الدكتورة رانيا المشاط
الدكتورة رانيا المشاط


وزيرة التعاون الدولي تكتب: الاقتصاد الأخضر في مصر وآفاق التنمية

بوابة أخبار اليوم

الأحد، 21 أغسطس 2022 - 02:57 م

في سبعينيات القرن الماضي، وبعد أكثر من نحو قرنٍ ونصف على الثورة الصناعية التي ساهمت بشكل كبير في زيادة الانبعاثات الضارة، وارتفاع درجة حرارة الأرض بسبب الاحتباس الحراري، تحول الاهتمام العالمي بالتغير المناخي إلى قضية محورية ونداء عاجل للمجتمع الدولي لتعزيز العمل المناخي لمواجهة الخطر الذي يُهدد كوكبنا، ليبدأ العمل الطوعي من جانب النشطاء والمهتمين بالأرض. وقد تلى ذلك انعقاد مؤتمر المناخ العالمي الأول عام 1979، قبل أن تتوالى النداءات والخطوات وصولًا إلى توقيع اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن التغيرات المناخية، التي حولت الاهتمام بالمناخ إلى إجراءات والتزامات يجب أن يقوم بها المجتمع الدولي للحفاظ على الكوكب.

وإن كان العالم يعمل الآن على استكشاف ما يدور في الفضاء الخارجي، مُستغلًا التطور العلمي المذهل الذي توصل إليه، ويُحاول معرفة ما إذا كانت توجد حياة على الكواكب الأخرى بمجموعتنا الشمسية، فإنه يجب ألا تمنعنا هذه الجهود من الحفاظ على حياتنا وكوكبنا الذي وُهِبْناه؛ حيث لا يخفى على أحد أن الممارسات غير السليمة من القطع الجائر للغابات، وانبعاثات الغازات الضارة، وغيرها من الأفعال، تتسبب في تسريع وتيرة التغير المناخي وارتفاع درجة حرارة الأرض، الأمر الذي ينعكسُ سَلبًا على كافة مناحي حياتنا ويتسبب في التأثير على الموارد المائية وتوافرها، وارتفاع مستوى سطح البحر، وتهديد جهود التنمية، وهنا لا فرق بين دولة متقدمة وأخرى نامية، فالكل سيتأثر حتى وإن كان التأثيرُ متفاوتًا بين دولة وأخرى.

في هذا السياق، تحاول هذه المقالة تقييم حدود فعالية الإجراءات التي تم تنفيذها فيما يخص التخفيف من حدة الآثار السلبية المرتبطة بتغير المناخ، ثم مناقشة أبرز جهود الدولة المصرية لتحفيز العمل المناخي، والتحول نحو الاقتصاد الأخضر والشامل، من أجل ضمان مستقبل مستدام يدعم قدرتها على مواجهة الصدمات المستقبلية، ويجعلها عضوًا فاعلًا في مواجهة التغيرات المناخية. ونظرًا لارتباط العمل المناخي بالتنمية، فإن المقالة تبرز أهمية رئاسة مصر لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ COP-27، المقرر عقده في نوفمبر القادم في شرم الشيخ، من أجل دفع التعهدات المناخية العالمية نحو التنفيذ، ومحاولة تتويج الجهود المصرية المبذولة على مدار السنوات الماضية للتحول إلى الاقتصاد الأخضر المتوافق مع البيئة. كما تلقي المقالة الضوء على أهمية التعاون متعدد الأطراف، والعمل المشترك بين الأطراف ذات الصلة من أجل تعزيز العمل المناخي. وفي إطار دعم تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية، والاستعدادات الحكومية لمؤتمر المناخ في شرم الشيخ COP27، تبرز المقالة أهم الجهود التي تضطلع بها وزارة التعاون الدولي في هذا الشأن.

أولًا: حدود فعالية إجراءات مناهضة تداعيات التغيرات المناخية

بعد عقود من المناقشات حول العمل المناخي، يبدو أن الإجراءات التي تُنفذ بالفعل على أرض الواقع ليست على قدر التوقعات، وهنا لابد أن نشير إلى كلمة السيد "أنطونيو جوتيريش"، الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة، التي وجهها للعالم في حوار بيترسبرج حول المناخ لعام 2022، والتي أكد فيها أنه "لا توجد دولة مُحصنة ضد تداعيات التغيرات المناخية، يجب علينا إعادة بناء الثقة والعمل معاً للحفاظ على (هدف) الـ1.5 درجة مئوية وبناء مجتمعات قادرة على التكيف مع تغير المناخ. يجب أن تكون الوعود التي قُطعت هي وعود يتم الوفاء بها. نحن بحاجة إلى المضي قدماً معاً على جميع الجبهات: التخفيف والتكيف والتمويل والخسارة والأضرار. لحماية الناس والكوكب، نحتاج إلى نهج شامل يحقق كل ركيزة من ركائز اتفاق باريس بوتيرة ونطاق واسعين".

كما عكست كلمة الأمين العام التأثر الكبير لقارة أفريقيا والدول النامية بالتغيرات المناخية على عكس الدول الأخرى؛ حيث قال: "الناسُ في أفريقيا وجنوب آسيا وأمريكا الوسطى والجنوبية أكثر عرضة بخمسة عشر مرة للوفاة من الأحداث المناخية القاسية. هذا الظلم العظيم لا يمكن أن يستمر. دعونا نضمن تغطية أنظمة الإنذار المبكر الشاملة في السنوات الخمس المقبلة كبداية".

ويبدو أن جهود العالم للحفاظ على كوكب الأرض من التغيرات المناخية لم تصل للمأمول، لذا فإن الهيئة الحكومية الدولية المعنية بالتغيرات المناخية، أصدرت تقريرًا في أكتوبر 2018، حول التقدم العالمي نحو الحفاظ على ارتفاع درجة حرارة الأرض عند 1.5 درجة مئوية، لتؤكد أن تحقيق ذلك يتطلب إجراءات سريعة ومتتالية على المدى الطويل وفي كافة الجوانب سواء الطاقة أو الصناعات أو استدامة المباني والمدن من أجل خفض الانبعاثات الضارة بنسبة 45% في عام 2030 مقارنة بمعدلات عام 2010، وصولًا إلى "صفر انبعاثات"، بحلول عام 2050، وهو ما يجنبنا العديد من الآثار السلبية المدمرة إذا ما استمرت درجات الحرارة في الارتفاع فوق هذه النسبة.

من أجل ذلك فإن العقد المتبقى حتى عام 2030، أضحى عقدًا فاصلًا من العمل الجاد، من أجل تنفيذ أهداف التنمية المستدامة وفي القلب منها الهدف 13 المعني بالعمل المناخي؛ حيث يجب أن ينتبه إليه العالم والأطراف ذات الصلة، من أجل اتخاذ السياسات اللازمة للتحول إلى الاقتصاد الأخضر والشامل والعادل والمستدام، استنادًا إلى الاتفاقيات الدولية والعهود التي قطعها العالم على نفسه، مثل: الاتفاقية الإطارية للتغيرات المناخية، واتفاق باريس للمناخ، وغيرهما من المواثيق والاتفاقيات التي تلتزم بها كافة دول العالم.

أضف إلى ما سبق، فإن المجتمع الدولي يدرك، أن تحقيق التحول إلى الاقتصاد الأخضر يتطلب استثمارات وتمويلات تريليونية لاسيما لمشروعات التكيف مع التغيرات المناخية في الدول النامية والاقتصاديات الناشئة، التي تُسهم بنسب قليلة جدًا في الانبعاثات الضارة عالميًا وهي الأقل استفادة أيضًا من هذه التمويلات؛ حيث تشير تقديرات وبيانات منظمة الأمم المتحدة أن أغلب الانبعاثات الضارة تصدُر عن عدد قليل من البلدان. وتتسبب 10 من أكبر الدول المتقدمة عالميًا في 68% من الانبعاثات الضارة أي أكثر من الثلثين، بينما 46% من هذه الانبعاثات تصدر عن ثلاث دول فقط هي: الصين، والولايات المتحدة، ومنطقة الاتحاد الأوروبي، في حين 3% من الانبعاثات تصدر عن البلدان الأقل تسببًا في الانبعاثات الضارة.

وتكشف بيانات منظمة الأمم المتحدة، أن الجهد العالمي لتقلي الانبعاثات آخذ في الزيادة؛ حيث حددت أكثر من 70 دولة، بما في ذلك أكبر الجهات المسببة للتلوث المتمثلة في الصين والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي، هدف صافي صفري، يغطي حوالي 76٪ من الانبعاثات العالمية. ووضعت أكثر من 1200 شركة أهدافًا قائمة على العلم بما يتماشى مع هدف صافي صفري، وانضمت أكثر من 1000 مدينة وأكثر من 1000 مؤسسة تعليمية وأكثر من 400 مؤسسة مالية إلى السعي إلى الصفر ، وتعهدت باتخاذ إجراءات صارمة وفورية لخفض الانبعاثات العالمية إلى النصف بحلول عام 2030.

ثانيًا: مساعي مصر للتحول إلى الاقتصاد الأخضر وفرص تحقيق التنمية الاقتصادية

تعد مصر من بين أكثر الدول المعرضة للتغيرات المناخية، رغم أنها لا تساهم سوى بنسبة قليلة للغاية في الانبعاثات الضارة على مستوى العالم، وقد بادرت الدولة المصرية في الالتزام بالاتفاقيات الدولية؛ حيث وقعت على اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغيرات المناخية عام 1994، كما وقعت على بروتوكول كيوتو الملحق بالاتفاقية عام 2005، والذي يتضمن تقديم تقارير الإبلاغات الوطنية، كما وقعت على اتفاقية باريس للمناخ ضمن 194 دولة.

ولم تألُ الدولة المصرية بقيادة السيد الرئيس عبدالفتاح السيسي، جهدًا في دفع الجهود العالمية لتحفيز العمل المناخي، والتأكيد – في كل المحافل الدولية - على أهمية دعم المجتمع الدولي للدول النامية والاقتصادات الناشئة في تنفيذ طموحها المناخي من خلال تنفيذ التعهدات المالية التي قطعتها الدول المتقدمة على نفسها.

ولعلنا هنا نذكر جزءًا مما قاله السيد الرئيس في حوار بيترسبرج للمناخ بألمانيا، يوم 18 يوليو 2022، والذي يعكس الجهود التي قامت بها الدولة المصرية؛ حيث قال سيادته "سارعت مصر منذ وقت مبكر باتخاذ خطوات فعالة في سبيل التحول إلى نموذج تنموي مُستدام يتسق مع جهود الحفاظ على البيئة ومواجهة تغير المناخ، ليس فقط إيماناً منها بحق أبنائها وأجيالها القادمة في مستقبل أفضل، وإنما أيضاً لوعيها بما يمثله التحول الأخضر من فرصة واعدة لتحقيق التنمية الاقتصادية في العديد من القطاعات الحيوية؛ فعلى سبيل المثال، تقوم مصر بخطوات جادة لرفع نسبة مساهمة الطاقة المتجددة في مزيج الطاقة، وتعكف في الوقت الراهن على إعداد استراتيجية شاملة للهيدروجين، وتسعى إلى تنفيذ خطط طموحة للربط الكهربائي مع دول المنطقة على نحو يجعل من مصر مركزاً للطاقة المتجددة في منطقتها، فضلاً عن الجهود المستمرة لرفع كفاءة استخدام الطاقة وخفض انبعاثات الكربون والميثان في قطاع البترول والغاز.

وفي قطاع النقل، تنفذ مصر خططاً واسعة النطاق لزيادة الاعتماد على وسائل النقل النظيفة من خلال التوسع في شبكات المترو والقطارات وتوطين صناعة السيارات الكهربائية، وبالتوازي مع ذلك، عززت مصر من خطواتها الرامية إلى التكيف مع الآثار السلبية لتغير المناخ، بما في ذلك من خلال مشروعات ترشيد استخدامات المياه وتبطين الترع والإدارة المتكاملة للمناطق الساحلية وآليات الإنذار المبكر وغيرها".

ولعل الجهود التي تقوم بها مصر تؤكد توجهها نحو التحول إلى الاقتصاد الأخضر والشامل، من أجل ضمان مستقبل مستدام يدعم قدرتها على مواجهة الصدمات المستقبلية، ويجعلها عضوًا فاعلًا في مواجهة التغيرات المناخية، ففي قطاع الطاقة على سبيل المثال يجرب تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للطاقة المستدامة التي أطلقت عام 2015، وساهمت بشكل كبير في زيادة الطاقة الكهربائية لتتحول مصر من العجز إلى الفائض، وتسهم في دعم قدرات الدولة لتصدير الطاقة وتنفيذ خطط الربط الكهربائي مع الدول المجاورة . قد ساهمت هذه الاستراتيجية في زيادة الاستثمارات الخاصة والعامة والأجنبية، ودفعت مصر للتقدم 67 مركزًا وفقًا لمؤشر الحصول على خدمات الكهرباء بين عامي 2014 و2019. وتستهدف الاستراتيجية زيادة مزيج الطاقة المتجددة من إجمالي الطاقة المولدة لنحو 42% بحلول عام 2035.

كما بدأت الدولة في اتخاذ خطوات ملموسة للتوسع في إنتاج الهيدروجين وتوطين هذه الصناعة، في ظل الفرص الواعدة التي تمتلكها السوق المصرية في إنتاج الهيدروجين الأخضر، في ظل توافر مصادر الطاقة المتجددة والمساحات الواسعة من الأراضي لإقامة المشروعات وجذب الاستثمارات، بما يعزز رؤية الدولة للتحول إلى مركز إقليمي لتداول الطاقة.

في قطاع النقل والبنية التحتية تعمل مصر أيضًا على إنجاز مشروعات حيوية للتحول إلى وسائل نقل آمنة وذكية وخضراء، من خلال التوسع في خطوط مترو الأنفاق الصديقة للبيئة، وتنفيذ مشروعات القطار الكهربائي السريع والقطار الكهربائي الخفيف، وكذلك المونوريل، فضلاً عن التوسع في مشروعات الحافلات الكهربائية وتقديم الحوافز للسيارات للعمل بالغاز الطبيعي، كما يجري تدشين أول ميناء جاف بمدينة السادس من أكتوبر في إطار استراتيجية لزيادة مشاركة القطاع الخاص في المشروعات الحيوية ودعم التحول نحو الاقتصاد الأخضر.

إلى جانب ذلك تعمل الدولة على التوسع في مشروعات المياه التي تعزز الإدارة المستدامة للموارد المائية وتقلل الهدر، من خلال التوسع في محطات معالجة مياه الصرف لتصبح صالحة للزراعة، ومن أجل ذلك تم تنفيذ مشروعات منظومة مياه مصرف بحر البقر الذي يعالح يوميًا 5.2 مليون متر مكعب من المياه لاستصلاح نحو 400 ألف فدان بشمال سيناء، وتعمل الدولة على تنفيذ النظم الزراعية المستدامة، واستصلاح نحو 1.5 مليون فدان لزيادة الرقعة الزراعية بنسبة 20% بحلول عام 2030.

وفي قطاع المياه يتم تنفيذ استراتيجية الدولة للمياه للفترة من 2017-2037، باستثمارات 900 مليار جنيه، لتعزيز إدارة الموارد المائية والاستفادة من الموارد المتاحة من خلال محطات تحلية المياه وزيادة كفاءة الموارد المائية، لافتة إلى أن الحكومة عززت الشراكة مع القطاع الخاص لتنفيذ وتشغيل 19 محطة تحلية مياه خلال الفترة (2020-2025)، لتعزيز مصادر المياه.

ثالثًا: مؤتمر شرم الشيخ للمناخ .. من التعهدات إلى التنفيذ

يأتي مؤتمر المناخ COP-27 في مدينة السلام بشرم الشيخ، لتتوج الجهود المصرية المبذولة على مدار السنوات الماضية للتحول إلى الاقتصاد الأخضر، حيث ترأس مصر قمة المناخ في وقت مفصلي للغاية في مسيرة العالم، وسط اضطرابات عالمية تتعلق بالحرب الروسية الأوكرانية فضلاً عن التغيرات المناخية ومحاولة العالم للتعافي من تداعيات جائحة كورونا. وتسعى مصر للبناء على نتائج الدورة السابقة من قمة المناخ التي أقيمت بجلاسجو بالمملكة المتحدة، وشهدت مشاركة فعالة وتأكيد على التزام الدول بأهداف اتفاقية باريس للمناخ، والحفاظ على ارتفاع درجة حرارة الأرض عند مستويات أقل من 2 درجة مئوية، بل وأدرك المشاركون أن العقد المقبل يعد فاصلا بشكل كبير لأجندة العمل المناخي، وهو ما يستلزم التخلص التدريجي من استخدام الفحم، والوفاء بالتعهدات العالمية لتمويل المناخ، ومضاعفة التمويل لمشروعات التكيف.

ونظرًا لأهمية العمل المناخي وارتباطه الوثيق بالتنمية، فإن مصر تسعى من خلال رئاستها لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ COP27، إلى دفع التعهدات المناخية العالمية نحو التنفيذ، والعمل من أجل الوصول لتحول أخضر عادل يراعي فوارق وإمكانيات الدول، لاسيما وأن خريطة توزيع التمويل المناخي عالميًا، وفقًا للمعلومات الواردة عن مبادرة سياسات المناخ، تظهر تباينًا واضحًا، ففي الوقت الذي تعد فيه أفريقيا أقل القارات مساهمة في الانبعاثات الضارة، فإنها تعد أقل مناطق العالم حصولًا على التمويل مستحوذة على 5.5% من التمويل المناخي.

كما تشير البيانات إلى أن التمويل المناخي على مستوى العالم سجل نحو 632 مليار دولار فقط في عام 2019/2020، وهو أقل بكثير من التمويل المطلوب سنويًا والمقدر بنحو 4.13 تريليون دولار، من أجل دعم البنية التحتية وتعزيز قدرتها على التكيف والمرونة وبناء اقتصادات مستدامة وخضراء، وتحقيق المكاسب المأمولة من هذه التحولات؛ حيث تشير البيانات إلى أن التحول إلى الاقتصاد الأخضر عالميًا يحقق مكاسب مباشرة قدرها 26 تريليون دولار حتى عام 2030، كما أنه يمكن أن ينتج 65 مليون وظيفة.

وفي إطار الاستعدادات التي تتم على قدمٍ وساق لرئاسة مؤتمر المناخ، فقد أطلقت مصر استراتيجيتها الوطنية للتغيرات المناخية 2050، والتي تستهدف تحقيق العديد من الأهداف من بينها: تحقيق نمو اقتصادي مستدام، من خلال تحقيق تنمية منخفضة الانبعاثات في مختلف القطاعات، وزيادة مصادر الطاقة المتجددة والبديلة في مزيج الطاقة، وتعظيم كفاءة الطاقة، وتبني اتجاهات للحد من انبعاثات غازات الاحتباس الحراري، وبناء القدرات في ما يخص التكيف مع تغير المناخ، وتخفيف حدة الآثار السلبية المرتبطة بتغير المناخ، لحماية المواطنين من الآثار السلبية لهذه الظاهرة، والحفاظ على الموارد الطبيعية والمساحات الخضراء، وتطوير البنية التحتية والخدمات المرنة في مواجهة تأثيرات تغير المناخ وأدوات الحد من مخاطر الكوارث، وتحسين حوكمة وإدارة العمل في مجال تغير المناخ، وتعزيز شراكة القطاع الخاص في تمويل الأنشطة الخضراء، وتعزيز البحث العلمي ونقل التكنولوجيا وإدارة المعرفة ورفع الوعي لمكافحة تغير المناخ .

كما قامت مصر بتقديم التقرير المحدث للمساهمات المحددة وطنياً إلى سكرتارية اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية للتغيرات المناخية، والذي يأتي كأحد الالتزامات في إطار اتفاق باريس، وتحديثًا للتقرير الصادر في عام 2015، والذي يشمل التزامات جديدة لخفض الانبعاثات في قطاعي الطاقة والنقل، وتحقيق أهداف أكثر طموحًا لمصادر الطاقة المتجددة لخفض الانبعاثات، من خلال توسيع نطاق الطاقة المتجددة على الشبكة من خلال تقليص قدرة الفحم في مزيج التوليد، وتعزيز كفاءة صناعة النفط والغاز، وغيرها من الأهداف.

رابعًا: الشراكات الدولية لدعم التحول الأخضر

ومن الجدير بالذكر أن ما ينادي به المجتمع الدولي من أجل تعزيز العمل المناخي، لن يتحقق سوى بالتعاون متعدد الأطراف، والعمل المشترك بين الأطراف ذات الصلة، والإدراك الجمعي بأن نجاة العالم تكمن في الحفاظ على الكوكب من التغيرات المناخية. ومن هذا المنطلق فإن وزارة التعاون الدولي، تعمل على دعم الجهود الوطنية لتعزيز العمل المناخي من خلال العلاقات الاستراتيجية التي تتمتع بها مصر مع شركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين والتي تنعكس في محفظة تمويل إنمائي جارية تبلغ قيمتها نحو 26 مليار دولار لتنفيذ 372 مشروعًا .

ومن بين هذه التمويلات تستحوذ التمويلات الموجهة للعمل المناخي على 11 مليار دولار موجهة لتنفيذ العديد من المشروعات في مجال التكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من تداعياتها، مثل محطة معالجة مياه الجبل الأصفر، ومنظومة معالجة مياه مصرف بحر البقر، فضلاً عن مشروعات تحلية المياه، ومشروعات طاقة الرياح من بينها محطة طاقة الرياح بخليج السويس بقدرة 540 ميجاوات، ومشروع بنبان للطاقة الشمسية والذي يُعد أحد أكبر المشروعات في المنطقة والعالم، ومشروعات مترو الأنفاق، وإدارة المخلفات الصلبة، وإدارة تلوث الهواء بالقاهرة الكبرى.

وفي إطار دعم تنفيذ الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية، والاستعدادات الحكومية لمؤتمر المناخ في شرم الشيخ COP-27، تعمل وزارة التعاون الدولي من أجل نجاح وفعالية ثلاثة محاور.

المحور الأول: منتدى مصر للتعاون الدولي والتمويل الإنمائي Egypt-ICF

من أجل تنسيق الجهود ومناقشة الرسائل التي تحتاج قارة أفريقيا أن توجهها للعالم فإن منتدى مصر للتعاون الدولي والتمويل الإنمائي Egypt-ICF، الذي سينعقد في نسخته الثانية خلال سبتمبر المقبل، سيمثل تجمعًا تمهيديًا قبيل قمة المناخ لاسيما لحكومات قارة أفريقيا ووزراء المالية والبيئة، وشركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين، من أجل بلورة رؤية موحدة وصياغة الأفكار في قضايا مواجهة التغيرات المناخية وتوفير التمويل اللازم للقارة لتعزيز التحول إلى الاقتصاد الأخضر وبحث الاحتياجات التمويلية التي تحتاجها دول القارة في هذا الصدد.

المحور الثاني: الاستراتيجيات المشتركة

خلال الفترة الأخيرة عملت وزارة التعاون الدولي، بالتنسيق مع الجهات الوطنية المعنية، على تحديث الاستراتيجيات مع شركاء التنمية استنادًا إلى الأولويات الوطنية وبرنامج الحكومة "مصر تنطلق"، ورؤية مصر 2030، والمبادرات الرئاسية والاستراتيجيات القطاعية الأخرى. وتقوم الاستراتيجيات مع شركاء التنمية على 3 عوامل رئيسية هي (التحول الأخضر، والتنمية الشاملة، والتحول الرقمي)؛ حيث تم إطلاق الاستراتيجية القطرية مع البنك الأوروبي لإعادة الإعمار والتنمية 2022-2027، كما يتم العمل على إطلاق الاستراتيجيات التالية في وقت قريب، وهي الإطار الاستراتيجي للشراكة من أجل التنمية المستدامة مع الأمم المتحدة، والاستراتيجية المشتركة مع بنك الاستثمار الأوروبي، والاستراتيجية المشتركة مع بنك التنمية الأفريقي، والاستراتيجية القطرية مع مجموعة البنك الدولي.

المحور الثالث: التمويل المبتكر

من أجل ضمان وفاء الدول المتقدمة بتعهداتها نحو تمويل المناخ، وتوفير التمويل اللازم من المؤسسات الدولية، وتحفيز القطاع الخاص على المشاركة بفاعلية في تمويل مشروعات التكيف مع التغيرات المناخية، وخلق تعاون فعال بين الحكومات والقطاع الخاص والمجتمع المدني وبنوك التنمية متعددة الأطراف وأيضًا الأذرع التنموية لكبرى مؤسسات القطاع الخاص، فإن الوزارة تعمل مع شركاء التنمية متعددي الأطراف والثنائيين على وضع مبادئ لتحفيز تمويل المناخ في إطار الجهود المبذولة تحت مظلة الرئاسة المصرية لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ، وصياغة دليل استرشادي يتضمن خطوات عملية لتحفيز آليات التمويل المبتكر بما ينعكس بشكل مباشر على تسريع جهود التكيف مع التغيرات المناخية والتخفيف من تداعياتها.

وتأتي أهمية آليات التمويل المبتكر وأدوات تقليل المخاطر، لتشجيع الاستثمارات وتمويلات بنوك التنمية متعددة الأطراف على دعم الاستثمارات في البلدان ذات التصنيفات الائتمانية المنخفضة؛ حيث تحجم الاستثمارات الأجنبية عن الدخول في هذه الدول وكذلك بنوك التنمية متعددة الأطراف بسبب انخفاض تصنيفات عند مستوى B أو أقل، وهو ما يعني ارتفاع المخاطر. من أجل ذلك فمن الضروري التوصل لآليات وأدوات من خلال بنوك التنمية متعددة الأطراف والمنظمات غير الهادفة للربح لحشد الاستثمارات والدعم الفني لهذه الدول.

وفي إطار تكليفات رئيس مجلس الوزراء لوزارة التعاون الدولي، بالتنسيق مع وزارة البيئة والترويج لقائمة المشروعات الخضراء لدى شركاء التنمية، تم إطلاق برنامج "نُوَفِّي" لتمويل قائمة المشروعات الحكومية الخضراء في مجالات الطاقة والغذاء والمياه، تحت مظلة الاستراتيجية الوطنية للتغيرات المناخية 2050، والتي تستهدف دعم جهود الدولة للحفاظ على استدامة قطاع الطاقة، وتعزيز الأمن الغذائي في ظل التغيرات العالمية الحالية، والإدارة المستدامة للموارد المائية.

ختامًا؛ في ظل إدراك الدولة المصرية لمدى أهمية العمل المناخي وارتباطه الوثيق بالتنمية، فإن الرئاسة المصرية لمؤتمر الأمم المتحدة للمناخ COP-27، تُعد فرصة جيدة من أجل دفع التعهدات المناخية العالمية نحو التنفيذ، وتسليط الضوء على الوضع في قارة أفريقيا التي تعد في أمس الحاجة لدعم المجتمع الدولي لتنفيذ خطط العمل المناخي، وحمايتها من الآثار السلبية للتغيرات المناخية، وزيادة الاستثمارات الخضراء في البنية التحتية، من أجل الوصول لتحول أخضر عادل يراعي فوارق وإمكانيات الدول.

المقال صادر عن مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية - أغسطس 2022

 

 

الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة