المستشار بشير عبد العال رئيس محكمة جنايات القاهرة السابق
المستشار بشير عبد العال رئيس محكمة جنايات القاهرة السابق


مطلوب تعديل المادة 44 من القانون المدنى وانتبهوا للتأجيل بسبب «تقرير الخبير»

الطريق إلى العدالة الناجزة «2-3»

جودت عيد

الخميس، 25 أغسطس 2022 - 08:00 م

فتحت «رفعت الجلسة» النقاش حول «العدالة الناجزة» وآليات تحقيقها، وتم التواصل مع قضاة وقانونيين ومحامين وأساتذة حقوق لطرح وجهات نظرهم فى مقالات تنشر أسبوعيا على صدر الصفحة تضع الخطوط العريضة وآليات تسريع بطء العدالة.. يواصل المستشار بشير عبد العال الفقيه الدستورى والقانونى ، رئيس محكمة جنايات القاهرة الأسبق نشر رؤيته وخبرته القضائية الكبيرة على مدار عشرات السنوات ، حول المطلوب تنفيذه للوصول إلى العدالة الناجزة .. وقد تناول فى هذا المقال معوقات بطء العدالة فى القانون المدنى ، مطالبا بضرورة إحداث تعديل تشريعى عاجل للمادة 44 من القانون المتعلقة بإثبات صحة محرر.

استمرارا ووصلا لمقالتى السابقة المنشورة فى جريدة الأخبار يوم الجمعة الماضية .. 22 يوليو، التى كتبت فيها عن معوقات العدالة الناجزة فى القضاء الجنائى وأشرت فيها إلى كيفية التغلب على هذه المعوقات من وجهة نظرى .. أكتب اليوم عن معوقات العدالة الناجزة فى القانون المدنى وأخص بالذكر ما كان دائما يجذب انتباهي وأنا قاض فى أوائل الثمنانينيات .. حيث صدمت عندما اطلعت على بعض القضايا التي لم يفصل فيها بعد وكانت تعرض على أنا شخصيا من السيد القاضى رئيس الدائرة أو من خلال المداولة مع سيادته رحمه الله و عضو يسار الدائرة فى ذلك الوقت.

ووجدت أن عددا منها ليس بالقليل يؤجل لأسباب عدة منها على سبيل المثال لا الحصر، أن يتم تأجيل القضية للتقرير، ويقصد به تقرير الخبير وليس لعدم ورود التقرير، وفرق شاسع بين العبارتين، فالأولى قد يكون التقرير موجودا فى المحكمة ولم يرفق، وهنا يكون الخوف لأن تأخير الإرفاق قد يكون بسبب تدخل من العنصر البشرى، وتعنى الثانية أن التقرير لم يرد أصلا من الجهة الفنية المرسلة أوراق الدعوى إليها، ومنها مايؤجل وتكتب عبارة للقرار السابق، سامح الله من ابتدع هذه العبارة لأنها أحيانا تعطل الفصل فى القضية دون قصد، لأن القرار السابق من المحتمل ان يكون قد تم تنفيذه.

ولذا أرى أن تكتب هذه العبارة (للقرار السابق ،خاصة.. بكذا.. وكذا)، حتى إذا نفذ بعض القرار ولم ينفذ باقيه، يعرف القاضى بسهولة ويسر مالم ينفذ ويفرق بذلك بين الإهمال فى تنفيذ القرار أو تنفيذه، لأنه لايرفق بالأوراق مايفيد ذلك، وتظل الدعوى تؤجل دون داع، وهنا يجب أن تعمل المحكمة مبدأ الثواب والعقاب، فمن يهمل فى تنفيذ القرار يعاقب، بلا تردد ولايقبل منه أي عذر ،فإذا تكرر منه ذلك مرة أخرى، يتخذ معه السيد رئيس الدائرة مايراه مناسبا ،ولاتأخذه به رأفة لأنه يسىء إليه إساءة بالغة، وأنا شخصيا كنت اقوم بتغريم السيد أمين السر مئات الجنيهات لعدم تنفيذ قرار المحكمة، فضلا عن أن أمين سر الجلسة يجب ان يلتزم عند نظر القضايا التى تؤجل لاى سبب ان يحرر مذكرة بخط يده يعرضها على السيد رئيس الدائرة يثبت فيها ان القرار كذا ..وكذا ..

الذى ارسله فى تنفيذه يوم كذا برقم صادر كذا لم يتم تنفيذه حتى تاريخه، ويوقع على تلك المذكرة توقيعا ثلاثيا مقروءا وليس بالفرمة، وترفق المذكرة بملف الدعوى، ويقوم بتعليتها على الدوسيه لضمان النزاهة.

كما يتعين على السيد أمين السر عند استلام أي مستندات او مذكرات من أى من الخصوم مصرح بها، ان يدون عليها بخط يده انها وردت اليه يوم كذا الساعة كذا، ويستوقع مقدمها ايا كانت صفته خصما كان أووكيلا عنه، أما إذا لم تكن المحكمة قد صرحت بذلك فلايتسلمها نهائيا.

ننتقل بعد ذلك إلى أمر آخر معوق (بضم الميم وتشديد الواووكسرها) للعدالة الناجزة، يغفل عنه الكثيرون ويتعلق بالتشريعات التى أصبحت شبه قاصرة على مواكبة التطورالمتلاحق فى القضايا كما وكيفا، وسأشير هنا إلى مادة فى قانون الإثبات، كنت وأنا قاض اعتبرها معوقا جوهريا للعدالة الناجزة منذ ذلك الوقت وهى المادة 44 إذ نصت على أنه (إذا قضت المحكمة بصحة المحرر أو برده .. أو قضت بسقوط الحق فى اثبات صحته أخذت فى نظر موضوع الدعوى فى الحال أو حددت لنظره أقرب جلسة).

ومفاد نص هذه المادة أنه لا يجوز الحكم بتزوير الورقة وفى الموضوع معا، بل يجب ان يكون القضاء فى الطعن بالتزوير قبولا او رفضا سابقا على الحكم فى موضوع الدعوى والعلة من ذلك ، الا يحرم الخصم الذى تمسك بالورقة التى قضى بتزويرها من أن يقدم ماعسى ان يكون لديه من ادلة قانونية اخرى لاثبات ما أراد اثباته بتلك الورقة، وايضا حتى لايحرم الخصم الذى اخفق فى اثبات تزوير الورقة من ان يقدم ماعسى ان يكون لديه من مطاعن على التصرف المثبت فيها «بضم الميم وتسكين الثاء وفتح الباء « اذ ليس فى القانون مايحول دون التمسك بطلب بطلان التصرف او صوريته بعد الاخفاق بالادعاء بتزوير الورقة المثبتة لهذا التصرف ، لاختلاف نطاق ومرمى كل من الطعنين عن الآخر ، إذ يقتصر الأمر فى الادعاء بالتزوير على انكار صدور الورقة من المتصرف دون التعرض للتصرف ذاته من حيث صحته وبطلانه ، فاذا ماثبت للمحكمة فساد الادعاء بالتزوير وصحة اسناد التصرف الى المتصرف فإن ذلك لايقتضى بطريق اللزوم ان يكون التصرف صحيحا وجوبا ، وهذه هى فلسفة نص المادة 44 من قانون الاثبات عندما وضع المشرع ،هذا النص فى 30 مايو 1968 عندما صدر قانون الاثبات رقم 25 لسنة 1968، وهذا النص فى رأيى الشخصى هوالمعوق الاول والرئيسى والجوهرى للوصول الى عدالة ناجزة ، ولن نصل اليها طالما كان هذا النص موجودا، الذى هو سبب فى إطالة أمد التقاضى فى الدعاوى المدنية ووفاة خصوم عدة دون ان يصلوا الى حقهم، اذ تظل الدعاوى عقودا عدة والعقد بكسر العين عشر سنين، ولا يفصل فيها نهائيا بسبب اساءة استغلال هذا النص استغلالا قاتلا ومدمرا .

فهل يعقل ونحن فى القرن الواحد والعشرين ان يكون قد مضى على هذا النص مايزيد على 54 عاما ، مات خلالها العديد والكثير ممن كان لهم الحق فى دعاويهم، ولم يحصلوا عليه حتى توفاهم الله بسبب اساءة استعمال هذا النص، وهل يعقل ان يبيع شخص عقارا مثلا بعقد عرفى ثم يتوفاه الله ولم يسجله المشترى فى حياة البائع له ، واذا اراد ذلك المشترى ان يستصدر حكما بصحة ونفاذ هذا العقد فعليه ، اى على المشترى ان يعلن ورثة البائع المتوفى فيأتوا الى المحكمة التى تنظر تلك الدعوى ويأتى واحد منهم ويطعن على توقيع مورثه على ذلك العقد ، والمضحك والمخزى انه يطعن بجملة واحدة موجزة تقيم الدنيا ولا تقعدها ،حيث يقول ( اقسم بالله العظيم اننى لا اعلم ، او اننى اجهل ما اذا كان هذا التوقيع المنسوب للمرحوم والدى، هو له من عدمه) وهنا تقع الطامة الكبرى .

حيث تسقط حجية هذا العقد العرفى بهذا الطعن، وفى المقال القادم سأذكر للقراء الأعزاء ماذا ستفعل المحكمة هنا مع الطرفين.

إقرأ أيضاً|رفعت الجلسة| الطريق إلى «العدالة الناجزة» (1-2)

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة