حواديت الصيادين
حواديت الصيادين


حواديت الصيادين مع السمك .. من البحيرة إلى المفيض

آخر ساعة

السبت، 03 سبتمبر 2022 - 12:49 م

كتبت: منى سراج

تولي الدولة المصرية، بقيادة الرئيس عبدالفتاح السيسي، اهتمامًا كبيرًا بملف تطوير البحيرات المصرية خصوصًا بحيرتي المنزلة وناصر، ومؤخرًا وجه الرئيس بالاستمرار فى جهود تطهير وتطوير جميع البحيرات على مستوى الجمهورية، ومن بينها بحيرة ناصر بأسوان، والتى وجه الرئيس بإعداد دراسة مُتكاملة للاستفادة من ثروتها السمكية من خلال تطويرها ورفع كفاءتها وتعظيم إمكانيات الصيد بها، وخاصة ما يتعلق بتطوير وتنظيم مراسى ومراكب الصيادين وتزويدها بالخدمات، وذلك لتدعيم وتعظيم العائد من إنتاج الثروة السمكية.

 

نبدأ برحلات الصيادين مع السمك حيث تنتقل مياه البحيرة بين هذه المنحدرات بسرعة شديدة، ووسط الرحلة لا تذهب المياه وحدها وإنما تذهب بأسماكها، فانتقلت رحلات الصيد من داخل بحيرة ناصر إلى داخل مفيض توشكى لفترة قصيرة مؤقتة.

ولأن وراء كل صياد حدوتة «آخرساعة» تصحبكم معها فى هذه السطور التالية إلى قصة تلك الرحلة، والتى بدأها معنا محمد إبراهيم، أصغر صياد فى مفيض توشكى، حيث كان يصطاد فى منتصف الليل، النجوم ساطعة، صوت المياه من حوله كان جميلا، وبرغم انقطاع الاتصال إلا أن شبكة المحمول كانت جيدة، فاستطعنا التواصل معه بسهولة، حيث كان مستمتعا فى رحلته، وهو يصف لنا منظر المياه من حوله والجبال من خلفه وجزر المياه أمامه، ثم المنظر الأشد روعة وجمالا وهو الزراعة وهى تخرج من المياه يرعى فى داخلها السمك، والصيادون يصطادون رزقهم منها، الخير كثير والرزق جميل.

 

محمد يرى أن فتح مفيض توشكى لموسمين متتاليين لعدة أسابيع كان قدم الخير على جميع الصيادين، لم يشهد محمد هذا الجمال منذ بدأ مهنة الصيد قبل سبع سنوات، فلا شيء يجعله مستمرا حتى الآن سوى عشقه للصيد ليلا فى الصيف ونهارا فى الشتاء تعود عليه وعلى رؤية البحر كل يوم فبات كل شيء يفعله يعشقه وهو يؤديه، اختار أن يترك الصيد فى البحيرة ويذهب إلى الصيد فى توشكى لسعة المساحة وحرية العمل دون قيود، ودون آخرين يتحكمون فى مزاجه أثناء الصيد أو رؤساء يعاملونه مثل الموظف التابع.

ومنذ أن راح إلى المفيض لم يجد أية صعوبات فى عمله إلا فى حال اشتداد الهواء والرياح والتى تجعله قريبا من الغرق، وما يتمناه محمد الآن هو دوام الخير واستمرار العمل برغم الجهد والصعوبات، لكنه يدعو الله دائما استمرار هذا التعب الممتع، كما يدعوه أن يحميه من شر مافيا المستثمرين الجدد التى قد تهدد أكل عيشهم.

 أما شاذلى حمودة، وشهرته أبو جنا، فمنذ عامين قرر أن ينتقل من الصيد فى بحيرة ناصر إلى الصيد فى مراكب المفيض، وذلك بعد أن ذهب السمك من مياه البحيرة إلى مياه المفيض، راح وراءه ولم يكن يعلم وقتها أنها ستكون الأفضل له منذ ١٣ عاماً، وقتما ذهب مع والده ليطبعه على حب الصيد وحب التجارة فيه، لكن شاذلى بعد أن ذاق جمال الهدوء فى المفيض، وبعد أن ابتعد عن زحام المدينة، ترك تجارة وبيع السمك واكتفى بالعمل فى اصطياده داخل المفيض وسط المياه الطبيعية، والناس الراضون، كل يوم ينتظر رزقا جديدا وسط مياه متدفقة وسارية، تجلب كل يوم أملا جديدا بمجرد ظهور السمك الجديد، ليصبح أملا جديدا يبزغ بمجرد ظهور السمك الجديد ويزداد الرزق كل يوم، وإن قل يوما أو شهرا يعوض فورا فى اليوم التالي، فما بال الاهتمام به والرعاية له سوف نجد أضعافاً مضاعفة لهذه الثروة الإنتاجية.

ويؤكد شاذلى أنه لا يوجد بديل عن توخى الحذر وقت اندفاع الشلال والذى لا يمتلك أى مسئول سلطة إيقافه ومن لا يتجنب الطمع أو الصيد أمام الهدار سيصبح مثل المنتحر الذى يقف أمام القطار.

 

ويواصل، الم أفضل العمل فى تجارة السمك حتى وإن كانت أكثر ربحا، فأسباب حبى للصيد لا تعد ولا تحصى ولكل سمكة أصطادها قصة حب وعشق فأكبر سمكة كان وزنها 90 كيلو فرحت بها جدا وبسعرها المرتفع أو بقدرة بيعها بسعر مرتفع لأنها من النوع الساموس شعرت بالإنجاز والتميز وقتها، دائما اصطاد السمك البلطى الكبير ثم كلب البحر المستخدم فى صناعة الملوحة ثم البلطى الصغير والقراميط والقرقار ولأن أنواع سمك النيل ليست متعددة مثل أسماك البحر إلا أن طعمها أحلى وأجود كثيراب، ويقول: اأتمنى أن تحل مشكلة العيش فى مفيض توشكى لأن سعر الرغيف السياحى يرهقنا كثيرًا. 

 

التقينا بعد ذلك بسيد محمد عبد الفتاح، كبير الصيادين فى البحيرة، والذى يعمل مع شريكه منذ عام 1982 ولم يتركه منذ هذا التاريخ ولم يذهب إلى الصيد فى مفيض توشكى، ليس فقط بسبب إخلاصه لصديقه وشريكه، وليس فقط بسبب امتلاكه رخصة صيد منذ عهد عبد الناصر غير مسموح الانتقال بها، ولكن بسبب بعد المسافة بين البحيرة وبين توشكى التى تصل إلى أكثر من 100 كيلو متر فى الجبال. 

 

قصة سيد قبل فتح المفيض لها شكل وبعد فتح المفيض لها شكل آخر، فكان عندما يرتفع النيل 7 سم فى اليوم يزداد مسطح الصيد مترًا، وكان يكثر السمك فى البحيرة فى شهرى أغسطس وسبتمبر من كل عام، ويقول: اكنا نتوقف شهرا عندما تزداد المياه وشهرا آخر عندما تقل المياه، والآن بعد فتح المفيض السمك فى البحيرة أصبح معدوما وبعد أن كنا نرمى شبكة الصيد لتخرج ممتلئة بألف كيلو سمك، اليوم بسبب تردد البحر واتساعه الزائد هرب السمك من الحوارى الضيقة إلى قاع البحر وأصبحنا غير قادرين على اصطياده، حتى أنواع وأوزان السمك اختلفت كثيرا فبعد أن كان يصل وزن السمكة الجاموس إلى 70 كيلو الآن لا تزيد عن 30 كيلو. 

 

لم ينس سيد هذا اليوم الذى صارع فيه الأمواج أمام تمساح طوله 6 أمتار بعد ما ضايقه وقطع له الشبك فأحضر له لوح خشب بسمك 10 سم وأحضر له صنارة مربوطة بواير عجلة طوله نصف متر ثم ربطه بحبل وجركن مياه 20 لتراً، فور ظهوره أمامه ووضع الخشبة فى فم التمساح ولأن أسنانه خلقت اخلف خلافب أصبح عاجزا عن التهام أى شيء، ولأن صيده ممنوع نحن نصطاده فقط عندما يضايقنا ثم نتركه يعود للمياه مرة أخرى.

 ويناشد كبير الصيادين المسئولين عودة لانش جمعية الرعاية الذى كان يمر على الصيادين بشكل دورى لصرف العلاج وإنقاذ المصابين منهم بلدغ العقارب الجبلية بسبب إقامتهم فى الجبال، كما يوجد الآن صيادون مصابون بالبلهارسيا بسبب تواجدهم فى المياه العكرة فترات طويلة لشدة حرارة الجو، وللأسف لا يجدون من يرعاهم. 

أما ياسر، أحد الصيادين، فيقول إنه لم يذهب إلى المفيض ولكن أرسل بعض الصيادين إلى هناك العام الماضى لكنه خشى عليهم فالمراكب هناك بلا رعاية وبلا ميناء بحرى أو حماية، ومنذ ثلاثة أعوام غرق مركب داخل الأهدار وبين المنخفضات بسبب سرعة تدفق المياه، ومنذ ذلك الوقت لم نذهب إلى هناك إلا العام الماضى بعد ما أرسلت بعض العمال لدىّ ليجربوا الصيد هناك، بسبب سرعة تدفق المياه وجريان مخزون البحيرة إلى المفيض ثم السمك كله ينزل وراءه فى المياه المفتوح أتمنى أن يهتم المسئولون بتقديم الخدمات للصيادين وأتمنى تزويدنا بأحواض الزريعة التى تحافظ على السمك فترات طويلة مهما كانت كميته.

 

الصياد عماد زيدان حكايته مختلفة فى عالم الصيادين، هو شاب عمره 37 سنة، خرج مع جاره فى أول رحلة صيد، حينما كان عمره 9 سنوات، غمزت الصنارة واصطاد أول سمكه فى وسط البحر والطيور من حوله تأكل وتشرب لا توجد ضوضاء ولا يوجد بشر،  أصابه الإدمان، لم يسمع عن هذا النوع من الإدمان وقتها، ولم يخطر على باله أنه سيصبح مدمنا لصيد السمك.

 

انتهت الرحلة ومعها بدأ رحله أخرى، ورحلة تلو الأخرى، وجد نفسه رحالا فى عالم الصيد، ومن محافظة لأخرى ومن بحر إلى نهر وصل إلى مفيض توشكى، ولأن لكل رحلة طعما، ولكل بحر أسلوبا، ولكل توقيت صيد خطته المحكمة، فبات لا يكتفى بصيد السمك، بل أحبه وعشقه ودرس مزاجه، فعندما قرر أن يصطاد فى المفيض جهز العتاد وأعد الصنارة بطعم مختلف من الطين والخضرة وليس طعما من الجمبري، حتى يغرى السمك الساكن فى قاع البحر فى فصل الشتاء ليقوم من ثباته ويذهب إلى صنارته، وبكل حب واستسلام إلى صياده.

 

وفى إحدى رحلاته عندما جذب انتباهه مفيض توشكى، كان لأول مرة يلفت انتباهه المياه وليس السمك، نيل جديد وسط الصحراء، فتحة بسيطة من المفيض تفتح أبوابا للرزق، انتقل من رحلته فى المفيض إلى قناة المفيض التى توصل بين خور مفيض توشكى وبين مفيض توشكى، وشاهد هناك منظر المياه وكيف تجرى فيها الأسماك، كما تعلم هناك مهارة جديدة وهى الصيد من فوق سطح الجبل.

اصطاد عماد هنا أنواعا كثيرة من السمك، لم يجدها فى أى منطقة سوى فى المفيض، بعضها أوشك على الانقراض، كما شاهد أحجاما مختلفة من الأسماك تصل أوزانها إلى 70 كم، أيضا التقى بالعديد من هواة الصيد أقرانه ونشر فيديوهاتهم على قناته ليستفيد منها كل محبى وكل هواة الصيد.

والآن يؤسس عماد لمبادرة جديدة لإنقاذ الثروة السمكية المهدرة فى صحراء توشكى، بعد أن أثار انتباهه هذا الكم الهائل من السمك الذى يهرب فى الصحراء والجبال فور غلق مفيض توشكى ويكون مصيره الموت.. فقد غارت المياه.

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة