نوال مصطفى
نوال مصطفى


نوال مصطفى تكتب: البحث عن الحقيقة أهم من الندم

نوال مصطفى

الأربعاء، 31 أغسطس 2022 - 06:59 م

فى زيارته الأخيرة إلى الجزائر الأسبوع الماضى، بدا الرئيس الفرنسى ماكرون وكأنه يريد أن يقدم اعتذارًا عن جملة أشياء، بل ربما عن كل ما بدر من فرنسا فى حق الجزائر طوال قرنين من الزمان! منها القرارات الأخيرة التى ساهمت فى إضفاء جو غير ودى فى العلاقات بين البلدين.

خاصة ما يتعلق بملف التأشيرات التى خفضتها فرنسا بنسبة 50% بالنسبة للجزائريين القادمين إليها، كذلك فتح ماكرون ونظيره عبد المجيد تبون الرئيس الجزائرى ملف الماضى الموجع الذى يحمل مآسى إنسانية عديدة محفورة فى ذاكرة الجزائريين من فرط وحشيتها، إنها القضية الأزلية التى تعيش فى وجدان الجزائريين، «ملف الذاكرة» الذى يحمل ذكريات مريرة لفترة الاستعمار الفرنسى للجزائر (1830-1962). وليس أدل من النشيد الوطنى الجزائرى الذى يتضمن إشارات واضحة إلى الندوب الغائرة فى قلوب الجزائريين، المليئة بذكريات المذابح التى جرت فى حق الشعب الجزائرى فى تلك الفترة الطويلة من الاحتلال. وبالمناسبة قام بتلحين هذا النشيد الفنان المصرى العبقرى محمد فوزى.

بالطبع الزيارة لم تكن فقط لتصفية الأجواء، وشد فتيل الغضب الجزائرى، بل بسبب تداعيات  الحرب الروسية الأوكرانية، التى كانت السبب الخفى  لتلك الزيارة، فقد كانت محاولة لكسب ود وتعاطف الجزائر من أجل الحصول على حصة من الغاز الطبيعى تمكن فرنسا من عبور شتاء العام القادم بأريحية، بعيدا عن توتر الحرب والبحث عن مصادر بديلة للوقود الروسى. فى تلك الزيارة الذكية من الرئيس الفرنسى ماكرون قال: إن فرنسا مستعدة لأن تفتح أرشيفها الوطنى أمام المؤرخين الجزائريين حتى يسجلوا الحقيقة فيما يتعلق بفترة الاحتلال الفرنسى للجزائر، وردد  فى كلمته جملة «البحث عن الحقيقة أهم من الندم» ردًا على ما وجه إليه من أسئلة تتعلق بهذه المرحلة التاريخية المؤلمة فى تاريخ الجزائر.

كذلك قام بجولة بمقبرة «سانت أوجين» (بولوجين حاليا) المعروفة سابقا باسم «المقبرة الأوروبية» فى أعالى حى باب الواد الشعبى بالعاصمة. وأعلن أنه سيوقع اتفاق «شراكة متجددة» مع نظيره الجزائرى عبد المجيد تبون. «شراكة جديدة من أجل الشباب ومن خلالهم» تشمل قبول ثمانية آلاف طالب جزائرى إضافى للدراسة فى فرنسا ليرتفع إجمالى عدد الطلبة الجزائريين المقبولين سنويا إلى 38 ألفًا. وشراكة اقتصادية وثقافية وقال إنه يريد «تأسيس مشاريع تعاون فى كل المجالات» الاقتصادية والفنية خصوصا السينمائية. ووعد بتسهيل حصول بعض الفئات من الجزائريين على تأشيرات فرنسية من أجل المساهمة فى ظهور «جيل فرنسى جزائرى جديد فى الاقتصاد والفنون وغيرها».

كذلك دعا أثناء لقائه بشباب رواد الأعمال الجزائريين إلى «هيكلة المشاريع الابتكارية»، وأعلن أنه سيكون لبنك الاستثمار العام بى بى آى فرانس «دور رئيسى فى دعم مشاريع الجالية.» وأشار إلى أن الجالية الجزائرية يتحدث أفرادها غالبًا الفرنسية والعربية والإنكليزية ولغات أخرى، وهؤلاء الشباب من ضفتى المتوسط يمثلون «فرصة كبيرة» للبلدين.

وفى خطوة ذكية  قام بزيارة إلى وهران، غرب الجزائر المعروفة بانفتاحها وبكونها مركزا لموسيقى الراى. والتقى شبابا من الفنانين والرياضيين والراقصين، كما زار  شركة إنتاج موسيقى الراى أنتجت أغنية للمطرب الفرنسى الجزائرى الشهير دى جى سنايك.

لقد كشفت الزيارة الأخيرة لماكرون إلى الجزائر عن حنكة الرئيس الفرنسى فى إدارة علاقات فرنسا مع دول الجوار بامتياز، وقدرته على فتح الملفات الشائكة بشجاعة يحسد عليها، وأهمها «ملف الذاكرة».

الكلمات الدالة

مشاركه الخبر :

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة