صورة موضوعية
صورة موضوعية


بتخطيط أمريكي.. القارة السمراء والتنظيمات الإرهابية

أخبار الحوادث

السبت، 27 أغسطس 2022 - 05:23 م

كتب: عمرو فاروق

تحوّلت القارة السمراء على مدار السنوات القليلة الماضية إلى مرتع للجماعات الإرهابية، من شرقها إلى غربها، تتقاسمها عشرات التنظيمات الإرهابية التي تلعب دور الوكيل في المشاهد الخلفية لكواليس العملية السياسية، وتعمل على نهب ثرواتها وخيراتها وتعطيل مسيراتها في التنمية الاجتماعية والاقتصادية في ظل أنظمة حاكمة متهالكة.

نظرية «خلق الإرهاب ومواجهته» التي وضعها مفكرو الإدارة الأمريكية، ومنظروها السياسيون والعسكريون، لم تعد مجدية في ظل تكلفتها المالية الضخمة والاستنزاف غير المبرر عسكريًا وبشريًا، ومن ثم تحول قوي إلى نظرية بديلة تتمثل في «خلق الإرهاب واستئناسه»، والتي طُبقت حرفيًا في استراتيجية التعامل مع حركة «طالبان»، وتنصيبها على رأس السلطة في كابول نهاية عام 2021.

لا تمل الإدارة الأمريكية من إنتاج مئات النظريات والاستراتيجيات التي تعمل على تطويع دول الحضارة الشرقية، ووضعهم في طور التبعية والخضوع والهيمنة المطلقة، ابتداءً من الهيمنة العسكرية، ثم الهيمنة الفكرية والثقافية، مرورًا بمشاريع «التقسيم الجغرافي» التي وضعها برنارد لويس، لتحويل دول الشرق الأوسط إلى دويلات خاضعة وعاجزة، انتهاءً بنظرية «صراع الحضارات»، للمفكر الأمريكي صامويل هنتنغتون، التي يتم إدارة كل الملفات الدولية في إطار مضمونها ومحتواها.

اعتماد الإدارة الأمريكية خلال المرحلة المقبلة على نظرية «الميليشيات الحاكمة»، ربما تشمل الداخل السوري عن طريق تطوير نموذج «هيئة تحرير الشام» التي يتزعمها أبو محمد الجولاني، وكذلك الانتقال بها إلى العمق الإفريقي، في ظل أصوات غربية متعددة تطالب بضرورة التحاور مع رؤوس الجماعات المتطرفة، لا سيما الموجودة في الغرب والوسط الأفريقي.

سيطرة كل من جماعة «بوكو حرام»، وتنظيم «داعش»، وتنظيم «القاعدة»، و»حركة شباب المجاهدين»، على دول الصحراء والساحل وحوض بحيرة تشاد والأجزاء الوسطى والشرقية من إفريقيا، في ظل ضعف الأنظمة السياسية الحاكمة وهشاشتها، تدفع بتشكيل أنظمة سياسية جديدة قائمة على أيديولوجية دينية راديكالية، في حال توافقها مع اللوبي الأميركي.

اقرأ أيضًا

إسلام الكتاتنى: كتاب «إدارة التوحش» هو دستور داعش وكل التنظيمات الإرهابية

جميع حركات الإسلام السياسي والجماعات المتطرفة، على رأس أهدافها الوصول إلى السلطة، بالوسائل المشروعة وغير المشروعة، ومن ثم ليس هناك ما يمنعها فكريًا أو حركيًا في إطار براجماتيتها المتناهية من الجلوس مع الجانب الأمريكي أو الغربي على مائدة الحوار للوصول إلى اتفاق سياسي يضمن لها التربع على قمة المشهد الرئاسي، وتفريغ الساحة لها من منافسيها، أو اقتسامها في ما بينهم، كونها جماعات وظيفية في النهاية.

ما نطرحه في السطور ليس محض خيال، لكن ربما يمثل واقعًا محتملاً تفرضه التغييرات السياسية، في المرحلة المقبلة، على غرار النموذج الطالباني الأفغاني، أو استكمالاً لمشروع تنصيب الممثل الرسمي لجماعات الإسلام السياسي «جماعة الإخوان الارهابية»، على قمة المشهد في المنطقة العربية، محققًا العديد من الأهداف (تدمير اليمن وليبيا وسوريا والعراق)، وأخفق في بعضها (مصر وتونس نموذجًا).

استراتيجية «الميليشيات الحاكمة»، من شأنها إرباك الحلفاء والخصوم معًا، والتفرد بالساحة الإفريقية، والتحكم في استثماراتها، لا سيما في ظل النفوذ الفرنسي والإيراني والروسي والصيني الموجود بقوة في العمق الإفريقي، وتبعات الصراع السياسي الدولي القائم حاليًا، وبناء التحالفات الإقليمية والشرق أوسطية الجديدة.

التقديرات الأخيرة التي تناولت الشأن الإفريقي في ظل النشاط المريب والملحوظ للتنظيم الداعشي، وصراعاته مع الكيان القاعدي حول الجغرافيا السياسية في القارة السمراء، اتجهت (مجانبة للصواب) إلى فكرة إعلان «دولة داعشية» جديدة، بديلاً من سقوط أركان دولته في سوريا والعراق، والتحصن بالجماعات الأصولية المحلية التي تشكلت في ظل سياقات طائفية وانفصالية وفئوية.

الإعلان عن دولة داعشية (افتراضية) في العمق الإفريقي، سيضع القوى الدولية أمام الالتزام بالتدخل لضرورة مكافحة التنظيم الإرهابي ووقف تمدده، سعياً إلى تغيير المعادلة بنقل مسرح عمليات التحالف الدولي إلى القارة السمراء لملاحقة قياداته وقواعده التنظيمية، الأمر الذي لا ترغب فيه الإدارة الأمريكية نهائيًا في ظل انسحابها هي وحلفائها مؤخرًا من إفريقيا، ما يضطرها إلى المزيد من الاستنزاف المادي والبشري والعسكري.

في مجمل القول، ليس من مصلحة واشنطن وحلفائها، العمل على تفريغ القارة الإفريقية من جراد الجماعات الأصولية المتطرفة، والاتجاه بها نحو البناء والتنمية والتطوير العسكري، ما يعزز بقاءها في طور التبعية والتراجع والتخلف.

فرضية «الميليشيات الحاكمة»، تدفع لحتمية السقوط، وبقاء القارة السوداء في غياهب التراجع السياسي والاقتصادي، إذ أن معظم تجارب الأصوليين في الحكم، فشلت في الانتقال من «فقه التنظيم»، إلى «فقه الدولة»، فضلاً عن أن هذه الجماعات تميل إلى السرية التنظيمية، كما إن قياداتها ليسوا رجال دولة، ولا يمتلكون من الخبرة السياسية والاقتصادرية والإدارية ما يؤهلهم لإدارة المؤسسات الحيوية والسيادية، وفرض السيطرة الداخلية.
ما يعزز نظرية «الميليشيات الحاكمة»، التي تدعمها الإدارة الأمريكية، بناء الجماعات الأصولية علاقات وثيقة مع النخب الفكرية والدوائر المجتمعية في عدد من الدول الإفريقية، واستغلال فكرة «المظالم الفئوية»، لا سيما تنظيم «القاعدة»، ومن ورائه تنظيم «داعش» المتمدد بقوة على مدار السنوات الثلاث الأخيرة.

تطبيق وضعية «الميليشيات الحاكمة»، وإعادة تموضع الجماعات الراديكالية ومنحها الشرعية السياسية، يمثل اتجاهًا مرحليًا في ظل الإدارة الأمريكية الحالية بقيادة الديمقراطيين التي تجيد توظيف تلك الجماعات بما يحقق لها أهدافها المعلنة وغير المعلنة.

تقرير «مؤشر الإرهاب العالمي 2022» الصادر عن معهد الاقتصاد والسلام الدولي في نسخته التاسعة، أشار إلى تفاقم الأوضاع في القارة السمراء، لا سيما منطقة الساحل والصحراء، وأن التنظيمات الإرهابية تعمل باستمرار على تطوير تكتيكاتها بما يتناسب مع التطورات البيئية، وهو ما يجعلها متفوقة عبر استغلال الفراغ السياسي.

ينشط فعليًا في الداخل الإفريقي، ما يزيد على 13 تنظيمًا إرهابيًا، يتماهي معظمها مع تنظيم «داعش»، وتنظيم «القاعدة»، أمثال «جماعة نصرة الإسلام والمسلمين»، و»أنصار الدين»، و»جبهة تحرير ماسينا»، و»المرابطون»، و»تنظيم القاعدة في المغرب العربي»، و»أنصار الإسلام» و»تنظيم داعش في الصحراء الكبرى»، وتنظيم «الأنصار»، فضلاً عن جماعة «بوكو حرام»، وحركة «شباب المجاهدين» الصومالية، وتنظيم «أهل السنّة والجماعة»، أو «تحالف القوى الوطنية» في جمهورية الكونغو الديموقراطية، وجماعة «التوحيد والجهاد»، أو «حركة الشباب الموزمبيقية».

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة