صورة موضوعية
صورة موضوعية


‏Ted Lasso.. قليل من كرة القدم كثير من الكوميديا

د.محمد كمال

السبت، 20 أغسطس 2022 - 03:54 ص

أصبحت المسلسلات التي ترتبط بكرة القدم تحتل مساحات واسعة بعد انتشار المنصات التي تحولت إلى طرف مهم لإنتاج تلك الأعمال خاصة الدوري الإنجليزي الذي يعد الأقوى والأشهر والأفضل منذ عدة أعوام لدرجة جعلت منصة أمازون برايم تنتج سنويا فيلم عن مسيرة أحد فرق هذا الدوري خلال عام وكان أخرهم “All or Nothing: Arsenal” الذي تناولوا خلاله الموسم الخاص بفريق أرسنال اللندني، مما جعل منصة “أبل تي في” أن تقتحم تلك المنطقة الخاصة بالدوري الإنجليزي لكن بتجربة مغايرة تماما عن ما قدمته المنصات الأخرى بعيدة عن الجانب التسجيلي أو التوثيقي تجربة روائية في مسلسل من جزئين يحمل اسم “Ted Lasso” حيث يتكون الجزء الأول من 10 حلقات والثاني 12.

تيد لاسو هو اسم بطل العمل مدرب أمريكي له تجربة مميزة مع إحدى فرق كرة القدم الأمريكية في بطولة الهواة اذا أنه جعلهم يحصدون اللقب وينتقلون للعب في بطولة المحترفين للمرة الأولى في تاريخهم،ومن الطبيعي في عالم الرياضة و كرة القدم بشكل خاص أن المدرب الذي يحقق نجاحات مع فريق صغير يصبح محل أنظار الفرق الأكبر وهذا ما حدث للاسو لكن النقلة لم تكن لفريق أكبر فحسب بل كانت إلى رياضة أخرى وهي كرة القدم وفي الدوري الإنجليزي أقوى بطولة كروية في العالم، وهنا يوجد سؤالين .. كيف ولماذا؟

نبدأ بكيف .. استعانت به ريبيكا ويلتون التي استحوذت على ملكية نادي ريتشموند أحد أندية لندن الذي يأتي في وسط ترتيب جدول الدوري الإنجليزي بعد طلاقها من زوجها روبرت شديد الثراء والشخصية المؤثرة لدى جماهير هذا النادي،

إقرأ أيضًا

 

أما الإجابة على لماذا فهي مكملة للأولى حيث أن ريبيكا بعد الطلاق أرادت الانتقام من طليقها فأصبح لديها رغبة في إفشال مسيرة النادي في الدوري الإنجليزي لهذا فقد استعانت بمدرب كرة قدم أمريكية للهواة بل والأكثر أن ريبيكا تدخلت أثناء عمل لاسو لتدمير مسيرته تماما من خلال وضع عراقيل مثل انهاء إعارة جيمي تارت أفضل لاعب في الفريق فجأة، تقوم ريبيكا بتسليط أحد الصحفيين للإيقاع بلاسو، وتحاول استغلال صورة عفوية مع كيلي مسئولة التسويق بالنادي ونشرها في الصحف.

تبدأ الأحداث في الطائرة ثم مطار هيثرو بلندن حيث يصل المدير الفني تيد لاسو ومساعده المدرب بيرد إلى لندن قادمين من أمريكا لقيادة الفريق اللندني وهذه النقلة عبر عنها المسلسل في أمرين بهما خطين شديدي الكوميديا، الأول انتقال لاسو ومساعده من رياضة إلى أخرى مختلفة وهذا ما جعل الكوميديا تنفجر خلال المؤتمر الصحفي على سبيل المثال عندما قال لاسو “سأحاول جاهدا الفوز خلال الأشواط الأربعة” على أساس أنه قادم من “الأمريكان فوتبول” بينما كرة القدم العادية تتكون من شوطين فقط وأيضا على طول الحلقات لم يفهم لاسو مطلقا قاعدة التسلسل في قانون كرة القدم، أما الأمر الثاني كان الاختلاف الواضح بين الثقافتين الأمريكية والإنجليزية وهو الأمر الذي ارتكز عليه المسلسل طوال الأحداث على غرار المترادفات المختلفة في اللغتين والأمثال الشعبية والسينما وحتى المشروبات وعشق الإنجليز للشاي الذي كان محل سخرية دائمة من قبل لاسو.

تيد لاسو شخصية ساحرة ساخرة تترك بصمة في كل من يتعامل معه قد يكون مدرب مقحم على كرة القدم يحمل ثقل ظل لدى جماهير نادي ريتشموند لدرجة أنهم لقبوه بالرذيل لكن تلك هي عظمة شخصية لاسو فهو للوهلة الأولى يبدو مزعج ساذج لكن بمرور الوقت يكتشف الآخر أنه شخص شديد الخصوصية والذكاء بل ولديه فكر عميق رغم سخريته وخفة ظله الدائمة التي يحاول قاصدا من خلالها إخفاء جوانب أخرى في شخصيته.

على مستوى كرة القدم مسيرة لاسو مع الفريق لم تكن جيدة على مستوى النتائج فقد هبط الفريق في المبارة الأخيرة لكن وجود لاسو داخل جدران نادي ريتشموند أعاد الحياة لغرفة تبديل الملابس والعلاقات بين اللاعبين، كان للاسو تأثير إيجابي على شخصيات جميع العاملين بداية من مالكة النادي ريبيكا التي أصبحت شيئا فشئيا تتعاطف معه وتدعمه وأيضا مساعدها هينجز الذي كان أول من اكتشف شخصية لاسو، وأيضا ناثان أو نايت العظيم عامل غرفة الملابس الذي تحول بفضل لاسو إلى منصب المدرب المساعد في الفريق، صنع لاسو رغم خبرته الضئيلة في كرة القدم حالة شديدة الخصوصية لدى النادي ولدى جماهيره أيضا الذين تحولوا إلى أصدقاء للاسو رغم انتقادهم الدائم له.

ظهر الجزء الأول بصورة مميزة في كل شئ خاصة على مستوى الكوميديا من خلال مواقف ومفارقات شديدة الإتقان والصنع فلم يكن المسلسل يضع التركيز الأول على كرة القدم أو الدوري الإنجليزي لكن كان الهدف هو الغوص في أعماق تلك الشخصيات بشكل تدريجي وكيفية تأثير لاسو عليهم وتأثير كلا منهم على الآخر، وكل هذا يعود الفضل له إلى تيد لاسو.

بدأ الجزء الثاني بهبوط فريق ريتشموند إلى “شامبيون شيب” ويستهل موسمه بـ8 تعادلات متتالية مع ذلك تصر ريبكا على استمرار مسيرة تيد وعمله مع الفريق خاصة مع نجاحه في عودة نجم الفريق جيمي تارت وأيضا إقناع كابتن الفريق السابق اللاعب الأسطوري روي كينت بالعمل كمدرب في الفريق بعد الاعتزال، بل والاكثر تحسين علاقة الثنائي روي وجايمي، وتخلص داني روخاس المحترف المكسيكي من أزمته النفسية، وأيضا استعادة كابتن الفريق إيزاك مكادو ثقته بنفسه.

ارتكز الجزء الثاني على العلاقات العاطفية الثنائية بين الأبطال وعلاقة الأبطال العاطفية السابقة مثل ريبيكا مالكة النادي مع سام أوبسنيا اللاعب النيجيري صاحب الـ 21 عاما ومحاولة ريبكا التخلص من حبها لروبرت والتقرب من والدتها، وعلاقة روي كينت وكيلي ثم توتر العلاقة بعد عودة جيمي تارت، وأيضا علاقة المدرب بيرد وصديقته جاين مع وجود خط بسيط حول هيجنز وزوجته وزاجهما المستمر من 30 عاما، وأيضا الجنوح خلال النصف الثاني من هذا الجزء إلى توضيح التفاصيل الخاصة بماضي تيد لاسو وأزمته مع انتحار والده التي جعلته يصاب بنوبات هلع مع ظهور الطبيبة النفسية للفريق شارون التي دعمت تيد للتحدث معها والتخلص من أزمته النفسية.

ثم علاقة ناثان التي توترت مع لاسو حيث ان نايت أصبح يرى أن لديه القدرة ان يكون الرجل الأول أفضل من لاسو، بشكل عام في الجزء الثاني انحسرت المشاهد الخاصة بمباريات كرة القدم وتم التركيز على تلك الجوانب الإنسانية والاجتماعية في علاقات الأبطال لكن ظل الخط الكوميدي مستمر حتى النهاية.

قدم جايسون سوديكس من خلال شخصية تيد لاسو أفضل دور في مسيرته وحقق هذا الدور نقلة كبيرة له فقد تم اكتشاف من خلاله جوانب كوميدية وقدرات تمثيلية في مساحات لم تتحقق له من قبل ولم يتخلف الأمر عند بقية الأبطال فالجميع أدوا أدوارهم بمنتهى الاتقان لكن يظل الأداء الأفضل ما قدمه الأمريكي برندان هانت في دور المدرب بيرد رغم أنه كان الأقل على مستوى الجمل الحوارية لكن أدائه اعتمد على النظرات والإشارات وذلك لإظهار التفاهم الكبير الذي يجمعه بالمدرب لاسو وكان المدرب بيرد هو البطل الرئيسي في الحلقة التاسعة من الجزء الثاني بعد الهزيمة المذلة من مانشستر سيتي يترك استاد ويمبلي ويدخل في رحلة يعيد خلالها تقييم حياته مشواره المهني وعلاقته العاطفية بجاين.

انتهى الجزء الثاني بنجاح فريق ريتشموند تحت قيادة تيد لاسو بالعودة إلى الدوري الإنجليزي بعد التعادل مع فريق برنتفورد لتكلل مسيرة لاسو مع الفريق بتتويج الصعود مرة أخرى لكن يبدو أن الصراع مازال مستمر بعد المشهد الأخير الذي ظهر خلاله ناثان وهو يقود تدريبات فريق وستهام يونايتد الذي اشتراه روبرت طليف ريبيكا مالكة نادي ريتشموند أي أن صراع شرق لندن الذي يمثله وستهام وغرب لندن المتمثل في ريتشموند ليس فقط مجرد صراع في ديربي المدينة لكنه أيضا صراع بين روبرت وريبكا من ناحية والآن مواجهة بين تيد لاسو ومساعده السابق ناثان، أي أن هناك جزء ثالث من العمل وأن الكوميديا الكروية والحرب الثقافية الإنجليزية الأمريكية مستمرة.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة