نفوسة مصباح
نفوسة مصباح


أغرب قضية شهدتها مصر عام 1963.. أنا صاحبة ميدان التحرير!

آخر ساعة

السبت، 03 سبتمبر 2022 - 12:40 م

قراءة: أحمد الجمَّال

كثيرًا ما كنا نسمع عن نصابين باعوا العتبة والمترو لمغفلين، وبعد إتمام الصفقة الوهمية يخرج هؤلاء المضحوك عليهمب ليطالبوا الحكومة بالاستحواذ على ممتلكاتهم، لكن هذه الحكاية التى نشرتها اآخرساعةب على صفحاتها قبل 59 عامًا كانت أغرب بكثير، وإن كانت لها أصداء حقيقية، فهى لسيدة تدعى أنفوسة خرجت بمستندات ووثائق تثبت أحقيتها فى أرض ميدان التحرير، مطالبة بنزع ملكية وزارة الخارجية والجامعة العربية وفندق سميراميس، واستمر القضاء فى نظر القضية من عام 1945 وحتى عام 1963.. التفاصيل نعيد نشرها بتصرف فى السطور التالية:-

 

هذه السيدة تطالب بملكية ميدان التحرير.. أكبر ميدان فى قلب القاهرة.. إنها تقول إن فى يدها وثيقة ملكية الميدان بما فيه وزارة الخارجية والجامعة العربية وفندق سميراميس.. واسم السيدة نفوسة عبدالفتاح مصباح وعمرها 80 سنة، وهى تعيش الآن على أمل واحد هو أن يحكم لها القضاء بملكية الميدان.. إن القضاء وحده هو الذى سيقول كلمته فى حكاية ووثائق الست نفوسة.

هل يمكن أن يعيش أمل واحد ثمانية عشر عامًا فى صدر إنسان دون أن يخبو أو على الأقل يفقد بعض حرارته؟! إذا كان الأمر متعلقًا بالسيدة نفوسة عبــدالفـتاح فالجواب: نعم. والدليل أن القضية التى رفعتهـــا لتطـــالب بملكية ثلاثة أرباع ميدان التحرير بدأت إجراءاتها فى 11 أبريل 1945، وأنها ما تزال تنظر.. وما تزال السيدة الآن أكثر تمســكًا بها مما كانت عندمــا رفعتها.

أمــــا قصـــة القضية فأقـدم من ذلــك بكثير لأنها تعود إلى أيام محمد علي، حيث تؤكد نفوسة أن محمد على باشا الكبيرب كان قد أقطع صديقًا له ستة أفدنة وربع فدان، وأن هذا الصديق (السيد عمر غراب، التاجر المغربي) هـــــو جـدها الأكـبر.. ومن هذا الجد انتقلت الملكية جيلًا بعد جيل، إلى أن صارت الأرض وقفاً لأسرة السيدة، مسجلاً لدى محكمة الباب العالى فى 12 شوال 1178 هجرية.

ولكن أين تقع هذه الأرض؟ إنها طبقًا لحجة الوقف تقع ظاهر القاهرة ـ شرقى مسجد الشيخ العبيط الذى يعتبر أحد حدودها بغيط العبيط بالقرب من شاطئ النيل المبارك، وتجاه الجهة القبلية من قصر الأمير محمد بك الألفيب.. وقد لا يستطيع كثيرون أن يستخلصوا من هذا الكلام شيئًا مفهومًا، ولكن المعلومات الجغرافية الخاصة للسيدة نفوسة تترجمه إلى أن الأرض المقصودة هى بالضبط: ميدان التحرير!

وكان جد السيدة نفوسة (الذى يحمل اسم محمد محمد مصباح بن عبدالله مصباح) هو ناظر هذا الوقف، ثم لم يُحسن إدارته، فاشتركت معه مصلحة الأملاك فى الإدارة، ثم زحزحته شيئًا فشيئًا ـ بدافع الطمع طبعًا ـ إلى أن زعمت فى النهاية أنها صاحبة الملك.

قصة غريبة ولا شك، ولكن السيدة نفوسة كانت واثقة تمامًا من نفسها، ومن مستنداتها، عندما تقدمت فى عام 1945 تطالب الأذن بالخصومة ضد وزارة المالية.. ومنذ ذلك الوقت شُغِل بالقضية أكثر من محامٍ، منهم الشيخ خميس وهبة، ومحرم فهيم، وانتدبت المحكمة الشرعية ثلاثة خبراء (محمد فؤاد، وعبدالحفيظ عبدالله، وحليم تادرس) لدراسة الوثائق المقدمة، فأفتى الخبير الأخير بأن الأرض المذكورة فى الوثيقة ليست ميدان التحرير، ولكن رأى زميليه كان مختلفًا، وكان يقطع بأن السيدة على حق!

وهنا، دخلت وزارة الأوقاف طرفًا ثالثًا فى النزاع، وتعطل نظر القضية بعض الوقت، ثم ألغيت المحاكم الشرعية، فتعطل مرة أخرى، ولكن السيدة بالطبع لم تفقد الأمل.

وشهدت الأعوام 59 و60 و1961 النزاع الغريب بين الأطراف الثلاثة: وزارة المالية ووزارة الأوقاف التى تقول إن هذه الأرض كانت مملوكة للخديو توفيق (ورثها عن أبيه إسماعيل) ثم تنازل عنها رسميا للدولة، والوزارة بذلك تكون ناظرة عليها.

وانتهى النزاع فى آخر عام 1961 برفض الدعوى، ففى هذه الأثناء نظرت محكمة القاهرة برئاسة القاضى عبدالغفار حسن هذه الدعوي، وقضت برفضها تبعًا لقولها إن أرض النزاع تقع شرقى مسجد الشيخ العبيط، حيث إن المدعية نفوسة لم تشر إلى هذا، ولذلك فلا يمكن القول بأن هذه الأرض كانت مِلكًا لأسرتها.

1+1 = 3

هل تسكت نفوسة؟ هل ينتهى كل شيء بالنسبة إليها.. وبالنسبة لهذا الوقف بعد رفض الدعوى؟.. إن نفوسة تقول إن تحت يدها كافة المستندات والوثائق والحجج التى تثبت أن هذه الأرض كانت مِلكًا لأسرتها، فهل تضع كل ما لديها على الرف وتذعن لحكم محكمة القاهرة برفض الدعوى؟

إن حكم محكمة القاهرة فى رأيها كمَنْ يقول 1+1 = 3، لأن كل الحجج الدامغة تحت يدها، ولهذا استأنفت نفوسة الحكم أمام محكمة الاستنئناف التى نظرت القضية برئاسة المستشار بهجت أحمد حلمى وعضوية المستشارين محمد سعيد مقبل والدكتور عبدالقادر مرزوق، ووكلت نفوسة عنها هذه المرة اثنين من كبار المحامين هما كامل البهنساوى وحسين أبوزيد.

وراحت نفوسة تنقب عن المستندات التى تثبت أن الأرض كانت مِلكًا لأسرتها، وبحثت بكل الطرق فى المكتبات وفى دار الكتب وفى الدفتر خانة وعند الموثقين وفى المساحة التفصيلية وفى المستندات التاريخية القديمة التى بحثت عنها فى كل مكان وجاءت بها من كل مكان لتؤيد ملكيتها لستة أفدنة وربع فدان، يقع عليها الآن مجمع التحرير والحديقة التى أمامه ووزارة الخارجية والجامعة العربية، وتبلغ قيمتها 8 ملايين جنيه.

وقالت نفوسة على لسان دفاعها إنه ليس من المعقول بيان حدود الأرض المتنازع عليها بالضبط، لأن المياه منذ مدة طويلة كانت تجرى بها، واليوم تغيَّرت معالم المنطقة بشكل لا يمكن معه وصف حدودها.

ونظرت المحكمة القضية من جوانبها المختلفة، ووقف أمام الحُكم فى صالح نفوسة عدة نقاط، أهمها طعن الوزارة فى نظرية الموثقين القديمة، وهى أن القبلى قديمًا هو الشرقى جغرافيًا. وتقول نفوسة إنها تمكنت بمعاونة بعض الثقات من إثبات هذه النظرية بالعودة إلى أكثر من مرجع علمي.

الخبير والتقرير الخطير

وكان لا بُد من أن تنتدب المحكمة أحد الخبراء الممتازين للفصل فى هذا الجانب من جوانب النزاع. لقد سبق أن انتدبت المحكمة الشرعية عند بداية نظر القضية ثلاثة من الخبراء للفصل فيه فأيد اثنان وعارض الثالث.. ورأت المحكمة أن فى انتداب خبير واحد كفء حسمًا للنزاع أو لهذا الجانب من جوانبه، وانتدب المهندس أمين الجريسى (الموجود حاليًا فى مهمة باليمن) لدراسة الموضوع وتقديم تقرير عنه.

وبعد البحث الطويل.. والدراسة الطويلة أيضًا قدَّم المهندس أمين الجريسى  وكيل المساحة التفصيلية ـ تقريره الذى جاء مفاجأة لوزارة المالية وللمحكمـــــة، إذ أثبــت ـ تبعـــــا لتـــعـــــبير نفوسة ـ أن 1+1 = 3.

اإن حجة الوقف المؤرخة فى 12 شوال عام 1178 هجرية تنطبق بالتحديد الوارد بها على جزء من أرض النزاع مساحتها ستة أفدنة وستة قراريط وكذلك ثمانية أسهمب.

وأمام تقرير الخبير الحكومى هذا، الذى فوجئت به المحكمة كما فوجئت وزارة المالية أيضًا، نشط دفاع نفوسة ورأى أنه قريب من النهاية، بينما تأجلت القضية للنطق بالحكم أول ديسمبر القادم (1963).

لقاء مع نفوسة

إن نفوسة عبدالفتاح مصباح (80 سنة) الوالدة لستة من الأبناء، كأية عجوز أخرى حين تتحدث أنها واثقة من نفسها، ولا يجوز أن تسلك سلوكًا لا يليق بصاحبة ملايين. وأول شيء تريد نفوسة أن تفعله هو أن تؤدى فريضة الحج.. وهى تدعو ليل نهار فى صلواتها أن تحكم المحكمة فى صالحها حتى تتحقق أمنيتها. بينما قال ابنها الأكبر إبراهيم الجزيري: انحن نطلب حقًا ثابتًاب، بينما قال ابنها الأصغر عبدالرحمن، إن أمله كبير فى القضاء.

 (آخرساعة 27 نوفمبر 1963)

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة