عائشة المراغى وأحمد القرملاوى
عائشة المراغى وأحمد القرملاوى


عائشة المراغى تكتب:

‎أحمد القرملاوى: لا يمكن حصر عالم محفوظ فى أسلوب فنى واحد

أخبار الأدب

السبت، 03 سبتمبر 2022 - 03:22 م

اللغة البصرية تتجدد مع الزمن والهدف هو المعاصرة والتجديد

التيمة الأساسية لمجموعة «قميص لتغليف الهدايا» هى الفقد

الشِعر هو أول ما كتبتُ فى حياتى لكنى لم أر فى نفسى شاعرًا مهمًا

• سعيد فى تجربتى مع «المصرية اللبنانية» ولا يوجد سبب يجعلنى أتركهم 
• خطوتُ مباشرة من قراءة كتب الأطفال إلى محفوظ والحكيم وإدريس والسباعى وإحسان عبد القدوس 
• كنت أخشى فكرة النشر وأتحسس خطواتى نحوها بقلق ملموس

• أختى «إيمان» هى قارئتى الأولى وعلاقتى بها تجمع بين الأخوة والأمومة
• لا يوجد لدينا وكلاء
 أدبيون محترفون 
• روايتى القادمة يمكن وصفها بالتاريخية

استحسان الأغلفة الجديدة لأعمال محفوظ يفوق الاستهجان كثيرًا

بعد الحادية عشرة مساءً؛ يحمل أحمد القرملاوى كوبًا من «النسكافيه» ويتجه إلى غرفة مكتبه للقاء زوّار أفكاره. يقضى معهم قدرًا يسيرًا من الليل، فى حدود الساعتين، يتعرف على مساراتهم ويشاركهم الهموم. يستمر فى لقاءاته معهم حتى يصل بهم إلى بر آمن، وحينها يكون جاهزًا لاستقبال آخرين من عوالم مختلفة؛ كعاشقين اصطدمت قصتهما بكهنوت التقاليد، أو مسافر يجوب البلاد بحثًا عن ذاته، أو عائلة بأكملها يسعى أفرادها – جيل وراء الآخر – خلف أسطورة الكنز الموعود، وغيرها الكثير من الحكايات التى تمتد فترة مكوث أبطالها حسب حجم قضاياهم.
يدوِّن القرملاوى تلك اللقاءات على أوراق «الأجندات» التى يجمعها سنويًا ممن حوله، وكلما انتهى من جزء أعاد كتابته على «اللابتوب» أولًا بأول، مع مراجعته وتنقيحه جيدًا. وقد نتج عن ذلك على مدار تسع سنوات سبعة كُتب سردية، بدءًا من المجموعة القصصية «أول عباس» عن دار الرواق عام 2013، ثم – مع الدار المصرية اللبنانية – روايات «التدوينة الأخيرة» 2014، «دستينو» 2015، «أمطار صيفية» 2016، «نداء أخير للركاب» 2018، «ورثة آل الشيخ» 2020، وفى عام 2021 عاد للقصة القصيرة بمجموعة «قميص لتغليف الهدايا»، واقتحم مجال الترجمة بكتاب «كافيهات.. حكايات من مقاهى باريس» للفرنسى ديديه بلوند.

استطاع القرملاوى الوصول لمكانة خاصة ومميزة على عدة مستويات، فعلى مستوى النشر، أصبح واحدا من كتاب «المصرية اللبنانية» الرئيسيين، وبين القرّاء شهد إقبالًا جعل أعماله خلال السنوات الأخيرة ضمن قوائم «الأكثر مبيعًا» بشكل شبه دائم، كما حصل على عدد من الجوائز الكبرى والمهمة عربيًا ومصريًا، إذ حازت روايته «أمطار صيفية» على

جائزة الشيخ زايد للكتاب عن فرع المؤلف الشاب عام 2018،  وحصلت «نداء أخير للركاب» على جائزة أفضل رواية فى معرض القاهرة الدولى للكتاب عام 2019، وأخيرًا حصد جائزة كتارا للرواية العربية فى 2021 عن روايته «ورثة آل الشيخ».


ذلك النجاح لم يأتِ بشكل مفاجئ وسريع كما قد يبدو للوهلة الأولى، وإنما نتيجة سنوات من الاختمار الفكرى والعلمى والفنى، حتى حانت اللحظة التى وجدها أحمد القرملاوى مناسبة ليقدّم نفسه إلى الجمهور ككاتب.

بعدما مارس كل ما مال إليه من فنون وآداب؛ كالرسم، والغناء، والعزف على العود، إذ اقتنى واحدًا فى سن الثانية عشرة، ثم بدأ يكتب الشِعر والأغنيات ويلحنها، ومن هنا كانت بداية رحلته مع التعبير بالكلمة، كما يطلق عليها. 

تلك الرحلة ربما هى ما أهلته لأن يختاره مسئولو «ديوان» لتولى منصب «مدير النشر» بالدار، ومؤخرا أصبح ضيف شبه دائم فى الأخبار الثقافية بعد إتمام صفقة العام الخاصة بأعمال نجيب محفوظ، فمن حينها لم تتوقف التصريحات والبيانات الصادرة حول المشروع وتفاصيله، ووصلت إلى ذروتها فى الأسبوع الأول من شهر يوليو الماضى.

مع ظهور الأغلفة الأولى من الطبعة الجديدة لمحفوظ، والتى قوبلت بهجوم شديد من أوساط المثقفين وقراء نجيب محفوظ، وأخذت تتصاعد مع كل إعلان عن غلاف جديد، وهو الأمر الذى نبدأ به حوارنا مع القرملاوى قبل أن ننتقل للحديث عن مسيرته الإبداعية.


قوبلت أغلفة الطبعة الجديدة من أعمال نجيب محفوظ بقدر من الاستهجان. كيف تلقيت هذا؟ وكيف سيتم التعامل معه؟
هذا حديث أراه سابقًا لأوانه وبلا أساس معرفى يمَكِّننا من تناوله؛ مَن قال إن الأغلفة قوبِلت باستهجان عام من الجمهور المستهدف بهذا المشروع الإبداعى؟ نعم كان ثمة أصوات معترضة على التصورات الفنية التى قدمناها، وهذا أمر طبيعى ومتفهم جدًّا، فأى جديد يُقابل بنوع من المقاومة فى البداية حتى يرسخ فى الأذهان.

خاصة إذا ارتبط هذا الجديد بأيقونة مثل نجيب محفوظ يعتبرها الجميع ميراثًا شخصيًّا من واجبهم الحفاظ عليه. وعبر متابعتى للأرقام والإحصاءات أرى أن الاستحسان يفوق الاستهجان كثيرًا، مع ذلك لا أستعجل النتائج على الإطلاق، بل إن أنماط النقد والاستهجان التى لاحظناها أكدت إجادتنا فى استهداف شريحة جديدة من الجمهور لم يقدَّم لها محفوظ من قبل باللغة البصرية التى تستطيع التفاعل معها. لذا سنستمر فى الاستماع برحابة صدر والعمل بمحبة وإخلاص، مثلما تعلمنا من نجيب محفوظ.


ما مصدر تلك الإحصاءات التى تشير إلى استحسان الجمهور للأغلفة؟ لأن الظاهر بقوة هو الهجوم والاعتراض.


ليس غريبًا أن يعلو صوت الاعتراض فوق صوت الاستحسان، فمن يرغب فى إبداء اعتراضه يملك حافزًا أكبر بكثير للتعبير عن رأيه فوق ما يجده المستحسن للأمر. وقد تابعت العديد من الإحصاءات على مواقع فيسبوك وتويتر تشير إلى إعجاب المتابعين بالأغلفة الجديدة بالنسبة لأغلب العناوين التى تم طرحها إلى الآن، كما تردنى إحصاءات ومعلومات إيجابية للغاية من المكتبات.


علام اعتمد اختيار الدار للفنانين المشاركين فى المشروع البصرى؟
تم اختيار مخرج إبداعى للمشروع هو الفنان يوسف صبرى، وهو من قام بترشيح عدد من الفنانين للقيام بمهمة تصميم أغلفة المجموعة الأولى من الإصدارات وتسليط الضوء على أساليبهم المختلفة، ومن ثم دارت المناقشات حول الأنسب منهم لهذه المرحلة والأنسب لمراحل لاحقة.


اختلاف الفنانين المصممين للأغلفة يعطى انطباعًا بالعشوائية لأن كل منهم له أسلوب مختلف، فجاءت الأغلفة المعلنة من الطبعة حتى الآن غير موحدة، خاصة الأخيرة منها بالأبيض والأسود.


قد يوحى إلى البعض بالعشوائية، نتيجة لانغلاقهم على تصورات فنية محددة لا يرتاحون للخروج عنها، أما بالنسبة لى فيوحى بالتنوع الذى يعكس ثراء عالم محفوظ وتباين أعماله الشديد فى التيمات والأسلوب على امتداد عمره الأدبى المديد.


هل الغلاف – فى رأيك – يعبِّر عن العمل الأدبى أم عن مصممه؟ فالواضح أن أغلفة نجيب محفوظ يعبِّر من خلالها كل فنان عن نفسه وأسلوبه لا عن محفوظ وعالمه. 


لا يمكن أن نحصر عالم محفوظ فى رؤية بصرية محددة أو فى أسلوب فنى واحد، حتى الأغلفة السابقة لم تعبر إلا عن روح الفنان الذى أبدعها سواء كان الفنان التشكيلى الكبير جمال قطب أو الكبير حلمى التونى.

والاختلاف الهائل بين أسلوبيهما يؤكد أن كلًا منهما قد عبّر عن ذاتيته وعن رؤيته لعالم محفوظ، وهو ما قام به الفنانون المشاركون فى تصميم الأغلفة الجديدة أيضًا، حيث أن عالم محفوظ يتسع لجميع هذه التأويلات البصرية وغيرها.


لكن بعض هؤلاء الفنانين صرحوا بأنهم لم يقرأوا من أعمال نجيب محفوظ سوى جزء بسيط وباللغة الإنجليزية. هل هذا كاف من وجهة نظرك؟
لا أعرف مصدر تلك التصريحات، وهى غير صحيحة على أى حال. جميع الفنانين قرأوا الأعمال التى عملوا على تصميم أغلفتها، كما قاموا بمناقشة فريق للنشر فى رؤاهم حول هذه الأعمال وتقديم تصورات للأعمال الفنية فى صورة اسكتشات.

ومن ثم الاتفاق على الأنسب منها. أما الحديث عن قراءة الأعمال بالإنجليزية فيخص فقط الفنان يوسف صبرى الذى لم يستطع قراءة الأعمال المكلف بها بالعربية فى التوقيت المطلوب، فاستكمل القراءة بالإنجليزية.

وعلى من يعتقد بأن أعمال أديب عالمى مثل نجيب محفوظ ستفقد جوهرها حال تمت ترجمتها للإنجليزية أن يخوض التجربة بنفسه، وأن يتردد كثيرًا قبل قراءة أدباء فى حجم ماركيز وبورخيس وبروست وساراماجو ومويان وكواباتا.


قلت إن هناك فئة جديدة من الجمهور هى المستهدفة بتلك الأغلفة الحداثية. هل تلك الفئة – فى رأيك – قد تكون من جمهور نجيب محفوظ بعد قراءة محتوى أعماله المختلف تمامًا عما جذبهم إليه؟ 
ليس هناك فئة محددة مستهدفة بهذه التصورات البصرية الجديدة، كل ما هنالك أن اللغة البصرية تتجدد مع الزمن مثلها مثل أى لغة أخرى، والهدف هو المعاصرة والتجديد لا استهداف فئة عمرية محددة، والحديث.

عن جمهور محفوظ باعتباره ينتمى لمرحلة عمرية ما أو زمن ما هو حديث أختلف معه بكل تأكيد، فالأدب الحقيقى لا تتراجع قيمته مع الزمن، ويُقرأ فى جميع المراحل العمرية على مستويات متباينة من التلقى.

خلق حالة من الجدل المستمر قد تكون أحد عوامل التسويق، لكن ألا ترى أنها تضّر بقيمة نجيب محفوظ بكونه مسارًا للسخرية؟
أى سخرية؟ هل تليق السخرية فى الحديث عن عمل فنى، سواء اتفقنا أو اختلفنا حوله؟ الغلو فى إبداء الرأى والتراشق اللفظى لا يضر إلا بصاحبه، أما نجيب محفوظ فقيمة باقية لا يمكن المساس بها، ولطالما تعرض نجيب محفوظ نفسه للتراشق والغلو بل والاعتداء الجسدى ولم يزده ذلك إلا اكتمالًا وقيمة.


تم مؤخرًا عقد لقاء حول المشروع البصرى لنجيب محفوظ حضره الفنانون للحديث عن أفكارهم، لكن الدار لم تعلن عنه ولم يتم بث أى أجزاء منه، فقط تفاجئنا ببعض الصور بحضور قِلة مختارة. لماذا؟ 
اللقاء من تنظيم الفريق الإبداعى لمشروع نجيب محفوظ وليس من تنظيم الدار، وسيتم تنظيم فعاليات أخرى على نطاق أوسع فيما بعد. وسيتم عرض اللقاء مجزءًا عبر وسائل التواصل الاجتماعى فى الأيام المقبلة، والسبب فى توجيه الدعوات بصفة شخصية هو عدد الفنانين المشاركين فى اللقاء ورغبة كل منهم فى دعوة المهتمين بعملهم الفنى.

وقد تجاوز الحضور المائة بكثير وهى سعة القاعة التى أقمنا فيها اللقاء، وقد قمنا كدار نشر بدعوة عدد من الناشرين والأدباء والصحفيين فى نطاق العدد المتاح لنا، وقد ساهموا كثيرًا فى إثراء النقاش.


مَن يلى نجيب محفوظ فى خطة النشر خلال المرحلة القادمة؟
سيستغرق إصدار أعمال نجيب محفوظ الكاملة فترة من الزمن، لن نتوقف أثناءها عن إصدار أعمال أخرى نؤمن بها وبأهميتها للسوق العربية، وسيكون تركيزنا على ما نستكمل به الطيف الإبداعى بجانب أعمال محفوظ، وهو ما سيتكشف للقارئ العربى فى القريب العاجل.


لنعود بحديثنا للوراء بعض الشىء؛ كيف بدأت فكرة عملك مع «ديوان» كمدير للنشر؟ وما مراحل اتخاذك للقرار إلى أن وافقت؟
تربطنى صداقة وود قديم مع القائمين على مكتبة ديوان، كما تربطنى بهم ذكريات لا تُنسى ترتبط بمسيرتى ككاتب، فقد كانوا أول مَن بادر بالاحتفاء بصدور «ورثة آل الشيخ» قبل الجميع، كما بادروا بالاحتفاء بمجموعتى القصصية «قميص لتغليف الهدايا» فى توقيت تصادف مع فوزى بجائزة كتارا، فتضاعفت أسباب البهجة والثقة فى كوننا شركاء نجاح.

 

 

ويوم سعوا إلى التوسع فى النشر والحصول على حقوق نشر أعمال نجيب محفوظ تأكد لى أن النداء الذى سمعته لم يقصد غيرى ولم يُخطئ طريقه إلىّ، فعقدنا عدة جلسات عمل تباحثنا خلالها حول رؤيتنا المشتركة لنشر أعمال محفوظ وغيرها من الأعمال الإبداعية، وازددنا إصرارًا على خوض هذه الرحلة معًا.

 


ومع أى دار ستكون خطواتك القادمة كمبدع؛ ديوان أم المصرية اللبنانية؟
أنا سعيد جدًا فى تجربتى مع الدار المصرية اللبنانية ولا يوجد سبب يجعلنى أتركهم. لكنى لا أحصر نفسى فى مكان. الجهتان تمثلاننى بشكل أو بآخر؛ هذه شركتى وتلك الدار التى سِرت معها منذ بداية رحلتى. لو شعرتُ فى لحظة أن شركتى تحتاج إصدارى قد أفكر فى ذلك.


نشرت لأول مرة وأنت فى منتصف الثلاثينيات، هل يمكن القول إنك تأخرت نسبيًا؟
لا أعرف حقيقةً ما المرحلة العمرية الأمثل لنشر النتاج الأدبى، غير أنه من النادر جدًّا أن نجد كاتبًا يقدم أفضل ما لديه فى مرحلة أبكر من الثلاثينيات، حيث تختمر تجربة الإنسان بدرجة ما وتتكون لديه رؤية يستطيع التعبير عنها والبناء عليها فى كتابته، والنماذج كثيرة كما هى الاستثناءات. أما فى حالتى فقد كنت أخشى فكرة النشر وأتحسس خطواتى.

نحوها بقلق ملموس، واحتجتُ لكثير من التشجيع قبل أن أُقدم عليها، فأن يكون لدىّ رواية تحمل اسمى موضوعة على أرفف المكتبات بجوار كتب الروائيين العظام لهو أمر جلل يفهمه مَن ينتمون لجيلى والأجيال الأسبق من الكُتاب، ربما أكثر من الأجيال التى لحقت بنا ووجدتُ فرصة النشر أيسر من الحصول على كتبهم المفضلة.


وماذا عن الكتابة كفعل مجرّد؟ متى بدأت خطواتك الأولى فيها؟
بدأتُ الكتابة مبكرًا، خلال مرحلة الدراسة الإعدادية على وجه التقريب. كان الأمر مختلطًا لدىّ بين موضوعات التعبير والقصة القصيرة، أكتب الأفكار فى قالب قصصى فيخبرنى الأستاذ أسامة – مدرِّس اللغة العربية السورى – بذلك ويطلب منى إعادته، لكنى أعود لتكرار الأمر فى الأسبوع التالى، فيفعل نفس الشىء. مع الأسبوع الثالث فقد الأمل ونصحنى بكتابة القصص، لكن مع تعلم طريقة الكتابة الصحيحة لموضوعات التعبير من أجل الامتحانات.

توطدت علاقتنا لتشابه اهتماماتنا، إذ كان يعزف عود مثلى، فكنت أعرض عليه كتاباتى وأشعارى ونغنى معًا. كنت أجد الراحة فى التعبير بالكلمات سواء فى شكل قصائد شعر أو مذكرات وتأملات أو قصص قصيرة لا أذكر منها شيئًا اليوم.

وتطورت تجربتى مع الوقت فصِرت أكتب مسرحيات من فصل واحد لفريق الدراما فى المرحلة الثانوية، ثم كتبتُ أولى قصصى القصيرة التى احتفظتُ بها خلال سنوات الجامعة، ثم توقفتُ لانشغالى بدراستى العُليا فى الهندسة وإدارة الأعمال، وعُدتُ للكتابة مع ثورة يناير.


هل أفهم من ذلك أن بدايتك مع الكتابة كانت شعرية؟
نعم. بدأت بكتابة خواطر وقصائد عامية. كانت فى صورة شعر أحيانًا وأغانى فى أحيان أخرى. أؤلف أغانى وأغنيها.


هل يمهِّد ذلك لأن تقدِّم نفسك ذات يوم كشاعر؟
الشعر هو أول ما كتبت فى حياتى. لو كنت قد شعرتُ بالنضج الكافى أو أننى متميز فيه بدرجة ترضينى؛ لكنت فكرت فى ذلك واستكملت ونشرت. لا أعتقد أننى سأذهب إليه، لأننى لا أرى فى نفسى شاعرًا مهمًا.


لماذا، فى رأيك، تكون بداية الأدباء مع الكتابة – غالبًا – شعرية حتى وإن لم يكتبونه مرة أخرى بعد ذلك؟
ربما لأننا فى العالم العربى مرتبطين بثقافة الشعر والحكى، وتربينا عليها فى المدارس؛ الشعر الجاهلى والعمودى وتطوراته. كما أن الشعر ذاتى بشكل أكبر من الكتابة النثرية أو الروائية. تلك الذاتية يمكن أن تجعل الولوج إليه أسهل وأقرب، دون رؤية كاملة للعالم أو فلسفة ما أو أفكار كبرى. الشعر فيه تعبير عن الذات وليس صعبًا التماس معه فى أى سن. 


تفوقت فى دراستك وحصلت على درجة الماجستير فى الهندسة. لماذا لم تتجه للعمل  الأكاديمى؟ 
هناك أكثر من سبب جعلنى أعتذر عن العمل فى السلك الأكاديمى، أهمها معرفتى بإمكانياتى الشخصية ورغبتى فى تأسيس مكتب هندسى خاص مع شريكى آنذاك وصديقى الأقرب إلى اليوم، فمنذ تخرجى قبل عشرين عامًا أعمل فى مجال الهندسة المعمارية والتصميم الداخلى، غير أنى تفرغت مؤخرًا لرحلة النشر مع ديوان وأرجأت عملى لبعض الوقت.


رغم دراستك العلمية إلا أن لغتك العربية تبدو شديدة الرصانة والثراء. هل هناك قصة وراء اللغة واهتمامك بها؟
القصة تكمن فى إقامتى فى الكويت خلال مرحلة التعليم المدرسى، حيث كانت مكتبة والدى المكدسة بالكتب الكلاسيكية هى المصدر الوحيد للكتب العربية، على عكس أقرانى فى مصر ممن استطاعوا الحصول على الكتب الموجهة لليافعين والشباب، لذا فقد خطوت مباشرة من قراءة كتب الأطفال لقراءة محفوظ والحكيم وإدريس والسباعى وإحسان عبد القدوس، ومتفرقات من طه حسين والأدب المترجم، وبرغم عدم اكتمال الفائدة الفكرية آنذاك فقد تكوَّنت لدىّ حصيلة لغوية جيدة وذائقة معقولة تطورت مع الزمن.


مشوارك حافل بالجوائز. كيف بدأ؟ 
لم يبدأ مشوار الجوائز بالفوز بالطبع، فقد سبق أن تقدمت بمجموعتى القصصية الأولى «أول عباس» لجائزة ساويرس الثقافية فرع الشباب ولم تفز، والعجيب أنى التقيتُ د. إيمان يحيى بعدها بسنوات فتذكر اسمى فقط بسبب هذه المجموعة القصصية التى تحمّس لها آنذاك، ثم رشحت الدار المصرية اللبنانية روايتى «أمطار صيفية» لجائزة الشيخ زايد فرع المؤلف الشاب، فلم أعقد أى أمل على هذا الترشيح، إذ لم تفز أى رواية من قبل – ولا من بعد – فى هذا الفرع، ولم أصدّق نفسى حين ظهرت الرواية فى القائمة الطويلة ثم القصيرة وأخيرًا الفوز. ثم فزت بعدها بجائزة أفضل رواية فى اليوبيل الذهبى لمعرض القاهرة للكتاب عن «نداء أخير للركاب»، وكان لفوزها مذاق آخر لكونه بين روايات لكبار الأدباء لا الشباب فقط، وأخيرًا فازت روايتى الأقرب لقلبى «ورثة آل الشيخ» بجائزة كتارا للرواية العربية.


بدأت النشر بالقصة القصيرة ثم قضيت سنوات مع الرواية قبل أن تعود بمجموعة قصصية وكتاب مترجم. كيف تحدد خطواتك وإطارك الأدبى؟
لا أملك خطة مُحكمة كما قد يتصور البعض، لكنى أكتب باستمرار ولا أرتاح بعيدًا عن طاولة الكتابة، وقد نشرت العديد من القصص فيما بين الروايات فى مواقع ومجلات فلم أبتعد طويلًا عن كتابة القصص القصيرة، غير أن نشر مجموعة قصصية قرار يجب أن يُراعى فى اتخاذه بعض الاعتبارات.

نظرًا لاستقبال القارئ العربى للمجموعات القصصية بحفاوة أقل مما يفعل إزاء الروايات، لذلك وجدتُ من المناسب أن أنتظر حتى يختار الناشر اللحظة الأفضل لنشر مجموعتى القصصية الثانية «قميص لتغليف الهدايا»، فقد كنت حريصًا على صدورها عبر الدار المصرية اللبنانية فى التوقيت الذى تراه مناسبًا.


وكيف جاءت خطوة الترجمة؟
فكرتُ كثيرًا فى خوض تجربة الترجمة الأدبية، حتى جاءت الفرصة عن طريق المصادفة، فقد عُرضت علىّ الفكرة خلال جلسة ودية فى مقر الدار المصرية اللبنانية ومناقشة لم يكن مقصودًا منها الاتفاق على ترجمة الكتاب، وحالما طُرحت الفكرة لاقت حماسًا لدينا جميعًا وأُنجز الكتاب فى مدة قياسية، وكانت من أغرب وأمتع التجارب التى خضتها مع الكتابة وتعلمت أثناءها الكثير.


لديك تيمة الحنين إلى الماضى فى معظم كتاباتك، دائمًا تستعيد الذكريات وكأنك تُخرِج القصص والروايات من الذاكرة والحكى المخزون بداخلك. هل تلك ملامح لمشروع روائى مقصود أم صُدفة؟
ليس ثمة قصدية فى الكتابة، بل عادة ما تبدأ بفكرة تعشش فى عقل الكاتب ثم تتشكل فى عالم وشخصيات تتكشف أبعادها على الورق أثناء الكتابة. والذكريات فى العموم هى المادة الخام التى يشتغل عليها الكاتب فى رسم عوالمه، حتى روايات الفانتازيا والخيال العلمى التى قد تدور أحداثها فى المستقبل يتشكل قوامها من الذكريات.

فهى ما يمنح الكاتب التفاصيل والخصائص النفسية التى يخلق منها شخصياته. أما الحنين إلى الماضى فنتاج للتفاعل بين القارئ والنص، فحين ينجح الكاتب فى رسم حدث يقع فى الماضى للدرجة التى يندمج معها القارئ بحيث ينتابه الحنين لهذا الماضى الموصوف جيدًا فى النص، يسارع القارئ بإسقاط هذا الشعور على مؤلف النص فيقول إن الكاتب مَن ينتابه الحنين إلى ماضيه.


يبدو فى أعمالك اهتمام خاص بالتاريخ، تحاول دائمًا استرجاعه والنهل منه. هل هو أحد مجالاتك القرائية؟ 
بجانب الأدب أحب القراءة فى التاريخ، كما أحب القراءة فى الفلسفة والنقد الأدبى وغيرها من مجالات الفكر، لكننى لم أكتب رواية «تاريخية» بالمعنى الذى يفهمه البعض من الاتّكاء على حدث تاريخى أو فترة تاريخية محددة وبناء عالم الرواية عليه.

فما سبق وأن قدمته فى «أمطار صيفية» لم يكن إلا إشارات خاطفة لأحداث خيالية تشتبك مع التراث الصوفى فى العصر المملوكى، وفى «نداء أخير للركاب» استفدتُ ببعض وقائع حرب الخليج التى وقعت قبل ثلاثين عامًا فى رسم تاريخ الشخصيات دون أن تدور أحداث الرواية نفسها فى هذا الزمن، أما «ورثة آل الشيخ» فهى رواية أجيال تمتد لأكثر من مائة عام، والأحداث التاريخية ليست إلا خلفية للمشهد تنعكس على الشخصيات وترسم تحولاتها بطريقة غير مباشرة.


من السمات التى تظهر فى مؤلفاتك – كذلك – أنك تميل، منذ روايتك الثالثة، إلى تقسيمها لفصول قصيرة تحمل أرقامًا لا عناوين؟
الروايتان الأولى والثانية كانتا أصوات، لا ينسجم معهما ترقيم الفصول. فيما بعد كان الراوى غالبًا هو الصوت المسيطر، لذلك فضّلتُ الترقيم. لكن الرواية التى أكتبها حاليًا ربما تشهد شكلًا جديدًا، لا أرقام ولا عناوين.


حكيت من قبل أن «قميص لتغليف الهدايا» لم يكن العنوان الأول لمجموعتك الأخيرة وأن ذلك اختيار الكاتب محمد المخزنجى أو له صِلة به. ما هو العنوان السابق؟ وما قصة تغييره؟
العنوان لم يقم باختياره أستاذى محمد المخزنجى، بل قمت بذلك بنفسى بطبيعة الحال وبعد التشاور مع الناشر؛ الدار المصرية اللبنانية. كان الاسم الأول «سيد المئذنة»، وهى إحدى قصص المجموعة، لكنى لم أكن مرتاحًا لتصورات الغلاف التى توحى بانطباع دينى لا روائى. 


أما قصة الاختيار فهى أننا عندما قررنا العمل على المجموعة القصصية بدأتُ أختار من القصص التى كتبتها فى السنوات الأخيرة وبينها رابط مشترك. حينها أدركتُ أننى فى حاجة لإضافة قصص جديدة، وكنتُ قد ولجتُ إلى حالة القصص وتيمتها.

وباتت الأفكار تأتينى، فكتبتُ أكثر من قصة وكانت آخِرها «قميص لتغليف الهدايا»، ثم أرسلتها للمخزنجى، كما اعتدتُ أن أفعل، إذ تربطنا صداقة متبادلة وتواصل دائم. ففوجئت بأنه أرسل لى بـ «الايميل» ردًا ساحرًا على تلك القصة، وأخبرنى – بمبادرة كريمة منه – أنه سيكتب كلمة للغلاف الخلفى عن قصص المجموعة وطبيعتها الأسلوبية.

وهو الأمر الذى كان بمثابة جائزة استباقية حصلَت عليها المجموعة قبل النشر، فقُلت لنفسى؛ لما لا تحمل المجموعة عنوان تلك القصة التى أعجبت المخزنجى بشدة وجعلته يكتب كلمة الغلاف، إلى جانب أننى شعرتُ بأنه اسم مختلف.


تلك العلاقة الوطيدة والمتبادلة بينك وبين المخزنجى تجعلنى أتساءل إن كانت لديك مرجعية أدبية من نقاد وكُتَّاب تستعين بهم قبل النشر وتعرض عليهم مخطوطات أعمالك؟
لا توجد مرجعية أدبية بالمعنى الذى توحى به الكلمة، لكن توجد مجموعة من الأصدقاء الكتاب والنقاد الذين أرتاح لعرض مخطوطات أعمالى عليهم للاستفادة من آرائهم وملاحظاتهم فى تطوير النص، من بينهم محمد المخزنجى بالطبع.

والكُتاب: هشام الخشن وأشرف العشماوى وحسن كمال وعلاء فرغلى وأحمد عبد المجيد والشاعر محمد على والناقد سيد محمود، كما أن هناك قراء متميزون أسترشد بآرائهم بين الحين والآخر.

وقبل كل هؤلاء؛ أختى الكبيرة إيمان. هى قارئتى الأولى، تقرأ معى كل ما أكتبه فصل بفصل، لأنها تحب القراءة والفن، وكانت تشجعنى منذ طفولتى. علاقتى بها تجمع بين الأخوة والأمومة، يمكن القول إنها تبنتنى بشكل أو بآخر.


تهيمن فكرة الخوف على أبطال معظم قصص المجموعة، التى تصل بهم أحيانًا إلى مأساة، أو تضفى على إطارها بعض الشجن. هل يمكن القول إن مقولة «من رحم المعاناة يولد الإبداع» صحيحة؟ 
قد تكون صحيحة، ويصح أيضًا أن نقول إن الإبداع يولد من رحم التأمل والتعاطف الإنسانى، وهو ما أراه أقرب لحالتى أثناء الكتابة، فلم أُعانِ بالتأكيد من جميع المواقف والمفارقات التى تناولتُها فى قصص المجموعة، بل هى نتاج لازدحام خيالى بالشجون والتأملات. والمجموعة تهيمن عليها تيمة الفقد لو جاز لى أن أعرض تصورى الخاص، والخوف فى بعض القصص قد يكون نابعًا من خشية الإنسان من المواجهة الحتمية مع الفقد.


كل القصص – تقريبًا – تبدأ بحركة وتنتهى بسكون. يمكن أن نقول إنها تبدأ بميلاد أو حدث صاخب وتفضى إلى موت؛ سواء كبير كالوفاة أو صغير كالنوم أو الحلم أو الصمت. هل تلك تيمة المجموعة أم أنها غير مقصودة؟
لم أقصد ذلك ولم أنتبه إليه قبل طرح هذا السؤال، لكننى كنت مشغولًا أثناء الكتابة بفكرة المواجهة بين الإنسان ومخاوفه وخشيته من لحظات الفقد كما أسلفت، لذا فمن الجائز أن تبدأ المواجهة بفعل ما لرغبة البطل فى حسم المعركة، ثم تنتهى بخسارة ما أو بتحول داخلى يُفضى للسكون وعدم الرغبة فى الاستمرار فى المواجهة.


هل دور الكاتب – فى رأيك – ينتهى بكتابة عمله أم يمتد لما بعد ذلك؟ حدثنى عن الافتراض النظرى والواقع الفعلى.
الكتابة عملية متواصلة، مَثَلها كمَثَل النهر الذى ينبع من مصادر متعددة ويستمر فى التدفق لما لا نهاية، ودور المؤلف فى حياة النص ينتهى بتسليمه إلى الناشر تمهيدًا لتَحَوله لعمل منشور، فيما يستمر النص فى حياته الخاصة والمنفصلة عن حياة المؤلف، والمشتبكة معه فى ذات الوقت.

إذ يستمر المؤلف فى متابعة نصه فى مراحل حياته المختلفة وفى تفاعله مع المحيطين به، يستفيد بنجاحاته ويتأثر بإخفاقاته، دون أن يستطيع تجاوز الحاجز الزجاجى الفاصل بينه وبين النص الذى صارت له حياته المستقلة. 


هل تقوم دور النشر فى مصر بمهامها تجاه الكُتب فى مرحلة ما بعد النشر كما ينبغى؟
يتفاوت «ما ينبغى» عمله باختلاف الأهداف التى يسعى الناشر والكاتب معًا لتحقيقها فى رحلة الكتاب، فثمة كاتب يؤلف عملًا يطمح لتحويله لعمل درامى، فيتوقع من الناشر أن يفتح له قنوات اتصال من الجهات الإنتاجية، وثمة آخر يرغب فى نَيل الجوائز الأدبية المرموقة ينتظر من الناشر ترشيح العمل هنا وهناك.

وآخر يسعى للانتشار والجماهيرية يتوقع حملة تسويقية مميزة، وآخر يحلم بترجمة عمله للغات عديدة، وهكذا. كما تتفاوت دور النشر فى قدراتها ومساعيها، لذا على الكاتب أن يسعى لدار النشر التى تمتاز بقدرة تنافسية تناسب طموحاته، كما عليه أن يُقنع دار النشر بجدارة نصه بالظهور فى قائمة إصداراتها.

وهناك العديد من دور النشر المصرية التى تقوم بعمل جيد لا يقل عن نظائرها، غير أن القصور يتمثل فى عدم وجود وكلاء أدبيين محترفين يقومون بمختلف الأدوار الأخرى التى ليست من اختصاص الناشر.


هل لديك أعمال قيد النشر حاليًا، أو تكتب نصًا جديدًا؟
ليس لدىّ عمل قيد النشر فى الوقت الحالى، لكن ثمة عملًا قطعتُ شوطًا كبيرًا فى كتابته وأنتظر الوقت المناسب لاستكماله. رواية مختلفة بعض الشىء؛ تلك ما يمكن أن نطلق عليها رواية تاريخية، لأنها مبنية على حدث تاريخى، ليس معروفًا عنه سوى القليل، فى حدود سطرين أو ثلاثة، وستُبنى قصته بالكامل داخل عالم الرواية.

http://فى حب نجيب محفوظ.. معرض فنى بتكية أبو الدهب

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة