنى هنرى بريستيد فكرة أن المصريين هم أصل الحضارة التى امتدت إلى اليونان، ومنها إلى الغرب الحديث، وقد باتت هذه الرؤية معترفا بها على نطاق واسع، لدى الأكاديميات والمؤسسات المعنية بتاريخ الحضارة والفنون، وحتى فى سيناريوهات العرض بالمتاحف الموسوعية، والتى تعرض الفن المصرى، بوصفه المرحلة التأسيسية والجذر الأول للفنون الغربية.

فى كتاب «تاريخ الفن الغربى.. وجهات نظر حديثة» الذى اشترك فى كتابته عدد من منظرى الفنون، تم التوسع لمحاولة الإحاطة بكل الروافد حتى الصغيرة منها التى صبت فى نهر الإبداع الغربي، وقد جاء الفن المصرى القديم بوصفه الجذر الرئيسى، لأسبقيته التاريخية، ونضوجه، وتأثيره القوى فى الحضارات اللاحقة، كما أنه حاز السبق فى كثير من المنجزات والمفاهيم الفنية، مثل الرمزية والتجريد، وفن الكاريكاتير، وفنون الرسم، ونحت المواد المختلفة، وتقنيات الصب، وتكنولوجيا الألوان، ودلالاتها التعبيرية، بل وتعدد المدارس الفنية، وتنوع الموضوعات، وطرق التناول، والتقنيات، وابتكار الرسوم الجدارية بطريقة «الفريسك»، باستخدام الجص، والأكاسيد المعدنية، مع وضع طبقة للحماية، وربط العمارة بالبيئة، وحتى بالفلك، كما روض المصريون القدماء الضوء، لإبراز جماليات النحت الجدارى، واستخدموا المواد المناسبة لكل نوع من المنحوتات، كما فى اعتماد الخشب لنحت تماثيل «الكا» المعبرة عن الروح، كذلك حققوا السبق فى تشكيل الزجاج، وصنع الحلى، واستخدام البردى فى الكتابة والرسم، وفى وقت لاحق كانت «وجوه الفيوم» التى وضعت على التوابيت حاملة صور وجوه الموتى أساسا لفنون التصوير الزيتى الغربى فيما بعد.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة