د. جمال شقرة
قضية ورأى
المؤرخون واستشراف المستقبل
الأحد، 21 أغسطس 2022 - 06:06 م
د. جمال شقرة
يكاد ينعقد الإجماع على دور التاريخ فى صياغة سيناريوهات المستقبل. ويقول المفكر الفرنسى فولتير: (التاريخ هو روضة الأمم وكل أمة تحصد ما غرسته فى هذه الروضة لبناء مستقبلها، أى أن حصاد الآمال المستقبلية وثيق الصلة بالبذور التى نثرت فى روضة التاريخ).
يقول أحد الأدباء وهو يصف التاريخ إنه المستقبل الذى تمتد جذوره من الماضي. والحقيقة أنه لا يجوز النظر إلى التاريخ على أنه الوقائع والأحداث التى وقعت فى الماضى فقط، فالمستقبل يصنع فى الماضي، والحاضر همزة الوصل بينهما.
ولعل ما سبق يفند مقولة اقراءة التاريخ ودراسته لا تغنى ولا تسمن من جوعب، ومقولة إن التاريخ تصنعه المصادفة. واستشراف المستقبل انطلاقا من دراسة ما وصل إلينا من تاريخ الأحداث يشبه عمل الأرصاد الجوية، فعندما يبدأ المرصد بحالة الطقس خلال أسبوع أو عدة أسابيع، يكون قد درس التقارير التى تراكمت حول طبيعة الطقس فى الأسابيع والشهور السابقة.
ومن هنا تأتى أهمية دراسة التاريخ بهدف استشراف المستقبل، وهى عملية تعتمد على أسس علمية، وليست من قبيل ضرب الودع أو قراءة الفنجان أو عمل السحر والشعوذة. إن استشراف المستقبل من خلال قراءة نتائج الحركة التاريخية عبر آلاف السنين هو فن وعلم يهدف إلى التعرف على ملامح حركة التاريخ فى المستقبل والتعرف على الإمكانات والتحولات لتحقيق أهداف محددة سلفا. فى مجال العلوم الطبيعية حدثت طفرات لرسم تصور لطبيعة المستقبل البشرى خلال العقود القادمة، فقد خطط العلماء للزراعة بدون تربة وللزراعة العمودية فلن تعتمد هذه الأساليب على التربة بل ستعتمد على المياه والمحاليل المعدنية المغذية، كما خطط العلماء لزراعة الرقائق التكنولوجية تحت الجلد، وفى نفس الوقت قفزت الدراسات الخاصة بالذكاء الاصطناعى والدراسات التى اهتمت بالتغييرات التى ستطرأ على مناخ الكرة الأرضية 2050.
لقد فرضت هذه التحولات المهمة تحديات هائلة على علماء استشراف المستقبل وعلى المؤرخين وطرحت أسئلة وتحديات كثيرة فى مواجهة البحث العلمي، لعل أهمها على الإطلاق، كيف ستكون طبيعة التاريخ وشكل الحركة التاريخية فى المستقبل؟ وهل هناك إمكانية للتحكم فى حركة التاريخ؟ وهل من الممكن حماية لدولة من التآكل والانهيار؟
واللافت للنظر أن المؤرخين سيتحملون نصيبا كبيرا فى الإجابة عن هذه التساؤلات وسيكون منوطا بهم تحديد أهداف الدولة التى ينتمون لها ومعرفة طبيعة النظام العالمي، كيف ولد وإلى أين يتجه؟ وسيكون عليهم انتقاء الأفكار والمؤثرات التى تحدد وتضبط حركة المجتمع صعودا إلى الأمام وبهذا الصدد ستندثر الدول التى تعجز عن تحقيق التنسيق بين صانع القرارات والنخبة التى تدور فى فلكه، حيث يحتكر هؤلاء التخطيط للمستقبل وبين أهداف المجتمع التى بلورها العلماء والمؤرخون.
سيعكف العلماء على اختبار الاختراعات وسيقدم المؤرخون شرحا وتحليلا للواقع الحاضر بعد دراسة العوامل التى أثرت فى تشكيله، وذلك بالغوص فى أعماق التاريخ، والوعى بالتفاعلات التى تمت عبر الزمن لتحفز مجرى الحركة التاريخية وتحدد معالم السياق التاريخى بهذا الصدد وسيتم تحديد الثابت والمتغير والعوامل المهمة والأهم والأقل تأثيرا فى صوغ المستقبل.
أستاذ التاريخ الحديث والمعاصر - جامعة عين شمس
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة