الجمعة، 26 أغسطس 2022 - 11:19 م

من أهم سمات السينما في دول جنوب شرق قارة آسيا، طرح العائلة كمفهوم أساسي ترتكز عليه تلك الدراما في العديد من التجارب مهما اختلفت جنسياتهم، وخصوصا لدى مثلث رعب تلك المنطقة دول اليابان كوريا الجنوبية والصين، والأمثلة والنماذج كثيرة على غرار الفيلم الصيني "الوداع" للمخرجة الصينية الأمريكية لولو وانج.

وفي كوريا الجنوبية يوجد تحفة المخرج بونج جون هو "طفيلي"، والفيلمين كانا عام 2019، وفي اليابان يظهر المخرج الشهير هيروكازو كوريدا الذي قدم "سارقو المتاجر" في 2018، وعاد هذا العام وأقتحم الدراما الكورية بفيلم "وسيط"، ومن كوريا الجنوبية أيضا طرحت منصة "نتفليكس" على شاشتها الأسبوع الماضي - من إنتاجها - مسلسل يأتي ضمن قائمة الأفلام التي ترتكز حول فكرة مفهوم العائلة، وحمل اسم “عائلة نموذجية” أو "A Model Family"، وهو يتكون من 10 حلقات، وشارك في بطولته وو جونج وهي سون بارك ويون جين سيو.

لم تكن العائلة فقط هحور الأحداث، لكن هناك وجه آخر للدراما في المسلسل يرتبط بخط آخر يتعلق بالمال، ليطرح الأمرين معا على أساس أن العائلة والمال علاقتهما في أغلب الأوقات طردية لكنهما في نفس الوقت وجهين لعملة واحدة، ويظهر من خلال عنوان المسلسل “عائلة نموذجية” أن العائلة الوجه الأول للعملة، بينما الجملة التي بدأت بها الأحداث عن طريق تعليق البطل الصوتي على أن الأموال هي السبب الرئيسي لما وصلت إليه الأمور، ليظهر الوجه الآخر للعملة، من خلال قيام بعض الأشخاص بدفن شخص حي في حفرة عميقة كنوع من العقاب على أمر اقترفه يبدو أنه مرتبط بالمال.

اقرأ أيضًا | «منهم ذئاب الجبل والبشاير» .. البسطويسي: المسلسلات القصيرة جذبت صناع الدراما

يبدو ظاهريا من عنوان المسلسل “عائلة نموذجية” أننا أمام أسرة واحدة فقط، وهو أمر حقيقي، فالمحرك الرئيسي للأحداث هم أفراد أسرة “ها دونج”، وهم الزوجة وابن وابنة، لكن في باطن الأمور أننا نقف أمام مجموعة من الأسر أو من الأشخاص الذين أغلب مشكلاتهم لها علاقة وصلة وطيدة أما بحماية العائلة أو فقدها وأما جلب أو المحافظة على الأموال.

تبدأ أحداث المسلسل عند أسرة “ها دونج” الذين يظهر أنهم ليسوا على وفاق سواء الأب والأم من ناحية، ومن ناحية أخرى الأم والابنة، في ظل مرض الابن الذي يحاولون تجميع المال حتى يجري عملية دقيقة في القلب، عن طريق المصادفة تقوم سيارة بصدم سيارة “ها دونج” من الخلف، ويجد داخلها حقيبة من الأموال وشخصين مقتولين، يقوم “ها دونج” بأخذ الحقيبة ودفن الجثتين في فناء منزله الخلفي، ولسوء حظه أن أحد القتيلين هو شرطي متخفي داخل عصابة صغيرة تعمل تحت وطأة منظمة إجرامية أكبر، ومن هنا يصبح “ها دونج” مطارد من المنظمة الأم، ومن العصابتين الأصغر، ومن جهة أخرى مراقب من قبل الشرطية “هيون جو” المسئولة عن القضية وعن تجنيد الشرطي القتيل.

تحولات كثيرة تشهدها الأحداث، حيث يتم التنقل من مسار إلى آخر بسلاسة كبيرة، خاصة أن المسلسل أصبح أقرب للدراما الغامضة، وفي نفس الوقت كل الشخصيات المتواجدة في الأحداث لها ارتباط وثيق بوجهين العمل (العائلة والأموال)، فالإطار العام مرتبط بالعلاقة المرتبكة داخل أسرة “ها دونج” وزوجته التي ترغب في هجره وعلاقتها الفاترة مع ابنتها، ومن جهة أخرى ارتباط الأسرة بالمال ما بين الاحتياج وبين أزمة الحقيبة التي وقع فيها الزوج الذي كان يرى أن تلك الأموال هي الأمل الأخير للحفاظ على كيان أسرته وإجراء الجراحة لابنه الصغير.

ثاني الشخصيات التي تتواجد داخل مسارين العملة “العائلة والمال”، هو زعيم إحدى العصابتين “جوانج تشول ما”، الذي قد دوره بإقتدار وتمكن الممثل هي سون بارك، حيث كان أدائه الأبرز بين كل الأبطال، خاصة إظهار الجانب الإنساني للرجل الخارج عن القانون واحتياجه السابق للمال، ومن قبله هجر أسرته ثم المعاناة من اليتم مبكرا، فكلها أمور جعلته يتعاطف مع أزمة “ها دونج”.

الشخصية الثالثة التي تسير على قضبان المال والعائلة هي الشرطية “هيون جو”، حيث أنها كانت تعتبر الشرطي القتيل بمثابة أسرتها المستقبلية لوجود علاقة عاطفية بينهما، وفي نفس الوقت تبحث عن من قتله، وحقيبة الأموال تمثل لها الخيط الأول لمعرفة الجاني، ونفس الحال “كانج جون تشوي” زعيم العصابة الذي يمتلك أسرة بالفعل، لكن لا نعرف عنهم شيء، لكنه في نفس الوقت يعتبر العصابة هم أسرته الحقيقية ويجد في شريكه “جوانج تشول ما” شقيقه الروحي.

جاء ظهور والد دونج ها في آخر 3 حلقات ليؤكد على هذا المنظور العائلي لمسلسل الجريمة الغامضة، حيث أن “دونج” هجر والده في الماضي، بل وأعتبره ميت، وأخبر زوجته بذلك، وجاءت الفرصة للوالد ليعيد حسباته ويقوم بإصلاح أخطاء الماضي من خلال أسرة ابنه، ومحاولات تحسين العلاقة مع زوجه ابنه وأحفاده، وهو الدور الذي قدمه بإقتدار أيضا الممثل الكبير أو كوانج روك في واحد من أهم أدوراه بالأعوام الأخيرة.