توفيق الحكيم
توفيق الحكيم


حكاية نادرة عمرها 59 سنة.. أم توفيق الحكيم: أنا بطلة «عودة الروح»!

آخر ساعة

الجمعة، 19 أغسطس 2022 - 09:34 م

كتب: أحمد الجمَّال

حكاية نادرة نشرتها «آخرساعة» قبل نحو 59 عامًا، تحمل الكثير من التفاصيل المهمة التى تعكس جانبًا من حياة وشخصية أديبنا الراحل توفيق الحكيم (1898-1987). هذا التحقيق الصحفى الذى يحمل توقيع الكاتبة الكبيرة والناقدة الفنية الراحلة إيريس نظمي، تناول أبعادًا جديدة فى كواليس رواية «عودة الروح» التى انتهى الحكيم من كتابتها عام 1927 عندما كان طالبًا فى فرنسا، ونشرها سنة 1933. لكن أروع ما فى هذا التحقيق هو أن إيريس نظمى شيّدت سطوره من خلال حديثها مع الأديب الراحل خيرى شلبى، الذى تولى تحويل الرواية إلى عمل إذاعى، بجانب تصريحات نادرة لوالدة توفيق الحكيم ذات الأصول التركية، السيدة أسماء البسطامى، كشفت فيها أنها بطلة رواية «عودة الروح» وأن ابنها استوحى كل أبطال العمل من شخصيات حقيقية هم أقاربه! تفاصيل الحكاية نعيد نشرها فى السطور التالية:

أم توفيق الحكيم أصبحت حديث الناس فى موسكو.. إنها بطلة قصة «عودة الروح» التى كتبها الأديب العظيم وطبعتها موسكو على أسطوانات ويذيع حلقاتها برنامج «صوت العرب»، وقد تكلمت أم توفيق الحكيم وقالت لـ«آخرساعة» رأيها فى أعمال ابنها وأذاعت هذا السر.

فوجئ توفيق الحكيم وهو يجلس فى مكتبه بالمجلس الأعلى للفنون والآداب بشاب نحيف يضع منظارًا أسود فوق عينيه ويقول له فى خجل شديد إنه قد انتهى من إعداد روايته الطويلة «عودة الروح» إعدادًا إذاعيًا لتقدمها إذاعة «صوت العرب» فى حلقات مسلسلة لمدة شهر كامل وتستغرق إذاعة الحلقة الواحدة خمس عشرة دقيقة.

إقرأ أيضًا| يعود لـ50 عامًا مضت.. ننشر حوار أمينة النقاش مع توفيق الحكيم

أجر 500 جنيه
سأله توفيق الحكيم عن الأجر الذى سيتقاضاه نظير إذاعة «صوت العرب» لقصته. وقال خيرى شلبي: إن الإذاعة تقسِّم الكتاب إلى درجات.. وأنت باعتبارك كاتب درجة أولى ستتقاضى 500 جنيه.
وقال له توفيق الحكيم بعد أن قرأ الحلقة الأولى التى ستقدمها له إذاعة «صوت العرب» إنه موافق. فرد عليه خيرى شلبى طالبًا منه موافقة تحريرية، فقال الحكيم: «أنا اتفاقاتى دائما بالكلمة».

وفى اليوم التالى عاد خيرى شلبى إلى المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب، ودخل مكتب توفيق الحكيم ليقول له إنه مقتنع بطريقة الجنتلمان فى المعاملة ولكن الإذاعة لا تعترف بها. فسأله توفيق الحكيم: «وماذا تريد؟» فرد: «موافقة كتابية»، فقال توفيق الحكيم: «إذن قدِّم لى طلبًا تعرض فيه المشروع».
وأسرع خيرى شلبى وكتب طلبًا باسم الكاتب الكبير توفيق الحكيم.. ورجاء الموافقة على تقديم قصتة للإذاعة..
وقرأ توفيق الحكيم الطلب وأخرج قلمه وكتب فى نهاية الطلب الآتي: «موافق على إعداد (عودة الروح) للإذاعة فى ثلاثين حلقة مع الاحتفاظ لنا بكافة الحقوق المادية والأدبية وذلك لإذاعتها فى (صوت العرب) فقط، مع إطلاعنا على سير العمل فى الإعداد».. وأعاد الطلب إلى خيرى شلبى الذى قرأه وسأل الحكيم: «وأين التوقيع؟»، فقال له وهو يبتسم: «تريد موافقتى وتوقيعى أيضًا؟ ألا يكفيك خطى؟» ثم وقّع باسمه.

منافسة دنماركية
و«عودة الروح» لن تكون القصة الوحيدة لتوفيق الحكيم التى ستذيعها إذاعة «صوت العرب» على حلقات، ففى نفس الوقت الذى ستستمع فيه إلى حلقات «عودة الروح» ستقدم إذاعة الدنمارك رواية «يوميات نائب فى الأرياف» على حلقات مسلسله أيضًا، فقد تلقى المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب خطابًا من سفيرنا هناك يحمل هذا النبأ.

قال السفير إن الإذاعة الدنماركية تبحث عن مجموعة من أسطوانات الموسيقى الشعبية المصرية لتذاع هناك فلم تجد، فطلبت بعض هذه الأسطوانات وملخصًا لحياة توفيق الحكيم لإذاعته مع روايته التى ستقسَّم على حلقات.. وطلب السفير فى نهاية رسالته مجموعة من بقية مؤلفات توفيق الحكيم.

وفى نفس الوقت الذى ستذيع فيه إذاعة «صوت العرب» حلقات «عودة الروح» وتقدِّم إذاعة الدنمارك مسلسله «نائب فى الأرياف».. سيحدث فى الاتحاد السوفيتى شيء ثالث.. ستظهر الترجمة السوفيتية لقصة «عودة الروح» التى يتم ترجمتها إلى اللغة الروسية للمرة الثانية، وستطبع منها 50 ألف نسخة، وهو أكبر رقم تسجله مطابع الاتحاد السوفيتى بالنسبة إلى قصة تُترجم عن الأدب العربى للمرة الثانية، أما المرة الأولى فكانت فى عام 1935 وبعدها ظهرت ترجمته لنفس القصة فى كندا والنمسا وفرنسا وإيطاليا.

أمتع ما كتب ابنى
والمرشح لتأدية أدوار البطولة فى قصة «عودة الروح» أمام الميكروفون مجموعة من نجوم السينما والإذاعة من بينهم عماد حمدى وليلى فوزى، وتعتبر فى نظر السيدة أسماء البسطامى والدة توفيق الحكيم (عمرها وقتذاك كان حوالى 70 سنة) من أروع أعماله الأدبية.. إنها تقول عنها بالحرف الواحد: «إن (عودة الروح) من أمتع ما كتب ابني».. ثم تكشف سرًا جديدًا عن أبطال الرواية فتقول: «لقد رسم ابنى معظم شخصيات الرواية من بين أفراد العائلة، فأنا السيدة التركية بنت السلطان، وعمته (جليلة) هى (زنوبة)، وعمه (حسن الحكيم) هو الذى يلعب دور (حنفي) فى الرواية».

المؤرخ الحكيم
وصاحب رواية «عودة الروح» الذى صــوَّر فيهـا قصة حياتنا فى الريف منذ حوالى نصف قرن، وتنبأ بكل ما يحدث فى مجتمعنا الآن من تطوُّر عندما قال: «لا تعجب لهذا الشعب المتماسك المتجانس، والمستعد للتضحية إذا أتى بمعجزة أخرى غير الأهرام»، لا يستطيع الكتابة الآن إلا فى أوقات محدودة وبحساب لا يمكنه أن يتجاوزها.. والسبب هو المرض الذى أصابه منذ عامين فى معدته وحتى بعد شفائه وضع له الأطباء رچيمًا خاصًا لا بالنسبة للطعام وحده ولكن بالنسبة إلى العمل أيضًا، فهو لا يقرأ ولا يكتب إلا بحساب وغير مسموح له بغير فنجان قهوة واحد فى اليوم.

ويصــــف الكـــاتب الكــــبير حيــاته الآن فيقول: «إن حيــــاتى اليــــومية تنقسم إلى قسمين، الأول هو عملى فى المجلس الأعلى لرعاية الفنون والآداب فـــــــــى الصبــــاح، وأمضــــى القسم الثـــــانى فى الاســـــتماع إلـى برامـــج الراديــو ومشاهدة التلفزيون وأحــــــاديث العائلــــــة التـــــــى تمتـــد عندما تزوره السيدة والدته فى أول كـــل عام لتقدم هديتها السنوية وهى 500 جنيــــــــه تســــــلمها لحفيــــــدها إسماعيل ولشقيقته زينب».
سألتُ خيرى شلبى الذى تولى تحويل «عودة الروح» من عمل أدبى إلى عمل إذاعى عن علاقته بأدب توفيق الحكيم فقال: «قرأت كل إنتاجه الأدبى.. ومنذ عامين بدأت أعيد قراءة كل إنتاجه القديم، واخترت (عودة الروح) وحوّلتها إلى عمل إذاعي».

وتابع: «عندما فكرتُ فى الذهاب لمقابلته وعرض ما كتبته عليه، قالوا لى إننى لن أنجح فى إقناعه، وعندما ذهبت إليه فى مكتبه وعرضت عليه الفكرة لم يرد بكلمة واحدة.. وتذكرت ما سمعته وبدأت أتحرك من فوق مقعدى وأنا أستعد لمغادرة مكتبه، فسألنى مرة أخرى عما أريده، فأعدت عليه ما قلته، ويبدو أنه فى خلال الدقائق القليلة التى أمضاها فى صمت كان يفكر قبل أن يقول رأيه.. هل يوافق أم يرفض.. ووافق بعد أن قرأ الحلقة الأولى مكتفيًا بها».

قصة بلدنا
وقال إسلام فارس الذى سيتولى إخراج «عودة الروح»، والذى أخرج من قبل «الأيام» للدكتور طه حسين: «إن الرواية التى ستُقدَّم على ثلاثين حلقة تروى قصة بلدنا، ماضيه بكل ما كان فيه من استعمار تركى واستعمار إنجليزى، وبالحرية التى حققها لنفسه والمستقبل المشرق الذى تعيشه الآن والذى تنبأ توفيق الحكيم بكل تفاصيله وتحدث عنه فى روايته وكأنه مؤرخ للحاضر ولم يكتب (عودة الروح) فى الماضي».

إن آخر أخبار توفيق الحكيم الذى كتب «عودة الروح» عندما كان فى باريس عام 1927، أنه قرَّر أن يُشرِف بنفسه على إخراج مسرحياته التى سيقدَّمها المسرح ابتداءً من الموسم المسرحى القادم.. أما تحويل إنتاجه الأدبى إلى أعمال إذاعية فسيكتفى بمراجعة نصوص كل حلقة قبل موعد تسجيلها.
(«آخرساعة» 20 مارس 1963)

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة